نظم مركز “إيجيبشن إنتربرايز للسياسات والدراسات” بالتعاون مع مركز “فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية” ويبنارًا بعنوان: “الجريمة المنظمة في أفريقيا جنوب الصحراء: المستجدات والتداعيات”، وذلك بمشاركة مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الدراسات الأفريقية والقانون الدولي.

السادة المتحدثون:

  •  د. هيثم عمران – مدرس العلوم السياسية والقانون الدولي بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة السويس ومسؤول برنامج دراسات القوى الصاعدة بمركز “إيجبيشن إنتربرايز للسياسات والدراسات”.
  • د. محمد فؤاد رشوان – الخبير في الشؤون الأفريقية والقانون الدولي.
  • د. حكيم ألادي نجم الدين – المدير التنفيذي لمركز “الأفارقة للدراسات والاستشارات” وباحث نيجيري متخصص في الأصول الاجتماعية والتحولات السياسية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
  • د. غادة كمال – خبير في الشؤون الأفريقية والمحاضر بجامعة الوفاق الدولية.
  • د. جيهان عبد السلام – أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة.
  • د. آيات علي – مدير البحوث والدراسات بمركز “إيجبيشن إنتربرايز للسياسات والدراسات”، الباحثة المتخصصة في دراسات السلام والصراع.

السادة المعقبون:

  • السيد/ رمضان قرني – الخبير في الشؤون الأفريقية – مدير مكتب مركز “تريندز” في القاهرة.
  • المستشار/ حسام الدين علام – خبير العلاقات الدولية والمستشار بمجلس الدولة.
  • السيد / محمد عبد الحليم – مدير مركز “إيجيبشن إنتربرايز للسياسات والدراسات”.

 كما أدارت اللقاء د. نرمين توفيق الباحثة في الشؤون الأفريقية والمنسق العام لمركز “فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية”.

بدأ الويبنار بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد عبد الحليم – مدير مركز “إيجبيشن إنتربرايز للسياسات والدراسات الاستراتيجية”، أشار فيها إلى أهمية القضية التي يتناولها الويبنار، ومؤكدًا على ضرورة المُضي قدمًا في تنفيذ المزيد من الأحداث والفعاليات لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تؤثر سلبًا في استقرار وازدهار المجتمعات.

عقب تلك الكلمة الافتتاحية، قام الدكتور حكيم ألادي نجم الدين، المدير التنفيذي لمركز “الأفارقة للدراسات والاستشارات”، بعمل مداخلة تحت عنوان “الجريمة المنظمة في أفريقيا جنوب الصحراء: أبرز الاتجاهات”؛ حيث عرّف الجريمة المنظمة وأنواعها المختلفة وكيف يمكن مواجهتها، مؤكدًا على أن الجريمة المنظمة تتخذ أشكالًا عدة في أفريقيا جنوب الصحراء، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الدول الأفريقية.

كما نوَّه المدير التنفيذي لمركز “الأفارقة للدراسات والاستشارات”، إلى اتساع مصطلح الجريمة المنظمة في السياق الأفريقي، وفي غيره من السياقات، خاصة وأن اتفاقية الأمم المتحدة المعنية لا تقدم تعريفًا دقيقًا للجريمة المنظمة. في هذا الإطار، تحدث الدكتور حكيم عن العوامل التي تساهم في انتشار الجريمة المنظمة، والتي تتمثل في انعدام الأمن والاستقرار السياسي بشكل متكرر مما يسهل حصول الأفراد على الأسلحة، هذا فضلًا عن انتشار القراصنة والفساد وبالأخص في المناطق الفقيرة، بالإضافة إلى ذلك فإن هياكل السوق تخضع لمعايير غربية وغير محددة.

كما تطرق سيادته إلى أنواع وأشكال الجريمة المنظمة، والتي تنقسم إلى عدة أنواع، أولها؛ الإتجار بالبشر ويُوجد هذا النوع في أماكن مثل إريتريا، جنوب السودان، النيجر، جيبوتي، وتشاد، وثانيها؛ الإتجار بالأسلحة والذخائر، وتنتشر في أماكن وهي نيجيريا، جنوب أفريقيا، كينيا، وساحل العاج، وثالثها؛ التجارة بالسلع غير المشروعة مثل تلك التي تُواجد في زامبيا، وناميبيا، في حين يتمثل النوع الرابع في تهريب الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض وذلك في الجابون، غینیا بيساو، وأفريقيا الوسطى، أما النوع الخامس؛ فيرتبط بتهريب والإتجار في المخدرات، وتنتشر في غينيا بيساو، والرأس الأخضر، بينما يتمثل النوع السادس في الجرائم السيبرانية مثل تلك التي تُواجد في  جنوب أفريقيا، كينيا، ونيجيريا، في حين أن النوع الأخير يتمثل في الجرائم المالية وتنتشر في كل من إثيوبيا، وغينيا.

