كتب – حسام عيد

في رحاب المحروسة، ومن على أرض العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، وتحت عنوان “تحقيق إمكانات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية في حقبة ما بعد COVID-19 – الاستفادة من قوة الشباب”، انطلقت الاجتماعات السنوية لعام 2022 للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد “أفريكسم بنك” AAM2022؛ وذلك بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وتضمنت أبرز فعاليات الاجتماعات السنوية لعام 2022 -التي تعقد بحضور فعلي للمرة الأولى منذ استضافتها العاصمة الروسية موسكو عام 2019- ندوة واجتماعًا للمجموعة الاستشارية لتمويل التجارة وتنمية الصادرات في أفريقيا، والاجتماع العام السنوي للمساهمين في “أفريكسم بنك”.

ويشارك في الاجتماعات، التي ينظمها البنك المركزي المصري بالتعاون مع “أفركسيم بنك”، أكثر من 3 آلاف شخصية مصرفية وحكومية ودولية رفيعة المستوى، بحضور محافظي البنوك المركزية ورؤساء الحكومات والوزراء الأفارقة، وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والبنك وصندوق النقد الدوليين بجانب ممثلي البنوك والهيئات والخبراء الدوليين.

يذكر أن أفريكسم بنك؛ مؤسسة مالية متعددة الأطراف لعموم أفريقيا تعني بتمويل وتعزيز التجارة داخل وخارج أفريقيا، وتعمل على ابتكار حلول تمويلية تدعم تحول هيكل التجارة في إفريقيا، وتسريع التصنيع والتجارة داخل المنطقة، وبالتالي تعزيز التوسع الاقتصادي في القارة السمراء.

وأطلق البنك الداعم لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) نظام الدفع والتسوية لعموم أفريقيا (PAPSS) الذي اعتمده الاتحاد الأفريقي كمنصة الدفع والتسوية لدعم تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

ويعمل “أفريكسم بنك” مع الاتحاد الأفريقي وأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لتطوير مرفق التكيف لدعم الدول من أجل المشاركة الفعالة في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

مصر تقود ثورة الإصلاح والتغيير بالقارة

من جانبه، قال الدكتور بانديكيت أورواما، رئيس البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، إن مصر أرض تصنع التاريخ على مدار 7 آلاف عام، إذ شكلت تاريخ الإنسانية طيلة هذه الفترة الطويلة، كذلك اضطلعت بالفنون والعلوم والهندسة والمعمار.

وأضاف “أورواما”، في كلمته خلال الاجتماعات السنوية الـ29 للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد في العاصمة الإدارية الجديدة، أنّ مصر لم تفشل قط في ترك آثار رائعة للتاريخ، واليوم تشهد صفحة جديدة من التاريخ ذات زخم كبير للإنسانية: “نشهد في هذه العاصمة الإدارية الجديدة التي ظهرت كمعجزة جديدة في الصحراء التي استمرت لما يزيد عن 7 آلاف عام في أقل من 7 أعوام”.

وشدد على أن فكرة “أفريقيا لن تنهض مجدددًا” خاطئة تمامًا: «الآن نحن نقف لنشهد هذا العمل الذي حدث في مصر لكي نقول من هذه المنصة أننا نستطيع إذا ما توافرت الإرادة».

ووجه “أورواما” الشكر للرئيس السيسي والحكومة على رعايته ورفعه للعلم المصري خفاقًا في السماء: “بفترة رئاستكم للاتحاد الأفريقي في عام 2019، أثبت لنا أنه من خلال العزم والتصميم والتركيز والوحدة نستطيع استغلال القدرات الهائلة والكامنة بوفرة في أفريقيا من أجل إحداث التغيير”.

وأوضح: “ونحن في البنك نتشارك معكم في التزامكم تجاه أفريقيا ونضعها في صدارة كل ما نفعله، وحينما حلت الجائحة تُركت القارة تدافع عن نفسها، وأطلقنا مرفق التقليل من آثار جائحة كورونا وفي ديسمبر 2021 أطلقنا ما يزيد عن 7 مليارات دولار للبنوك المركزية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك جهود إطلاق اللقاحات والوصول إليها والكم الكبير من الأموال الذي وضع على المائدة”.

