تحت عنوان «الأوضاع الحالية في القرن الأفريقي في ضوء التطورات التي تشهدها كل من السودان وإثيوبيا والصومال» نظم “مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية” ندوة مشتركة بالتعاون مع “مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية”.

سلطت الندوة النقاشية الافتراضية الضوء على مستقبل الصومال بعد انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود، وأبرز التحديات التي تواجهه، كذلك تطرق النقاش إلى الأزمة السياسية في السودان وفرص حلها، إضافة إلى المشهد في جنوب السودان ومسار التنمية بها، ومن ضمن محاور الحلقة النقاشية: كيفية تعامل النظام في إثيوبيا مع الأزمة الداخلية التي تفجرت مع تأزم الوضع في إقليم تيجراي.

أدار الحوار الدكتور محمد السبيلطي، رئيس برنامج الدراسات الأفريقية بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وتحدث في الحلقة النقاشية كل من:

الدكتورة نرمين محمد توفيق، المنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية والباحثة في الشؤون الأفريقية.

الأستاذة أسماء الحسيني، مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية والباحثة في الشؤون الأفريقية.

تيكواج بيتر، الباحث في جامعة القاهرة.

عبدالقادر محمد علي، الباحث في شأن القرن الأفريقي.

تحدثت أسماء الحسيني عن تطورات المشهد في القرن الأفريقي، مشيرة إلى أن كل دول القرن الأفريقي شهدت تطورات كبيرة للغاية، فالجميع بلا شك شاهد الأحداث الإثيوبية والحرب التي دارت وألقت بتداعيات كبيرة، هذه التداعيات تحتاج إلى معالجات طويلة، خاصة عندما يكون الحديث عن حرب دموية على أسس إثنية وعرقية، كما أن تدخل إريتريا في هذا الشأن ألقى بظلاله على الوضع بين البلدين.

وأشارت الحسيني إلى أن الأوضاع الإثيوبية أثرت وتأثرت بأوضاع السودان، فهناك اتهامات متبادلة من قبل إثيوبيا التي كانت لاعبًا رئيسيًّا في كل قضايا السودان، وكانت تقود المفاوضات في السودان وجنوب السودان، كما أنها لعبت دورًا مهمًّا بعد الثورة السودانية للوصول إلى الوثيقة التي حكمت الفترة الانتقالية بوساطة من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ولاقت وساطته وقتها ترحيبًا كبيرًا من القوى السياسية، لكن بعد الأحداث التي اتهمت فيها إثيوبيا السودان بالتدخل، وبعد الحروب التي دارت في منطقة “الفشقة ” الحدودية وبعد التصعيد الذي تم في قضية سد النهضة لم تعد إثيوبيا في ذات الموقع بالنسبة للسودانيين، فكانت الحرب بين الطرفين على الحدود فرصة لكل طرف حاكم للهروب من مشاكله الداخلية.

 تضيف “الحسيني” أنه كان هناك أيضًا لاجئين إثيوبيين تدفقوا للسودان ولقوا ترحيبًا رغم الصعوبات التي يواجهها السودان في ظل المرحلة الانتقالية، فالحرب في إثيوبيا اشتعلت في نفس التوقيت الذي كان يواجه فيه السودان قرارات 25 أكتوبر التي فضت الشراكة بن المكون العسكري والمدني، وما وجدته الفئة التي تعارض تلك القرارات من تعاطف دولي، لكن مع الأحداث التي اندلعت في إثيوبيا كان لها تأثير على الأحداث بالسودان التي تم النظر لها على أنها أحداث هينة مقارنة بما يدور في إثيوبيا.

احتقان سياسي واجتماعي في السودان

أشارت “الحسيني إلى أن أوضاع السودان مرتبطة بما يحدث في القرن الأفريقي ويعيش بالفعل حالة احتقان سياسي واجتماعي بعد 4 أعوام من الاحتجاجات، فرغم إسقاط النظام لا زالت الأوضاع محتقنة وهشة، يتجلى ذلك في الاحتجاجات والتظاهرات التي تطالب بالحكم المدني وإسقاط الحكم العسكري، أيضًا تفاقم الصراع في دارفور وشرق السودان في ظل متغيرات إقليمية ودولية تلقي بظلال قاتمة على الوضع في السودان والقرن الأفريقي.