اتصالًا بما سبق، تناول الدكتور حكيم ألادي نجم الدين، الجهات الفاعلة في انتشار الجريمة المنظمة، ومنها مجموعات المافيا على سبيل المثال العصابات الإرهابية التي تُوجد في جنوب أفريقيا، هذا إضافة إلى الشبكات الإجرامية التي تنفذ عمليات الجريمة المنظمة في النيجر. ومن أبرز الفاعلين أيضًا هم الجهات الفاعلة في الحكومات في دول مختلفة؛ حيث كشفت التقارير الأخيرة أنها تهيمن على المشهد. يضاف إلى ذلك دور الجهات الفاعلة الخارجية ومؤسسات القطاع الخاص التي تهدف إلى السيطرة على الاقتصاد.

بناءً على ما سبق، حدد الدكتور حكيم كيفية مواجهة الجريمة المنظمة، مشيرًا إلى ضرورة  الاعتراف بالجهود المبذولة لمواجهتها في القارة ومنها هيئة الاتحاد الافريقي لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، منظمة الشرطة الجنائية الأفريقية “الأفريبول”، هذا فضلًا عن القوانين الداخلية والعقوبات الصارمة التي تفرضها الدول للحد من هذه الجرائم، إلا أنه على الرغم من تلك الجهود، هناك ضرورة لعمل دراسات ميدانية لأنواع الجرائم؛ لأن التقارير المتاحة هي التقارير التي تنتجها الحكومات أو المنظمات الدولية وليس وفقًا لدراسات ميدانية؛ حيث إن الدراسات الميدانية تعطي وجهات مختلفة للقائمين بها. كما أنه هناك حاجة لتفعيل دور المجموعات الاقتصادية وتعزيز التعاون بينهما لمواجهه الجريمة المنظمة، لا سيما في ضوء تقصير بعض الدول الأفريقية في تنفيذ الاتفاقيات الموجودة.

التعقيب: أشاد الأستاذ/ رمضان قرني الخبير في الشؤون الأفريقية، بالورقة المقدمة، نظرًا لما تقدمه من تصنيف موضوعي لأشكال الجريمة المنظمة، فضلًا عن إعطاء نماذج في كل دولة أفريقية ووضع خريطة الجريمة المنظمة في دول أفريقيا. كذلك، تميزت الورقة بالإشارة إلى نموذج جديد للجريمة متعلق بالجهات الحكومية وهذا ما كشفته أزمة السودان وتجاوزات قوات الدعم السريع وإغفال الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لها. هذا فضلًا عن إلقاء الضوء على دور الحكومات الأفريقية، وفي هذا الإطار، أكد “قرني” على أهمية دور “الإيكواس”، و”الإيجاد” وغيرها من الجماعات الاقتصادية الإقليمية، وأنهم أكثر فاعلية من الاتحاد الأفريقي.

في سياق متصل، أشار المستشار حسام الدين علام خبير العلاقات الدولية، إلى أن أبرز السمات التي تميز الجريمة المنظمة هو عنصر التخطيط لتحقيق أهداف الجماعات، بالإضافة لعناصر الاستمرارية والسرية والمرونة والقدرة على التوظيف وتحقيق الربح وتعايش المجتمع مع الجريمة المنظمة كما لو أنه أمر طبيعي. وتطرق إلى ذكر الخصائص المتحدثة للجريمة المنظمة والتي تتمثل في كونها عابرة للحدود، تحالف عصابات، تمزج بين الأعمال المشروعة وغير المشروعة، وتستخدم التقنيات الحديثة.

أما المداخلة الثانية، والتي قدمها الدكتور محمد فؤاد رشوان الخبير في الشؤون الأفريقية والقانون الدولي، فقد تناولت محور “الجريمة المنظمة في أفريقيا جنوب الصحراء: الأسباب والمحفزات”. في هذا السياق، قام الدكتور رشوان بعرض التعريفات المختلفة للجريمة المنظمة، ومنها تعريف “الإنتربول الدولي” للجريمة المنظمة، أنها؛ مجموعة أشخاص يتعاهدون على القيام بعمل غير مشروع بسرية بهدف التربح. وتعريف الاتحاد الأوروبي، بأنها؛ جماعة مشكّلة تمارس نشاطًا إجراميًا للحصول على السطوة والثروة. إجمالًا، تعبر الجريمة المنظمة عن نشاط إجرامي يتميز بالسرية والتنظيم سواء داخل الدولة أو عابرة للحدود.

