كتب – حسام عيد

وسط أزمة الطاقة المتفاقمة عالميًّا، وتحديدًا في أوروبا، بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية المستمرة، واعتماد الاتحاد الأوروبي لخطة التخلي عن الغاز الروسي، يزداد الغاز الطبيعي الأفريقي توهجًا وسطوعًا في عام 2022 كمورد تنافسي وشريان للبقاء والنمو، حيث أصبح الملاذ الآمن لتنويع إمدادات الطاقة في أوروبا.

الغاز المسال.. ومشروع الـ40 مليار دولار في تنزانيا

مطلع نوفمبر 2022، أعلن وزير الطاقة في تنزانيا يناير ماكامبا، أن البلاد ستوقع اتفاقيات رئيسية مع شركات النفط الكبرى بما في ذلك “إكوينور” (Equinor ASA) و”شل” (Shell Plc) في ديسمبر المقبل لتمهيد الطريق لمشروع تصدير الغاز الطبيعي المسال المخطط له بقيمة 40 مليار دولار.

في هذا الإطار، قال الوزير خلال مقابلة مع وكالة “بلومبيرج”، في شرم الشيخ بمصر، حيث يحضر قمة المناخ “كوب 27” 2022: “هذا الأمر يحدث”. وأضاف: “في ديسمبر، سنختتم المحادثة. نناقش الحزمة المالية الآن”.

اكتسب المشروع، الذي شهد تأخرًا بعد سنوات من المفاوضات المطولة، طابعًا ملحًّا مع بحث الدول الأوروبية عن مشاريع لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال، حيث يمكن أن تكون بدائل طويلة الأجل لإمدادات الطاقة الروسية.

في هذا الإطار، أشار “ماكامبا” إلى أن الاتفاقات ستشمل الاتفاق النهائي للحكومة المضيفة، والذي يحدد شروط المشروع وقانونه واتفاق تقاسم المنافع. وقال إنه يمكن التوصل إلى قرار استثماري نهائي في يناير 2025، ما يسمح ببدء الصادرات قبل عام 2030.

سيتم تسليم الغاز من ثلاث كتل إلى المحطة المخطط لها بقدرة على إنتاج 15 مليون طن من الغاز المسال سنوياً. تضم قائمة الشركات الأخرى المعنية كل من “إكسون موبيل”، و”بافيليون إنرجي” (Pavilion Energy).

وتسعى تنزانيا ودول أفريقية أخرى، بما في ذلك موزمبيق ونيجيريا، إلى زيادة إنتاج الغاز بينما يسعى العالم إلى الحد من استخدام الوقود الأحفوري الذي يسبب الاحتباس الحراري.

ناقش القادة الأفارقة استغلال مواردهم لزيادة إمدادات الطاقة في قارة لديها قدرة أقل على توليد الطاقة وتعزيز الاقتصادات التي لا تزال تعاني من تأثير جائحة كورونا.

في هذا الإطار، أكد “ماكامبا” أن تنزانيا تبذل كل ما في وسعها وتوظّف تقنيات جديدة لجعل غازها أقل تلويثًا.

وأضاف: “من المقرر تصميم المشروع بطريقة تجعل منه أنظف مشروع غاز على الإطلاق.. كيمياء الغاز نفسها، واحدة من الغاز المثير للدهشة حيث تحتوي على أدنى نسبة لثاني أكسيد الكربون في العالم”.

غاز موزمبيق.. ومهمة إنقاذ أوروبا

وبدورها، بدأت موزمبيق في تصدير الغاز الطبيعي المسال لأول مرة، وتوجهت أولى الشحنات في تاريخ البلاد إلى أوروبا المتعطشة للطاقة، في خطوة وصفها رئيس البلاد فيليبي نيوسي بأنها تاريخية.

