كتب – حسام عيد

على مدى 10 سنوات من حكم الرئيس السابق ألفا كوندي، شهدت غينيا نموًّا اقتصاديًّا مستدامًا بفضل ثروتها من البوكسيت وخام الحديد والذهب والألماس، لكن قلة من مواطنيها حصدوا ثمار هذا النمو.

وتأتي غينيا في المرتبة السابعة أفريقيًا كأكبر منتج للذهب في القارة السمراء بنحو 56.9 طن في 2020؛ وفق بيانات مجلس الذهب العالمي. فيما ارتفعت صادرات الذهب 11% إلى 3.3 مليون أوقية في 2021 مقابل 2.9 مليون عام 2020، بحسب وزارة التعدين الغينية.

وحتى اليوم تعاني غينيا (كوناكري) من تفشي الفساد، وبنية تحتية متهالكة، وعدم استقرار سياسي، أدى إلى عزوف المستثمرين، وفقدان ثقتهم في الاقتصاد الغيني.

وتسعى حكومة غينيا إلى معرفة مصير 3 أطنان من ذهبها. والجواب قد يكمن في لندن؛ وفق ما أفادت وكالة “بلومبرج”.

تهريب واختلاس

في مارس 2022، كانت السلطات الغينية قد ألقت القبض على رئيس سابق للبنك المركزي واتهمته بالاختلاس بعد أن قال إن الجهة الوصية على الذهب -شركة التكرير البلجيكية “أفينور بي في بي إيه” (Affinor BVBA)- غير قادرة على إعادته.

وسلّط القبض على “لونساني نابي” ضوءًا جديدًا على حكم محكمة سابق في لندن -لم تتم تغطية نبئه- أظهر أن شركة التكرير، التي احتفظت بالذهب وباعته، قد واجهت بالفعل تدقيقًا من قبل الشرطة البريطانية في قضية غسيل أموال.

وقالت الشركة إنها حصلت على ملايين اليوروات من تداول الذهب في غينيا، تم تحويلها إلى حسابات مصرفية في جميع أنحاء العالم، وبالإمكان إيجاد صلة بين شركة التكرير وبعض هذه الحسابات. ما دفع المدعين العامين إلى القول إن هناك “أدلة دامغة على أن الأموال تم جنيها بشكل غير قانوني من عمليات غسل أموال دولية”. أدى ذلك إلى ضبط 34 مليون يورو (35.2 مليون دولار) العام الماضي في أكبر عملية مصادرة لمكاسب مزعومة لجريمة في البلاد.

الآن، بات القلق في غينيا يزداد بشأن سلامة ذهبها؛ إذ تثير صفقة غامضة تمتد عبر 3 قارات تساؤلات حول غسيل الأموال في سوق السبائك في لندن، حيث يتم تداول تريليونات الدولارات في المعادن النفيسة كل عام.

وفقاً لوثائق المحكمة، باعت شركة “أفينور” الذهب إلى الذراع التجارية لشركة “مصفاة إسطنبول للذهب” (Istanbul Gold Refinery)، ثم حولت 50 مليون يورو إلى حسابات في لندن تابعة لشركة محاماة جنوب أفريقية، حيث تم الاحتفاظ بها كضمان لشركة استثمار قبرصية. وكتب القاضي جون زاني في حكمه لعام 2020 إن الأموال تبدو أكثر بكثير مما كان يتوقع أن تجنيه “أفينور” من التجارة، ما أثار مخاوف بشأن مصدرها.

واتفقت شركة المحاماة “دو تويت آند كو” (Du Toit & Co) وشركة الاستثمار “إكسيبيريا” (Xiperias) على التنازل عن المبلغ المتبقي البالغ 34 مليون يورو دون الاعتراف بارتكاب أي مخالفات.

بدوره، قال متحدث باسم “أفينور” إن شركة التكرير ليست بموضع أن يكون مشتبهًا بها ولا طرفًا في قضية لندن وإنها زوّدت المحكمة بسجل تدقيق الذهب وشرائه من “البنك المركزي الغيني”.

من جانبها، أكدت شركة “مصفاة إسطنبول للذهب” التي تعرف اختصاراً باسم (IGR)، أنها اشترت الذهب لكنها قالت إنها لم تكن على صلة مباشرة بالبنك المركزي ونفت ارتكاب أي مخالفات.

إن المصافي مثل شركة “مصفاة إسطنبول للذهب” المعتمدة من قبل “جمعية سوق السبائك في لندن” (LBMA)، هي في الغالب شركات صغيرة لتنقية الخام وخردة الذهب التي يتم بعد ذلك إدخالها في النظام المالي العالمي.

يُنتظر من هذه الشركات أن تبعد الأموال القذرة، لذا تضع “جمعية سوق السبائك في لندن” قواعد بشأن المواد التي يمكنهم قبولها لضمان عدم تسلل السبائك الملطخة بالجريمة.

