كتب – حسام عيد

لطالما كانت أفريقيا هدفًا لتمدد القوى العالمية الكبرى، نتيجة لطبيعتها الجغرافية التنافسية، ولكونها قارة تزخر بكنوز طبيعية وقدرات بشرية شابة.

واليوم، استطاعت الصين أن تتفوق على أمريكا ودول أوروبا، بكونها الدولة الأكثر تأثيرًا في أفريقيا.. لكن كيف؟ ولماذا؟

الصين.. القوة الأجنبية الأكثر فعالية بأفريقيا

حسب استطلاع للرأي نُشر في يونيو 2022، وسلطت وكالة “بلومبرج” الضوء عليه، تقدمت الصين على أمريكا باعتبارها القوة الأجنبية التي ينظر إليها الشباب على أنها صاحبة أكبر تأثير إيجابي في أفريقيا،.

لقد وجد استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة “إيتشيكويتز فاميلي فاونديشن” أن 76% من بين 4507 شباب من قارة أفريقيا موزعين على 15 دولة اعتبروا الصين قوة أجنبية لها تأثير إيجابي في حياتهم، بالمقارنة مع 72% للولايات المتحدة.

في سنة 2020، عندما أُجريت دراسة استهلالية تشمل فئة عمرية تتراوح بين 18 و24 سنة، اعتقد 83% من المشاركين في الاستطلاع أن تأثير الولايات المتحدة إيجابي، فيما كان الرقم بالنسبة للصين 79%.

تُقدِّم النتائج دليلًا آخر على أن الصين تكسب المعركة في مواجهة المنافسين الجيوسياسيين على غرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل الفوز بقلوب وعقول الأفارقة.

الاستثمارات الصينية.. أداة تنافسية

واستثمرت بكين أموالًا في البنية التحتية الأفريقية على مدى العقدين الماضيين، وتمدّ القارة بسلع استهلاكية بأسعار معقولة، بداية من الهواتف المحمولة والألواح الشمسية، وصولًا إلى المجارف والمواد البلاستيكية.

وقال إيفور إيتشيكويتز، رئيس المؤسسة، خلال مقابلة مع “بلومبرج” في جوهانسبرج: “نلاحظ اعترافًا بحقيقة أن الصين تنخرط في أفريقيا في وقتٍ ليس فيه إلا عدد قليل للغاية من الآخرين”.

وتابع: “في قارة أفريقيا، لعبت أمريكا دورًا محدودًا تمامًا، لعبت في الواقع دورًا غير مؤثر بطريقة مثيرة للإحراج في ما يرتبط بالاستثمار الفعلي، والتجارة الفعلية، والبناء الفعلي للبنية التحتية”.

أضحت الصين الشريك التجاري الأول لأفريقيا بعدما حافظت على هذه المرتبة على امتداد الـ12 سنة الأخيرة، ولم تتأثر بالأزمات الاقتصادية التي شهدتها القارة السمراء وبخاصة آخرها انتشار وباء كورونا، بل استثمرت الصين في هذه الأزمة وتحولت إلى أول دائن لأفريقيا، كما أحكمت قبضتها على البلدان التي تعاني من انعكاسات تحويل الموارد المالية إلى حملات التلقيح والخدمات الصحية. إضافة إلى تنامي التجارة الثنائية وحجم الاستثمارات، مما دفع بالاتحاد الأوروبي إلى تحفيز مؤسساته للعودة إلى القارة السمراء التي غزاها العملاق الآسيوي.

وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا، 187 مليار دولار في عام 2020، ثم سجلت نموًّا قويًّا، حيث ارتفع حجم التجارة 40.5% ليصل إلى 139.1 مليار دولار في الأشهر الـ7 الأولى من عام 2021، وهو رقم قياسي، على أساس سنوي. وازداد توسع الاستثمار الصيني في أفريقيا رغم التراجع في الاقتصاد والتجارة العالميين، الناتج عن انتشار جائحة “كوفيد-19”. وبلغ الاستثمار الصيني في أفريقيا 2.96 مليار دولار في عام 2020، بزيادة 9.5% على أساس سنوي. وبلغ الاستثمار المباشر غير المالي 2.66 مليار دولار.

وارتفع الاستثمار في الخدمات ضمن القطاعات الفرعية مثل البحث العلمي وخدمات التكنولوجيا والنقل والتخزين وخدمات البريد، بأكثر من الضعفين.

وفي الأشهر الـ7 الأولى من عام 2021، بلغ الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا 2.07 مليار دولار. وتم إنشاء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، وجذبت هذه المناطق 623 شركة باستثمارات إجمالية قدرها 7.35 مليار دولار، خلقت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للدول الأفريقية. ووصلت القيمة التعاقدية لمشاريع البنية التحتية الصينية إلى 67.9 مليار دولار.