وأضاف رئيس موزمبيق أن أول شحنة للغاز أُنتجت في مصنع “كورال سول” في عرض البحر الذي تديره المجموعة الإيطالية إيني، معبرًا عن ارتياحه لأن بلاده “دخلت سجلات تاريخ العالم بصفتها دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال”.

وتابع أن سفينة الشحن “بريتيش سبونسر” تبحر من مياه موزمبيق متوجّهة إلى السوق الدولية.

وقال الرئيس نويسي: إن هذه أول شحنة يتم تصديرها بموجب عقد شراء وبيع طويل الأجل مع شركة بريتش بتروليوم البريطانية العملاقة يغطي إجمالي حجم الغاز الطبيعي المسال المنتج في موزمبيق.

وأكد أن موزمبيق تؤمن “بيئة تتسم بالاستقرار والشفافية يمكن التنبؤ بوقائعها لتوظيف استثمارات بالمليارات”.

ويمكن “لكورال سور” أول منشأة عائمة للغاز الطبيعي المسال تم نشرها في المياه العميقة قبالة سواحل أفريقيا، إنتاج 3.4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا.

وأنتجت موزمبيق الغاز في محطة بحرية تديرها شركة الطاقة الإيطالية إيني، لكن شركة النفط البريطانية العملاقة بريتش بتروليم (بي بي) لديها حقوق شرائها.

وغادر الغاز في سفينة شحن بريطانية إلى أوروبا، لكن وجهتها النهائية، أي الدولة التي سوف تستقبل هذا الغاز، لا تزال غير معروفة.

وأشاد كلاوديو ديسكالزي الرئيس التنفيذي لمجموعة إيني ببدء تصدير الغاز من موزمبيق معتبرا أنه “خطوة مهمة إلى الأمام” في استراتيجية الشركة لجعل الغاز مصدرا “يمكن أن يساهم بشكل كبير في أمن الطاقة في أوروبا لا سيما من خلال التنويع المتزايد للإمدادات”.

وتبني موزمبيق آمالًا كبيرة على رواسب الغاز الطبيعي الكبيرة لديها وهي الأكبر التي تم اكتشافها في التاريخ في جنوب الصحراء، في منطقة كابو ديلجادو (شمال) في 2010.

ويمكن أن تصبح موزمبيق واحدة من الدول العشر الكبرى المصدرة للغاز في العالم.

لكن منطقة كابو ديلجادو الفقيرة ذات الغالبية المسلمة تشهد هجمات يشنها جهاديون مرتبطون بتنظيم داعش. وأسفر هذا النزاع عن مقتل حوالى أربعة آلاف شخص منذ 2017، حسب المنظمة غير الحكومية “مشروع موقع النزاع المسلح وبيانات الوقائع” (أكليد) المتخصصة في متابعة النزاعات.

كما أدت أعمال العنف إلى فرار حوالى 820 ألف شخص من سكان المنطقة.

وكان هجوم كبير في مدينة بالما الساحلية أجبر في 2021 مجموعة “توتال أينيرجيز” الفرنسية العملاقة على تعليق مشروع للغاز بقيمة 16.5 مليار يورو. فيما اضطرت مجموعة “إكسون موبيل” الأمريكية أيضا لتعليق مشروع.

وتأتي الشحنة في وقت تبحث فيه أوروبا عن مصادر بديلة للغاز، وتحاول تقليل اعتمادها على روسيا، ولجأت عدة دول للبحث عن مصادر للطاقة في أفريقيا والشرق الأوسط.

وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقليل اعتماده على الغاز الروسي، ووافقت الدول الأعضاء في يوليو الماضي، على خفض استخدام الغاز بنسبة 15%.

وارتفعت أسعار الغاز في القارة الأوروبية الآن بحوالي 10 مرات من متوسط مستواها خلال العقد الماضي.

وفي فبراير 2021، كان يتم تداول الغاز في بريطانيا بسعر 38 بنساً لكل ثيرم (وحدة استهلاك الغاز). لكن وصل سعره في أغسطس الماضي إلى 537 بنسًا.