إعداد – د. جيهان عبد السلام

مدرس الاقتصاد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة.

يعتبر تحقيق الأمن الغذائي حقًّا أساسيًّا للشعوب الأفريقية، خاصة بين السكان الأكثر فقرًا، ومع ذلك، فإن تغيرات المناخ التي تؤثر سلبًا على قطاع الزراعة؛ مثل: تآكل التربة، وارتفاع نسبة التبخر، وتلوث المياه، وتقلب أنماط هطول الأمطار، وزيادة وتيرة الجفاف والفيضانات… وغيرها من الممارسات في غير صالح البيئة، تعتبر من بين التحديات الرئيسية التي تحد من إنتاجية الأراضي؛ وبالتالي تهدد الأمن الغذائي، نتيجة لذلك أوصى الخبراء وصانعو السياسات والجهات الفاعلة الأخرى المعنية بسبل العيش الريفية والأمن الغذائي بالزراعة الذكية مناخيًّا (Climate Smart Agriculture ” CSA”) كوسيلة للحد من الآثار الضارة لتغير المناخ على قطاع الزراعة، حيث أكدت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أن الزراعة في البلدان الأفريقية يجب أن تخضع لتحول كبير من أجل مواجهة التحديات ذات الصلة بالأمن الغذائي وتغير المناخ. ويُتوخى عند اعتماد الزراعة الذكية مناخيًّا (CSA) كاستراتيجية لمساعدة المزارعين العمل على نشر التوعية الخاصة بها، وتوفير متطلبات تطبيقها حتى يمكن الاستفادة من المزايا المترتبة عنها[1].

ومن هذا المنطلق، تتعرض هذه الدراسة لتوضيح مفهوم الزراعة الذكية مناخيًّا ومجالات تطبيقها، كذلك المزايا المترتبة عنها بالنسبة للقطاع الزراعي في أفريقيا، كذلك السياسات المختلفة التي اتبعتها أفريقيا على المستوى القاري والإقليمي لدعم تطبيق الزراعة الذكية، كما تسلط الضوء على التحديات التي تواجه هذا التحول الهام في القطاع الزراعي الأفريقي.

أولًا- مفهوم الزراعة الذكية مناخيًّا ومجالات تطبيقها:

تمثل الزراعة الذكية مناخيًّا تطورًا لمفاهيم “الزراعة المستدامة”، بما في ذلك الزراعة الخضراء أي النهج الذي يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية المستدامة بصورة فعالة، وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير. كما تعرف الزراعة الذكية على أنها تلك التقنيات والممارسات الزراعية التي تهدف إلى تحسين الإنتاجية الزراعية، ولا تؤدى إلى تلويت البيئة أو المساهمة في تغير المناخ سلبًا[2]. كما أن الزراعة الذكية مناخيًّا (CSA) تعمل على تفعيل أنظمة زراعية تسعى نحو ممارسات خضراء ومقاومة لتغير المناخ. وتدعم الوصول إلى الأهداف المتفق عليها دوليًّا مثل أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس[3]. وترى منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) أن الزراعة الذكية مناخيًّا تهدف إلى معالجة 3 أهداف وهي (الأمن الغذائي أي زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيثما كان ذلك ممكنًا) [4].

شكل رقم (1) الروابط المختلفة بين الزراعة الذكية مناخيًّا وتغيرات المناخ

  • المصدر: د. رياض موساي، د. رفيق يوسفي، مساهمة الزراعة الذكية مناخيًّا في تحقيق الأمن الغذائي في الوطن العربى، مجلة العلوم الإنسانية لجامعة أم البواقي، المجلد 8، العدد 1، مارس 2021، ص. 910.
  • مجالات تطبيق الزراعة الذكية مناخيًّا:

تشمل الزراعة الذكية مناخيًّا كافة الممارسات والتقنيات التي تزيد الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، وتدعم تكيف المزارعين مع تغييرات المناخ وتساعدهم على خفض مستويات غازات الدفيئة. ويمكن أن تشمل الأساليب الذكية مناخيًّا الكثير من التقنيات تتمثل فيما يلي[5]:-