وتحدثت عن نظام عمر البشير، السابق الذي أحكم قبضته على كل مناحي الحكم، وأدى ذلك إلى نتائج سلبية للغاية، فأصبحت الدولة مهلهلة داخليًّا ومحاصرة خارجيًّا، والآن باتت دولة تعاني من المجاعة التي يواجهها القرن الأفريقي، وهي قضية مهمة يجب تسليط الضوء عليها، فـ40% فعليًّا مهددين بالجوع وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

وأضافت: “الكل رأى قرارات 25 أكتوبر التي أزاحت المكون المدني من الحكم وبعد هذه التطورات دخل السودان لا شك في مشهد ضبابي مهول النتائج، وصعوبات كبيرة متعلقة بعملية التفاوض تحاول المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة تسهيلها، لكن هناك تيار ثالث يرفض التفاوض تمامًا يتحدد في رجال المقاومة في الشارع و«تجمع المهنيين» وحركات مسلحة أخرى”.

ورأت “الحسيني أن المكون العسكري يسعى إلى ترسيخ تواجده على الأرض، ولكن هناك مخاوف كبيرة من صدام محتمل وتوتر يغذيه العناصر الإسلامية الموجودة من فلول النظام السابق ومخاوف من أن يحدث انهيار للأوضاع في السودان أيضًا مخاوف من عودة نظام قديم أو انقلاب عسكري جديد، ومخاوف أيضًا من مزيد من العقوبات الدولية على السودان، فالجميع رأى في الفترات السابقة القرارات التي اتخذها الكونجرس الأمريكي ورغم أنها لم تُفرض تأتي مخاوف من تطبيقها، مشيرة إلى نادي باريس الذي جمد وضع إلغاء ديون السودان، والآن تم تمجيد هذا المسار وكان بموجبه سيتم الشروع في إلغاء 60 مليار دولار حجم ديون السودان وأيضًا تقديم مساعدات في هيئة قروض تُقدر بـ8 مليار دولار والسودان بات فعليًّا ممنوعًا من هذه الإجراءات.

رغم تعدد مبادرات الحل السودان يعاني

بحسب “أسماء الحسيني” زادت في الأشهر الأخيرة الاضطرابات رغم تعدد مبادرات حل الأزمة السودانية، كان من أهمها المبادرة التي قادتها الأمم المتحدة ثم تحولت لمبادرة ثلاثية لكنها تواجه برفض من “قوى الحرية والتغيير” وبعض الجهات الأخرى ترفض المبادرة بسبب دعوة جهات عدة كانت موالية للنظام السابق وللنظام العسكري حاليًّا، وبالتالي لم تصل إلى شيء رغم الجهود المبذولة. وتحدثت عن أسباب كثيرة متعلقة بتعثر جولات الحوار الدائر أهمها انعدام الثقة بين الطرفين بسبب الشراكة الفاشلة بين المكونين المدني والعسكري، واستمرار نزيف الدماء، وعدم قوة وتماسك الآلية الثلاثية، أيضًا البعض يحاول أن يجهض المبادرة المقدمة، منهم -الإسلاميين والحزب الشيوعي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين- مبينة أن هناك حاجة لدور كبير من قبل الدول العربية وأن تكون هناك وساطة مدعومة من السعودية ومصر والجامعة العربية، لأن استقرار السودان مهم للقرن الأفريقي والقارة الأفريقية وللمنطقة العربية.

توترات دارفور وشرق السودان

اعتبرت “الحسيني” أن التوترات التي تحدث شرق السودان أدت إلى إغلاق الطريق القومي وقطع الموانئ على البحر الأحمر والتوترات التي تحدث في دارفور أدت إلى سقوط قتلى والجميع في مخيلته أن الوضع مهدد في أنحاء السودان، حيث هناك حركات مسلحة لم تنضم إلى اتفاق جوبا للسلام وتطالب بحق تقرير المصير إذا لم يتم الاستجابة لمطالبها، وبالتالي هناك حاجة إلى حل في السودان يتجاوب مع الحد المعقول من مطالب الشارع، خاصة أن السودان له خصوصية في منطقته العربية والأفريقية حيث كان سبّاقًا بالمطالبة بالتحول المدني والتحول الديمقراطي والاستجابة لذلك يمكن أن تحدث حالة من التهدئة بالشارع السوداني.

