كتبت – أماني ربيع

عاشت البلاد، التي تقع على الساحل الأطلسي في شمال غرب أفريقيا، في عزلة طويلة، ولم تلحق ركب الحضارة والتقدم على الطراز الغربي.

 رغم الشائع عن الدول الساحلية أنها أكثر تفاعلًا مع العالم، ولّت موريتانيا وجهها نحو الصحراء القاسية، بينما ظل البحر بالنسبة لأهلها مجرد مصدر للسمك، ولم يمنع هذا تميزها بخصوصية ثقافية فريدة نابعة من طبيعة البيئة وتاريخها.

مع الاستعمار الفرنسي في بداية القرن 19 لم تخضع موريتانيا للحكم الفرنسي المباشر، بل عبر الوكالة من خلال قادة محليين، وهو ما ساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية التقليدية للبلاد وأسلوب الحياة فيها الذي لم يتغير كثيرًا عبر الاحتكاك بالغرب، عكس دول أخرى كانت تحت الاحتلال الفرنسي.

شنقيط

اسم البلد مشتق من الكلمة اللاتينية ” Mauretania”وتعني “الغرب”، وهو ما يتوافق مع موقعها في ما يسمى بالمغرب العربي الواقع في شمال غرب أفريقيا، بينما كان الرومان يُطلقون عليهم “الماوريس”.

كانت موريتانيا بعد القرن الثامن الميلادي واحدة من أهم المناطق التجارية، ازدهرت فيها تجارة العبيد والذهب والملح، وغلب اسم “شنقيط” عليها قديما، وهو اسم أهم مدنها في ذلك الوقت، تأسست في القرن الثاني الهجري، وشهدت ازدهارًا تجاريًّا وثقافيًّا كبيرًا، لكونها نقطة انطلاق القوافل المتجهة إلى الشرق نحو بلاد الحجاز للحج مرورًا بالسودان ومصر، وهو ما عمق التواصل بين موريتانيا وجذورها العربية والإسلامية.

اجتماع الحجاج سنويًّا في البلاد قاصدين مكة والمدينة مع وجود شعراء لإحياء ليالي وجودهم عمّق الحياة الثقافية والفكرية للمدينة وجعلها همزة وصل بين أفريقيا البيضاء والسوداء ومركزًا لتبادل السلع والأفكار، وازدهار الشعر.

خليط أعراق

فرضت طبيعة المناخ في الشمال أسلوب الحياة البدوي، حيث الصحراء قاحلة ومناخ حار، وغطاء نباتي متناثر، وعواصف رملية، تركز السكان في الواحات المتفرقة، بينما هناك مساحات شاسعة غير مأهولة تسمى الربع الخالي.

أما أسلوب الحياة في أراضي الجنوب الساحلية أكثر استقرارا، مع الانخراط في الزراعة وتربية الماشية في وجود مشاريع الري على طول نهر السنغال، وساهم التعدين أيضا في تطوير المراكز الحضرية ليصبح نحو 53.7% من السكان الآن يعيشون في المدن.

في البلاد مجموعتان عرقيتان رئيسيتان هما: المور والأفارقة السود.

يشكل المور المجموعة العرقية المهيمنة في المجتمع الموريتاني، بنحو ثلاثة أرباع السكان، وثلث هذه النسبة يعرفون أنفسهم بيدان أو المور الأبيض من أصل عربي وبربري، بينما يُعرف الباقون على أنهم “حراطون” أو المور الأسود من أصول أفريقية سودانية. 

تضم المجموعات الرئيسية الأخرى: الفولاني والسوننكي والبامبارا والولوف.

تتمتع موريتانيا بخليط من الأعراق، البربر الذي ينتمون لقبائل “صنهاجة” روضوا الصحاري، محاربين ملثمين، ثم جاء الفتح الإسلامي بالدين واللغة ليحدث صراع، خفف من حدثته مجئ “بني حسان” ضمن موجات هجرة بني هلال، لذا يُطلق على اللغة العربية في موريتانيا حتى الآن “الحسانية”، وسُمي هؤلاء بمجتمع “البيضان” مقابل مجتمع “السودان” ويشير إلى المواطنين من أصل أفريقي الذين هاجروا عبر نهر السنغال، ويتكسب أغلب المواطنون من أصول أفريقية من التجارة، بينما في المؤسسات والمكاتب يتواجد العرب البربر بصورة أكبر.

