حوار – د. غادة فؤاد
الباحثة في الشئون الأفريقية

مع الاحتفال بمرور 59 عامًا على إنشاء الكيان الأفريقي الجامع الذي يضم في عضويته كافة الدول الأفريقية تحت مظلة “الاتحاد الأفريقي”، بالإضافة إلى عقد قمتي مالابو الاستثنائيتين في 27 و28 مايو 2022، لمناقشة عدد من القضايا الهامة والمصيرية التي ظهرت على الساحة الأفريقية في الآونة الأخيرة، أجرى “مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية” حوارًا مصورًا مع سعادة السفير/ عبدالحميد بوزاهر، رئيس الوفد الدائم للاتحاد الأفريقي لدى جامعة الدول العربية، صرح فيه بأن قمة الرياض القادمة ستكون قمة تحول استراتيجي للشراكة الأفريقية العربية، إذا توافرت الإرادة السياسية للقادة، وأن منظمات المجتمع المدني والمثقفين والباحثين يتحملون المسئولية الأكبر لتوطيد العلاقة بين الشعوب العربية والأفريقية.

وأشار إلى أن أفريقيا تنفست الصعداء بعودة مصر القوية لأفريقيا لأنها دولة ذات ثِقَل دولي كبير، وصوتها مسموع عالميًّا وكان لشخصية الرئيس السيسي الدور الحاسم في تنفيذ أجندة الإصلاحات التي أقرها قادة الاتحاد الأفريقي.

وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة أوضح أن دور الاتحاد في المفاوضات أنه ميسر ومسهل لها (Facilitator) وليس مفاوض (Mediator) بالمعنى المتعارف عليه، وهذا ما لا يدركه الكثيرون. وبخصوص ظاهرة الانقلابات العسكرية أوضح أنه لا بد من وجود مقاربات جديدة للتعامل مع تلك الظاهرة، وتكييف الحلول وفقًا للظروف الداخلية الخاصة بكل حالة على حدة. وإليكم نص الحوار:

– ماذا يعني يوم 25 مايو لسيادة السفير عبدالحميد، ونحن الآن نحتفل بمرور 59 عامًا على إنشاء الاتحاد الأفريقي “منظمة الوحدة الأفريقية” سابقًا؟

تمثل إحياء ذكرى 25 مايو من كل عام شهادة وفاء واستذكار للقادة المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية ورؤيتهم الثاقبة، فقد كانت الفترة الأولى من تاريخ البيت الأفريقي، التي امتدت من عام 1963 حتى عام 2002، ضرورية لبناء أركان الوحدة الأفريقية وتم خلالها استكمال تحرير دول القارة من الاستعمار وإنهاء التمييز العنصري، وكان من الضروري -آنذاك باعتبارها منظمة ناشئة- أن تتكيف في تشريعاتها وتنظيماتها وقوانينها بمواثيق الأمم المتحدة من حيث بناء الدولة لتعزيز استقلال الدول، وقد تجلى ذلك فيما يعرف بميثاق أبوجا وخطة لاجوس للتنمية.

– بعد تحول المنظمة إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2002 ما تقييمكم للإنجازات التي تمت حتى الآن؟

مثّل الانتقال للاتحاد الأفريقي بداية مرحلة جديدة، رأى فيها القادة الأفارقة ضرورة تغيير الأولويات، فكان من الأهمية أن تتكيف مسيرة الوحدة الأفريقية نحو مرحلة بناء قاعدة صلبة من التكامل والاندماج الاقتصادي، وكذلك الوعي السياسي من خلال إنشاء مؤسسات وآليات تساعد على تحقيق هذا الهدف، ومن أجل تنظيم وترتيب تلك الأولويات، اعتمد القادة رؤية استراتيجية جديدة في الذكرى الخمسين لتأسيس الوحدة الأفريقية عام 2013 للخمسين عامًا القادمة، فيما سُمي بـالأجندة الأفريقية 2063، تحت شعار “أفريقيا التي نريد”ـ لتكون منهاج عمل واضح في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب والمؤسسات الأفريقية، وتنتهي العشرية الأولى لتنفيذ هذه الأجندة العام القادم في 2023.