دور السعودية في استقرار السودان

نوهت “الحسيني” إلى أن السعودية صرحت بأنها ليست بديلًا للآلية الثلاثية لكنها تسعى إلى تسهيل عملية جلوس الأطراف السودانية، وهذا أمر إيجابي يجب أن يتم البناء عليه، فالعالم العربي الآن أمام فرصه لبذل كل جهد بشرط ألا يكون منحازًا لطرف على حساب طرف آخر، والإعلام العربي عليه دور مهم في تقديم رسالته الإيجابية بشأن قضايا السودان وقضايا القرن الأفريقي، لأن ترك المشهد بالسودان والقرن الأفريقي بدون تدخل إيجابي يعتبر خيارًا أسوأ للأمن القومي العربي. في سياق متصل أكدت أسماء الحسيني أن السودان وسواحله الشرقية كان محط أنظار أطراف عدة منذ عهد النظام السابق، حيث كانت روسيا تسعى إلى ذلك، والجميع سمع عن اهتمام تركيا بميناء سواكن وغيرها من القوى الإقليمية لكن الآن بعد زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني لموسكو والوعود التي أطلقها بإنشاء قاعدة عسكرية وجد معها رد فعل كبير من الغرب ومن أمريكا التي لا تترك السودان وموانئه لروسيا.

الأوضاع في الصومال

تناولت “الحسيني” أوضاع الصومال، مبينة أن هناك فرصة متاحة بشرط أن يتم مساعدة الصومال في بناء دولته ومؤسساته الوطنية وجيشه الوطني، فبدون هذا الجيش سوف يتنامى الإرهاب الذي يجد الفرصة لزيادة حدته بادعاء أن هناك قوى خارجية تتدخل في الشأن الصومالي الوطني، مسلطة الضوء على تسلم السلطة بقدر سلمي هناك، وهذا أمر نادر الحدوث القرن الأفريقي، لكن هناك حاجة فعلية لبناء ثقة ومساعدة المجتمع الدولي وتجاوب الأشقاء في الصومال من كل الأطراف، وتحقيق تعاون كبير بين المنطقة العربية والقرن الأفريقي شديد الصلة بالعالم العربي وبكل التطورات التي تنعكس سلبًا وإيجابًا.

التدخلات في القرن الأفريقي

حول التدخلات الدولية في القرن الأفريقي، ذكرت “الحسيني” أن هناك مبعوثًا صينيًّا وآخر أمريكيًّا، وبتحليل هذا التدخل الدولي يمكن تفسيره على أن بعض الدول تجد أن مصالحها مهددة بفعل الظروف القائمة في منطقة القرن الأفريقي وتطورات المشهد القائم، فالصين تتدخل بثقلها وروسيا تسعى إلى إيجاد اتفاقات عسكرية مع العديد من الدول الأفريقية لإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر سواء عبر السودان أو إريتريا أو غيرها.

وبالإشارة إلى التدخل الدولي في المنطقة توضح “أسماء الحسيني” وجود مطالب بالفعل بأن يكون ضمن هذا التدخل حلول شاملة لقضية سد النهضة الإثيوبية لأن هذه القضية بالفعل تثير المزيد من التوتر بالمنطقة.

من جانبه تحدث “تيكواج بيتر” عن الوضع في السودان وعلاقاته الإقليمية وأهمية تلك العلاقات في جنوب السودان مع الشمال السوداني ومع إثيوبيا، موضحًا أن منطقة القرن الأفريقي هي منطقة تشهد صراعات مرتبطة بأخرى داخلية، وعلى فترات ممتدة شهدت العلاقة بين إثيوبيا والسودان توترات لفترات طويلة، وفي الفترة الأخيرة كانت هناك بعض التفاهمات بين السودان وإثيوبيا لكن توترت العلاقات وهي سمة العلاقات بين الطرفين، ما يوضح صعوبة عملية التفاهمات.

توتر العلاقات السودانية الإثيوبية

هناك بعض الملفات تشهدت توترات منها ملف سهد النهضة وملف الفشقة الحدودية -يضيف تيكواج- إن هذا الأمر يشير إلى عدم تحسن العلاقات بين الطرفين، إضافة إلى خلافات ستستمر ما لم يتوصل الطرفان إلى تفاهمات، وبشكل عام الجانب الإثيوبي يصعب ويستمر في العمل على سد النهضة دون مشاركة الأطراف الأخرى.

