كتب – حسام عيد

على مدار الفترة بين 13 و15 ديسمبر 2022، استضافت واشنطن القمة الأمريكية الأفريقية، بحضور قادة وزعماء وممثلي 49 دولة أفريقية، من أجل التأكيد على قوة العلاقات الأمريكية مع القارة السمراء، وأنه لا مجال لتعافي الاقتصاد العالمي وتجاوزه للتحديات الحالية والعودة إلى الازدهار مجددًا بدون أفريقيا، وهذا ما شدد عليه الرئيس جو بايدن خلال فعاليات القمة.

وهذا هو أول تجمع من هذا القبيل تستضيفه واشنطن منذ ثماني سنوات. ويأتي ذلك أيضًا بعد فترة ولاية دونالد ترامب التي استمرت أربع سنوات، والتي ابتعد خلالها عن العديد من القادة الأفارقة ببعض قراراته السياسية وتعليقاته المهينة.

واستخدم بايدن نبرة مختلفة تماما عن سلفه، إذ تحدث بتفاؤل عن تحسن الروابط مع أفريقيا، وأخبر الحضور أنه “عندما تنجح أفريقيا، تنجح الولايات المتحدة. وبصراحة تامة، ينجح العالم بأسره أيضا”.

وقال إن الأزمات التي يواجهها العالم اليوم تحتاج إلى قيادة وأفكار وابتكارات أفريقية، ووعد باستغلال الاستثمارات “الحيوية” التي قدمتها الإدارات الأمريكية السابقة في أفريقيا.

وقد ذكر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن القمة ركزت على زيادة التجارة والاستثمار للجانبين، ودعم وتعزيز التواجد الأفريقي في المحافل الدولية مثل مجموعة العشرين، وتقوية العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة لما فيها من تقدم ونجاح للعالم.

مكاسب اقتصادية وسياسية متبادلة

الرئيس الأمريكي جو بايدن قال خلال فعاليات القمة إن بلاده ستكون “حليفاً أساسياً” للقارة الأفريقية خلال السنوات المقبلة.

وقد جاءت القمة الأمريكية الأفريقية في توقيت هام ومناسب في ظل أزمة اقتصادية عالمية يعانيها العالم أجمع جراء الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أنها جاءت بعد القمة الصينية العربية التي أقيمت بالسعودية الأيام الماضية، ما يؤكد تسابق الدول الكبرى في التقارب مع الدول العربية والأفريقية، وهذا يساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية عظيمة للدول الأفريقية والعربية وعلى رأسها مصر.

فيما تعد مصر هي بوابة أفريقيا وتتزعم قيادتها، وتتفهم أمريكا هذا جيدا؛ حيث تتحرك مصر في الاتجاه الذي يفيد دول القارة الأفريقية بالكامل وتحقيق مكاسب كبيرة اقتصادية وسياسية لمواجهة التحديات العالمية، خاصة مع ما تتمتع به دول القارة الأفريقية فهي سلة غذاء العالم تمتلك أخصب الأراضي الزراعية والثروات الخام والمعادن النفسية الهامة التي يمكن استخدامها في التحول للطاقة النظيفة، إضافة للاكتشافات من البترول والغاز الطبيعي التي تتمتع بها دول أفريقيا كمصر ودول شمال وشرق القارة ما يجعلها مركزا للطاقة.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد التقى أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي على هامش فعاليات القمة؛ حيث أكد بلينكن التزام الإدارة الأمريكية بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر في مختلف المجالات، ودعم جهود مصر الحثيثة في السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.

كما تم التباحث حول عدد من الملفات الإقليمية، ذات الاهتمام المشترك خاصة قضية سد النهضة الأثيوبي، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي تمسك مصر بتطبيق مبادئ القانون الدولي ذات الصلة ومن ثم ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد للحفاظ على الأمن المائي لمصر وعدم المساس بتدفق المياه في نهر النيل الذي قامت عليه أقدم حضارة عرفتها البشرية منذ آلاف السنين، ومن جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي دعم بلاده لجهود حل تلك القضية على نحو يحقق مصالح جميع الأطراف ويراعى الأهمية البالغة التي تمثلها مياه النيل لمصر.

استثمارات ضخمة.. ومذكرة تفاهم تاريخية للتجارة الحرة

وعلى صعيد تعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية الثنائية، قال بايدن إن الولايات المتحدة الأمريكية ستوقع مذكرة تفاهم مع أمانة التجارة الحرة في أفريقيا؛ حيث أكد أن إقامة شراكة “كبيرة مع أفريقيا” هي بمثابة مفتاح النجاح للعالم، فالدول الأفريقية تلعب دورًا في التقدم العالمي، وتحرص الولايات المتحدة على مواصلة العمل جاهدة لتلبية احتياجات القارة السمراء.

وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن إدارته تعمل مع الكونجرس ضمن مبادرة جديدة للتحول الرقمي في أفريقيا؛ كما أن شركة مايكرسوفت تحاول توفير الإنترنت لـ100 مليون شخص أفريقيا بحلول عام 2025.

وتحدث الرئيس الأمريكي خلال فعاليات القمة عن استثمار 500 مليون دولار لخفض تكاليف النقل في ميناء رئيسي في غرب أفريقيا في بنين.

وذكر أيضا أنه سينفق 350 مليون دولار على تعزيز الاقتصاد الرقمي، وقال إن صفقات بقيمة 15 مليار دولار أبرمت في منتدى الأعمال الأمريكي الأفريقي.