ومن الإنجازات أيضًا تحويل وكالة التخطيط والتنسيق التابعة لنيباد إلى وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي (AUDA-NEPAD) في 2018، والتي تتمثل مهمتها في تنسق وتنفيذ مشاريع التنمية الإقليمية والقارية ذات الأولوية لتعزيز التكامل الإقليمي نحو التحقيق السريع لأجندة 2063.

ومع ظهور الإرهاب والعنف على الساحة العالمية والأفريقية بداية الألفية الثالثة وتهديده على استقرار الدول كان من الإنجازات الهامة إنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، فقد تم وضع ما يسمى بهندسة السلم والأمن الأفريقي في السنوات الأولى للاتحاد، وتطور الأمر بتشكيل القوة الأفريقية الجاهزة للتدخل عند الحاجة لتأمين الدول وتنفيذ اتفاقات السلام ووقف النزاعات.

– منذ عام 2015 أقر قادة الاتحاد الأفريقي إجراء مجموعة من الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية للعديد من أجهزته واللجان العاملة به، وتم التركيز على هذا الأمر حين كانت مصر تتولى رئاسة الاتحاد في 2019 فما أبرز الإصلاحات التي تمت بالفعل؟

تم تكليف الرئيس الرواندي بول كاجامي، في 2016، برئاسة لجنة الإصلاحات لوضع تصور حول الإصلاحات الضرورية، وفي نوفمبر 2018 تم اعتماد الخطة الجديدة، وقد تصادف ذلك مع تولي مصر رئاسة الاتحاد في 2019.

ونشير هنا إلى أن إرادة الرئيس السيسي كانت هي العامل الحاسم في تنفيذ الخطة الأفريقية للإصلاح، الموضوعة من قِبَل القادة والمفكرين الأفارقة؛ لأن رئيس الدولة الذي يتولى الرئاسة يكون لديه أجندة لتحقيق مجموعة من الأهداف، وهنا يدخل دور أو شخصية الرئيس، وفي الحقيقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كان له دور فاعل وقوي جدًّا؛ لأنه أشرف وتابع تنفيذ الأهداف النوعية، كما أنه على دراية كاملة بالمواضيع، بالإضافة إلى تنسيقه الكامل مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، حيث أشرف الرئيس السيسي على انطلاق منطقة التجارة الحرة الأفريقية، وهذا يعد هدفًا استراتيجيًّا نوعيًّا من الدرجة الأولى، وفي نفس العام تم اعتماد السوق الحر للنقل الجوي الأفريقي وهذا أيضًا إنجاز كبير.

وكذلك الدور الكبير على المستوى السياسي والاستراتيجي، فقد كان عام 2019 مفعمًا بالفاعليات والأنشطة الدولية، وكان الرئيس السيسي يتحدث دائمًا باسم أفريقيا، وحضر العديد من القمم، وقد أضاف هذا النشاط للاتحاد.

بدأ في 10 مايو 2022 إطلاق أول سلسلة برامج تجريبية حول استخدام أداة تقييم الدول الأطراف (SPAT) (State Parties Assessment Tool (SPAT) في دار السلام بتنزانيا.. بماذا تُعْنَى هذه البرامج؟ وما الغرض منها؟

هي آليه جديدة لتقييم مستوى أداء العمل الحكومي والخدمة العامة والمحليات، وحماية حقوق المواطنين كمستخدمين للخدمة العامة، وكذلك تعزيز الحكم الرشيد والتنمية المستدامة في الدول، وذلك من خلال مجموعة مراجعة يتم تشكيلها من قبل الاتحاد الأفريقي لتقديم تقارير حول مستوى الأداء.