وسلط “تيكواج” الضوء على العلاقات بين السودان وجنوب السودان، فجنوب السودان -من وجهة نظره- يعمل على تطوير علاقاته مع إثيوبيا، وهناك تفاهم في ملفات قضايا الأمن، وتم التأكيد في أكثر من مرة على أن تلك العلاقات بين السودان والجنوب علاقات متينة.

القواعد العسكرية في السودان

تيكواج” تحدث عن مساعي إقامة قواعد عسكرية أجنبية في السودان، مؤكدًا وجود عدد من الدول الكبرى يرغبون في إقامة قواعد عسكرية في السودان وكذلك منافسين إقليميين من بينهم تركيا التي تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية في السودان.

وأشار إلى أن مسألة استقبال القواعد العسكرية بالسودان يعتبر أحد أدوات السياسة الخارجية، لكن هناك مشاكل وخلافات واضحة في الداخل السوداني ما يؤثر أو يؤخر من عملية إنشاء قواعد عسكرية داخل السودان.

بدورها تناولت “الدكتورة نرمين توفيق” الحديث عن الصومال باعتبارها دولة مهمة للغاية، ومن دول القرن الأفريقي التي تتمتع بموقع “جيواستراتيجي”، وتطل على ممرات مائية مهمة، تؤثر على مسار التجارة العالمية، وتؤدي إلى خلق اهتمام دولي كبير بالصومال بفضل موقعها.

الصومال ومصطلح “اللادولة

أضافت “الدكتورة نرمين”: “الصومال كان له تجربة مع مصطلح «اللادولة»، فبعد سقوط نظام الرئيس سياد بري عام 1991م، دخل الصومال في حرب أهلية بين جميع المكونات، ومعها سقطت مؤسسات الدولة ودخلت في مرحلة اللادولة لفترة طويلة، ونتيجة ذلك أفرز هذا الوضع حركات إرهابية على رأسها «حركة شباب المجاهدين» الصومالية، التي أعلنت عن تواجدها ورفضت السلام مع معارضيها، واستطاعت في مرحلة وجيزة أن تفرض سيطرتها بقوة السلاح على مساحات واسعة من الصومال تقدر بـ85% وسطًا وجنوبًا”.

وأكدت أن بعثة حفظ السلام الأفريقي بدأت في دورها، وحاولت توجيه حركة شباب المجاهدين الصومالية، لكن الحركة قابلت ذلك بتنفيذ عمليات إرهابية ليس فقط في الصومال، ولكن امتدت لدول الجوار مثل أوغندا وكينيا، ومؤخرًا الجميع شهد المخاض العسير للانتخابات الصومالية وانتهاء فترة الرئيس فرماجو، فقد كان موعد الانتخابات محددًا في 2021م، لكن قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية رفض فرماجو توقيت انعقاد الانتخابات الرئاسية، ومعظم المكونات رفضت تصريحات فرماجو، إلى أن شهدت الفترة الأخيرة حلحلة في العملية السياسية لتنعقد بعدها الانتخابات الرئاسية ويأتي الرئيس الجديد حسن شيخ محمود.

وأوضحت المنسق العام لمركز فاروس، أن ما أفرزه المشهد الانتخابي في الفترة الأخيرة ووصول حسن شيخ محمود إلى الرئاسة كان بمثابة خطوة مهمة تخلص معها السودان من إمكانية الانجرار نحو حرب أهلية.

وسلطت الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجه رئيس الصومال الجديد، منها جمع المكونات الصومالية، إضافة إلى التحدي الأمني فلا تزال حركة شباب الجاهدين تمثل خطورة؛ لأنها من قبل أعلنت مبايعتها لتنظيم القاعدة في 2012، ومحاولة داعش اختراق الصومال، ففي عام 2015م سعت داعش إلى إقامة ولاية لها شرق أفريقيا شرط أن تتخلى حركة شباب المجاهدين عن مبايعتها لتنظيم القاعدة، لكن الحركة الأم رفضت ذلك، وهنا أصبح الحديث عما يثيره تواجد الحركة في منطقة شمال الصومال من تهديدات أمنية على دول الخليج العربي ودول حوض النيل ومنطقة شرق أفريقيا بنحو عام.