  • الروبوتات، أي استخدام الابتكارات الحديثة في جني المحاصيل مثل استخدام طرق الحصاد الآلي، ومكافحة الأعشاب الضارة والآفات.
  • الابتكار البيولوجي، أي استخدام التقنيات المختلفة في مجال البيولوجيا والكيمياء للمساعدة في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة ذات المصدر الزراعي.
  • إنتاج أصناف جديدة من المحاصيل ذات إنتاجية عالية وأقل تلويثًا للتربة الزراعية وأكثر مقاومة للجفاف.
  • الزراعة المراعية للمحافظة على الموارد، التي يمكن أن تكفل العديد من الفوائد الإيجابية: الحد من تآكل التربة، وتحسين الاحتفاظ بالمياه في التربة، وتوافر المغذيات فيها لفائدة المحاصيل؛ وزيادة تراكم المواد العضوية في التربة[6].

ثانيًا- المزايا الاقتصادية التي تحققها الزراعة الذكية مناخيًّا في أفريقيا:

تحظى العلاقة بين تغير المناخ والزراعة باعتراف دولي يتزايد بشكل كبير في دوائر اهتمامات الخبراء والسياسات الدولية. حيث يعد قطاع الزراعة من بين أهم المساهمين في تغير المناخ، فهو يتسبب في ما بين 19 و29% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهو أيضًا أحد القطاعات الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ؛ حيث تستهلك حوالي 70% من المياه العذبة العالمية، وتوفر زراعة الكفاف لحوالي 2.5 مليار شخص على مستوى العالم يعتمدون على الزراعة في معيشتهم، أما في أفريقيا فتتراوح النسبة المئوية للسكان العاملين بشكل أساسي في الزراعة إلى نحو 38.1% في كينيا، وتصل إلى 69% في دولة مثل إثيوبيا وفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة. ومن المتوقع أن تكون تأثيرات تغير المناخ على الزراعة في أفريقيا جنوب الصحراء شديدة، فرغم أن مستويات التأثر بتغييرات المناخ تختلف باختلاف المناطق الجغرافية للدول الأفريقية، إلا أن معظم دول القارة معرضة للعديد من الانعكاسات السلبية التي تطول القطاع الزراعي بها، خاصة دول غرب أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي.

كما أن التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ غالبًا ما تعمل كمضاعف للتهديد، ما يؤدي إلى تفاقم العوامل الأخرى المسببة للفقر، حيث يعتمد العديد من الأشخاص على أنشطة مثل الزراعة؛ وبالتالي يمكن حتى للتغيرات المتواضعة في أنماط هطول الأمطار، ودرجة الحرارة يمكن أن تدفع المهمشين إلى براثن الفقر؛ لأنهم يفتقرون إلى وسائل التعافي من الصدمات أو إمكانية التعامل مع هذه التغييرات. كما يمكن أن تؤدي الأحداث المناخية المتطرفة -مثل الفيضانات والجفاف- إلى ضياع المحاصيل وتراجع إنتاجية الأراضى الراعية، أي تآكل أصول الفقراء بشكل كبير وتقويض سبل معايشهم. يضاف إلى ذلك استمرار نمو سكان أفريقيا، حيث يقدر النمو السنوي بـ2.4%، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان عن المعدل الحالي 0.9 مليار شخص بحلول عام 2050. ووفقًا للأغذية ومنظمة الزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن أكثر من ربع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعانون حاليًّا من سوء التغذية، وسيحتاج إنتاج المحاصيل إلى زيادة 260% بحلول عام 2050، حتى يتمكن من تغذية النمو السكاني المتوقع للقارة. ومن هنا كان لا بد أن تمر الزراعة في أفريقيا بتحول كبير لمواجهة التحديات المتزامنة لتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي والفقر والتدهور البيئي في دول القارة[7].

ثالثًا- السياسات الأفريقية لجعل الزراعة ذكية مناخيًّا:

زاد التركيز على الزراعة الذكية بشكل مطرد من منتصف العقد الأول من القرن 21 إلى أواخره، مع إيلاء اهتمام خاص للروابط بين الزراعة وتغير المناخ خلال مؤتمر الأطراف في ديربان عام 2011، واستمر التركيز عليها في مؤتمر الأطراف (COP 22) في مراكش لعام 2016، وأطلق عليه البعض اسم “مؤتمر الأطراف للعمل من أجل الزراعة”. وأقرت أهداف التنمية المستدامة العالمية، التي تم الاتفاق عليها في عام 2015، صراحةً بالترابط المتكامل وغير القابل للتجزئة بين أهداف الاستدامة، وأهمها اعتبار العلاقة بين الغذاء والماء والطاقة وتغير المناخ مثالًا رئيسيًّا على الحاجة إلى تعظيم أوجه التآزر لتحقيقها معًا.