وبدأت التجربة بـ5 دول، هي تنزانيا وجنوب أفريقيا وكينيا وناميبيا والكاميرون، لتجربة تشغيل “SPAT”، وتم اختيار تنزانيا كبداية لتنفيذ تلك التجربة. ويشمل هذا البرنامج التجريبي الموظفين العموميين/ المدنيين من مختلف المؤسسات العامة لتدريبهم وإعدادهم للتعامل وفقًا لهذا البرنامج.

– تعد الميزانية والإصلاحات المالية جزءًا أساسيًّا من تحقيق الأجندة الأفريقية 2063، لذلك تم إنشاء لجنة من 15 وزيرًا للمالية (F15) (Committee of Fifteen Ministers of Finance) من أجل تحقيق هذا الهدف.. فما الخطوات الإيجابية التي تمت بالفعل في هذا الخصوص؟

كانت الإصلاحات المالية أهم ما قدمته مصر للاتحاد، من خلال هيكلة مفوضية الاتحاد وأجهزته، وتشكيل لجنة F15 للإشراف على النفقات المالية للاتحاد وضبط الميزانية، ووضع تصورات لإدارة الموارد المالية وتوزيعها على المشاريع والمخططات، بالتأكيد كان لإنشاء هذه الآلية أثر إيجابي، ولكن إبراز نتائجها أمر معقد يتطلب مزيدًا من الوقت حتى تعتاد الأجهزة على هذا الأمر، فالجانب المالي هو نقطة ضعف الاتحاد؛ لأن المتطلبات والواجبات كثيرة، وإشكالية الأمن والسلم تتطلب أموالًا ضخمة تستنزف موارد الاتحاد، ولا يستطيع بقدراته الذاتية إطلاقًا القيام بمفرده في استقلالية تامة بواجباتها، بالتالي في هذا الجانب وأمور أخرى يحتاج إلى الدعم، ومن هنا تبرز أهمية ودور الشراكات الاستراتيجية التي يقيمها الاتحاد مع الشركاء الكبار، وهنا نشير إلى أن الإرادة متوفرة لدى الدول الأفريقية لتقليص هذا اللجوء إلى المساعدات الأجنبية تدريجيًّا.

كان شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2021 هو استعادة الهوية والثقافة الأفريقية الأصيلة.. فهل تواجه أفريقيا أزمة هوية لدى الأجيال الجديدة؟

اتخذ الاتحاد هذا الشعار؛ لأن أفريقيا غنية بتراثها الثقافي والحضاري، فتركيبتها السيسيولوجية ومكوناتها اللغوية والثقافية الموروثة عبر الأجيال محل اعتزاز للأفارقة مع احترام متبادل لكل الهويات الوطنية، فالتعددية تزيد سخاء أفريقيا فهي قارة منفتحة على العالم، تؤثر وتتأثر به، فهناك إبداع أفريقي في الغناء والثياب والأدب والفنون، وهناك تطور أفريقي في هذا الشأن، ما دفع الاتحاد إلى تخصيص عام كامل للهوية لإبراز أهمية هذا الموروث الثقافي واللغوي في بناء الشخصية الأفريقية ومد الجسور بين الشعوب والثقافات، كما أن اعتماد عدد من اللغات المحلية ذات الانتشار الكبير كلغات وطنية وبعضها تم اعتماده في الاتحاد الأفريقي مثل اللغة السواحلية ما يعزز الانتماء والهوية الأفريقية.

هنا لا بد أن نشير إلى أنه في إطار الشراكة العربية الأفريقية هناك مركز ثقافي عربي أفريقي في باماكو بجمهورية مالي، هدفه التبادل الثقافي ومد جسور بين شعوب المنطقتين، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الدعم المالي والرعاية حتى يقوم بدوره.

