كتبت – أسماء حمدي 

تصدر الفؤوس صوتًا خافتًا، عندما يقوم مجموعة من المتطوعين الماليين، بقطع أطراف شجرة كثيفة شبيهة بالأدغال، لكنهم ليسوا هنا لتدمير الطبيعة، بل لإنقاذها، إذ يستخدمون الفروع للسيطرة على حرائق الغابات التي تشتعل في هذا الشريط القاسي القاحل من أحراش موريتانيا جنوب الصحراء الكبرى.

صندوق بارود

يعرف أحمدو ولد بخاري، 52 عامًا، بأنه يستطيع تلقي المكالمة في أي وقت، ليلا أو نهارا من السلطات المحلية في باسيكونو، وهي بلدة في جنوب شرق موريتانيا، وفي حال رصد شخص ما حريقا في إحدى القرى الواقعة على أطراف الصحراء، متى يمكن أن يكون هناك هو ورجاله هناك؟.

يقود بخاري لواء مكافحة الفو (لواء مكافحة الحرائق)، وهي قوة متطوعة من حوالي 500 لاجئ مالي يعيشون في مخيم مبيرا، باتجاه الحدود مع مالي، على بعد 11 ميلاً (18 كم) من المدينة، وغالبًا ما ينضم إليهم المتطوعون الموريتانيون المحليون، مما يخلق رابطة بين المضيفين وضيوفهم.

عندما تأتي المكالمة، تحزم فرق مكونة من 50 إلى 70 رجلا أنفسهم على ظهور شاحنات صغيرة ويتجهوا خارج المخيم للتعامل مع الحريق، في بعض الأحيان يسافرون لمسافة تصل إلى 20 ميلًا لإخماد الحرائق.

في موسم الجفاف الأخير، والذي استمر حتى يونيو، ساعد اللواء في إخماد 36 حريقًا داخل وحول المخيم، وفي العام السابق أخمدوا 58 حريقا، حيث تأتي الحرائق عادة بعد هطول الأمطار، عندما تتحول الأراضي المليئة بالحياة النباتية الخضراء ببطء إلى صندوق بارود.

«هناك ثعابين، لكننا نهاجم الحرائق»

لحسن الحظ، لا يوجد حريق فعلي هذه المرة، وعلى الرغم من أن درجات الحرارة  التي تتجاوز 110 درجة فهرنهايت، قد تجعل المرء يفكر بطريقة أخرى، لكن اليوم هو مجرد تدريبات للمتطوعين الماليين.

خلال التدريب، تتسابق الشاحنات في الصحراء، وعندما تتوقف، يقفز الرجال ويبدأون في اختراق شجرة صغيرة، ويمررون أغصانها الرقيقة لاستخدامها كمكانس مؤقتة، إنهم يشكلون خطًّا ويبدأون في تجريف الأرض كما لو كانوا يطفئون حريقًا حقيقيًا.

 يتدفق الغبار والرمل في الهواء الساخن الذي يمتلئ بأصوات صيحات حماسية، قد تكون المعدات متواضعة، لكن الفروع المستخدمة جيدًا تكفي لإخماد العديد من حرائق الغابات.

يقول أحد قادة اللواء مني حمادة: «إن عملية إطفاء الحرائق متعبة بعض الشيء، إنها محفوفة بالمخاطر بعض الشيء، لكن لدينا الشجاعة حتى لا نخاف، نحن شجعان، نذهب في منتصف الليل، ونذهب في الواحدة صباحًا، نذهب في أي ساعة، نذهب إلى الأدغال، هناك ثعابين، هناك كل شيء، لكننا نهاجم حرائق الغابات».

يقول محافظ مقاطعة باسكنو محمد شيخ: «كلما اندلع حريق ما، فإننا نتصل بفرقة إطفاء اللاجئين، ونعمل جميعا معا لإطفائه»، مشيرا إلى أن الحرائق مصدر قلق كبير لكل من اللاجئين والموريتانيين، ومن خلال العمل معا لإطفائها، فإن المجتمع بأكمله يحارب عدوًا مشتركًا مما يحسن العلاقات في هذه العملية.

يظهر رجال الإطفاء هؤلاء قدرا كبيرا من التفاني لدرجة أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والسلطات المحلية تدعمهم بأمور مثل النقل والاتصالات لتمكين هواتفهم المحمولة من التواصل مع شبكة من الأشخاص في المنطقة والذين ينبهونهم عند نشوب حريق.

