كتبت – أسماء حمدي 

ينزعج الناس حين تترك الجروح علامات على وجوههم، ومنهم من يستعين بطبيب للتخلص من آثارها، لكن للبعض في أفريقيا رأي آخر، حيث تنتشر ندوب الوجه في معظم القبائل في المنطقة الغربية من القارة السمراء، التي ترسم بآلات حادة على جانبي الوجه للتمييز بين قبيلة وأخرى وأيضًا بقصد الزينة.

وبحسب المؤرخين، تعود هذه الممارسة إلى ما قبل 4 آلاف سنة، وتلعب الندوب دورًا مهمًّا في تحديد الهوية بين القبائل، ويُنظر إليها على أنها علامة على الكرامة والوضع الاجتماعي في الأسرة والقبيلة، كما تعتبر عناصر جذب جميلة بين النساء والرجال، ثم تقلصت أهميتها شيئًا فشيئًا وانصرفت الأجيال الجديدة عنها حتى تلاشت من أغلب المجتمعات وأضحت من الماضي.

قصص على الوجوه

في نيجيريا كانت لندوب الوجه علامات مميزة وشائعة في جميع أنحاء البلاد، لكن هذه الممارسة بدأت في التلاشي، عندما حظر قانون اتحادي جميع أشكال تشويه أجساد الصغار في عام 2003، حيث كانت العائلات في السابق تنحت جروحًا عميقة على خدود أطفالها أو جباههم كدليل على الانتماء والاعتزاز بالهوية.

وتختلف ندوب الوجه بين القبائل النيجيرية، من قبيلة إلى أخرى فبعضها على هيئة خطوط أفقية مستقيمة وأخرى مائلة وبعضها هلالية، واكتسبت الندوب لدى العائلات دلالات دينية، وكانت تحمل أيضًا قصصًا عن الألم وتناسخ الأرواح (انتقال الروح لجسد جديد مع ميلاد طفل جديد) والجمال، لكن أغرب وظائفها كان التحايل على الموت.

وأصبحت الندوب في طريقها إلى الاندثار بعد أن تخلت عنها بعض القبائل النيجيرية، مع انتشار الوعي الثقافي والتحرر من العادات القديمة، لذا فإن حاملي علامات وندوب الوجه الحاليين هم الجيل الأخير في نيجيريا.

تحديد الهوية

في شمال نيجيريا، خاصة بين شعب جوبر بولاية سوكوتو، كانت هناك حاجة إلى تحديد الهوية من خلال علامات الوجه القوية، ويحكي إبراهيم مكوانا، أن أسلافه وهم من الرعاة من جوبر في سوكوتو الحالية، لم تكن لديهم علامات على وجوههم.

وفي حديثه لشبكة «بي بي سي»، يقول مكوانا: «خلال تنقلهم بحثًا عن أرض زراعية، خاضوا العديد من المعارك واستولوا على العديد من الأماكن، ثم قرروا بعد ذلك وضع علامات مميزة على خدودهم، تشبه تلك التي تمتلكها حيواناتهم، مما يساعدهم في التعرف على أقربائهم أثناء المعارك، مضيفا: كان هذا هو أصل علاماتنا».

وتكشف الخطوط الـ15 على وجه إينا أولاجي أكيم، أنه مولود في العائلة المالكة بمملكة أووي في ولاية أوجين جنوب غرب نيجيريا، لذلك لديه خطوط طويلة على وجهه.

يسخر أولاجي أكيم قائلًا: «إن الندوب على وجهي مثل قميص كرة القدم، لكنها جعلتني أتمتع بشعبية في السوق المحلية، معتبرًا أن الندوب مقدسة، ولا يعتقد أنه يجب على الناس تحديد وجوههم للتجميل فقط».

وفي قبيلة جوبيراواس، وضعت العلامات للتمييز بين الناس، فأولئك الذين لديهم ستة ندوب على خد واحد وسبعة على الآخر، فذلك يعني أن كلا الوالدين من العائلة المالكة، أما أولئك الذين لديهم ست علامات على كلا الجانبين تنتمي أمهاتهم فقط إلى العائلة المالكة.

أما أصحاب التسع ندبات على جانب واحد و11 على الجانب الآخر، فهؤلاء هم أطفال الجزارين، أما الذين لديهم خمس وست علامات على كلا الجانبين يتتبعون نسبهم إلى الصيادين، لكن الصيادون لهم علامات مميزة أخرى توضع على آذانهم.

عالم الأرواح

ترتبط بعض العلامات بين عرقيات يوروبا وإيجبو في جنوب نيجيريا بالحياة والموت، وكان هناك اعتقاد سائد في مجتمعاتهم بأن مصير بعض الأطفال هو الموت قبل سن البلوغ.