– اتخذ القادة الأفارقة من تعزيز التغذية والأمن الغذائي وأنظمة الصحة والحماية الاجتماعية شعارًا لعام 2022، فما الإجراءات التي تمت في هذا الشأن خصوصًا في ظل الأوضاع العالمية الحالية من انتشار كوفيد19 والحرب الروسية الأوكرانية؟

يتعرض الاتحاد الأفريقي لأضرار جانبية بسبب الأزمة العالمية للأمن الغذائي وسوء التغذية والأمراض المتفشية بين فئة الأمهات والأطفال، أقل من 5 سنوات، وهناك اهتمام كبير بهذا الموضوع، فقد خطت أفريقيا خطوات كبيرة في الجانب الصحي، خصوصًا منذ تأسيس ما يسمى بـ”المركز الأفريقي للوقاية ومتابعة الأمراض” (CDC) في 2015، وأظهر قدرة وفاعلية حقيقية في مواجهة وباء كوفيد19 لأن لديه خريطة لمتابعة الأمراض المزمنة والأوبئة المستوطنة، وهذا أمر هام لأن التغذية مرتبطة بالصحة.

فيما يخص التغذية للأسف أفريقيا بالكامل لها تبعية كبيرة فيما يخص الأسواق الخارجية للحبوب والمنتجات الزيتية، ومع ارتفاع أسعار تلك السلع أصبح عبئًا جديدًا على القارة، خاصة مع الطلب المتزايد باستمرار بسبب النمو الديموغرافي المرتفع جدًّا في القارة.

– هل عقد قمة مالابو الاستثنائية الأولى حول الاحتياجات الإنسانية في 27 مايو 2022 في غينيا الاستوائية يمثل استجابة لهذه الأزمات من قبل قادة الاتحاد؟

لقد عنيت هذه القمة بقضايا اللاجئين والمهاجرين والنازحين، وتم الترتيب لها منذ فترة لمواجهة هذه المشكلة التي تسببت فيها الكوارث الطبيعية والنزاعات والحروب، وبالتالي كان لا بد من مناقشة تلك المسائل مع الدول الخارجية التي تعد واجهة للمهاجرين واللاجئين وطرح حلول لها.

– هذا ينقلنا إلى الحديث عن القمة الأوروبية-الأفريقية الأخيرة، هل سيلتزم الاتحاد الأوروبي بتنفيذ التزاماته التي أقر بها في تلك القمة حول مشروعات التنمية وبناء القدرات للشباب الأفريقي للحد من الهجرة؟

تظل المعاينة والمتابعة والحكم على مثل هذه الالتزامات في ميدان العمل على أرض الواقع، ووفقًا للنتائج نستطيع الحديث عن مستوى التقدم والالتزام، فقد كانت القمة الأخيرة بين الطرفين جيدة، والتزم الطرفان في نهايتها بإنشاء آليات للمتابعة والتقييم للرجوع لها عند الحاجة، وهنا نشير إلى أنه ينبغي على أوروبا أن تتحمل المسئولية التاريخية لها، إذا أرادت أن تعالج إشكالية الهجرة من خلال توفير ظروف العيش الكريم للشباب الأفريقي في أوطانهم وللأسف الجهود التي قامت بها أوروبا في السنوات السابقة لم تكن عند مستوى التطلعات.

ومؤخرًا بسبب الخوف من عواقب الحرب الروسية الأوكرانية، يُقال إنه تم تخصيص مليار دولار من قِبل الاتحاد الأوروبي لمساعدة الدول الأفريقية لتحمل تبعات الزيادة في أسعار المواد الغذائية، ولكن بالطبع هذا لا يكفي، لذلك هناك تحركات من قبل قادة الاتحاد الأفريقي لتلافي هذه الأزمة مع الدول المعنية بالحرب سواء روسيا أو أوكرانيا لحل هذه الأزمة وفتح الموانئ لتصدير الحبوب.