ويقول مارك بيث، مؤسس “معهد بازل للحوكمة”، الذي راجع النتائج التي توصلت إليها المحكمة، إن المتطلبات غالبًا لا تُنفَّذ. وأضاف: “معظم هذه المصافي لا تلتزم بجدية على الإطلاق”.

من جهتها، كانت “مصفاة إسطنبول للذهب” قد قالت العام الماضي إنها “تطبق إجراءات العناية الواجبة في جميع تعاملاتها التجارية مع شركائها”.

بدورها، قالت “جمعية سوق السبائك في لندن” في مايو 2022، إنها لم تتلق أي إخطار رسمي حول هذه المسألة، ولكن “الآن بعد أن أصبحت التفاصيل متاحة، سيتم الشروع في مراجعة أولية قريباً”.

الاضطرابات نافذة الفساد

وتعود جذور أعمال شركة “أفينور” مع غينيا إلى الاضطرابات السياسية التي اجتاحت البلاد في عام 2008 بعد وفاة الزعيم القديم لانسانا كونتي. وتبع ذلك حكم عسكري إلى حين اختارت غينيا أول زعيم منتخب ديمقراطياً في عام 2010.

وأدت الاضطرابات إلى قيام العديد من البنوك الغربية بإنهاء علاقاتها مع المؤسسات الحكومية، بما في ذلك البنك المركزي. ولم تعد شركات التكرير التي سبق لها التعامل مع غينيا ترغب في التعامل مع ذهبها الحرفي بالدرجة الأولى نتيجة لتشديد القوانين بشأن عمالة الأطفال والأضرار البيئية.

وقال بيدي أريبوت، نائب محافظ البنك المركزي السابق، إن ذلك ترك غينيا بدون وسيلة لبيع ذهبها بالعملة الصعبة. وأضاف أريبوت، في ديسمبر الماضي بعد يوم من عزله وحاكم البنك المركزي نابي من منصبيهما من قبل المجلس العسكري الذي وصل إلى السلطة في سبتمبر، “كانت هذه أوقاتاً عصيبة بالنسبة لغينيا… لقد أغلقت كل الأبواب”.

وذكر أريبوت أنه مع انعدام وجود مكان يمكن التوجه إليه، طلب البنك المركزي من “أفينور”، وهي مصفاة صغيرة تتخذ من ضواحي جينك في بلجيكا مقراً لها. وافقت “أفينور” على تخزين وتنقية ذهب غينيا، بينما كانت تعمل أيضاً كوسيط لها.

حتى في صناعة التكرير المنغلقة، لم يكن هناك لدى الناس الكثير ليقولوه عن “أفينور” أو رئيسها التنفيذي جوس بيكرز.

تُظهر حسابات الشركة وجود موظفين اثنين فقط، وليس لديها اعتماد “التسليم الجيد” اللازم لتكرير سبائك الذهب المقبول من قبل سوق السبائك في لندن. ما يجعل من الصعب عليها بيع كميات كبيرة من الذهب للممولين في المدينة.

غياب آمال استعادة كنز الطبيعة

للقيام بذلك، احتاجت إلى وسيط معتمد من “جمعية سوق السبائك في لندن”، وجدته في شركة “مصفاة إسطنبول للذهب”. هذه الشركة هي واحدة من شركتين فقط في تركيا حاصلتين على اعتماد “جمعية سوق السبائك في لندن”. وتعمل المصفاة كحلقة وصل أساسية بين تجار المجوهرات في “البازار الكبير” في إسطنبول والمجمع الهائل للسيولة المتاحة في سوق المملكة المتحدة.

وفقًا لإيداعات الصناديق المتداولة في البورصة التي تتعامل في الذهب، تقع السبائك المختومة بشعار الشركة في خزائن في لندن تابعة لبنك “جيه بي مورجان” و”إتش إس بي سي”.

وتخضع علاقة “أفينور” مع غينيا للتدقيق الآن من قبل المجلس العسكري هناك. في أواخر يناير، استدعت السلطات كلًّا من نابي ومامادي كوندي، الممثل السابق لـ”أفينور” في غينيا، وفقًا لكوندي، الذي غادر البلاد منذ ذلك الحين. أرادت الإدارة الجديدة سحب أكثر من ثلاثة أطنان من الذهب احتفظت بها لدى “أفينور”، لكن المصفاة قالت إن ذلك غير ممكن.

قال أبو بكر كامارا، الممثل القانوني لشركة “أفينور” في غينيا، إنه بمجرد تكرير الشركة للذهب الغيني، لم تعد تحتفظ بالمعدن المادي في مستودعاتها. وقال “الذهب يُودع في كيان حيث ينسب المبلغ المودع للحساب المعدني للبنك المركزي.. لم يعد بإمكان البنك المطالبة بالذهب المادي لكن بقيمته بالعملات”.