قواعد جيبوتي العسكرية

تحدثت “الدكتورة نرمين توفيق” عن جيبوتي، باعتبارها دولة من دول القرن، وتمثل حالة مهمة للجميع، حيث يتواجد داخلها عدة قواعد عسكرية، وهنا يمكننا العودة بالحديث عن منطقة القرن الأفريقي باعتبار أنها منطقة تؤثر بشكل مباشر على مسار التجارة العالمية والجميع على دراية بأن التجارة والممرات التجارية مهمة للدول العالمية، فجيبوتي مثلها مثل دول القرن الأفريقي تسعى إلى مصالحها.

داعش والانتشار البديل

بعيدًا عن الصومال تطرقت “توفيق” إلى الحديث عن تنظيم داعش، مؤكدة أن داعش بعد الضربات التي تلقاها وهو يبحث عن أماكن بديلة للانتشار مرة أخرى بأفريقيا ليجد فيها ملاذًا به كافة المقومات التي تسهل من عملية انتشاره، فظهر في الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، وحاليًّا يحاول تكوين ما يسمى ولاية قلب أفريقيا، فقام بتنفيذ عملية إرهابية في موزمبيق واستولى على ولاية ساحلية غنية بالموارد الطبيعية، أيضًا جماعة القوات المتحالفة الديمقراطية عبارة عن متمردين من أوغندا ويتواجدون في دولة الكونغو الديمقراطية، هذه الجماعة أعلنت ولاءها لداعش واستطاعت بالفعل اختراق أوغندا وتنفيذ عملية إرهابية في نوفمبر 2021 كانت بالعاصمة، وبالتالي فإن هذا المشهد يعكس مدى خطورة التحديات الأمنية، يتطلب معه تنسيق أمني وتبادل أمني والاستعانة بالدول التي تمتلك خبرة في مجال مكافحة الإرهاب، ولا ننسى أن التواجد العربي مهم في هذه المرحلة سياسيًّا وإنسانيًّا.

تحدث “عبدالقادر محمد علي” عن القرن الأفريقي، مشيرًا إلى أن منطقة تمر الآن بمنعطف سنشهد معه واقعًا جديدًا في القرن الأفريقي مختلف عما شهدناه في السنوات الـ4 الماضية.

وأضاف: “إذا تحدثنا عن الصومال باعتباره جزءًا من القرن الأفريقي، فانتخاب الرئيس حسن شيخ محمود أهم انعكاسات ذلك الأمر هو احتمالية تفكك التحالف الثلاثي بين إثيوبيا وإريتريا والصومال، وأهم مؤشرات ذلك موقف إريتريا من انتخاب حسن شيخ محمود، حيث لم يرسل الرئيس الإريتري برقية تهنئة، ولم يوفد وفدًا بالمشاركة في احتفالات التنصيب، وكذلك الوسائل الإعلامية بعضها تحدث عن نية الإدارة الجديدة البحث في مصير الجنود الصوماليين الذين كانوا في إريتريا، ما يشير إلى مقدمة توتر بين الطرفين، النقطة الأخرى التي يمكن تسليط الضوء عليها هي أ ن القرار الأمريكي بإعادة إرسال الجنود إلى الصومال، وانعكاس ذلك الأمر إقليميًّا، ونستطيع هنا القول إن القرار الأمريكي مرتبط بالصراع الجيوسياسي وصراع القوى الكبرى على القرن الأفريقي، وجزء منه مرتبط بالتطورات في العلاقة بين إريتريا وروسيا، والتصاعد الكبير في مستوى العلاقات بين الطرفين”.

تطورات الوضع في إثيوبيا

في الشأن الإثيوبي يشير “عبدالقادر” إلى أهم تطورين لافتين، الأول هو المصالحة بين الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، والثاني محاولة الحكومة التخلص من ميليشيات “فانو” وجيش تحرير أورومو، فحول التوجه نحو المصالحة، تم التأكيد في مقال سابق عن المؤشرات المبدئية لعملية السلام بحل النزاع في تيجراي، وهذه المؤشرات يتضح آخرها بتصريح رئيس الوزراء الإثيوبي، عن تشكيل لجنة برئاسة وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة بحيث تكون معنية بعملية التفاوض مع جبهة تحرير تيجراي، في حين نشرت الجبهة رسالة توضح فيها الاستعداد لإرسال وفد عالي المستوى لكينيا للتفاوض وفق الاتفاق القائم بين الأطراف.