– ما تقييمكم للعلاقات الأفريقية – العربية على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي.. هل هي عند المستوى المتوقع؟

يتمثل دورنا الأساسي هنا في القاهرة في متابعة الشراكة العربية الأفريقية والدفع بها قدر المستطاع، حيث تعد الشراكة مع الدول العربية هي أول شراكة يقيمها الاتحاد الأفريقي مع أطراف خارجية والتي تأسست في مصر عام 1977، تلا ذلك شراكات الاتحاد مع التكتلات الدولية الأخرى؛ لأن ما يجمع الشعوب في المنطقتين من قواسم مشتركة كثير، وكانت الشراكة عند تأسيسها طموحة جدًّا في أهدافها، ولكن بسبب ظروف تاريخية حالت دون استمرارها عند المستوى المطلوب، وظلت العلاقات بين الطرفين تتسم بالركود حتى عام 2010 في قمة سرت بليبيا ثم قمة الكويت 2013 ثم مالابو 2016 ونحن الآن في انتظار عقد القمة الخامسة “قمة الرياض”، وهي قمة طموحة حيث تم وضع خطة عمل (Action Plan) انطلاقًا من أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، والخطة الإنمائية العربية 2030، وأخذنا من كل القطاعات ما قد يكون مشتركًا بين الطرفين للالتقاء حوله، وتم وضعه في خطة العمل لمدة 3 سنوات، وهي عبارة عن برنامج مشترك لمدة 3 سنوات في العديد من القطاعات، منها الأمن الغذائي والبنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصناعة التحويلية وقطاع الطاقة والكهرباء والنقل بالإضافة إلى برنامج اجتماعي، على رأسه الحد من الفقر في أفريقيا وقضية الصحة.

– هل ترون أن قمة الرياض المقبلة ستكون قمة فارقة في الشراكة العربية الأفريقية؟

نتمنى أن تكون قمة التحول الاستراتيجي، وذلك سيحدث إذا تم اعتماد خطة العمل من قِبل القادة وتوفرت لها مصادر التمويل؛ لأنها تحوي مشاريع ضخمة تحتاج إلى أموال كثيرة ودعم سياسي قوي من خلال إقحام المؤسسات المصرفية العربية والأفريقية أولًا، ثم دعوة الممولين الأجانب فيما بعد، ولكن آلية التمويل ما زالت تراوح مكانها ونعمل على دراسة تحدد الضوابط والظروف التي ينبغي لها أن تطمئن الجميع، وبالأخص المتعاملين الماليين، وفيها ربح للجميع، فالخطط كلها مكملة لبعضها البعض.

– هل تتفق سيادتكم معي أن هناك تطورًا ملحوظًا على مستوى العلاقات الثنائية أكثر منه على المستوى الجماعي بين الكيانين العربي والأفريقي؟

أتفق جدًّا مع هذا الرأي، فقد كان من المنتظر أن تأتي الشراكة العربية الأفريقية بقيمة مضافة تستفيد منها الدول الأعضاء في الجانبين على المستوى الثنائي؛ فمصر لها علاقات مع كل الدول العربية والعديد من الدول الأفريقية والمشاريع التي تم اعتمادها واختيارها في خطة العمل ستأتي بقيمة مضافة حقيقية، خاصة أنها مشاريع يتسع حجمها لأكثر من دولتين، لذلك لا نريد أن نسير أكثر من ذلك في طريق العلاقات الثنائية وترك المسار الجماعي.

– ما أبرز الدول العربية المهتمة بالعمل الأفريقي العربي المشترك؟

تحديد دول بعينها أمر صعب، فالجميع يهتم بهذا الأمر، وهناك 10 دول عربية أفريقية، وهي دول يقع عليها دور تاريخي كبير على رأسها مصر والجزائر؛ لأن لديهم رصيدًا تاريخيًّا في أفريقيا منذ القدم، وأعمالهم كثيرة في خدمة قضايا القارة، وبالتالي هذه الدول لها دور أساسي في تفعيل الشراكة العربية الأفريقية ولجعل الشراكة على المستوى الجماعي جذابة ينبغي التعاون في قطاع التعليم من خلال وجود توأمة بين الجامعات المتواجدة في الجانبين، وكذلك طرح نبذه عن أفريقيا في المناهج العربية، فهناك هجرة العقول الأفريقية خاصة من الشمال الأفريقي إلى الخليج العربي، وبالتالي توجد كوادر علمية مؤهلة بجدارة قد تفيد في إثراء هذا التقارب، ولكن لا ينبغي تركها تعمل بمفردها، وعلى الدول أن ترعى هذا التقارب الثقافي والعلمي بطريقة منظمة.