وفي ذلك الإطار، جاء الاهتمام الأفريقي بموضوع التنمية الزراعية الخضراء، فعلى المستوى الإقليمي، في يوليو 2009، أثناء قمة الاتحاد الأفريقي الـ13 في سرت، ليبيا، شدد القادة الأفارقة على الضرورة الملحة لمعالجة الأهداف المتعددة للأمن الغذائي والتنمية وتغير المناخ، ما أدى إلى اعتماد مفوضية الاتحاد الأفريقي -الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (AUC-NEPAD)- إطار الزراعة للتكيف مع تغير المناخ في عام 2010. وكان هذا استجابة لإعلان مابوتو للاتحاد الأفريقي بموزمبيق عام 2003، والذي أطلق برنامج التنمية الزراعية الأفريقية الشاملة ((Comprehensive Africa Agriculture Development Program “CAADP”) في عام 2003. وهو برنامج التنمية الرائد للاتحاد الأفريقي لتعزيز التحول الزراعي في جميع أنحاء المنطقة، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة[8]. ويوفر هذا الإطار للدول الأفريقية مجموعة واضحة من المبادئ والممارسات المثلى والإرشادات، فضلًا عن تحديد المستهدفات التي يمكن من خلالها توفيق الاستراتيجيات والخطط الزراعية لتلك الدول بما يتناسب مع الواقع والقدرات المحلية[9]. كذلك إعلان مالابو للاتحاد الأفريقي لعام 2014، حيث أصدر استراتيجية التحول الزراعي المستدامة في أفريقيا، كما أعلن أيضًا عن هدف تحقيق الزراعة الذكية مناخيًّا، بحيث يستخدمها ما لا يقل عن 25 مليون أسرة زراعية بحلول عام 2025[10].

أما على مستوى التكتلات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا، ففي عام 2009، عُقدت قمة رؤساء دول وحكومات السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا(الكوميسا) في زيمبابوي للموافقة على “الإطار الإقليمي بشأن تغير المناخ”، ليعزز دور الزراعة والغابات واستخدام الأراضي في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته. كما أطلقت الكوميسا المنصة المسماة “شراكة الزراعة الذكية مناخيًّا للكوميسا ” لإطلاق برامج الزراعة الذكية مناخيًّا في دول التكتل. كما تم وضع برنامج آخر، يشمل 3 مجموعات اقتصادية إقليمية وهي الكوميسا، والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، ومجموعة شرق أفريقيا بشأن الزراعة الذكية مناخيًّا. نتج عن ذلك إطلاق الإستراتيجية وخطة العمل الإقليمية لتعزيز عمليات الزراعة الذكية. كذلك اعتمدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) خطة الاستثمار الزراعي الأخضر للتكيف مع تغير المناخ. وفي 20 يونيو 2015، نظمت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا منتدى إقليميًّا في باماكو للرقابة على ممارسات الزراعة ومدى اتساقها مع مبادئ الحفاظ على البيئة.

رابعًا- حالات تطبيقية لاستخدامات الزراعة الذكية مناخيًّا في أفريقيا:

  • جنوب أفريقيا: يتم تنفيذ مشروع يهدف إلى تعزيز تقنيات الزراعة الذكية مناخيًّا في العديد من المجتمعات الريفية في مقاطعات Eastern Cape وKwa-Zulu Natal. وينصب تركيز المشروع على ضمان الاستخدام المستدام للأراضي وإدارة الموارد الطبيعية مع تعزيز إنتاج الغذاء وتنمية المشاريع وخلق فرص العمل. وقد شهد المشروع زيادات في إنتاج الذرة وخاصة في مقاطعة الكاب الشرقية. كما أن هناك المزيد من المشروعات الزراعية الممولة من قبل الدولة خاصة تلك المتعلقة بالحيازات الزراعية الصغيرة.