تابع “عبدالقادر”: “أهم دوافع الطرفين للانخراط في عملية السلام تتمثل في إيجاز رئيس الوزراء الإثيوبي شرطه الذي كرره عدة مرات، حول القبول بوقف إطلاق النار المتمثل في انسحاب قوات تيجراي من المناطق التي سيطرت عليها في إقليمي عفر وأمهرة، أيضًا ما أثبتته تجربة الحرب المريرة، ثم التبعات التي لحقت بالاقتصاد الإثيوبي نتيجة استمرار الحرب، وبالنسبة لتيجراي أهم العوامل الدافعة للدخول في مفاوضات سلام تتمثل في أن فكرة التخلص عسكريا من نظام رئيس الوزراء غير ممكن الآن، وأن سياسة الحصار المتبعة من قبل الحكومة وضعت الملايين في مجاعة، النقطة الثالثة الخراب الشامل الذي أصاب الإقليم، وكذلك الانهيار الاقتصادي الذي أصاب الجبهة.

وسلط “عبدالقادر” الضوء على العوائق بين الطرفين في سبيل السلام منها عدم الثقة بين الطرفين، ووجود تيار استقلالي قوي في إقليم تيجراي، إضافة إلى أن سقف المطالب يصعب التسوية حوله حتى الآن، يظهر ذلك جليًّا من خلال متحدث الجبهة الذي أعلن عن مجموعة من المطالب غير قابلة للتفاوض وهذه المطالب تهيئة للانفصال على غرار جنوب السودان وبالتالي التعامل مع هذه المطالب أمر في غاية الصعوبة، وعلى المستوى الحكومي فإن أهم العوائق تتمثل في التحالفات التي أنشأها رئيس الوزراء الإثيوبية مع قومية من الأمهرة ومع إريتريا للقضاء على جبهة تحرير تيجراي.

وأشار إلى محاولة النظام الإثيوبي القضاء على المليشيات الأمهرية القومية “فانو”، التي كانت جزءًا هامًّا من المجموعات المسلحة غير النظامية، وكان الهجوم عليها من منطلق إنفاذ القانون، ويرتبط ذلك بعدة عوامل فمحليًّا توجد رغبة لدى رئيس الوزراء في التسويق لنفسه على أنه قادر على فرض هيبة الدولة وكسب دعم الفئات المتخوفة من المليشيات الأمهرية، وإقليميا التخلص من القوى التي تعرقل التحولات الجذرية التي قد تشهدها المصالحة بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بالنظر إلى أن المليشيات الأمهرية لها نظرة راديكالية في التعامل مع التيجراي، وأخيرًا يمكن القول إن الحكومة الإثيوبية تنوي تصفية القوى الأمهرية القادرة على إثارة اضطرابات إقليمية لا سيما مع السودان، وكذلك حرمان أي طرف راغب في توتير الأوضاع داخل البلاد مستقبلًا من التعاون مع قوى مسلحة ضد قاعدة شعبية وبالخصوص إريتريا التي دربت عناصر مسلحة من الأمهرة.

العلاقات الإريترية الإثيوبية

بالنسبة لإريتريا سلط “عبدالقادر” الضوء على تطورين هامين، الأول فتور العلاقات الإريترية الإثيوبية، والثاني تطور وتيرة العاقات الإريترية الروسية، فيما يخص التطور الأول كان الأمر حدثًا مفاجئًا بالنظر إلى التحالف العميق بين البلدين منذ صيف 2018، لكن هناك مؤشرات على تباين في الآراء حول التعامل مع ملف التيجراي آخر هذه المؤشرات كان التعليق السياسي لوزير الإعلام الإريتري وهو تخطيط الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي لهجوم يستهدف بلاده في نفس الوقت خلا التعليق من تناغم المواقف بين البلدين، لكن تضمن نقدًا مباشرًا للحكومة الإثيوبية بخصوص ملف تيجراي وقيم التعليق انسحاب الحكومة من تيجراي الصيف الماضي وإعلان وقف إطلاق النار على أنه كان نتيجة للضغوط الخارجية والأخطاء، كما اعتبر التعليق النشاط الإنساني لإغاثة تيجراي بأنه مصارعة للحكومات الغربية لدعم جبهة تحرير تيجراي، كما حمّل التعليق حكومة أديس أبابا المسؤولية عن أي تداعيات محتملة على الحدود الإريترية، ولم يكن هذا التعليق مؤشرًا وحيدًا لفتور العلاقة بين البلدين، فقد كانت هناك مواقف واضحة تم رصدها تؤكد الفتور الواضح في تلك العلاقة.