– هل المجتمع المدني له دور في هذا التقارب؟

نعم، المجتمع المدني ومنظماته لهم دور هام جدًّا وحيوي في هذا الشأن، حيث يوجد المجلس الاقتصادي والاجتماعي في كل من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، وهذا من المفترض أن يضم كل مكونات المجتمع المدني، وبالتالي دور المجلسين هو إقحام المجتمع المدني حول المسائل التي تهم المنظمتين في الشأن العربي والأفريقي ومد الجسور بينهم للتعبير عن الاهتمامات المشتركة، ولا بد من إعطاء منظمات المجتمع المدني والفئات المثقفة في المجتمع فرصة ومنابر للتعبير عن هذه الشراكة، وهنا يبرز دور الإعلام الهام في هذا الشأن؛ لأنه هو من يسلط الضوء على هذه الجهود للتقارب والتعاون والترويج لما يجمع بين المنطقتين.

– بعد تصريحات مدير سد النهضة الأخيرة حول استمرار إثيوبيا في بناء السد والمضي في عمليات الملء يسأل الجميع عن دور وساطة الاتحاد الأفريقي في هذه الأزمة؟

هذا الأمر يحتاج إلى توضيح مهم، وهو أن الاتحاد الأفريقي لم يقم أبدًا بدور الوساطة كما هو متعارف عليه بأن يتدخل في مفاوضات أو يضغط على أي طرف من الأطراف الـ3 فدوره محايد، ودوره تسهيل الاتصال بين الأطراف، وبالتالي هو مسهل أو ميسر (facilitator) للحوارات والنقاشات بين الأطراف الـ3 وليس وسيطًا (mediator)، بمعنى أنه يوفر الشروط المادية والمعنوية واللوجستية لتمكين الأطراف المتنازعة للاجتماع فقط. وظل هذا الدور حتى بعد تكليف مجلس الأمن الدولي له بمواصلة البحث عن سبل تلافي الاختلاف، وعليه لم يتدخل الاتحاد في محتوى المفاوضات، وإنما يعمل على تقريب وجهات النظر في إطار أخوي أفريقي.

– عادت ظاهرة الانقلابات العسكرية مرة أخرى إلى القارة الأفريقية مؤخرًا.. فما الأسباب من وجهة نظركم؟

تشهد القارة منذ سنتين عودة هذه الظاهرة، خاصة منطقة الساحل الأفريقي، ولعل من أسبابها تمسك القادة بالسلطة بعد انتهاء فترة رئاستهم، وبالتالي رغبتهم في مواصلة البقاء في الحكم خلافًا لما تنص عليه الدساتير في هذه البلدان، وهناك أسباب أخرى منها ما هو داخلي محلي أو خارجي، ولكن عادة في هذه الدول عندما يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي هشًّا جدًّا والسلطة ضعيفة والمؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي قد تكون متماسكة وتجد نفسها في بعض الأحيان أمام وضع يصعب التحكم فيه وعليها أن تؤمّن البلاد من الانزلاق نحو منحنًى من العنف، وبالتالي تضطر إلى التدخل في الوقت الذي لا تقوم فيه النخبة السياسية المحلية بدورها كاملًا.

