كتب – حسام عيد

في 27 أغسطس 2022، استضافت تونس وعلى مدى يومين، “قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا” (تيكاد 8)، وذلك بمشاركة مسؤولين ورجال أعمال ومنظمات دولية وقادة من 48 دولة، بينهم الرئيسين التونسي قيس سعيد، والسنغالي ماكي سال.

وقمة “تيكاد” هو ملتقى متعدد الأطراف يضم اليابان والبلدان الأفريقية والمنظمات الدولية، والبلدان الشريكة في التنمية والمؤسسات، وعرض خلالها 82 مشروعًا بقيمة تبلغ 2.7 مليار دولار.

وشارك بالقمة 300 رجل أعمال، 100 منهم من اليابان يمثلون 50 أكبر مؤسسة اقتصادية يابانية وعالمية و100 رجل أعمال أفارقة و100 رجل أعمال تونسي.

وتمثلت أبرز نتائج القمة، في تأكيد اليابان تركيزها على تعزيز التنمية المستدامة، وتخطيطها لإطلاق مبادرة النمو الأخضر لأفريقيا وضخ استثمارات بحجم أربعة مليارات دولار بها، بالإضافة إلى دعم القارة في تحقيق سيادتها الغذائية رغم التحديات العالمية الحالية.

ومنذ 1993، بادرت اليابان بتنظيم مؤتمر “تيكاد” بهدف تسريع الحوار السياسي بين مختلف القادة الأفارقة وشركاء التنمية، حول التحديات التي تجابه القارة.

وتسعى طوكيو عبر القمة إلى مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا من خلال تعزيز “تنمية يقودها الأفارقة بأنفسهم”، وكذلك تستهدف مناقشة “كيفية إنشاء عالم مستدام معا” في “السياق المعقد لجائحة كوفيد والوضع في أوكرانيا”.

30 مليار دولار من اليابان لتنمية أفريقيا

وقال رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميو، في كلمة عن بعد خلال فعاليات القمة، إن ” القطاع العام والخاص في اليابان سيعمل على تقديم (دعم للدول الإفريقية) حوالي 30 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة”.

ولدفع عجلة التنمية في أفريقيا كمساهمة في “نمو مقترن بالجودة” في القارة، أضاف “كيشيدا” أن “هذا الدعم الذي يمتد على السنوات الـ3 القادمة يهم مجالات عدة من بينها النمو الأخضر والصحة والتعليم والموارد البشرية والزراعة والتشجيع على الاستثمار خاصة بالنسبة للشركات الناشئة”.

ولتحسين حياة الأفارقة، ستعمل اليابان على تقديم ما يصل إلى خمسة مليارات دولار في شكل تمويل مشترك مع البنك الأفريقي للتنمية. وقد أكد رئيس وزراء اليابان أن بلاده “تريد أن تكون شريكا لأفريقيا تنمو معها سويًا وتعمل معها على تجاوز التحديات”.

كما ستقدم اليابان مساعدة بقيمة 8.3 مليارات دولار لدول منطقة الساحل المضطربة من أجل “تحسين الخدمات الإدارية لخمسة 5 ملايين من سكان هذه المنطقة”.

ومن المتوقع أن تعتمد اليابان على مقاربة خاصة بها مع التركيز على الإنسان أو الموارد البشرية لبناء مجتمع أفريقي مرن ومتين.

تمكين الشعوب الأفريقية

بدوره، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد في مستهل الندوة إن الشراكة اليابانية الأفريقية مهمة “في صياغة مقاربات عملية لمفهوم التنمية الشاملة”، يمكن أن يساعد فيها “شركاؤنا اليابانيون بتجربتهم وبإمكانياتهم”. مضيفا أن اليابان حققت “نجاحا جديرا بالتنويه وجديرا بالنظر في أسبابه” من أجل أن “تتمكن الشعوب الأفريقية من تحقيق آمالها وتطلعاتها وأحلامها التي كانت تراود الجيل الأول من القادة إثر الاستقلال”، كما أوردت “وكالة الأنباء الفرنسية، أ ف ب”.

من جهته أشاد الرئيس السنغالي ماكي سال الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي بـ”الشراكة المرجعية” التي أقيمت بين أفريقيا واليابان.

