كتبت – علياء عصام الدين 

يثبت الفن المصري يومًا بعد يوم تواجده الدائم على المستوى العالمي وتظل رموزنا الفنية فخرًا لمصر وأفريقيا على السواء.

 مؤخرًا تمكن الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة من حصد أرفع وسام ألماني على الإطلاق وهو وسام جوته لعام 2022 ليكون بذلك أول فنان تشكيلي عربي أفريقي يحصل على هذا الوسام.

ومحمد عبلة، واحد من أهم الفنانين التشكيليين المعاصرين في مصر وأفريقيا، وبهذه الجائزة يكون خامس مصري وثالث مبدع عربي يحصل عليها.

وتأتي هذه الجائزة المستحقة تكريمًا لعقود من العمل الفني الثري والمتنوع الذي قدمه عبلة للمشهد الثقافي المصري والعالمي حيث كان بمثابة همزة الوصل بين مصر وأوروبا.

وبدافع تقريب المجتمع المصري وتفاصيله إلى الجمهور العالمي استطاع عبلة أن يصبح أيقونة للتقارب وجسرًا بين الشرق والغرب. 

الفن رسالة للتقارب 

في تصريحات خاصة لمركز فاروس عبر “عبلة” عن سعادته بالجائزة التي تقدمها ألمانيا للمثقفين والفنانين لاسيما أولئك الذين يحمل فنهم معان وأهداف إنسانية.

إن التقارب بين الشعوب وإعلاء القيم الإنسانية كالتسامح من أسمى الأهداف الفنية التي قد يقدمها الفنان المعاصر ، كما أن اختراق مناطق الخلل والأزمات وطرح الحلول وبعث الأمل في النفوس هي من واجبات الفن وأولوياته.

وأوضح عبلة أن سعادته بالجائزة جاءت بسبب اقتران اسمه باسم الشاعر والفيلسوف الألماني الكبير جوته الذي أثرى الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية في ألمانيا، وهو أحد أقطاب الثقافة الألمانية على الإطلاق وهو الأمر الذي يحلم به كثير من الأدباء والمثقفين حول العالم.

وقد تم ترشيح عبلة من قبل معهد جوته في مصر وتم اختياره هذا العام لنيل الجائزة مع المؤرخة تالي ناتس من جنوب إفريقيا والفنانتين نيمي رافندرن وشيفا باتاك من الهند.

ولفت الفنان التشكيلي إلى أن الجائزة يتنافس عليها العديد من الفنانين، وحسب ما جاء في بيان الجائزة فإن “محمد عبلة يرى نفسه وسيطًا بين مصر وأوروبا، يؤمن أن للفنانين مسئولية اجتماعية ولا يمكن فصل حياتهم عن عملهم. لعقود من الزمان، كان ملتزمًا بالتسامح والتنوع، خاصة في المشهد الثقافي المصري، وقام بحملات من أجل حرية التعبير.

 وهو كفنان وسائط متعددة، فإن دافعه الأساسي هو تعريف الجمهور المحلي والدولي بكل جوانب المجتمع المصري، سواء كانت تصويرات واقعية للموضوعات المعاصرة والاجتماعية والسياسية أو الصور المجردة لمصر وشعبها، أعمال محمد عبلة لا توفر فقط رؤى شاملة حول جذور الفنان ومجتمع بلاده، ولكن أيضًا في تراث مصر الغني”.

من هو محمد عبلة؟

هو ابن محافظة الدقهلية ولد عام 1953، حصل على بكالوريوس التصوير من كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية عام 1977، ودبلوم كلية الفنون الجميلة 1978، كما درس النحت في كلية الفنون والصناعات بزيورخ عام 1981.

أقام أول معارضه في 1977 في المركز الثقافي الإسباني بالقاهرة وتوالت معارضه الفنية ليجوب بها كثير من الدول مثل ألمانيا واليابان والسويد وإيطاليا وهولندا والكويت.

وعبلة محاضر بمعهد السينما المصرية، وقد عمل مديرًا لقاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية لعدة أشهر ، ثم أستاذا زائرًا للفنون في مدرسة أوربرو السويد ورئيس مجلس إدارة أتيليه القاهرة 2010.

عاش عبلة بين مصر وسويسرا وألمانيا، وعاد إلى مصر عام 1985 ليستقر فيها بين القاهرة والفيوم، نظم العديد من معارض التصوير، كما قدم معرضين لأعمال النحت معرض (برة الكادر) 2018 ومعرض (اللعب بالنار) 2019.