– هل تؤيد ما يطالب به عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الأفريقي من أهمية اللجوء إلى مقاربات جديدة للتعامل مع تلك الظاهرة غير الإدانة ووقف العضوية؟

قد تكون هناك حاجة إلى رؤية جديدة يتم التعامل بها مع تلك الأحداث ففي بعض الأحيان القرارات التي يتخذها الاتحاد الأفريقي من وقف للعضوية وفرض العقوبات لا تكون مجدية، على سبيل المثال ما يحدث الآن في مالي من عقوبات من قبل “الإيكواس” لم تؤت ثمارها بل يزداد الوضع سوءًا، فالهدف ليس معاقبة الشعوب، وما يحدث في تشاد الآن، وبالتالي ينبغي تكييف القرارات والمواقف مع الظروف المحلية والداخلية التي لا تتشابه، فكل دولة لها ظروفها المختلفة عن الدول الأخرى، وبالتالي هناك ميزات وخصوصيات لكل حالة.

– ما أهم أجهزة الاتحاد الأفريقي التي ترون وجوب العمل على تفعيل دورها بكفاءة في الفترة المقبلة؟

من حيث المبدأ كل جهاز موجود أهميته تكمن في وجوده، فعندما يقر القادة بإنشاء جهاز يكون لسد فراغ ما في مكان ما، وبالتالي كل الأجهزة مهمة، ولكن هناك سُلم أولويات، فالأجهزة الـأولى هي أجهزة الأمن والسلم؛ لأنها تستنزف الموارد، وما لا يقل عن نصف نشاط الاتحاد موجه نحو استتباب السلم والأمن في القارة، والحد من بؤر التوتر والنزاعات، والأجهزة الأخرى هي مؤسسات البناء الاقتصادي لأن هذا يخدم أوضاع المواطنين الأفارقة مباشرة من توفير فرص عمل أو إنجازات اقتصادية أو رفع مستوى الإنتاجية وخلق نوع من الرفاهية، وبالتالي كل الجوانب الأخرى ينبغي أن تكون داعمة لهذين الاعتبارين، بالإضافة إلى أهمية وجود جهاز إعلامي خاص بالاتحاد الأفريقي يتضمن قناة إعلامية تبث عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة حتى لا نترك الآخرين يسوقون لنا، فلا بد من الاهتمام بالإعلام لتغيير الصورة الذهنية عن أفريقيا لدى العالم وتوصيل رسالتنا كما نريد وليس كما يريد الآخرون.

والاتحاد الأفريقي لديه طموح كبير، وهو أن يرتقي إلى مكانه الحقيقي الذي يستحقه في المجتمع الدولي، ومع ظروف الحرب والتوتر الموجودة حاليًّا في العالم والعودة إلى القطبية السياسية (سياسة الاستقطاب) نرى أن مصلحة الاتحاد الأفريقي العليا تكمن في العودة إلى سياسة عدم الانحياز والبقاء بعيدًا عن التجاذبات القطبية غربًا أو شرقًا لأن أفريقيا هي وجهة الألفية الثالثة، وهناك تجاذبات، وكل القوى الدولية حاليًّا تريد أن تتعاون وبثقل كبير مع الاتحاد الأفريقي سواء الصين أو الاتحاد الأوروبي أو غيرهم، فالجميع يريد أن يكون للاتحاد مواقف تتناسب مع مواقفه أو مؤيد لها، وهذا ما يحاول الاتحاد الأفريقي الابتعاد عنه، وألا يخرج عن مبادئ الأمم المتحدة في كل مواقفه والحفاظ على الحيادية.

– هل التحول الإيجابي في الموقف المصري تجاه الاتحاد ومؤسساته كان له تأثير ملموس داخل الاتحاد؟ وما الذي يحتاجه الاتحاد من مصر في الفترة المقبلة؟

في الحقيقة أفريقيا تتنفس الصعداء بعودة مصر القوية لها بعد فترة من الغياب، فمصر ركيزة من ركائز الاتحاد الأفريقي ومن الدول المؤسسة له، بالإضافة إلى كونها دولة من الدول الـ5 الكبرى في القارة الذين يحملون رافعة المشعل والراية؛ لأن صوتها مسموع خارج القارة، لذلك نتمنى كل الخير والنجاح لمصر لأنه سيعود بالتأكيد إيجابًا على مسيرة بناء الاتحاد الأفريقي والمسيرة الوحدوية لأفريقيا.