تراجع الولايات المتحدة خلف أوروبا

علاوة على مواردها المعدنية ومصادر الطاقة الهائلة، تمتلك أفريقيا أكثر سكان العالم من فئة الشباب، ويجري النظر إليها على أنها سوق محتملة في المستقبل من قِبل دول، بداية من فرنسا ووصولاً إلى الهند. وفي ما يتصل بالأثر الإيجابي الملموس، تقهقرت الولايات المتحدة حالياً خلف المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً.

وقال إيتشيكويتز: “لا يوجد شك في أن الصين هي اللاعب المهيمن في أفريقيا في الوقت الراهن. بصفة عامة، نرى مقاربة أكثر إيجابية بالنسبة إلى الصين، وسيسفر ذلك عن التزام أكبر على مستوى الصين”.

كانت المشاعر الإيجابية نحو الصين أكثر قوة في بلدان رواندا وملاوي ونيجيريا. ومن المقرر القيام باستطلاع الرأي، الذي يشتمل على مقابلات مطولة وجهاً لوجه، كل عام.

رغم ذلك، لا يجري النظر إلى تأثير الصين على أنه إيجابي على مستوى العالم. من بين الذين شملهم استطلاع الرأي، قال 56% إنهم يؤمنون بنظرية المؤامرة التي لم يجرِ التثبت منها، والتي تفيد بأن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” جرى تطويره ونشره عن عمد من قِبل الحكومة الصينية.

الابتعاد عن السياسة.. سر التفوق الصيني بأفريقيا

وفي حين أبدى الصينيون استعدادًا لتقديم القروض إلى البلدان الأفريقية الفقيرة من دون وضع شروط أو تقديم طلبات تتعلق بالحوكمة والإصلاح وتدابير مقاومة الفساد، ساعد هذا التسهيل على التغلغل الصيني في أفريقيا والظفر بالأسواق فيها.

ودفع ذلك البلدان الأفريقية إلى التعامل مع الصين هو عدم تدخلها في الشؤون السياسية الداخلية للمنطقة. وبحكم عدم اهتمامها المباشر بالتعقيدات السياسية الداخلية، حققت الصين حضورًا اقتصاديًا ضخمًا بنحو نصف مساحة القارة أي 20 دولة. وتعتبر الصين أنه بإمكانها جني أرباح تصل إلى 440 مليار دولار إلى حدود عام 2025 بفضل التمركز في القارة السمراء.

ودفعت الصين إلى تحفيز حضورها في القارة الأفريقية التي تعتبرها جزءاً مهماً من “طريق الحرير” الذي تعمل على إحيائه. وتستهدف الاستثمارات الصينية في أفريقيا، مجالات محددة منها النفط والغاز والمعادن. وتحاول إنشاء مصانع داخل أفريقيا لتسويق السلع والاقتراب من السوق المحلية. ومن أبرز البلدان التي تتمركز فيها مؤسسات صينية، إثيوبيا وبلدان القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا والسودان.

ومثل السودان بوابة لأفريقيا منذ نحو عقدين عند خضوعه للحصار الاقتصادي ومنعه من الاقتراض من المانحين بقروض ميسرة فكانت وجهته للاقتراض هي الصين. ويرجح تطور الاستثمار الصيني في السودان في المستقبل بحكم موارده الضخمة وموقعه الذي يربط بين أفريقيا والبلدان العربية واحتوائه على ساحل يمتد على طول البحر الأحمر وهو خط ملاحي غير مستغل، ومؤثر في حجم التجارة العالمية. ولا تحرص الصين بعد، على الحضور بثقلها في شمال أفريقيا، بل تعمل على التمركز في وسط وجنوب القارة السمراء. وتخطط حالياً لتأمين أمنها الغذائي، وهي التي تعد 1.5 مليار نسمة، خصوصاً مع الإشكاليات التي يواجهها العالم لتأمين الغذاء، مثل غلاء أسعار السلع ومعضلة المناخ والنقص المرجح في المواد الغذائية. هذه كلها عوامل توجه الصين إلى شرق أفريقيا وجنوبها بالنظر إلى مواردها الطبيعية الضخمة.

وتصل ديون أفريقيا الخارجية إلى 400 مليار دولار، نحو ثلثها مستحقة للصين أي 150 مليار دولار، تمت جميعها في العقدين الأخيرين، عندما واجهت دول أفريقية عدة مثل السودان، تعقيدات في المشهد السياسي في فترات معينة واتجهت إلى الصين للاقتراض. وينتظر أن تستخدم الصين هذه الديون في نطاق فرض مصالحها مستقبلًا.