كما نفذت منظمة الفاو تدريبًا وتنفيذًا واسع النطاق للمزارع البيئية الصغيرة التي يعمل بها نحو 27000 شخص كل عام، فضلًا عن برامج تدريبية أخرى لبناء القدرات في حصاد الموارد الطبيعية ومساعدة المجتمعات على حصاد مياه الأمطار للحدائق المنزلية، والحد من تآكل التربة. وتشير التقديرات إلى أن هذه البرامج استفاد منها بشكل مباشر نحو 40 ألف شخص. وبالمثل، فإن وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك بجنوب أفريقيا تروِّج دائمًا للمشروعات التي تشمل مبادئ الزراعة الذكية مناخيًّا في جميع أنحاء الدولة[11].

  • إثيوبيا: تعتبر إثيوبيا أحد أكثر الدول الأفريقية المعرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ؛ لذا تسعى إلى بناء اقتصاد متوسط ​​الدخل بحلول عام 2025 بطريقة تكون قادرة على الصمود أمام الآثار السلبية لتغير المناخ، وفي الوقت نفسه تعمل على تحسين الأمن الغذائي ودخل المزارعين والرعاة، وحماية الغابات وإعادة تأهيلها من أجل خدماتها الاقتصادية والنظم البيئية[12]. ومن ضمن البرامج التي اتبعتها إثيويبا في مجال تطبيقات الزراعة الذكية مناخيًّا ما يلي: برنامج التنمية المستدامة وتقليص الفقر (2005- 2012)، مخطط من أجل تسريع واستدامة التنمية للحد من الفقر (2005/ 2006- 2009/ 2010). خطة النمو والتحول (2010/ 2011- 2014/ 2015) خطة النمو والتحول (2010/ 2011- 2014/ 2015). وحاولت إثيوبيا الإدارة المتكاملة للمستجمعات المياه، والإدارة المستدامة للأراضي، والحرجة الزراعية، وإدارة المخلفات الزراعية العضوية، حيث زادت مساحة الأراضي الزراعية التي تعتمد على الأسمدة العضوية بدلًا من الكيميائية بــ3: 5 مرات[13].
  • زيمبابوي: تبنت حكومة زيمبابوي برنامجًا وطنيًّا يقوم على مبادئ الزراعة الذكية مناخيًّا من أجل المحافظة على الموارد في محاولة لتعزيز الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. حيث يتعامل هذا البرنامج مع نحو 1.8 مليون مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة لزيادة الإنتاج والإنتاجية، ما يجعلهم أكثر مرونة في مواجهة صدمات تغير المناخ[14].
  • كينيا: هناك برنامج الزراعة الذكية مناخيًّا في كينيا (CSAP 2015-2030) “من أجل زراعة مستدامة مقاومة للمناخ ونمو منخفض الكربون، وتساهم في أهداف التنمية الوطنية بما يتماشى مع رؤية كينيا 2030”. وجمعت كينيا جهود وزارتين، هما وزارة البيئة والموارد المعدنية ووزارة الزراعة والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك. وتم الحصول على الدعم الفني والمالي من مجموعة واسعة من المصادر بما في ذلك: صندوق تغير المناخ التابع للنيباد، والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، ومجموعة شرق أفريقيا (EAC)، وبرنامج أبحاث CGIAR بشأن تغير المناخ، والزراعة، والأغذية. وتتمثل الأولويات الاستراتيجية الـ4لـ CSAP في التالي: (1) إنشاء أنظمة وطنية لتعزيز أفضل الممارسات والتقنيات والنهج CSA، (2) إنشاء أنظمة سلاسل القيمة التي يصبح فيها كل من القطاعين العام والخاص جهات فاعلة مهمة، (3) دعم البحث المدفوع بالطلب من أجل التنمية والابتكار؛ (4) تحسين واستدامة الخدمات الاستشارية الزراعية[15].

