كتبت – أسماء حمدي

في السنوات الأخيرة تصدرت الماعز المتسلقة للأشجار في المغرب عناوين الصحف، ووصفت بأنها ظاهرة فريدة من نوعها في شمال أفريقيا، حيث يتم جذب الماعز بثمار الأرجان والحب لتقف برشاقة وخفة على غصون الأشجار.

يتوقف ماورو بيلوني، الطالب الإيطالي الذي يزور المغرب، عند إحدى الأشجار مذهولًا ومندهشًا وهو يلتقط المشهد، قائلا: «إنه لأمر مدهش حقًّا، اعتقدت أن الماعز كانت مزيفة عندما رأيت صورًا لها، لكنها حقيقية».

موجة جفاف

يشهد المغرب أسوأ موجة جفاف منذ عقود، ما يجعل من الصعب على المزارعين زراعة المحاصيل في هذه المنطقة الغربية من مراكش، وبدءًا من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ البعض في زراعة ماعزهم بالأشجار لكسب الإكراميات من السائحين.

وبعد انتشار جائحة الفيروس التاجي أوائل عام 2020، تضاءل مصدر الدخل ولكن بعد انتهاء إغلاق البلاد في وقت مبكر من هذا العام، استؤنفت أعمال عرض الماعز على الأشجار، لكن هذه الظاهرة واجهت عدة انتقادات من دعاة رعاية الحيوان.

تقول مديرة حملة الحياة البرية في World لحماية الحيوان، ليز كابريرا هولتز، وهي منظمة عالمية غير ربحية مقرها المملكة المتحدة: «يتم التلاعب بهذه الحيوانات واستغلالها، إنهم لا يتحركون بحرية، وليس لديهم إمكانية الوصول إلى الطعام أو الماء أو حتى الظل، إن إجبارك على البقاء في الأشجار لساعات ليس سلوكًا عاديًا».

الماعز الطائرة

يقول المرشد السياحي محمد العمراني، المقيم في مراكش: إن الماعز التي تعلو أشجار المغرب مدربة على القيام بذلك كمشهد رائع، يمكنهم تسلق الأشجار وحتى الجبال، وهم بارعون حقًا في ذلك، ويشير بعض ضيوفي إليهم على أنهم ماعز طائر، ويريدون رؤيتهم لأنه لا يوجد شيء مثل هذا في أي مكان آخر في العالم.

يمكن رؤية تسعة قطعان منفصلة، بما في ذلك قطعان جواد بن عدي، وهو أحد الرعاة، وهي تزين الأشجار على طول الطريق الذي يبلغ طوله حوالي 100 ميل من مراكش القديمة إلى الصويرة، وهي مدينة مشرقة ذات جو جميل على ساحل المحيط الأطلسي وتشتهر بالسياح.

 تقف الماعز بشكل عام من وقت متأخر من الصباح إلى منتصف بعد الظهر، عندما تكون حركة المرور أكثر ازدحاما بين المدينتين، كما يمكن رؤية الماعز في الأشجار في أقصى الجنوب، بالقرب من أغادير في منطقة سوس ماسة، يقول العمراني: «إنهم مثل الفطر، موجودون في كل مكان».

يأمل جواد بن علي وهو يقف بجانب أحد أشجار الأرجان، أنه عندما يتوقف السائقون، فإنهم سيتركون إكرامية سخية، يقول: «بعض الناس يدفعون 10 دراهم (حوالي دولار)، حتى أن البعض يعطي 10 دولارات، الأمر ليس مثل بيع البطاطس لا يوجد سعر محدد».

 يقول بن عدي: إن المال ضروري لرعاية زوجته وأطفاله الخمسة والحيوانات شاتان وحمار بالإضافة إلى الماعز، مشيرا إلى أنه بدأ في عرض الماعز على الأشجار في عام 2019 بعد فشل محصول القمح، وفي ذلك الوقت، في يوم جيد، توقفت 10 مركبات على الأقل، وعاد إلى منزله بحوالي 20 دولارًا.

يضيف بن عدي: «أثناء الإغلاق الوبائي، ماتت جميع الماعز الـ13 جوعًا باستثناء واحدة، ومنذ فبراير، عندما أعيد افتتاح المغرب، استحوذ بن عدي على قطيع جديد، يضم عشرات الحيوانات»، لكنه يقول إنه محظوظ الآن إذا توقفت ثلاث سيارات.

يحكي بن عدي، أن تدريب الماعز يستغرق ما يصل إلى 6 أشهر، يقول مبتسما: «إنهم أذكياء للغاية، إنهم مثل الناس، الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم فعله هو التحدث، لكن بعضهم عنيد جدا إنهم يحبون أن يتجولوا».

 ويتضمن التدريب إغراء الماعز إلى الشجرة بفاكهة الأرجان والحبوب وحثها على وضعها في مكانها باستخدام عصا، غالبًا ما يتم ربط صغار الماعز بجذع الأشجار ليسهل على السائحين التقاط الصور معهم، بحسب بن عدي.

مصطفى العبوبي، وهو راع آخر على الطريق من مراكش إلى الصويرة، يقول إنه لا يكلف نفسه عناء تدريب ماعزه، إذ يقوم هو ومساعدوه ببساطة بحمل الحيوانات إلى أعلى الشجرة بأنفسهم، مضيفا: «إنهم يحاولون القفز في البداية، لذلك نواصل جمعهم وإعادتهم، وفي النهاية، يتعلمون أنه لا جدوى من المحاولة».