وأردف “أورواما”: “استجاب البنك تلبية لدعوة الاتحاد الأفريقي لتنفيذ وجمع 2 مليار دولار في صورة ضمانات والتزام تمكن القارة من شراء 400 مليون جرعة لقاح”.

التمويل والأمن والطموح.. مسار التكامل الأفريقي

بدوره، دعا الرئيس المصري إلى تغيير وجه القارة الأفريقية وتحقيق طموحات شعوبها عبر توفير بنية أساسية من طرق وكهرباء ومشروعات مختلفة، مؤكدًا ضرورة أن تضع الدول الأفريقية آليات وخطوات ملموسة لتحقيق حلم القارة في تغيير واقعها وتطويره.

وأضاف أن جائحة كورونا كانت كاشفة حيث أظهرت عدم قدرة بعض الدول على الوصول إلى مكانة تلك الدول، متسائلًا: “هل البنية التحتية في أفريقيا جاهزة للتطوير وانطلاق دول القارة نحو الأفضل”.

وتابع: “إنني أتحدث من واقع مصر التي تطور البنية التحتية فيها، فقد احتجنا مبلغًا يتراوح ما بين 400 إلى 500 مليار دولار لتطوير البنية التحتية خلال السنوات الماضية، لافتًا إلى أن مشروعات التطوير كانت على ما يقدر بنحو 10 إلى 12% من مساحة مصر فقط”.

وأوضح الرئيس السيسي أن “المقارنات والبيانات هي التي تعطينا فرصة للتعرف على الحقائق والاستنتاجات والأهداف حول التنمية، مضيفا أن العالم يضم 20 دولة غنية فقط، بما يعني أن 20 دولة حول العالم هي من تستطيع من خلال قدراتها الاقتصادية والصناعية أن تكون في هذه المرتبة المتميزة، ولكن باقي دول العالم ماذا سيكون مصيرها؟”.

وأشار الرئيس إلى أن مساحة القارة تبلغ 30 مليون كيلو متر مربع، متسائلًا: ما هي تكلفة البنية الأساسية التي تمكن دول القارة من تحقيق التكامل وما هي مصادر تمويلها؟، مضيفًا: “إنني هنا أتحدث عن التكامل بين دول أفريقيا”.

ولفت الرئيس السيسي إلى أنه سبق وأن أكد منذ 5 سنوات خلال زيارته إلى ألمانيا، حيث قال: “إنه في حال الرغبة لتغيير وجه القارة لتصبح قادرة على تلبية طموحات شعوبها وآمال شبابها فهي تحتاج فقط إلى إنشاء بنية أساسية، سواء مشروعات للطاقة الكهربائية أو الطرق والسكك الحديدة، أو الموانئ والمطارات”.

ونبه الرئيس السيسي إلى أن التحدي الأول أمام القارة الأفريقية يتمثل في إيجاد بنية أساسية قارية، مجددًا التأكيد على ذلك أمام الحضور في الجلسة الحوارية لأنهم المعنيون بالمال والاقتصاد وبالأمل في أفريقيا.

ونوه الرئيس السيسي إلى أن القارة الأفريقية تمتلك أكبر معدل نمو سكاني وأكبر عدد من الشباب في قارات العالم بالكامل، متسائلًا: “كيف ستتحقق أحلام هؤلاء الشباب ونحن غير قادرين على الربط بين دول القارة سواء عبر الطرق أو السكك الحديدة أو خطوط الطيران؟”.

وأوضح أن السياسيين معنيون بالتعرف أثناء تنفيذ أي تخطيط على قدراتهم الاقتصادية، وضرب مثالًا بدولة أوكرانيا، متسائلًا: “أوكرانيا تنتج 60 مليون طن قمح، ومساحتها 600 ألف كيلو متر مربع، هل استطاعت أن تصبح مزرعة كبيرة وتنتج هذا الكم بسبب الإرادة السياسية أم بسبب قدرات متواجدة على الأرض؟”.