وقد حققت كينيا نتائج إيجابية في مجال الزراعة الذكية مناخيًّا منها:

  • زيادة إنتاجية محصول الذرة بعد تطبيق ممارسات حفظ خصوبة التربة والزراعة العضوية، بمقدار 2 إلى 4 هيكتار.
  • زيادة إنتاجية العديد من المحاصيل الزراعية نتيجة تطبيق طرق المكافحة البيولوجية للآفات الزراعية.
  • –                تدريب صغار المزارعين (500 مزارع) على استخدام تقنيات الزراعة الذكية ما أدى إلى مضاعفة إنتاجية مزارعهم، وزيادة دخلهم بنسبة تصل إلى 40%.
  • تنزانيا: سعت الحكومة إلى مواءمة الاستجابات لتغير المناخ وتعزيز الزراعة الذكية مناخيًّا مع استراتيجيات الاستثمار الأوسع ضمن رؤيتها للتنمية المستدامة 2025. وتشمل المبادرات برنامج تطوير القطاع الزراعي، الذي من المقرر أن يستمر من 2017 إلى 2026 مع مراعاة تغير المناخ. وهناك أيضًا خطة العمل البيئية لقطاع الزراعة التي تهدف إلى تعزيز الإنتاج المستدام؛ وبرنامج الزراعة الذكية مناخيًّا؛ وخطة تنزانيا للاستثمار في الزراعة والأمن الغذائي التي تحدد تغير المناخ باعتباره قضية مثيرة للقلق. كما تم تحديد 6 أولويات استراتيجية كمصادر للتنمية الزراعية في تنزانيا والنمو في مناخ متغير، على النحو التالي: (1) تحسين الإنتاجية والدخل، (2) بناء المرونة والفوائد المشتركة للتخفيف المرتبطة بها، (3) تكامل سلسلة القيمة، (4) البحث من أجل التطوير والابتكار، (5) تحسين واستدامة الخدمات الاستشارية الزراعية، (6) تحسين التنسيق المؤسسي.
  • رواندا: شرعت الحكومة على مدى العقد الماضي بشكل مكثف في استثمارات في ممارسات الزراعة الذكية مناخيًّا مثل زراعة الأراضي، وجمع المياه، وري سفوح التلال لزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والحد من تآكل المياه وفقدان التربة، ووقف تدهور الأراضي، وزيادة إنتاجية الأراضي، كما تم تنفيذ البرامج التي تخفف من الانبعاثات مثل بقرة واحدة لكل أسرة فقيرة، وعدم الرعي، واستخدام الفضلات لإنتاج الغاز الحيوي المنزلي في أنظمة الثروة الحيوانية المكثفة. كما تم الترويج للحراجة الزراعية، حيث تعهدت الحكومة باستعادة مليوني هكتار من الأراضي بشكل رئيسي من خلال الحراجة الزراعية. تشمل المبادرات الحكومية أيضًا تطوير الاستراتيجية الوطنية لرواندا بشأن تغير المناخ والاقتصاد منخفض الكربون في عام 2011، وإنشاء صندوق أخضر (FONERWA) لدعم النمو الأخضر في رواندا على مدار الـ50 عامًا القادمة في أثناء العمل كمحطة رئيسية لأفريقيا وبقية العالم.

خامسًا- تحديات اعتماد الزراعة الذكية مناخيًّا في أفريقيا:

رغم إيجابيات مساهمات الزراعة الذكية مناخيًّا في النظام الزراعي في أفريقيا، إلا أن تعميم الزراعة الذكية مناخيًّا والاستيعاب لها لا يزال يواجه العديد من التحديات، يتمثل أهمها فيما يلي:-

