بقلم – محمود رأفت

الباحث في العلاقات الدولية

واصلت فرنسا هيمنتها على بلدان أفريقيا الفرانكوفونية حتى بعد استقلال تلك البلدان وخروج القوات الفرنسية منها، وأحد أهم تلك الأدوات كانت عملة المستعمرات الفرنسية.   

ماكرون اعتبر في 2019 أن ”الاستعمار الفرنسي كان خطأ جسيماً ارتكبته الجمهورية”، داعيًا إلى “فتح صفحة جديدة بين فرنسا وباقي دول القارة الأفريقية أو مستعمراتها القديمة” منوّهًا بأنه ينتمي “إلى جيل هو ليس بجيل الاستعمار”، ومع هذا فماكرون لم يغير سياسات الهيمنة الفرنسية بل يعيد صياغتها، وأهم تلك السياسات عملة المستعمرات الفرنسية.

عملة المستعمرات وهيمنة باريس

تنظر الدولة الفرنسية إلى أفريقيا على أنها ملعبها الخلفي وأحد أهم روافد الاقتصاد الفرنسي على الإطلاق حتى أن لديها حتى اليوم وزارة تسمى “وزارة المستعمرات القديمة”.

والأفارقة ينظرون إلى ما قامت به فرنسا بقيادة الجنرال ديجول شارل ديجول من تنكيل سياسي واقتصادي بغينيا لمجرد أن رئيسها أحمد سيكوتوري حرر بلاده وأنهى هيمنة فرنسا الاقتصادية وقال: “نفضل الحرية في الفقر، على الثراء في العبودية”.

عملت فرنسا على نشر لغتها في أفريقيا عبر إنشاء المراكز الثقافية والمدارس والجامعات في مختلف الدول الأفريقية، كما أسست المنظمة الفرانكفونية، وعملت عبر شركاتها واتفاقيات على نهب ثروات أفريقيا.

ما عملة المستعمرات الفرنسية؟

عملت باريس قبل وبعد استقلال مستعمراتها على إغراقها في الديون وعلى التحكم المباشر في معاملاتها التجارية والنقدية وسياساتها المالية، وكان الفرنك الأفريقي أو عملة المستعمرات الفرنسية، وسيلتها للسيطرة على 14 دولة أفريقية من بينها 12 مستعمرة فرنسية.

الاتفاق كان يشترط على دول الفرنك توريد 100% من ودائع النقد الأجنبي إلى البنك المركزي الفرنسي، جرى تخفيض هذه النسبة إلى 65% في سبعينات القرن الماضي، ولاحقًا إلى 50% عام 2005، تحت ذريعة توفير غطاء نقدي لإصدار الفرنك الفرنسي يكون وتحت سيطرة الوزير الفرنسي للرقابة المالية، كما ربطت العملة باليورو.

تُسكّ المستعمرات الفرنسية في قرية نائية في منطقة فرنسية في كليرمون فيرون في مدينة بوردو، كما تعين باريس بعض المدراء من حملة الجنسية الفرنسية في البنوك المركزية الأفريقية.

أفريقيا في عيون قادة فرنسا

الرئيس الأسبق جاك شيراك اعترف قائلًا في 2008 إنه: “بدون أفريقيا، ستنحدر فرنسا إلى صفوف دول العالم الثالث”، و”جزء كبير من الأموال التي تأتي لفرنسا، تأتي من استغلال أفريقيا منذ قرون”.

أما الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران الذي تولى السلطة لفترتين رئاسيتين بين عامي 1981- 1995، فقال في عام 1957م، “بدون أفريقيا، لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الـ21”.

في 2013، صرح فرانسوا هولاند بأن “فرنسا تود، جنبًا إلى جنب مع أوروبا، أن تشارك بشكل أكبر في مصير أفريقيا”.

ما مصير من وقف أمام العملة الفرنسية ؟

عندما حاول الرئيس التوجولي أول رئيس منتخب في بلاده سيلفانوس أوليمب الخروج من العملة الاستعمارية الفرنسية، وسك عملة وطنية قتل في 13 يناير 1963، قبل 3 أيام فقط عن بدء سك العملة.

أما موديبو كيتا أول رئيس منتخب في جمهورية مالي فقرر في 1962 التخلي عن العملة الاستعمارية الفرنسية، وصمد سنوات أمام الضغوط الفرنسية، لكنه قتل بعد انقلاب موسى تراوري الملازم السابق في الفيلق الأجنبي في الجيش الفرنسي.

تراشق فرنسي إيطالي يكشف المستور

بسبب الخلافات الفرنسية – الإيطالية حول الهجرة في 2019م، هاجم لويجي دي مايو نائب رئيس مجلس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية الإيطالي باريس واتهمها بـ”إفقار قارة أفريقيا”.

وقال: ”إن اتفاقیات ما يُعرف بالاستقلال تجعل من فرنسا خامس اقتصاد في العالم، ولولا هذا الاستغلال الفرنسي الفاحش لثروات الدول الأفريقية لكان اقتصادها في المرتبة 15 عالميًّا”، ودعا أيضًا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على باريس بسبب سياساتها تجاه أفريقيا، وفقًا لـ”أفريقيا نيوز”.

تراجع اعتماد الفرنك الفرنسي في الدول الأفريقية

أمام هذا الاستغلال الفرنسي، بدأت بلدان أخرى التغلغل في أفريقيا عامة وفي دول الساحل وجنوب الصحراء خاصة مثل الصين وأمريكا وروسيا وحتى تركيا خصوصًا أن ثروات أفريقيا كاليورانيوم والنفط والمعادن ظاهرة للعيان.

وأكدت تقارير أممية وجود 9 دول من منطقة الفرنك الأفريقي ضمن قائمة الدول الأقل نمواً في العالم، كما أدرجت من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ضمن مجموعة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، على الرغم من وفرة مواردها الزراعية وثرواتها الطبيعية.

تحايل فرنسي

تقود حكومتي نيجيريا وغانا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ‏أو إيكواس فكرة إنشاء عملة أفريقية موحدة لكن فرنسا تريد الهيمنة عليها أيضا، وتضغط على ساحل العاج والسنغال للتخلي عن الفرنك الأفريقي.

الناشطة السويسرية/ الكاميرونية، ناتالي يامب، قالت خلال المنتدى الاقتصادي الروسي ــ الأفريقي الذي انعقد في سوتشي بـ2019: “نحن نريد إلغاء الفرنك الاستعماري الفرنسي FCFA ، لكن باريس، بتواطؤ مع أتباعها الأفارقة، تريد إدامته تحت اسم عملة الإيكو”.

حكومة الرئيس الفرنسي ماكرون وافقت في 2020م على مشروع قانون من شأنه إضفاء الطابع الرسمي على ما قالت إنه نهاية آخر عملة استعمارية. ”كيمي سيبا، الناشط الشهير في الحركة المناهضة للفرنك الاستعماري قال: إن “نهاية الفرنك الفرنسي الاستعماري FCFA ليست أكثر من كذبة أبريل فرنسية”.