كتبت – أسماء حمدي

تمتلك الجزائر العديد من المدن القديمة المحصنة والآثار الرومانية ورمال الصحراء، ما يجعلها عملاقًا سياحيًا غير مكتشف يختبئ عن الجميع.

عملاق سياحي مختبئ

على الرغم من قربها من أوروبا، ووجودها الواسع على الساحل الشمالي لأفريقيا، لكن العديد من المعالم السياحية الأكثر روعة بالجزائر لا يعرفها المسافرون خارج حدودها.

يقول رئيس شمال إفريقيا في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث للشؤون الخارجية، أندرو فاران:  «الجزائر هي واحدة من أصعب الأماكن في العالم في الدخول إليها ومن أقلها زيارة، ومن بين مليوني سائح رسمي يصلون كل عام، فإن معظمهم من المغتربين الجزائريين العائدين إلى الوطن لزيارة عائلاتهم وعدد قليل فقط من الزوار الأجانب».

ورغم أن الجزائر تعد من أصعب البلاد في الدخول إليها، إلا أنها واحدة من أكثر الوجهات يمكنك الوصول إليها عبر رحلة قصيرة المدى من أوروبا القارية بالإضافة إلى ذلك تعتبر دولة آمنة ومستقرة.

تراث الاستعمار الفرنسي

تعود أصول عدم الكشف عن هويته في الجزائر إلى الماضي القريب، فبين عامي 1830 و1962، كانت هناك العديد من أغلى ممتلكات الإمبراطورية الفرنسية في البلاد.

 وفي عام 1962 استقلت الجزائر، بعد حرب دامية استمرت 8 سنوات بين المتمردين الجزائريين والمستعمرين الفرنسيين والتي أودت بحياة نحو 500 ألف مدني وعسكري بينهم 400 ألف جزائري حسب تقديرات المؤرخين الفرنسيين، و1.5 مليون ضحية حسب السلطات الجزائرية.

يقول الباحث بجامعة هارفارد، عادل حمايزية: «جهود فرنسا الهمجية لتدمير الثقافة الجزائرية ولدت مشاعر معادية للغرب، وفي أعقاب ذلك، كان للدولة المستقلة حديثًا دافع كبير لإعادة بناء وحماية هويتها الدينية والثقافية».

في التسعينات، مع انتعاش السياحة في المغرب وتونس، كانت الجزائر غارقة فيما يسميه شعبها بـ«العقد الأسود»، عندما أثار تمرد حرب أهلية دامية وطويلة الأمد، وأطاحت الاحتجاجات المناهضة للحكومة بإدارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مؤخرًا في أبريل 2019.

تطوير السياحة

أحد ميراث هذه الاضطرابات الداخلية هو الموقف السائد تجاه الزائرين من الخارج، والذي يكون، إن لم يكن معاديًا في الواقع، فهو على الأقل غير مبال، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على التأشيرة، وعدم الترويج للسياحة، يقول فاران: «خلال رحلتي إلى البلاد في الربيع، كان الدليل الوحيد الذي استطعت الحصول عليه هو دليل جيب بيرلتز مستعمل نشر عام 1990».

يشير العديد من المراقبين إلى أن عدم اهتمام الحكومة بالسياحة يرجع إلى الهيمنة الاقتصادية للنفط، إذ يشكل هذا القطاع في البلاد 20% من الناتج المحلي الإجمالي، على النقيض من ذلك، تمثل السياحة بالكاد 0.1 %.

يضيف فاران: «لعنة النفط تصيب كل شيء، تمنح الصناعة الدولة الجزائرية الأموال التي تحتاجها لتطوير قطاعات أكثر تعقيدًا مثل السياحة». 

ووفقًا للتقارير الأخيرة، فإن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، يعني أن الجزائر تجاوزت أهدافها التصديرية للنصف الأول من عام 2022 بــ70%.