اللغة

توجد أربع لغات وطنية:

-العربية، يتحدثونها باللهجة “الحسانية” وكلماتها مزيج من العربية والبربرية وهي لغة المور الأبيض والحراتين.

-لغة “البولار” يستخدمها الفولاني على ساحل المحيط الأطلسي ومنطقة الساحل-السافانا. 

-لغتي “السوننكي والولوف”، على الحدود مع مالي والسنغال.

-اللغة الفرنسية.

بعد الاستقلال عام 1960، حدث صراع عرقي بسبب عملية “التعريب”، فاستمرت اللغة الفرنسية في المدارس ومؤسسات الحكومة، ثم بدأ تدريس اللغة العربية إلى جانب اللغات المحلية بالحروف اللاتينية، أحدث هذا جدلًا في العاصمة بين الحروف العربية واللاتينية.

المحاظر ومقاومة الاستعمار

عكس العاصمة، لم تشكل اللغة مأزقا في باقي أنحاء موريتانيا، حيث “المحاظر” وهي أشبه بـ “الكتاتيب، في المشرق العربي، يُدرس فيها علوم القرآن واللغة العربية على الألواح،  في الأساس كانت لإعداد الدعاة لحمل رسالة الإسلام عبر الصحراء، وانتقلت من تمبكتو إلى باقي البلاد.

ساهمت المحاظر في الحفاظ على وحدة النسيج الموريتاني وهويته الثقافية، وكان التعليم فيها مجاني، فقط يقدم الأهالي هدايا للمعلم تعرف باسم “جراس قرآن”، قاومت هذه المحاظر التعليم الغربي الذي فرضه الاستعمار الفرنسي.

الدين

يعتبر الدين الإسلامي هو الرابط بين الجماعات العرقية المختلفة بالبلاد، وهو ما أنشأ هوية مشتركة، ويسجل موقع ” CIA World Fact Book” 100% من السكان كمسلمين، بينما تقدر بعض المصادر 1% من الموريتانيين كمسيحيين، ويعتقد أنهم من المقيمين وليسوا من السكان الأصليين، حيث يفتخر الموريتانيون بكونهم المجتمع الأكثر إسلامية في القارة، ينتمون جميعًا للمذهب المالكي السني، وقانونهم الأساسي الشريعة.

طبقية صارمة

تعتبر العشيرة أو القبيلة الوحدة التقليدية في موريتانيا، التي تعتمد النظام الأبوي، وكان استخدام أسماء العشائر بدلاً من أسماء العائلة هو القاعدة.

تميزت موريتانيا بنظام طبقي صارم، تحدد فيه المهنة التي يمارسها الفرد مكانته في الهيكل الاجتماعي، وبمرور الوقت حدث تغير ذلك بعض الشيء، وأصبحت الطبقات أكثر مرونة، ولم يعد العمل مرتبطا بالطبقة الاجتماعية كما في الماضي.

في أدنى السلم الاجتماعي يقع “الحراطون”، وتعني الكلمة “الحُر الطارئ” وهم العتقاء الذين نالوا حريتهم، و”الأكاون” وهم الموسيقيون والطربون والمضحكون، القائمين على دور الترفيه، و”الإيمراجيين”، من ممارسي الحرف صيد الأسماك الذين يعيشون في أكواخ وخيام، في منطقة تمتد من تيميراس حتى نواذيبو.

المطبخ الموريتاني

الطعام في موريتانيا ليس مجرد وجبة لسد الجوع، وإنما نشاط اجتماعي، حيث يؤكل الطعام عادة، وسط العائلة، في وعاء تقديم كبير يسمى “كالاباش”، وتستخدم الأواني الصغيرة فقط في المناطق الحضرية عند تناول الطعام الغربي.

المطبخ الموريتاني ليس غنيا جدا، بالنسبة لطبيعة المكان الجغرافية وأسلوب الحياة البدوي، وخاصة في الشمال، حيث يتكيف السكان مع البيئة وتكون أطباقهم غنية بالمكونات التي لا يشترط طزاجتها وإنما إمكانية حفظها لفترة طويلة، ويعتبر لحم الضأن والجمال مصدرا أساسيا للبروتين وحليب الإبل مصدر أساسي لمنتجات الألبان.

أشهر الأطباق الموريتانية

يعد: “الكسكس والأرز والدخن والبطاطا والبطاطا الحلوة” من النشويات الأساسية، وبالنسبة لموقعها على الساحل، تعد الأسماك مصدر رئيسي للبروتين بين السكان، والأسماك المجففة هي المفضلة لأنها غير قابلة للتلف سريعا مع درجات الحرارة المرتفعة هناك، أما الفواكه والخضروات فهي جزء من النظام الغذائي في الجنوب حيث أصبحت الزراعة ممكنة.