وهذه أول نسخة من “تيكاد” منذ تفشي فيروس كورونا والثانية في أفريقيا بعد أن استضافتها كينيا عام 2016. وتعقد الندوة التي أطلقتها طوكيو عام 1993 كل ثلاث سنوات.

الرعاية الصحية.. والتوزيع العادل للقاحات

واعتبر الرئيس التونسي أن “الجائحة أبرزت مرة أخرى أن التعاون الدولي لم يكن بالقدر المطلوب”، مشيرًا إلى أن “اللقاحات التي كانت متوفرة في الجانب الشمالي من الكرة الأرضية كانت أضعاف اللقاحات التي توفرت في جنوب الكرة الأرضية وفي أفريقيا على وجه الخصوص”.

كما شدد ماكي سال على أن أولويات دول القارة هي “السعي لتحقيق السيادة في مجال الصيدلة” بزيادة إنتاج اللقاحات والأدوية في القارة.

وأكد “سال” على الحاجة إلى “إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي” لمساعدة القارة على التعافي بعد وباء كوفيد وفي مواجهة آثار الحرب في أوكرانيا.

هيكلة الديون.. وتحقيق السيادة الغذائية

واعتبر الرئيس السنغالي ماكي سال أنه “يجب على أفريقيا أيضًا أن تدعو إلى تعليق الفائدة على الديون من مجموعة العشرين”.

وأضاف: “لقد طلبت بالفعل الحصول على مقعد في هذه المجموعة لضمان دعم أفضل لمصالح قارتنا”.

وبحسب سال، فإن ذلك يمكن أن يتحقق “في قمة مجموعة العشرين المقبلة في العاصمة الإندونيسية، بالي” في نوفمبر 2022.

وكشف كيشيدا أن من بين التمويلات التي ستقدمها اليابان مليار دولار مخصصة لـ”إعادة هيكلة الديون”.

كما ستساعد اليابان الدول الأفريقية في مواجهة نقص الأغذية الناتج عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وتقدم لها تمويلات بقيمة 300 مليون دولار بتمويل مشترك مع البنك الأفريقي للتنمية من أجل “إنتاج الغذاء وتدريب 200 ألف شخص في الزراعة”. 

وقد أعرب القادة الموقعون على إعلان تونس الصادر عن قمة “تيكاد 8″، عن “قلقهم البالغ إزاء الوضع في أوكرانيا وتأثيره على الاقتصادات الأفريقية والعالمية“. ودعوا لاستئناف تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة إلى الأسواق العالمية من أجل التخفيف من حدة معاناة السكان الأفارقة، كما ناشدوا جميع الشركاء الدوليين إلى دعم البلدان الأفريقية للتغلب على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

دفع عجلة الاقتصاد التونسي

وتأمل السلطات التونسية أن يستفيد اقتصادها من استضافة ندوة “تيكاد” من خلال جذب استثمارات يابانية، وقد أتاحت القمة منذ إنشائها إطلاق 26 مشروعا إنمائيًا في 20 دولة.

ويأمل التونسيون في تحقيق نتائج جيدة في مجالات الصحة وصناعة السيارات والطاقات المتجددة بأكثر من 80 مشروعًا بقيمة 2.7 مليار دولار، بحسب رئيس غرفة التجارة والصناعة التونسية اليابانية الهادي بن عباس.

ومن المفترض أن تؤدي تلك المشاريع التي ستُعرض على مستثمري القطاع الخاص في تونس وأفريقيا إلى توفير أكثر من 30 ألف فرصة عمل.

وقد طرحت نتائج قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا “تيكاد 8″، تساؤلات لدى الخبراء والمراقبين عن مدى قدرة تونس على استثمارها، في ظلّ تواصل الأزمات المالية، وسط توصيات بضرورة تهيئة المناخ السياسي، وتحرّر الحكومة من الضغوط التي تكبّلها.

وسعت تونس من خلال قمة طوكيو الأخيرة لفتح باب الاستثمارات من جديد وتوفير فرص عمل لأبنائها. وأثناء انعقاد قمة “تيكاد” وقعت تونس مع اليابان أربع اتفاقيات في قطاع الصحة.

وتعد القمة فرصة جيدة لتعريف العالم بالاستقرار التونسي وقدرة تونس على تهيئة مناخ جيد للاستثمار بعيدًا عن حالة الاستقطاب السياسي.