  • تقلص حيازة الأراضي الزراعية، حيث تنتشر الملكيات الصغيرة التي يعيش عليها كمّ كبير من المزارعين، والتي عادة ما تتعرض للتهالك وانخفاض الإنتاجية، ما يصعب معها عملية تبني تقنيات حديثة في الزراعة؛ نظرًا لاحتياج تلك التقنيات إلى مساحات أكبر. كما أن معظم المزارعين فقراء الموارد وعادة ما يمتلكون أراضيهم في المناطق الهامشية. فهناك أكثر من 3 ملايين مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة يمتلكون أقل من 1.3 هكتار من الأراضي الهامشية ذات العوائد المنخفضة في أفريقيا جنوب الصحراء[16].
  • الوصول إلى الأراضي الزراعية قد يكون معقدًا بسبب العوامل العرفية والمؤسسية، بالإضافة إلى الظروف السياسية والأمنية التي قد تؤدي إلى تهجير العديد من ساكني المجتمعات الزراعية.
  • نقص المعرفة، حيث يعتبر الافتقار إلى المعلومات والمهارات عقبة رئيسية أمام اتباع الطرق الذكية في الزراعة، فقد يتطلب الأمر الحصول على معلومات عن البحوث الزراعية وخدمات الإرشاد التي قد تصعب على عامة المزارعين منخفضي التعليم أو في الأغلب يعانون من الأمية، ويعتبر أيضًا تدني مستوى التعليم بين المزارعين حجر عثرة أمام تبني التقنيات الجديدة.
  • ارتفاع التكاليف المصاحبة لعمليات الزراعة الذكية مناخيًّا، فالمزارعون في أفريقيا ليس لديهم القدرة على إدارة المخاطر التي تأتي مع تبني التقنيات الجديدة من حيث زيادة التكاليف. خاصة أن العديد منهم مقيدون بالحصول على الائتمان أو التمويل الأصغر. كذلك العديد من البلدان الأفريقية بحاجة إلى استثمارات جديدة لاستيعاب CSA لديها، ولم يتم رسم خطط تمويل لتلك الاستثمارات مع ارتفاع تكاليفها.
  • تتطلب عمليات الزراعة الذكية فترة زمنية طويلة نسبيًّا لجني الفوائد المتعلقة بها تتراوح ما بين 3: 7 سنوات، وبالتالي فهي بحاجة إلى استثمارات أولية ضخمة قد تكون مكلفة بالنسبة لصغار المزارعين، ما قد يدفعهم إلى التخلي عن تلك الممارسات المستدامة.
  • العمالة غير الكافية، حيث إن الطلب على العمالة في العديد من البلدان الأفريقية غالبًا ما يفوق العرض المتاح، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا في نظام الزراعة، خاصة في ظل تضمن اعتماد ممارسات CSA في بعض المجالات أنشطة قد يكون لها متطلبات كثيفة العمالة العمالة العالية. على سبيل المثال الحاجة إلى الحفر العميق لاختراق قشور التربة. كذلك عمليات إزالة الأعشاب الضارة.
  • ضعف توافر البيانات والأدوات التحليلية وإتقان نهج CSA، وحتى في حالة وجود بعض البيانات، فإنها لا تكون متاحة بسهولة، لأنها مبعثرة ولا توجد بيانات طويلة الأجل عن المستويات المناخية والظواهر الطبيعية، ما أدى إلى نقص المعرفة الشاملة بالآثار الحالية والمحتملة لتغير المناخ في البلدان الأفريقية.
  • ضعف البنية التحتية اللازمة لاستيعاب CSA في الأنشطة ذات الصلة أنظمة الزراعة، حيث يحتاج المزارعون إلى هياكل إدارة المياه، ومرافق الاتصالات ومرافق التخزين والمعالجة، وإمكانية الوصول إلى الأسواق، وعندما تكون هذه الهياكل مفقودة فيكون هناك عائق رئيسي أمام استيعاب CSA[17].
  • خاتمة الدراسة:

 تواجه أفريقيا الكثير من التحديات في تلبية الاحتياجات الغذائية في مواجهة مناخ دائم التغير، خاصة مع ندرة المياه وزيادة تواتر الفيضانات، أدى ذلك إلى انخفاض جودة التربة لذلك تزداد الحاجة إلى تدابير التكيف مع تلك التغييرات، وأصبح من الضروري البحث عن بدائل، ومن هنا ظهرت الزراعة الذكية مناخيًّا كحل قابل للتطبيق، إلا أن ممارسات الزراعة الذكية مناخيًّا جديدة في أفريقيا لا تزال محددة السياق، كما أن تأثيرات تغير المناخ كذلك يتسم بعدم القدرة على التنبؤ، ولا يمكن سد فجوات سياسة “المناخ” و”الزراعة” بسهولة. فلا يزال هناك تحدٍّ كبيرٌ يتمثل في تعميم CSA في أفريقيا، كذلك ضعف المبادرات اللازمة لزيادة الإنتاج الزراعي ومعالجة انعدام الأمن الغذائي. ومن هنا يتطلب الأمر أن يستثمر المزارعون أولًا في تعلم المزيد من التنوع في الممارسات والتدابير الزراعية التي تحافظ على البيئة، كما تتطلب التقنيات الجديدة في كثير من الأحيان حلولًا مختلفة للمزارع الكبيرة والصغيرة من حيث الوصول إلى الأسواق واستخدام مدخلات الإنتاج. مع ضرورة تعميم الممارسات الزراعية الذكية مناخيًّا في السياسات الزراعية للدولة، كما يجب أن تستند هذه السياسات إلى تشجيع القطاع الخاص لإجراء استثمارات ذكية مناخيًّا في الزراعة. واستيفاء سبل الدعم المادي والتمويل اللازم للتغلب على فجوات التنفيذ[18].