حاز محمد عبلة على الجائزة الأولى في بينالى الكويت عام 1994، والجائزة الكبرى في بينالى الإسكندرية عام 1997، وشارك في العديد من الأحداث الدولية مثل هافانا بينالى، وتقلد العديد من المعارض الجماعية في كونست متحف بون.

جاء تخصصه في مجال العلاج بالفن الذي أنهاه بمعهد ميونخ بسويسرا ليثري تجربته الفنية ويجعله أميل إلى الاختزال والتلخيص على مستوى الممارسة الفنية وأكثر وعيًا برمزية الألوان وتأثيرها على النفوس.

في 2005  أسس عبلة مركز الفيوم للفنون، ثم متحف الكاريكاتير في 2009، بقرية تونس غرب الفيوم جمع فيه لوحات نادرة لصاروخان ورخا وسرعان ما أصبح بيتًا للفن والإبداع يذهب إليه كل المهتمين بالفنون لاسيما الرسم. 

أعلى وسام ألماني 

يعد وسام جوته أرفع وسام تقدمه ألمانيا للشخصيات المؤثرة في مجالها، والميدالية عبارة عن زخرفة رسمية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، تكرم الشخصيات العامة من جميع أنحاء العالم 

وهو وسام شرف تمنحه ألمانيا وأهم جائزة في سياستها الثقافية الخارجية. يكرم الشخصيات التي تلتزم بشكل خاص بالتبادل الثقافي الدولي أو تدريس اللغة الألمانية. 

وتقترح معاهد جوته في الخارج المرشحين بُناءً على مشاركاتهم الثقافية والسياسية وعملهم الفني، ويتم اختيار الفائزات والفائزين من قبل لجنة تحكيم متخصصة مكونة في العلوم والفنون والثقافة.

سميت بهذا الاسم نسبة إلى الشاعر الكبير يوهان جوته أبرز الأدباء الألمان، وأنشئ الوسام من قبل اللجنة التنفيذية لمعهد جوته الألماني عام 1954، ومنح للمرة الأولى عام 1955 وأعترف به رسميًا في  1975. 

من عام 1992 حتى عام 2008 كان يتم منح الوسام في الذكرى السنوية لوفاة جوته حتى تقرر منحه في 2009 في ذكرى مولد جوته وهو يوم 28 أغسطس.

حصد وسام جوته على مدار التاريخ عدد من الكتاب والمثقفين كان أبرزهم الشاعر السوري أدونيس وعالم الآثار التركي أكرم أكورجال والكاتب المسرحي إيان ماك إيوان والمخرجة الإيرانية شيرين نشاط  وأستاذ اللغات السامية الدكتور مراد كامل وأستاذ الفلسفة شفيق العاصي والمترجم مصطفى ماهر وأستاذ الفلسفة المصري عبد الغفار مكاوي.

شكر واعتزاز

من المقرر أن يتسلم عبلة الوسام في احتفالية كبرى تقام بمدينة فايمار الألمانية، في الـ28 من أغسطس القادم، وهي ذكرى ميلاد الشاعر الكبير جوته، على أن يصاحب الاحتفال معرض تشكيلي للفنان يستمر لـ14 يومًا ويفتتحه الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير.

ونحن نشارك الشاعر الكبير جمال القصاص كلماته التي هنأ بها فناننا محمد عبلة حيث قال

أحتاج أن أفرح 

كنتَ تعرف ذلك 

تلمُّ بعثرةَ النور من فوق السطح 

وتضحك..

الفرح غريزتنا الداخلية 

رائحتنا المخبوءة في الألوان 

والأغصان والجذور 

 هكذا نسافر 

 نحلم 

 نكون جديرين بإنسانيتنا 

 بجوعنا 

 بخوفنا

 يا صديقي الطيب

 أبلغ جوته السلام

 قل له: إن وجهه لم يزل مسكونا بالبحر والأغنية 

  إن فاوست أعاد السمكة إلى النهر 

 لم يجد مقعدًا لائقًا بها في الحديقة

ولا في الأوبرا 

 وحدها الريشةُ الرنّانة في يديكَ 

 تبني منزلا للروح

 يا فتى الصّبار 

 يا محمد

 أيها المغامر الجميل  

 أنا فرحان 

 شكرًا لك