مثل سائر المسلمين، للحج في قلوب المصريين مكانة كبيرة، فهو درة الأماني لديهم، وبالنسبة لكبار السن يعتبر الحج مثابة مكافأة ما قبل النهاية ورحلة للتوبة والتطهر قبل الذهاب إلى الدار الآخرة.

ومن المعروف عن السيدات المصريات الكفاح في الحياة جنبًا إلى جنب مع الرجل، ومنذ عهد القدماء المصريين قامت الحضارة الكبيرة على أكتاف الرجل والمرأة في الحقل وفي البيت، ووثقت نقوش المعابد القديمة صور النساء يحملن جرار الماء وهي الصورة التي تكررت في عهود تالية.

وحتى وقت قريب كنا نرى النساء المصريات يسرن في الشوارع يحملن جرار الماء أو سلال الخضر فوق رؤوسهن بينما طفل أو اثنين على اليدين في توازن وقوة تحمل وصبر.

مسيرة إلى الله

لذا يمكن تفهم قدرة الحاجة ماجدة محمد موسى، من قرية بهادة بمحافظة القليوبية، على السير وحيدة في طريق قاحل وطقس شديد الحرارة بينما تحمل حقيبتها على رأسها وتسير في عزم مستكملة مسيرتها نحو ركن الحج الأعظم في جبل عرفات، في لقطة أثارت دهشة وإعجاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين تساءلوا عن جنسية هذه السيدة المسنة والسبب وراء سيرها وحيدة في درجة حرارة تخطت الـ 70 درجة مئوية.

في حديث لها مع صحيفة الأهرام المصرية، أوضحت الحاجة ماجدة ذات الثالثة والستين أنها سافرت لآداء فريضة الحج بصحبة ابنيها مازن ومعتز ممدوح، لكنها انفصلت عنهم، واستقلت أوتوبيسا آخر، وخلال الرحلة من منطقة العزيزية إلى جبل عرفات كان الزحام شديدا والأوتوبيس سار لمسافة قصيرة لم تتجاوز 600 متر ثم توقف.

رحلة لم تمنعها الآلام

لم تطق الحاجة المصرية صبرا وهي في شوق إلى الوقوف بين يدي الله على جبل الرحمة، فنزلت من الأوتوبيس واستكملت الرحلة سيرا، كان شوقها أكبر من الحرارة الشديدة والطريق القاحل والمسافة الطويلة، ورغم أن السيدة الستينية تعاني من آلام في القدمين وتتناول أدوية للعظام، لم تشعر بأي تعب خلال رحلتها إلى جبل عرفات، بحسب ما أوضحت لـ “الأهرام”، رغم أنها كانت تحمل فوق رأسها حقيبة محملة بالملابس والأدوية.

تقول الحاجة ماجدة: “كانت فرحتي أكبر من كل شيء”، فأمنيتها التي دعت بها طويلا في صلاتها وقيامها ونذرت لها صياما كل اثنين وخميس تحققت أخيرا فكيف يمنعها الزحام عن استكمال حلمها الجميل، وكان وقود عزيمتها ذكر الله والتلبية “لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك”، وفي كل مرة يلهج لسانها بالذكر تزداد قوة وعزم على استكمال رحلتها.

مكافأة على الصبر الجميل

تعودت الحاجة ماجدة على المشقة في حياتها، فكانت الأم والأب لأبنائها التسعة الذي توفي والدهم عام 2010 ، وكان الحمل كبيرا لكنها تجملت في صبر وخاضت رحلتها معهم حتى أوصلتهم لبر الأمان واعتبرت أداءها للحج مكافأة على الصبر الجميل.

لم تعلم الحاجة ماجدة أن مقطع الفيديو القصير لمسيرتها نحو عرفات سيحصد إعجاب الملايين وسيدفعهم للدعاء إلى الله بتقبل حجتها وبأن تكون خطواتها شفيعة لها يوم القيامة، خاصة وأن الحج فريضة تحمل في مضمونها الجهاد، وتحمُّل الكثير من المشقة في مناسكها حتى في ظل كل ما توفره دولة السعودية من تسهيلات لضيوف الرحمن.

استكملت الحاجة ماجدة مناسك الحج استعدادا للعودة إلى مصر، ولم تكترث أبدا بأنها تحولت إلى أيقونة شهيرة، فقد شغلتها الفرحة بجائزة الحج وزيارة البيت الحرام عن الدنيا وما فيها.