ونوه الرئيس إلى أن أوكرانيا تمتلك البينة الأساسية المطلوبة للزراعة من كهرباء وطرق ومصارف وتكنولوجيا للزراعة المتقدمة حتى الصوامع المتواجدة تخزن 5 ملايين طن، وهو حجم التصريف الشهري لهم أمام طلب العالم، ما يعني أنها نفذت بنية أساسية هائلة.

ونبه الرئيس السيسي إلى بعض الدول الأفريقية تمتلك قدرات للزراعة أكثر من أوكرانيا، واستدرك قائلًا: “لكن هل لدى أحد معلومة أنه من أجل زراعة مليون فدان نحتاج إلى توافر كهرباء خاصة بها وتتكلف أموالًا ضخمة وطرقًا وسككًا حديدية وتكنولوجيا زراعية حديثة”.

وقال الرئيس إنه يوجد أشقاء لمصر يمتلكون حوالي 200 مليون فدان قابلين للزراعة ولم يتم زراعتها، متسائلًا في الوقت نفسه عن السبب وراء عدم زراعتها، قائلًا: “أي دولة ستحتاج من أجل تحويل مليون فدان إلى أرض قابلة للزراعة إلى أكثر من 150 مليار جنيه بما يعادل حوالي 30 مليار دولار”.

وأشار الرئيس السيسي إلى أن هذه الأرقام التي يتحدث عنها يتم بالفعل دفعها في مصر، مضيفًا أن هذه التكلفة يتم صرفها من أجل تحويل مليون فدان من أرض غير قابلة للزراعة لأرض قابلة للزراعة.

وأضاف: “أن القضية ليست في وجود موارد طبيعية، لافتًا إلى أنه في حالة الذهاب لأي دولة أفريقية من أجل العمل على الصناعات الأولية مثل القيمة المضافة للنحاس أو الحديد سنحتاج إلى الكهرباء والمصانع والطرق والسكك الحديدية من أجل تحويلها من مادة خام موجودة في الأرض إلى قيمة مضافة لأي دولة ثم يتم تصديرها وبالتالي ستحتاج إلى أموال واستثمارات ضخمة جدًا”.

وشدد على ضرورة توفير التمويل اللازم من أجل بنية أساسية تحقق التنمية المطلوبة في القارة الأفريقية، مؤكدًا على أهمية الأمن والاستقرار من أجل تأمين تكلفة الائتمان فالقطاع الخاص والأجنبي يرفض الاستثمار في أي دولة لا تنعم بالاستقرار والأمن. وقال إن تحقيق الأمن والاستقرار له أهمية كبيرة لتحقيق الأسس والركائز لأي تغيير مناسب في أي دولة أفريقية.

وتابع الرئيس المصري: “أفريقيا لن تعبر ما هي فيه إلا بتكاملنا جميعًا وأن تكون قلوبنا متكاتفة ونتجاوز أي خلافات أو مشاكل من أجل مستقبل نغير فيه الواقع الحالي أملًا في مستقبل أفضل”.

بناء اقتصادات مرنة وسط الأزمات

فيما قال طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري، إن البنك المركزي يُثمن الدور الأفريقي للبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير «أفريكسم بنك» والدعم الذي يقوم به من توفير للموارد المالية اللازمة للشركات العاملة في القارة.

وأشار عامر، خلال كلمته في الاجتماعات السنوية لـ”أفريكسم بنك”، إلى توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرغبة في أن يرى البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد في العديد من الدول الأفريقية، إيمانًا بما يقوم به البنك في أفريقيا، لافتًا إلى رغبة الرئيس في دعم البنك بمزيد من رأس المال ومزيد من الموارد.

وأكد محافظ البنك المركزي، أن مصر تأثرت بتداعيات جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، لافتًا إلى أن مصر قادرة على تجاوز هذه الأزمات إلى آفاق مستقرة بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته الدولة، مشيرًا إلى أن البنك المركزي المصري بالتعاون مع الحكومة والبنوك تمكن من اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لمواجهة الجائحة والأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم.