كتبت – أسماء حمدي 

في هواء الفجر البارد تتجمع أكثر من عشرين امرأة وفتاة للبحث في المياه البنية لأراضي تانبي الرطبة على ضفاف نهر غامبيا، عن محار المياه العذبة بين أشجار المانجروف التي تعد موطنا مهما له وللعديد من الطيور والأسماء التي تعشش وتتكاثر في بيئة غنية بالمغذيات.

وخلال انخفاض المد، تجدف إحدى جامعي المحار ماري سامبو (33 عامًا) باستخدام زورقها الخشبي الطويل لساعات طويلة على طول ضفة النهر، وتجمع المحار من جذور أشجار المانجروف، قائلة: «إنه عمل بدني شاق ومؤلم، واستخدم قفازات وجوارب خلال العمل للحماية، لقد أصبت كثيرًا وأصبحت يدي وقدمي مشوهتان من حواف المحار».

بمجرد ارتفاع المد تنغمر جذور المانجروف بالمياه، وفي ذلك الوقت يصعب جمع المحار فتخصص النساء هذا الوقت من اليوم لإعداد المحار الخام، فتقوم أولًا بتبخيره في براميل كبيرة، ثم يفرغ المحار من لحمه، ويتم تقطيعه ووضعه في سلال من الخوص، وفي نهاية اليوم يتم نقل سلال المار الجاهز إلى أسواق وشوارع العاصمة بانجول لبيعه.

العيش المستدام

بالنسبة للمستهلكين، فإن هذا العمل هو الخلفية الخفية لمذاق لذيذ يستخدم في مجموعة متنوعة من أطباق غرب أفريقيا التقليدية، مثل يخنة المحار والمحار بالليمون، لكن بالنسبة لجامعي المحار مثل «سامبو»، كان كسب العيش المستدام مسألة موازنة بين المسؤوليات البيئية والمالية.

على عكس عمليات الصيد الأخرى في غامبيا، تدار تجارة المحار بالكامل من قبل النساء، اللائي يقمن بجمعه وطهيه وبيعه، ومثل معظم جامعي المحار الغامبيين، تعمل سامبو البالغة من العمر 33 عامًا، جنبا إلى جنب مع حوالي 500 امرأة أخرى في منطقة تانبي.

 وسامبو هي واحدة من شعب الجولا، وهي مجموعة عرقية معروفة في جميع أنحاء السنغال وغامبيا، وتُشكّل أسماك المحار التي يصطادونها منذ سنين في أعماق النهر، المورد الرئيسي لشعب الجولا.

أصبحت سامبو عضوة أيضا في جمعية TRY Oyster Women Association، وهي جمعية أسستها الأخصائية الاجتماعية «فاتو جانها مبوب»، في عام 2007، وهي منظمة مجتمعية غير ربحية، تهدف إلى تحسين حياة جامعي المحار من خلال المبادرات البيئية والاجتماعية، والتدريب على الإدارة المالية، ونظافة الأغذية وسلامة المياه.

أرادت مبوب أن تجعل من جامعات المحار جزءًا متماسكًا من النظام البيئي، بدلاً من أن تكون قوة تعمل ضده، وفي عام 2012، نجحت في الضغط على الحكومة الغامبية لجعل تانبي منطقة إدارة خاصة، يتمتع فيها أعضاء TRY بحقوق جمع حصرية.

إعادة التحريج

قبل تأسيس TRY، كان جامعي المحار يتعاملون مع غابات المانجروف في تانبي بشكل مختلف تمامًا، حيث اقتطعوا جذور الأشجار تمامًا وجمعوا حتى المحار الصغير غير القابل للبيع، ومن خلال المبادرات التعليمية التي نظمتها «مبوب» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تم تشجيعهم واعتبارهم مشرفين على غابات المانجروف، والآن تُترك الجذور سليمة، ويمنع الحاصدون الآخرين من تقطيعها للحصول على الحطب.

وتشارك TRY في إعادة التحريج، وهو فن وعلم إدارة الغابات، وغرس الأشجار والموارد الطبيعية، وذلك كجزء من مشروع ممول من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قام الأعضاء من خلاله بزرع أكثر من 50000 شتلة من أشجار المانجروف. 

في عام 2011، صوتوا لصالح موسم الحصاد المغلق، من مارس إلى يونيو، وتحديد الحد الأدنى لحجم المحار، لزيادة القيمة السوقية للمحار، ووافق أعضاء TRY على تحصيل 50 دالاسيس قياسي (75 بنس) للكوب، أي بزيادة قدرها خمسة أضعاف عن متوسط ​​الأسعار السابقة، والتي كانت تقررها كل امرأة.

في اليوم الجيد، تجمع سامبو ما يكفي من المحار وتبخّره وتقشره للحصول على 2000 dalasis (30 جنيهًا إسترلينيًا)، ومع استمرار موسم الحصاد في TRY أربعة أشهر فقط، يظل المال هو الشغل الشاغل لهم، ومعظمهم يكملون دخلهم بزراعة الكفاف.

خلال موسم الركود، تسافر سامبو جنوبًا إلى منطقة كازامانس في السنغال لشراء الكوكل والمحار لبيعه في بانجول،  لمعالجة هذا الحصاد غير المنظم، تعمل TRY على توسيع نطاق وصولها إلى نهر Allahein، الذي يشكل الحدود الجنوبية لغامبيا.

يؤثر تغير المناخ أيضًا على العمل، إذ تنتشر الفيضانات بشكل متزايد ويمكن أن تتسبب في تسرب مياه الصرف الصحي إلى غابات المانجروف، مما يفسد المحار الذي يتغذى بالترشيح.

أهداف بعيدة المدى

على الرغم من أن TRY قد حققت تقدمًا بيئيًا، إلا أن التركيز بالنسبة إلى «سامبو» و«مبوب» الآن هو رفع مستوى معيشة جامعي المحار من خلال تحسين المرافق، تتمنى «مبوب» أن تكون هناك منطقة سوق مخصصة لمحار البحر في بانجول، وبذلك لا يتعين على الحاصدين البيع على جانب الطريق ويمكن الاحتفاظ ببضائعهم في حالة عدم بيعها.

وفي حديثها لصحيفة «الجارديان» البريطانية، تقول مبوب: «ما لم يكن لدينا منطقة معالجة، لا يمكننا بيع المحار بشكل صحيح، نريد أن نعبئ المحار ونبيعه في محلات السوبر ماركت والفنادق والمطاعم المحلية، لا يمكنك جمع المحار الذي يُباع على جانب الطريق واصطحابه إلى السوبر ماركت».

تود سامبو البدء بإنشاء أماكن لتبريد المحار، مما يسمح للنساء بتخزين صيدهن وتجنب الحاجة إلى نقله مباشرة إلى السوق، وبالتالي توزيع دخلهن على مدار العام، لكن العديد من النساء يعشن بدون كهرباء، وسيكون إنشاء تلك البنية التحتية على ضفاف لامين بولونج، أحد روافد نهر غامبيا، أمرًا معقدًا ومكلفًا.

قد تكون هذه الأهداف بعيدة، لكن عمل الثنائي لم يمر دون أن يلاحظه أحد، في عام 2012، حصلت «مبوب» على جائزة خط الاستواء لعام 2012 من مبادرة خط الاستواء التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفي عام 2019  تم تكريم «سامبو» بجائزة الابتكار في مجال الأعمال الشبابية للعام من شبكة الابتكار الشبابية العالمية في غامبيا.

يقول مبوب إن مثل هذا التكريم قد فات موعده، نريد أن يعرف الناس أن الحصادات مهمة، إنهم من يحمون البيئة ويحمون تانبي وأشجار المانجروف، ككما يجب على الحاصدون أن يعتنون ببعضهم البعض، وبسبب ذلك، ووبسبب عملهم الشاق، أصبحوا متمكنين.