يعتقد اليوروبا أن هؤلاء الأطفال، المعروفين باسم أبيكو وأوغبانجي، ينتمون إلى مجموعة من الشياطين التي تعيش في أشجار أوروكو وباوباب الكبيرة.

وفي ذلك الوقت، كان من الشائع أن تفقد النساء العديد من الأطفال في سن مبكرة على التوالي، وكان يُعتقد أن كل الأطفال الذين يتوالى ميلادهم هم نفس الطفل الأول الذي فقد، لكنه يعود للظهور في صورة أطفال آخرين مرارًا وتكرارًا لتعذيب والدتهن.

دفع ذلك العائلات إلى وضع علامة على هؤلاء الأطفال لجعلهم لا يمكن التعرف عليهم من قبل الأرواح التي يكون بينها وبينهم تناسخ حتى يبقوا على قيد الحياة، لكن الآن أصبح من المعروف أن العديد من وفيات الرضع هذه ناجمة عن فقر الدم المنجلي، وهو اضطراب وراثي شائع بين الأفارقة.

في إبادان في جنوب غرب ولاية أويو، حصل يعقوب لاوال على علامة طفل أبيكو، يقول: «هذه ليست إقامتي الأولى على الأرض، لقد كنت هنا من قبل، لقد توفيت 3 مرات، وفي رابع عودتي تلقيت هذه العلامات لمنعني من العودة إلى عالم الأرواح».

يرتبط ارتباطا وثيقا بقصص أطفال أبيكو وأوجبانجي، هؤلاء الذين لديهم علامات في ذكرى فرد راحل من العائلة أو شخص ولد من جديد.

إساءة معاملة

يرى أولاوال فاتونبي أن نحت العلامات على وجوه الأطفال هي إساءة معاملة لهم، قائلًا: «أنا لا أحبهم حقًّا لأنني أعتبرها إساءة معاملة للأطفال لكنها ثقافتنا».

 يقول فاتونبي إن جدته قامت بنقش 4 علامات أفقية و3 عمودية على وجهه، وقالت إنه تجسيد لزوجها الراحل الذي كانت لديه الندوب نفسها، لكنه يتمنى لو لم تكن هذه العلامات على وجهه.

مع وجود 16 علامة على وجهها، من الصعب أن لا تلاحظ خفيات أديليك، ومن الصعب أيضًا تجاهل اللافتة الضخمة في متجرها في إبادان، حيث أخذت اللقب Mejo Mejo (ثمانية ثمانية)، في إشارة إلى الندوب الـ8 على كل خد من خديها.

تقول خفيات أديليك: «يناديني الناس Mejo Mejo من هنا إلى لاجوس، وجدتي هي من أعطتني إياها لأنني طفلة وحيدة».

ندوب للجمال

حصلت فوليك أكنيمي على ندبتين عندما كانت طفلة، وحدث ذلك برغبة والدها والذي توجه إلى شخص متخصص في عمليات الختان ويقوم أيضا بوضع الندوب على الوجه.

تقول أكنيمي: «اتخذ والدي قرارًا بمنحني علامة فقط من أجل ذلك ولأنه كان يعتقد أنها جميلة، إنها تجعلني مميزة وأشكر والديّ على إعطائي إياه».

وتشبه قصة راماتو إيشياكو من باوتشي، بشمال شرق نيجيريا، قصة السيدة أكينيمي، والتي وضعت الندوب بغرض التجميل مشيرة إلى أنها قامت أيضًا بعمل وشم على وجهها في نفس الوقت تقريبًا.

بدأت العلامات الموجودة على وجه تايوو، تتلاشى الآن، لكن ذكرى سبب نحتها ما زالت باقية، تقول تايوو، إنه عندما توفيت أختها التوأم في غضون أسابيع من ولادتها، مرضت هي وأوصى معالج محلي بوضع علامة على وجهها لمنعها من الموت، وتشير إلى أنها تحسنت في غضون أيام من الندوب، لكن هذا لم يجعلها تحب العلامات.

تضيف: «هذا يجعلك تبدو مختلفًا عن أي شخص آخر، لكني أفضل عدم وجود أي علامات على وجهي»، ووصفتها بالتجربة المؤلمة لأنها تتم بدون تخدير.

يتفق العديد من هؤلاء مثل أكيم، على أنه كان من الصواب وقف ندوب الوجه، يقول: «أحب العلامات لكنها تنتمي إلى زمن وعمر مختلفين، الآن يُنظر إلى الأشخاص الذين لديهم ندوب على أنهم جاهلين وإن هذه الممارسة عفا عليها الزمن».

ويشير أكيم إلى أن هناك نوع من الوصمة المرتبطة بتلك الممارسة وأصبحت نوع من العار لمن يمتلكها، ما جعل العديد يبحث عن طرق للتخلص منها.