قائمة مراجع الدراسة


[1]) Adornis  D.Nciizah, ” Climate  Smart Agriculture : Achievements  and Prospects In Africa” , Journal of Geoscience and Environment Protection, 2015, PP.100-102 , Available at : https://www.scirp.org/pdf/GEP_2015082416392005.pdf

[2]) ADEMOLA BRAIMOH , Climate-smart agriculture: Lessons from Africa, for the World, World Bank Blogs ,  JANUARY 17, 2018. , Available at :
https://blogs.worldbank.org/nasikiliza/climate-smart-agriculture-lessons-from-africa-for-the-world
[3]) Hanne Knaepen, Carmen Torres and Francesco Rampa ,  Making agriculture in Africa climate-smart. , European Centre for Development Policy Management , No.80 – November 2015, PP.2-3. , Available at :
https://ecdpm.org/wp-content/uploads/BN80_CSA_Making_Agriculture_Africa_climate_Smart.pdf

[4]) منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، الأمم المتحدة ، الزراعة الذكية مناخيًّا، متاح على الرابط التالي:

https://www.fao.org/climate-smart-agriculture/ar/
[5]) Victor O. Abegunde , & Ajuruchukwu Obi,  The Role and Perspective of Climate Smart Agriculture in Africa: A Scientific Review, 2022 , Available at :
https://www.mdpi.com/2071-1050/14/4/2317/htm

[6]) الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تطوير ممارسات زراعية ذكية، 2022، متاح على الرابط التالي:

https://www.iaea.org/ar/almawadie/tatwir-mumarasat-ziraeiat-dhakia

[7]) Victor O. Abegunde , & Ajuruchukwu Obi, Op.cit .

[8]) Peter Newell , et.al , Climate Smart Agriculture? Governing the Sustainable Development Goals in Sub-Saharan Africa , August 2019 ,PP.2-4, Available at :
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fsufs.2019.00055/full

[9]) الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومصرف التنمية الأفريقي، السياق المتغير للتنمية الزراعية والريفية في أفريقيا وآفاقها، 2009، ص ص 12- 14، متاح على الرابط التالي:

https://www.ifad.org/documents/38714182/39711263/annex1_a.pdf/bcd523ad-2fa9-4aa0-b6e1-3defe6d1b38e

[10]) Hanne Knaepen, Carmen Torres and Francesco Rampa ,  Op.cit , PP.5-6.

[11]) Adornis  D.Nciizah, , Op.cit , PP.101-102.

[12]) Peter Newell , et.al , Op.cit ,PP.6-7.

[13]) Aweke Mulualem Gelaw, Climate-Smart Agriculture in Ethiopia. CSA Country Profiles for Africa Series. International Center for Tropical Agriculture (CIAT); Bureau for Food Security, United States Agency for International Development (BFS/USAID), Washington, 2017, P.6.

– Tadesse, M., Simane, et.al , The effect of climate-smart agriculture on soil fertility, crop yield, and soil carbon in southern ethiopia. Sustainability, 2021 , P.13  , Available at :. http://dx.doi.org/10.3390/su13084515  

[14]) Victor O. Abegunde , & Ajuruchukwu Obi ,Op.cit.

[15]) Peter Newell , et.al ,Op.cit   

[16]) Adornis  D.Nciizah  ,Op.cit ,PP.102-103.   

[17]) Victor O. Abegunde , & Ajuruchukwu Obi ,Op.cit .   

[18]) Hanne Knaepen, Carmen Torres and Francesco Rampa ,Op.cit ,PP.13-14.