كتبت – أسماء حمدي 

تعتبر حبوب الفونيو من أقدم الحبوب المزروعة في إفريقيا، إذ تزرع في غرب القارة السمراء منذ أكثر من 5000 عام، وتعتبر الغذاء الأساسي لحوالي 4 ملايين شخص، بسبب سرعة نموها حتى خلال فترة الجفاف.

وفي الوقت الحالي، تتزايد الدعوات لزيادة الاستثمار في الحبوب التقليدية للقارة كوسيلة لكسر اعتمادها على استيراد القمح والأرز والذرة.

قيمة غذائية عالية 

يقوم جان بيير كامارا، برش حفنة من البذور الصغيرة على الأرض المحروثة حديثًا بالقرب من قريته في سفوح التلال الجنوبية للسنغال، وأمامه يقوم فريق من الشباب بحرث التربة الطينية من أجل البذر، وخلفه القرويون الأكبر سنًا يقومون بإعادة التربة فوق البذور. 

تعمل قرية كامارا بشكل منهجي كوحدة لتنمية الفونيو، وهي حبة نادرة وثمينة وضرورية لنظامهم الغذائي والتي تستغرق أيامًا فقط لتنبت ويمكن حصادها في أقل من ستة أسابيع، وعلى الرغم من مشقة زراعة الفونيو، إلا أنها بسيطة وموثوق بها، كما يقول أفراد قبيلة بيديك في كامارا.

ويشير أفراد قبيلة كامارا إلى أن الفونيو ينمو بشكل طبيعي، مقارنة بزراعة المحاصيل السائدة مثل القمح والأرز، كما أنه يتكيف جيدًا مع المناخ، ويتميز بأنه له قيمة غذائية عالية ومذاق جيد، ويمكن تخزينه لفترة أطول بكثير من الحبوب الأخرى.

يقول كامارا: «إذا وضعت أمامي بعض الفونيو وشيئًا مصنوعًا من الذرة، فسوف أدفع الآخر جانبًا لأن الفونيو أفضل بكثير، لا توجد مواد كيميائية مستخدمة، وينمو بشكل طبيعي ثم نحصده، نحن لا نضيف له شيئًا».

وبسبب فوائد الفونيو المميزة والكثيرة للغاية، يطالب الأكاديميين وصانعي السياسات الآن بالحبوب جنبًا إلى جنب مع الأطعمة المحلية الأخرى، مثل التيف في إثيوبيا، وكذلك الكسافا ومختلف أنواع البقوليات ليتم تبنيها على نطاق أوسع في جميع أنحاء إفريقيا لتحسين الأمن الغذائي.

في مواجهة الجوع

تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة من أن دول القرن الأفريقي تواجه جوعًا شديدًا، بينما تأثرت دول أخرى بشكل كبير من جراء ارتفاع أسعار القمح بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

يقول مختار ديوب -العضو المنتدب لمؤسسة التمويل الدولية، وهي أكبر مؤسسة إنمائية عالمية يركز عملها على القطاع الخاص في البلدان النامية، وعضو مجموعة البنك الدولي- إن هذه المحاصيل لم تُستغل بالقدر الكافي وتحتاج إلى مزيد من الاستثمار والبحث والتسويق، ويمكن لهذه الأطعمة القديمة، بفوائدها الغذائية الأكبر وقدرتها على الصمود في مواجهة الجفاف، أن تكسر اعتماد القارة على استيراد القمح والأرز والذرة، والتي غالبًا لا تنمو بسهولة في إفريقيا ولكنها تهيمن الآن على النظم الغذائية للناس.

قوبل اقتراح بنك التنمية الأفريقي لتحسين الأمن الغذائي من خلال استثمار مليار دولار (840 مليون جنيه استرليني) في زراعة القمح في إفريقيا بالشكوك لأن القليل من القارة مناسب لزراعة المحصول.

وتستورد السنغال حوالي 70٪ من أرزها، وهو عنصر أساسي في النظام الغذائي الحديث في البلاد، ويتم إنتاج 436000 طن محليًا في أربع مناطق فقط، وشكل القمح الذي لا يُزرع في السنغال 2٪ من وارداتها في عام 2020.

ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أنتجت السنغال 5100 طن فقط من الفونيو في عام 2019، والتي ينمو معظمها حول منطقة كيدوغو الجنوبية الشرقية، ومع ذلك، هناك تحركات لزيادة الإنتاج، حيث أنتجت غينيا المجاورة 530 ألف طن من الحبوب.

أطعمة مهملة

يدعو المهندس الزراعي المشارك في تأسيس جمعية المحاصيل المنسية، ميشيل غانم، إلى مزيد من الاستثمار في هذه الأطعمة المهملة، قائلا: «في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم تكن النظم الغذائية قائمة على القمح، إنهم يتحولون، لقد أصبحوا يعتمدون على القمح، للأسف، مما يؤدي إلى الأمراض غير المعدية والسمنة وجميع أنواعها».