ويشير المسؤول الميداني للمفوضية في باسكنو، بنجامين كامبالي، إلى أن فرقة الإطفاء أصبحت رمزا للنشاط البيئي، مما دفع اللاجئين والمجتمعات المضيفة والوكالات الشريكة إلى بذل المزيد من الجهد.

جدران الحماية من النار 

أدى تدفق آلاف اللاجئين الهاربين من تصاعد العنف وانعدام الأمن المتزايد في مالي منذ مارس، إلى تراجع حرائق الموسم الماضي جزئيًا بسبب قصر الموسم الناجم عن تدفق 800 ألف رأس من الماشية جلبها اللاجئون الفارون، حيث تغذت الحيوانات على الأشجار والشجيرات على طول الطريق، التي كانت من الممكن أن تشكل خطر لإشعال الحرائق.

تأسس اللواء في عام 2013 كمبادرة بين المنظمة غير الحكومية الموريتانية SOS Desert والسلطات المحلية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو من بين عدد من مجموعات المتطوعين التي ظهرت في مبيرا منذ إنشاء المخيم قبل 10 سنوات، والمخيم هو موطن لحوالي 80.000 مالي.

بالإضافة إلى إطفاء الحرائق، تحاول فرقة إطفاء اللاجئين التخفيف من مخاطر الحرائق عن طريق قطع الأشجار والشجيرات، وفي المقابل كانت تزرع الأشجار لتحل محل تلك المقطوعة لبناء منازل في المخيم وللطهي.

ساهمت هذه الجهود في بناء السور الأخضر العظيم، أو ما يطلق عليها (جدران الحماية من النار)، وهو مشروع ضخم لإعادة التشجير يهدف إلى تنمية حاجز بطول 4350 ميلًا لمكافحة التدهور البيئي في منطقة الساحل.

كما أسست «نجدة الصحراء»، وهي منظمة محلية شريكة للمفوضية، مشاتل للأشجار في جميع أنحاء المخيم، حيث يقوم اللاجئون والموريتانيون على حد سواء برعاية الآلاف من الشتلات، وحتى سبتمبر 2021، تم زرع أكثر من 58,000 شجرة كجزء من جهود إعادة التشجير في المنطقة.

وتم تخصيص ما يقرب من 10 هكتارات من الأراضي داخل المخيم وحوله للاجئين والسكان المحليين لزراعة الخضروات مثل الطماطم والفلفل والكركديه والفاصوليا والبصل، ولا تساعد حدائق الخضروات في الحفاظ على البيئة من خلال زيادة الغطاء الأخضر وتقليل تدهور التربة فحسب، بل إنها تعمل أيضًا على تحسين النظم الغذائية للاجئين والموريتانيين.

رد الجميل

يقول مني حمادة: «تعرض اللواء لإصابة واحدة فقط خلال السنوات الـ9 الماضية، وسط رياح شديدة، تعثر رجل وسقط في حريق كان يكافحه، وتمكن زملائه من رجال الإطفاء من سحبه إلى بر الأمان قبل تعرضه لأذى خطير، إن ما حدث معجزة».

يشير المتطوعون إلى إنهم يقومون بعمل خطير، والذي غالبًا ما يجعلهم يخرجون إلى الميدان لساعات في كل مرة، لأنهم يريدون حماية المنطقة التي يعيشون فيها، لكنهم يفعلون ذلك أيضًا بدافع الامتنان ولرد الجميل لمضيفيهم الموريتانيين عن السنوات التي قضوها كلاجئين.

«يجب أن نساعد المضيفين»، يقول بخاري، مشيرًا إلى الموريتانيين المحليين الذين قبلوا الماليين في بلدهم، مضيفا: «نتدخل لمساعدتهم، لأننا لاجئون على أراضيهم، لم يطلب منا أحد فعل هذا، أو فعل ذلك، إنها مبادرتنا».

تقوم المبادرات التي يقودها اللاجئون مثل مبادرة «متطوعون من أجل نظافة المخيم» أيضا بإجراء حملات توعية مجتمعية منتظمة بهدف تثقيف سكان المخيم حول كيفية الحفاظ على البيئة، وفوائد زراعة الأشجار، والحد من استخدام الحطب، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية