كتب – حسام عيد

في 4 مايو 2022، أقرَّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ عام 2000، وأعلن أنه سيبدأ تقليص ميزانيته العمومية الهائلة الشهر المقبل، مستخدماً أقوى تشديد للسياسة النقدية منذ عقود لمكافحة التضخم المتصاعد.

وصوّتت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة لـ”المركزي الأمريكي”، بالإجماع، على رفع الفائدة على الأموال الفيدرالية بنصف نقطة مئوية، لتصل إلى 1%، وهي أكبر زيادة منذ 22 عاماً، وهو ما يتوافق مع توقعات أغلب المستثمرين.

خطوة جريئة تأتي بهدف كبح التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ 40 عامًا في الولايات المتحدة، لكنها قد تحمل في طياتها رياحًا معاكسة على الاقتصادات الناشئة والنامية في قارة أفريقيا، سيتمثل أبرزها في ضغوط تضخمية إضافية وتخارجات محتملة لرأس المال الأجنبي. لذلك؛ سنسلط الضوء في التقرير على تداعيات سياسة رفع الفائدة على الأسواق والمستهلكين في ظل اقتصاد عالمي يعاني في الأساس من أزمات سلاسل التوريد وظاهرة التضخم المتسارع والحرب الروسية في أوكرانيا، بالإضافة إلى تحركات صانعي القرار لاحتواء تلك التداعيات وطمأنة الأسواق والمستثمرين.

ماذا يعني رفع الفائدة؟ وما هي تداعياته؟

تتلخص مهمة أي بنك مركزي بالعالم، في الحفاظ على توازن وفرة النقد داخل البنوك والأسواق، والتي يتحكم فيها من خلال رفع أو خفض أسعار الفائدة.

ويعني قرار رفع أسعار الفائدة، أن البنك المركزي سيأخذ فائدة أعلى من البنوك المقترضة منه؛ أي أن الأموال ستكون أكثر كلفة على المقترضين، في المقابل، فإنه سيقدم لها سعر فائدة لودائع هذه البنوك لديه، فكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة، بالعملات المقومة بعملة المركزي أو المرتبطة بها.

ويرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد، أي زيادة أسعار السلع والخدمات. ويترتب على ذلك أن يصبح سعر الأموال غاليًا، فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم.

فكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة.

وإذا كان قرار رفع سعر الفائدة له أثر سلبي على الاقتراض، فإن القرار يحمل جانبا إيجابيا بشكل نسبي على أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة في الأسواق، إذ إن قرار رفع أسعار الفائدة يعني أيضا أن المودع يحصل على عوائد أعلى.

البنوك المركزية الأفريقية ومهمة احتواء التضخم

ومع تحول التضخم المتسارع إلى ظاهرة يعاني منها العالم، أصبحت البلدان المتقدمة والنامية في اختبار صعب لمواجهة تلك الظاهرة والعبور باقتصاداتها إلى بر الآمان، مسخرة في ذلك كافة أدوات السياسة النقدية.

وقد أقدمت بالفعل بنوكًا أفريقية خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، على رفع معدلات الفائدة لديها، كخطو استباقية واستجابة سريعة منها لتخفيف الأعباء التضخمية القادمة إلى من اضطرابات الأسواق الخارجية، والمترتبة أيضًا على رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) أسعار الفائدة مع تأكيده بزيادتها بأسرع وتيرة ممكنة خلال العام الجاري، وهذا ما حدث فعليا خلال مارس الماضي، حيث رفع المركزي الأمريكي سعر الفائدة 0.25% لتصبح 0.5% لأول مرة منذ 2018، للسيطرة على التضخم الذي ارتفع في أمريكا لأعلى مستوى له منذ 40 عامًا، ثم عاد ليرفعها نصف نقطة أساس “0.5%” مرة واحدة في مايو الجاري (رفع هو الأكبر في 22 عامًا)، وذلك بهدف كبح الضغوط التي يتعرض لها اقتصاد البلاد بسبب معدلات التضخم المتزايدة وتراجع فائدة السندات الفيدرالية، وهي خطوة يراها أغلب خبراء الاقتصاد حول العالم بأنها “تاريخية”، لكنها قد تحمل ركودًا اقتصاديًا بالأفق الأمريكي ستكون نتائجه السلبية أكبر من الإيجابية.

وعلى صعيد القارة السمراء، استبقت دولة جنوب أفريقيا بلدان القارة في الاستجابة السريعة لظاهرة التضخم وأعباءها، حيث أقدم البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة مرتين متتاليتين في يناير ومارس 2022، بمعدل ربع نقطة مئوية لكل زيادة، ويبلغ المعدل الحالي 4.25%.

ويعد الدافع وراء رفع الفائدة هو تدهور توقعات التضخم، والتي تضاعفت منذ عودة النشاط الاقتصادي بعد عمليات الإغلاق في 2020، بجانب الحرب الأوكرانية التي زادت من ضغوط سلاسل التوريد ومخاطر نمو الأسعار.

ويتوقع البنك أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنحو 6.2% خلال الربع الثاني منذ هذا العام، ما يتجاوز النطاق المستهدف من البنك المركزي.

وفي اجتماع استثنائي في 21 مارس 2022، رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 1% (100 نقطة أساس)، في محاولةٍ لامتصاص موجة التضخم، علماً أنَّ آخر مرّة رفع فيها المركزي المصري سعر الفائدة كانت عام 2017، حيث رفع البنك أسعار الفائدة لأجل ليلة واحدة في البنوك عند 10.25% على الإقراض لأجل، وعند 9.25% على الإيداع، ورفع الائتمان والخصم 100 نقطة أساس إلى 9.75%.

وفي وقت لاحق من اليوم نفسه تراجع سعر صرف الجنيه المصري بنحو 16%، ليسجل 18.25 جنيه مقابل الدولار في البنك الأهلي المصري، أكبر البنوك الحكومية في البلاد. وهذا أول تحرك للعملة المصرية منذ نحو 5 سنوات (التعويم الكلي لسعر صرف الجنيه في 3 نوفمبر 2016).

وأكد المركزي المصري في بيان صحفي أنه “يؤمن بأهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر”.

وفي مارس 2022 أيضًا، أعلن البنك المركزي الغاني زيادة سعر الفائدة الرئيسية للمرة الثانية منذ نوفمبر 2021، لتصل الفائدة على قروض الثلاث سنوات إلى 17% وهو ما تجاوز توقعات المحللين.

وقال إرنست أديسون، محافظ البنك المركزي الغاني: إن لجنة السياسة النقدية رفعت السعر الرئيسي بمقدار 250 نقطة أساس، في حين كان متوسط توقعات المحللين الذين استطلعت وكالة “بلومبيرج” رأيهم يشير إلى زيادة بمقدار 100 نقطة أساس فقط.

وأضاف أديسون أن أعضاء لجنة السياسة النقدية يتوقعون ارتفاع معدل التضخم على المدى القريب، على أن يعود معدل تضخم الأسعار إلى النطاق المستهدف ويتراوح بين 6 و10% سنويًّا خلال سنة.

وأشارت “بلومبيرج” إلى أن قرار زيادة الفائدة جاء في الوقت الذي تراجع فيه سعر العملة المحلية الغانية “سيدي” أمام الدولار الأمريكي إلى مستويات قياسية، في حين ارتفع معدل التضخم خلال فبراير الماضي إلى 15.7% وهو أعلى مستوى له منذ حوالي ست سنوات.

وفي الأسبوع الأول من أبريل 2022، رفع البنك المركزي في زيمبابوي سعر الإقراض الرئيسي من 60% إلى 80%، قائلًا: إن لجنة السياسة النقدية في زيمبابوي قلقة من تصاعد التضخم السنوي إلى 72.7% في مارس. وأكد البنك ضرورة استمرار التركيز على خفض التضخم واتخاذ إجراءات سياسية إضافية استجابة لضغوط التضخم المتزايدة.

التحرك المصري “الأقوى”

رفع “المركزي المصري” للفائدة جاء كخطوة استباقية لما سيشهده التضخم من ارتفاع على مدار الفترة المقبلة، وللحفاظ على الفائدة الحقيقية، لاسيما في ظلّ رفع الفائدة في الدول المتقدمة وأيضاً بالأسواق الناشئة.

وقد أكد البنك المركزي المصري بعد الرفع أنه لن يتوانى عن استغلال كافة أدوات السياسة النقدية لاحتواء الضغوط التضخمية القادمة من الأسواق العالمية. وتتوقع، شركة برايم القابضة للاستثمارات المالية، أن يصل مقدار الزيادة في معدل الفائدة في مصر خلال عام 2022 بأكمله 3% على الأقل.

كما قال البنك المركزي، في بيان له خلال أبريل 2022، إنه استخدم جزءاً من احتياطي النقد الأجنبي لتغطية احتياجات السوق المصري من النقد الأجنبي وتغطية تخارج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية، وكذلك لضمان استيراد سلع استراتيجية، بالإضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة.

ومن جانبها، توقعت مجموعة “بي إن بي باريبا” المصرفية العالمية، أن يرفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس في اجتماع طارئ خلال مايو 2022، في إطار سعي البنك المركزي لكبح جماح التضخم، واستجابة لتشديد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسياسته النقدية من خلال رفع سعر الفائدة، وتشجيع الأجانب للاستثمار في أذون الخزانة بالعملة المحلية.

وتوقعت “بي إن بي باريبا” أن يصل عوائد أذون الخزانة إلى 17-18% بحلول الربع الرابع، على أن يبلغ متوسط ​​التضخم 12.2% في عام 2022. وأكدت أن العوائد الحقيقية بحاجة إلى الارتفاع ماديًا من المستوى الحالي 3%، كما أنه “يجب تأمين صفقة مع صندوق النقد الدولي بحجم لائق، قبل أن يتشجع الأجانب على الاستثمار بالقوة المعهودة في السنوات الأخيرة في سوق الدين المحلي”.

ورفعت “بي إن بي باريبا” توقعاتها لتحرك سعر الفائدة في مصر، حيث رجحت أن يرفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة بـ200 نقطة أساس في شهر مايو، و100 نقطة أساس في كل من اجتماع أغسطس وسبتمبر، ليصل سعر الفائدة إلى 13.25% في الربع الأخير (مقارنة بتوقعاتها السابقة بـ12.25%).

ونتيجة للظروف الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية والمعدلات العالمية، ترى “بي إن بي باريبا” أن مصر بحاجة إلى “رفع سعر الفائدة بمقدار 300-400 نقطة أساس لتحفيز المستثمرين الأجانب لضخ أموال أكبر بالأوراق الحكومية بالعملة المحلية”.

رجّحت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أن ترفع مصر أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس بحلول السنة المالية 2023/ 2024 للحفاظ على معدلات الفائدة الحقيقية الإيجابية، وترويض التضخم، ودعم الجنيه المصري والحفاظ على جاذبية الأصول بالعملة المحلية.

وحددت “فيتش” بعض العوامل التي ستدعم ثقة المستثمرين في السوق من جديد، منها “انخفاض الجنيه المصري بنسبة 14%، ورفع سعر الفائدة بـ100 نقطة أساس، ودعم دول مجلس التعاون الخليجي، وبرنامج صندوق النقد الدولي الجديد”. ولفتت إلى استقرار حيازات المحافظ لغير المقيمين في الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي، وتوقعت أن تنتعش “لتصل إلى 20 مليار دولار بنهاية السنة المالية الحالية و25 مليار دولار بنهاية السنة المالية المقبلة.

على صعيد التضخم، تتوقع “فيتش” أن تتسارع ضغوط الأسعار أكثر بعد خفض سعر الصرف في مارس، مما يرفع التضخم الإجمالي إلى 10% في السنة المالية 2022 (يوليو 2021 – مارس 2022: 7.8%) و12% في السنة المالية التالية.