وفي حديثه لصحيفة «الجارديان» البريطانية، أشار غانم إلى أن هناك الكثير من المحاصيل الأصلية مثل التيف والفونيو والذرة الرفيعة، التي لا يزال الناس يأكلونها اليوم ولكن تم إهمالها من قبل وكالات التمويل ومنظمات البحث الدولية، ولكن بالتأكيد ليس من قبل المستهلكين، مشددًا على ضرورة الاستثمار في هذه الحبوب لأن بإمكانهم سد فجوة الطعام الحالية.

يرى الباحثون، إن هذه الأطعمة المهملة لها العديد من الفوائد الغذائية، وغالبًا ما تكون ذات مؤشر نسبة السكر في الدم أقل من الدقيق المكرر والأرز الأبيض، مع احتوائها أيضًا على مغذيات دقيقة مهمة.

 ووجد البحث في التسعينيات عن المحاصيل الأفريقية المهملة من قبل مجلس البحوث القومي الأمريكي، أن الفونيو ودخن الإصبع كانا غنيين بالحمض الأميني الأساسي ميثيونين، والذي غالبًا ما ينقصه النظم الغذائية الغربية، بينما كان التيف غنيًا بالبروتين والأحماض الأمينية والحديد.

لطالما أسيء فهم الفونيو من قبل الباحثين الغربيين، الذين أطلقوا عليه اسم (الأرز الجائع) لأنه تم تناوله أكثر خلال فترات ندرة الغذاء بسبب نموه السريع الذي يمكن الاعتماد عليه.

ومع ذلك، يقول كامارا، إن الفونيو لا يرضي الجوع أكثر بكثير من الحبوب السائدة فحسب، بل له أيضًا نكهة وملمس أكثر نعومة عند تذوقه، مضيفا: «خلال المهرجانات، عندما يكون لدينا الكثير من الضيوف ونريد تكريم شخص ما، فإننا نمنحهم فونيو، إنه امتياز».

ثقافات غذائية مهددة

يقول نائب رئيس منظمة سلو فوود، إيدي موكيبي، التي تقوم بحملات لحماية الثقافات الغذائية المحلية المهددة، إن الإمبريالية فرضت الزراعة الأحادية على إفريقيا والمناطق المستعمرة الأخرى في العالم، مما أدى إلى تدمير التنوع البيولوجي في الزراعة.

يضيف موكيبي: «في ظل الاستعمار، تم الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة المحاصيل النقدية للتصدير، مثل السكر والشاي والكاكاو، بينما في القرن العشرين، روجت «الثورة الخضراء» لفكرة زراعة الحبوب عالية الإنتاجية لمعالجة جوع.

وأشار إلى أن المزارع استمرت في النمو، بدعم من الحكومات الاستعمارية في جنوب الكرة الأرضية، ولم تساهم في التنوع البيولوجي، مضيفا: «قاموا بتطهير مساحات كبيرة من الأراضي المتنوعة، والتي كانت في البداية مغطاة بأنظمة الزراعة الأفريقية التقليدية المشتركة أو أنظمة «ميلبا» في أمريكا اللاتينية، كما هو الحال في المكسيك».

يشير موكيبي إلى أن هذا أدى إلى تغيير النظام الغذائي لأن الناس لم يعد بإمكانهم البحث عن الطعام في الأرض التي تم تطهيرها من أجل المزارع، لافتا إلى إن الحبوب الأصلية مناسبة بشكل أفضل للبقاء على قيد الحياة عندما تزرع مع محاصيل أخرى، على عكس الواردات السائدة التي تتطلب تكييف النظام البيئي لضمان الظروف المناسبة.

أصبح الفونيو مؤخرًا أكثر عصرية، حيث ظهر في قوائم المطاعم في الأحياء الأكثر ثراءً في العاصمة السنغالية، داكار، كما يوصى به الأطباء لمرضى السكري، ويتم الترويج له أيضًا من قبل منظمات الإغاثة والعلامات التجارية للأغذية الصحية، ويأمل المدافعون عن التصدير أن يشجع المزارعين على زراعة المزيد من الفونيو بجعله أكثر ربحية.

كان الطاهي السنغالي بيير ثيام الذي يتخذ من نيويورك مقرًا له، أحد أكثر المؤيدين صراحة للفونيو، حيث شارك في تأسيس العلامة التجارية Yolélé للشراء من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وتسويق الحبوب على أنها «طعام ممتاز» في الغرب، وعملت Yolélé مع SOS Sahel، وهي منظمة مساعدة تعالج البطالة في المنطقة من خلال مساعدة المزارعين على تحسين أراضيهم وزيادة إنتاج الفونيو، وتريد المنظمة غير الحكومية زيادة الإنتاج بمقدار 900 طن بحلول عام 2024.