هل تتأذى الماعز؟

 يقول العمراني إن العملاء الذين يطلبون زيارة الماعز المتسلقة للأشجار غالبًا ما يجدون أن التجربة لا تلبي توقعاتهم، إذ يشعر بعض الناس بعدم الارتياح، إنهم قلقون ويسألون كيف تتسلق الماعز الأشجار، إنهم يريدون معرفة ما إذا كانوا قد تعرضوا للأذى.

يشير طبيب بيطري في الصويرة، عدنان العجي، إلى إن الماعز تتمتع بالمرونة ويمكنها التعامل مع الضغوطات مثل الحرارة وندرة المياه، لكن جعلها تقف في الأشجار لساعات خلال فصول الصيف في المغرب، حيث يمكن أن ترتفع درجات الحرارة إلى المئات، يمكن أن يؤدي إلى الإجهاد الحراري والجفاف، كما يمكن للحيوانات أن تسقط من الأشجار وتتأذى.

بالعودة إلى شجرة أرجان لـ«بن عدي»، عندما يحين وقت ماعزه للعودة إلى المنزل، ينزل 11 ماعزًا بسهولة، إذ يتسلق خالد لإقناع الأنثى المتطرفة، بينما يرميها شقيقه الأكبر، عبد المجيد، بالحجارة الصغيرة، ثم يستخدم عصا لتحريك الغصن الذي تقف عليه، ثم تتأرجح الماعز وتسقط على الأرض، حيث تسقط حوالي 12 قدمًا،بوعد عدة محاولات  كافحت للوقوف على قدميها، وبينما يمشي الآخرون إلى أقدامهم، تتخلف وراءها، وهي تعرج.

رغم أن المغرب عضو في المنظمة العالمية لصحة الحيوان، وهي الهيئة المسؤولة عن تقييم صحة الحيوان ورفاهيته على مستوى العالم، إلا أن البلاد تفتقر إلى قوانين قوية لحماية الحيوان، بحسب كابريرا هولتز.

في عام 2021، عندما صنفت منظمة حماية الحيوان العالمية غير الربحية 50 دولة بناءً على قوانينها والتزاماتها السياسية المتعلقة بالحيوانات، كان المغرب واحدًا من سبع دول فقط حصلت على درجة رسوب.

تقيم المنظمة رفاهية الحيوان وفقًا لخمسة مجالات: التغذية (الوصول إلى الغذاء والماء)، والبيئة (الراحة)، والصحة (التحرر من الألم والإصابات)، والسلوك (حرية التعبير عن العادات الطبيعية)، والحالة العقلية (الرفاه النفسي)، تضيف كابريرا هولتز: إن الماعز الذين أُجبروا على تسلق الأشجار من أجل متعة السائحين تعرضوا لسوء المعاملة.

وتقول: «في حين أن النشاط قد يبدو حميدًا، إلا أنه ينطوي على قسوة على الحيوانات، وتضيف أن السائحين يحصلون أساسًا على صور لأدوات المعيشة، ما يحدث هنا ليس طبيعيا إنه قسري، وفي أي وقت تقدم فيه عنصرًا من الإكراه، فليس من المناسب ما إذا كانت أجسادهم قادرة على الوقوف على الأشجار».

«ليس جيدًا للأشجار»

وفي حديثها لـ«ناشيونال جيوجرافيك»، تقول رئيسة قسم صحة الحيوان في المغرب في المنظمة العالمية لصحة الحيوان، أسماء كميلي، إنها لا تعلم أن الماعز في منطقة الصويرة يتم زرعها في الأشجار لكسب دولارات السياحة، مشيرة إلى أن تسلق الأشجار سلوك طبيعي للحيوانات وهو مفيد للأرجان لأنه إذا أكل الماعز الفاكهة ونثر البذور، فإن ذلك يزيد من عدد الأشجار.

يتفق عالم البيئة في مركز أبحاث التصحر، وهو معهد في إسبانيا مكرس لدراسة التدهور البيئي في الأراضي الجافة، خوسيه فيدرياني، على أن نثر البذور أمر جيد، لكنه يقول إن الماعز لا تأكل الفاكهة فقط، إنهم يلتهمون أوراق الشجر والشتلات، ويستغرق الأمر من سبعة إلى 15 عامًا حتى تصل الأرجان إلى مرحلة النضج وتنتج الفاكهة، لذا فإن وضع العديد من الماعز في منطقة يمكنها تدمير الشتلات خاصة أثناء فترات الجفاف ما يمنع في الواقع تجديد الأشجار.

يقول فيدرياني، إن استخدام الماعز كعنصر جذب مفيد لجلب السياح، لكنه ليس جيدًا للأشجار على الإطلاق.

حوالي نصف ميل على طول الطريق بين أشجار أرجان بن عدي، الذي اضطر إلى التخلي عن الزراعة ويقوم بتدريب ماعزه الثمانية الجديدة على الجلوس في شجرته اللوزية، رافضًا أي فكرة أن ما يفعله هو عمل قاسٍ، يقول: «تبقى الماعز في الأشجار لمدة ثلاث إلى أربع ساعات في المرة الواحدة، تخيل لو أبقيتهم داخل المنزلفسيسجنون وسيصابون بالجوع، من أين يأتي المال لإطعامهم؟ لا يوجد شيء آخر للقيام به، لا توجد وظائف، لا توجد حلول أخرى، هذا هو الحل».