العلاقات الروسية الإريترية

حول تطور العلاقات بين روسيا وإريتريا نوه “عبدالقادر” إلى الزيارات التي رصدها من مسؤولين إريتريين لموسكو وأهم المؤشرات في تطور العلاقة هي أن إريتريا الدولة الوحيدة التي لم تصوت بإدانة روسيا في عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا، وهذا بسبب التغيرات الإقليمية الجارية وأهمها المصالحة الإثيوبية التي تنظر لها إريتريا بعين جدية، الأمر الآخر يتمثل في عودة أشباح الحرب الباردة للمنطقة، نتيجة حرب أوكرانيا وفي ضوء هذين التطورين فإريتريا تحتاج الدعم العسكري والاقتصادي وكذلك الغطاء الدولي بسبب مواقفها ودورها في الحرب على تيجراي، ولعل الجميع سمع أنباء حول إنشاء قاعدة روسية في إريتريا.

وعن السيناريوهات المتوقعة على الحدود الإثيوبية الإريترية، وفقًا للتطورات الجارية سرد “عبدالقادر” بعض السيناريوهات: الأول تحول مرحلة فتور العلاقة بين أديس أبابا وأسمرة إلى مرحلة قطيعة مع استمرار إثيوبيا في عملية المصالحة. السيناريو الثاني هو محاولة تيجراي فك الحصار عليهم من خلال هجوم عسكري واسع ويتضمن ذلك 2 من السيناريوهات الفرعية أولهما وجود قوات دفاع تيجراي على الجبهة الإريترية ويحمل هذا الأمر مخاطر عالية، ثانيهما وجود قوات تيجراي على الجبهة الإريترية بالتوافق مع الحكومة الإثيوبية وهو ما يصعب تصوره. السيناريو الثالث هجوم القوات الإريترية على دفاعات تيجراي في ظل الحديث عن حصول إريتريا على مسيرات روسية. وفي الخلاصة الجميع أمام ملامح تشكل مشهد جديد في القرن الأفريقي أهم الديناميكيات فيه هو انتخاب الرئيس الصومالي، وعملية المصالحة في إثيوبيا والتداعيات المترتبة عليها.

جيبوتي وتطورات الموقف بالقرن الأفريقي

“عبدالقادر محمد علي” تحدث عن تأثر جيبوتي بتطورات الموقف في منطقة القرن  الأفريقي، مشيرًا إلى أن أهم الموارد التي تمتلكها جيبوتي هي الأرض والموقع الهام، والمورد الثاني الموانئ التي تشكل مصدر دخل رئيسي، كما أن أي تقارب إثيوبي إريتري يضر بالمصالح الجيبوتية لأن الموانئ الأقرب لإثيوبيا هي موانئ إريتريا لا موانئ جيبوتي التي استفادت كثيرًا من الأحداث الأخيرة، أيضًا جيبوتي لديها علاقة سيئة مع إريتريا ليس بسبب الموانئ، ولكن هناك خلاف حدودي بين البلدين، فقلق جيبوتي بلا شك يكمن في الاستراتيجية الإثيوبية التي تستهدف تطوير وتنمية الموانئ.

النفوذ الصيني في جيبوتي

يضيف “عبدالقادر” أن مسألة النفوذ الصيني في جيبوتي هو نفوذ بارز فأول قاعدة عسكرية للصين خارج أراضيها كانت في جيبوتي، وبالنسبة للصين تعتبر جيبوتي مدخلًا للقارة الأفريقية، والقرن الأفريقي عمومًا يعتبر منطقة استثمار سياسي واقتصادي هائلة بالنسبة للصين التي تعتبر أكبر مستثمر في إثيوبيا، وتستثمر الآن في إريتريا وتعتبر لاعبًا مهمًّا في القرن الأفريقي. شاهد الندوة كاملة