ومن نتاج التبادل الثقافي مع الجارة السنغال، يعد طبق ” Chubbagin” السنغالي رائجا في جنوب موريتانيا، ويُصنع من اللحم أو السمك مع الباذنجان والجزر والبطاطا الحلوة وأوراق الكركديه ويقدم مع الكسكس، ومن الأطباق الشهيرة أيضًا “ياسا”، وهو طبق مصنوع من الأرز وصلصة البصل وفي العشاء الطبق الرئيس عادة، هو الكسكس باللحم.

وبسبب وفرة التمور، يتم تناولها كوجبة خفيفة أو حلوى، بينما المشروب الأساسي هو الشاي الأخضر بالنعناع، ويقدم في طقوس خاصة.

الزي الموريتاني

يرتدي الرجال دراعة، وهي: عباءة خاصة مفتوحة الجانبين بلا أكمام يغلب عليها اللون الأزرق وتشبه “البرنس” في تونس والمغرب.

ترتدي النساء “ملحفة” تشبه “ثوب” السودانيات، ويعلقن حجابا داخل كيس جلدي يحملنه بحرص، ويسمى “حرز الناقة” لدفع الحسد والفقر، وجلب العمر الطويل.

تسمين الفتيات

يعتبر وزن المرأة الزائد من علامات الجمال في موريتانيا، ويتم إعداد الفتيات ليصبحن مرغوبات في أعين الذكور، عبر أسلوب تغذية قسري، ليس بمعنى الإجبار الجسدي أو البدني، وإنما إجبار معنوي ونفسي، فتتناول الفتاة كميات كبيرة من الأطعمة الدسمة.

 ترسل بعض العائلات فتياتها إلى مخيمات مقابل رسوم حيث تشرف المربية على “تسمين” الفتيات، ولا زال هذا التقليد يمارس إلى الآن في بعض المناطق النائية التي لم يصلها التحضر، بينما جعل الاتصال بالغرب وانتشار وسائل الإعلام في باقي البلاد مسألة “تسمين” الفتيات أقل رواجا.

سوق المطلقات

الطلاق في موريتانيا ليس أمرا مستهجنا كما في باقي الدول العربية، خاصة مع فشل ثلث الزيجات في البلاد تقريبا، وفي مقابلة مع أستاذ علم الاجتماع في جامعة نواكشوط، الحسين بديدي، أوضح أن نسبة الطرق تمثل 31%من حالات الزواج.

والرجل يطلق المرأة ثم يتزوج بأخرى وينجب من جديد، فتضطر المرأة للخروج إلى العمل لإعالة نفسها، ونتيجة لفرض التقاليد عليهن البقاء في بيت الأهل، تضطر المطلقة إلى بيع أثاث بيت الزوجية والمفروشات وأواني الطهي فيما يعرف بـ”سوق المطلقات”.

تأسس سوق المطلقات عام 1987، ويقتصر البيع والمتاجرة فيه على النساء اللاتي لسن بالضرورة كلهن مطلقات، فهناك أرامل أيضًا، ويشتركن في بحثهن عن مصدر دخل لإعالة أسرهن مع عدم وجود رجل، ويجد السوق رواجًا لأنه يبيع بأسعار أرخص من السوق، ويعد أكبر سوق للأثاث المستعمل في العاصمة.

حفلات الطلاق

ومن التقاليد الرائجة في موريتانيا “حفلات الطلاق” وهو حفل يقيمه الأهل بعد انقضاء العدة كنوع من الترويح عن النفس للمطلقة ودفع الحزن عنها، ترقص فيه النساء ويغنين بمصاحبة فرق موسيقية أحيانا، وتضع الماكياج وترسم الحناء، لأنها تتطلع للحياة ولزواج مجددا.

وعكس الطلاق عند الزواج على المرأة ألا تبدي سعادتها بالحصول على زوج، وترتدي الأسود، وهناك عادة تسمى “الترواغ” تخبئ فيها الصديقات العروس بعيدا عن الزوج الذي عليه أن يعثر عليها بين بيوت الأهل والمعارف حتى يجدها، وقد يستمر البحث أسبوعا كحد أقصى أو 3 أيام كحد أدنى، وعادة ما يكون الزواج مرتب عبر الأسرة، ويكون في نطاق القبيلة والطبقة.