عجائب مخفية 

تتمتع الجزائر بإمكانيات سياحية هائلة، إذ تضم الأراضي التي تعانق ساحل البحر الأبيض المتوسط مدن تاريخية مثل قسنطينة ووهران والعاصمة الجزائر، بالإضافة إلى الآثار الرومانية القديمة الموجودة في جميلة وتيمقاد وكلاهما من مواقع التراث العالمي لليونسكو، وتعد من أفضل الوجهات الأثرية في شمال إفريقيا.

وفي الجنوب في المناطق الداخلية الصحراوية، تتصادم كثبان بحر إرجس مع كتل الحجر الرملي في الحجار وطاسيلي ناجّر، وكل ذلك يجعلها عملاقًا سياحيًا غير مكتشف.

وفي حديثه لـ«ناشيونال جيوجرافيك»، يقول عمر الزهافي، الذي تقدم شركته السياحية Fancyellow خدماتها للزوار الأجانب بشكل حصري تقريبًا: «لقد كان لدينا اهتمامًا قياسيًا هذا الخريف، لكن لا يزال بإمكانك قضاء أيام في الجزائر دون رؤية سائح آخر، وعندما نزور الآثار الرومانية ويسأل الزوار عن سبب عدم وجود أشخاص آخرين، فأنا أحب المزاح وأقول أنني حجزت الموقع لهم على وجه الخصوص».

وتجسد القليل من الأماكن التوتر بين انعزال الجزائر وإمكاناتها السياحية مثل غرداية، وهي موطن أجداد المزابيين، رابع أكبر قبيلة أمازيغية في الجزائر، وتقع المدينة وهي عبارة عن واحة مترامية الأطراف، على بعد 380 ميلا جنوب الجزائر العاصمة على الطريق السريع عبر الصحراء، وهناك تجد الحياة الجزائرية التقليدية.

عندما تنظر من السطح المفتوح لبرج المراقبة، فوق متاهة الأزقة الضيقة وأسطح المنازل المغطاة، تظهر غرداية على شكل لوحة متدحرجة من مكعبات الباستيل المختلطة، وتلميحات الحداثة الوحيدة هي مكبرات الصوت التي تظهر من المآذن ذات الجدران الطينية في قمة كل تل.

تضم غرادية 5 قصور أو قلاع على قمة التل تعرف مجتمعة باسم «بنتابوليس»، واندمجت المدن الخمس المحاطة بأسوار منذ فترة طويلة معًا في متاهة حضرية تتسلل على طول الوادي الجاف لنهر ميزاب، وشبهها الفيلسوف الفرنسي سيمون دي بوفوار، ذات مرة بـ«لوحة تكعيبية مشيدة بشكل جميل».

مثل معظم الأماكن في الجزائر، من الأفضل استكشاف غرداية مع مرشد سياحي، بل في القصور نفسها واجب، إذ تسمح القواعد التي وضعتها المجالس الدينية، بدخول الغرباء فقط في أوقات معينة من اليوم، وفقط بصحبة أحد المرافقين المحليين، وهناك ترتدي بعض النساء المتزوجات الحك، وهو ثوب أبيض ملفوف حول الجسم والرأس، ولا يترك سوى عين واحدة مكشوفة.

وفي قلعة العطوف، يعود التناسق المعماري إلى معايير قديمة في التصميم والديكور، وعن قرب، يمكنك أن ترى أن الجدران مصنوعة من الطين، ثم تنقش بسعف النخيل لتشتيت حرارة الشمس، كما تنتشر هناك بساتين النخيل التي كانت ثمارها العمود الفقري للاقتصاد المحلي، والآن، يتم تحويل بيوتها الصيفية القديمة إلى بيوت ضيافة.

تقول مستشارة الاستثمار الأمريكية، كاتلين جارفيس: «يمكنك أن تقول أن الكثير من الناس في الجزائر حريصون على مشاركة بلدهم مع العالم، لقد نتج عن كل تفاعل أجريناه تقريبًا دعوة لزيارة مدن السكان أو لمشاركة وجبة في منازلهم، السياحة في مهدها هنا، لكن الضيافة غريزية».