وتابع بايدن: “سيتم استثمار نحو مليار دولار في أفريقيا خلال الـ5 سنوات المقبلة، لتحسين وسائل الدفع في خدمات الهواتف المحمولة”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستوقع مذكرة تفاهم تاريخية للتجارة الحرة مع أفريقيا.

وقد التقى الرؤساء التنفيذيون وقادة القطاع الخاص من أكثر من 300 شركة أمريكية وأفريقية، رؤساء وفود القمة لتحفيز الاستثمار في القطاعات الحيوية، بما في ذلك الصحة والبنية التحتية والطاقة والأعمال التجارية الزراعية والرقمية.

وتطرق جو بايدن في حديثه إلى بعض ملامح المشاريع الأمريكية في أفريقيا خلال السنوات المقبلة والتي تناهز قيمتها الإجمالية 55 مليار دولار، من بينها 100 مليون دولار للطاقة النظيفة.

كما أعلن الرئيس الأمريكي، عن التزامات للقارة قدمتها شركات من بينها استثمار شركة فيزا الرائدة في مجال بطاقات الائتمان مليار دولار.

ومن المقرر أيضًا أن توقع الولايات المتحدة مذكرة مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية – وهي واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم – التي قال بايدن إنها ستفتح فرصًا جديدة للتجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

تعزيز الثقة.. واستراتيجية جديدة تجاه أفريقيا

فيما تولي واشنطن أهمية كبرى لدعم القدرات الأمنية والعسكرية لدول القارة السمراء؛ لتمكينها من القضاء على الجماعات الإرهابية، بالتوازي مع ضخ استثمارات جديدة وإقامة مشروعات تنموية من شأنها تحسين جودة الحياة وكسب ثقة وود الزعماء والشعوب الأفريقية.

وفي معرض قراءتها للأهداف التي يتطلع الرئيس بايدن إلى تحقيقها من خلال القمة قالت وكالة أسوشيتد برس إن الإدارة الأمريكية تهدف إلى “تضييق فجوة الثقة مع أفريقيا، التي اتسعت على مدى سنوات بسبب حالة الإحباط من التزام الولايات المتحدة تجاه القارة”.

وتطرق مركز تريندز للبحوث والدراسات، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، حاولت من خلالها وضع مجموعة من الرؤى والأفكار، تستطيع بها الولايات المتحدة مواجهة التطورات في القارة الأفريقية، بما ينعكس على عودة هذا الدور للقارة الأفريقية بشكل أكثر تأثيرًا وفعّالية. وقد حددت هذه الاستراتيجية لنفسها أربعة أهداف هي: تعزيز مجتمعات عادلة ومنفتحة، وتعزيز الجهود الديمقراطية ومعالجة التحديات الأمنية، ودعم التعافي القوي من جائحة كوفيد-19، وتشجيع التكيف مع المناخ وتحولات الطاقة الخضراء.

وأفاد “تريندز” في دراسة جديدة له تحت عنوان: “القمة الأمريكية الأفريقية في ضوء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة”، أن الاستراتيجية الأمريكية بشأن أفريقيا وضعت ستة مداخل، لتنفيذ تلك الأهداف وهي: زيادة الانخراط الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة، ودعم التنمية المستدامة والصمود الاقتصادي، ومراجعة أدوات التعامل مع الجيوش الأفريقية، وتعزيز العلاقات التجارية مع دول المنطقة، وقيادة عملية التحول الرقمي في المنطقة، ومساندة جهود التجديد الحضري بالمنطقة.

وتعمل الولايات المتحدة على مبادرة تسمى “ازدهار أفريقيا” على مستوى الحكومة تستفيد من خدمات وموارد 17 وكالة حكومية أمريكية لزيادة التجارة والاستثمار بشكل كبير بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

تمثيل دائم لأفريقيا بمجموعة العشرين

فيما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن بختام القمة الأمريكية الأفريقية إلى تمثيل دائم لأفريقيا “في جميع المنظمات” الدولية بما في ذلك مجموعة العشرين التي تضم أكبر اقتصادات العالم ومجلس الأمن الدولي، مؤكدًا دعم الولايات المتحدة لذلك المسار.

وقد أفاد مسؤولون أمريكيون بأنهم على اتصال بالهند مضيفة قمة مجموعة العشرين لعام 2023 بشأن ضم الاتحاد الأفريقي كعضو دائم.

وذكر جود ديفرمونت، مستشار البيت الأبيض: “نحتاج إلى المزيد من الأصوات الأفريقية في المحادثات الدولية التي تتعلق بالاقتصاد العالمي والديمقراطية والحوكمة وتغير المناخ والصحة والأمن”.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي أنه يخطط لزيارة دول في أفريقيا جنوب الصحراء، في رحلة ستكون الأولى لرئيس أمريكي منذ 2015، بدون الإعلان عن موعد أو وجهة محددة لرحلته.

وختامًا، لقد كان كان النص الضمني من القمة الأمريكية الأفريقية؛ أن أمريكا تحاول اللحاق بالدول الأخرى، بما في ذلك روسيا، وخاصة الصين، التي طورت علاقات أقوى مع القارة.

لكن الرسالة كانت أن الولايات المتحدة تريد علاقة استراتيجية مع أفريقيا، التي أصبحت ذات دور جيوسياسي رئيسي مع بعض الاقتصادات الأسرع نموًا في العالم.