حدد الدكتور رشوان خصائص الجريمة من خلال تصنيفها إلى خصائص تقليدية تتمثل في: التخطيط للجريمة (بداية من الإعداد)، الهيكل التنظيمي، التخطيط والدقة، تحقيق مكاسب مالية طائلة يعتبر الهدف الرئيسي للجريمة، استخدام العنف، استمرار الكيان وبقاء التنظيم بغض النظر عن انتهاء أعضائها. أما الخصائص الحديثة تتمثل في التطور العلمي والتكنولوجي. كما أوضح أن الجرائم المنظمة تنقسم إلى نوعين؛ الأول: الجرائم التقليدية، وهي موجودة منذ الاستقلال مثل تهريب البشر، تهريب البضائع (سجائر، مخدرات)، والثاني: الجرائم المستحدثة، والتي تتمثل في التعدين غير المشروع وذلك من خلال الاتفاق على التنقيب عن معادن معينة ولكن الحقيقة تتمثل في البحث عن ذهب وماس، القرصنة في خليج غينيا. في حين تتمثل أسباب الجريمة في انتشار الفقر، البطالة، الفساد، ضعف البنية الهيكلية، انتشار الصراعات المسلحة، انعدام الاستقرار، والتقدم التكنولوجي.

التعقيب: أكد الأستاذ رمضان على أن أهم ما يميز الورقة هو فكرة التعريف المنهجي والدقيق للجريمة المنظمة وأنواعها.

اتصالًا بما سبق، تحدث الدكتور هيثم عمران مدرس العلوم السياسية والقانون الدولي، في المداخلة الثالثة عن الأبعاد القانونية للجريمة المنظمة؛ حيث أشار إلى أن تعريف الجريمة المنظمة يكتنفه كثير من الغموض، مما يعد سببًا رئيسيًا لتقويض الجهود لمكافحة الجريمة المنظمة. كما تطرق إلى مختلف تعريفات الجريمة المنظمة، ومنها تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، والتي ترى جماعات الجريمة كجماعات يتزعمها أشخاص قائمة على تدرج هرمي وضوابط داخلية يعملون بشكل منظّم ومستمر لتحقيق مكاسب مالية، وأوضح أن المفهوم الشائع للجريمة المنظمة هو كونها عابرة للحدود الوطنية. وتناول الدكتور هيثم أسباب الجريمة المنظمة، مؤكدًا على أن من أسبابها الرئيسية التقدم التكنولوجي والعلمي، انتشار الصراعات المسلحة، وانتشار الفقر والفساد. أما عن جهود مكافحة الجريمة المنظمة، فقد تحدث عن تنامي الاهتمام الدولي بهذا الأمر من خلال المؤتمرات والتشريعات لمكافحة الجريمة المنظمة، ومن هذه الإجراءات؛ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عام 2000 في إيطاليا هي البادئة في وضع تشريع دولي لتجريم الجريمة المنظمة. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية قد راعت مبدأ عدم التدخل والاختصاص الإقليمي، وذلك من خلال الاعتراف بحق الدولة في معاقبة مرتكبي هذه الجريمة وعدم التدخل الخارجي. هذا فضلًا عن، قرارات الأمم المتحدة مثل القرار رقم 37 الخاص بحمايه البيئة من النفايات السامة، بالإضافة إلى المؤتمر الوزاري العالمي، والذي نص على ضرورة التعاون بين السلطات المحلية و”الإنتربول”. أما على المستوى العربي؛ يأتي دور جامعة الدول العربية. أيضًا توجد جهود على المستوى الأفريقي لكنها ليست واسعة.

التعقيب: أكد المستشار حسام علام على أهمية البعد القانوني والتشريع في التعامل مع ظاهرة الجريمة المنظمة؛ حيث نوه إلى أهمية التعاون وتضافر الجهود من أجل مكافحتها نظرًا لكونها عابرة للحدود فهي تمس الاستقرار السياسي والاقتصادي للعديد من الدول.

في سياق آخر، ناقشت المداخلة الرابعة العلاقة بين المرأة والجريمة المنظمة، حيث تحدثت الدكتورة آيات علي الباحثة المتخصصة في دراسات السلام والصراع، عن ضرورة النظر لاعتبارات النوع الاجتماعي في دراسة ظاهرة الجريمة المنظمة، لا سيما في ضوء تقاطع هذه الظاهرة مع ظواهر خطيرة أخرى كالإرهاب، لا سيما أن المرأة تُعد الفئة الأكثر تضررًا من أعمال الجريمة المنظمة. كما أشارت إلى ضرورة عدم إغفال أن المرأة لم تعد فقط ضحية للجريمة المنظمة، وإنما مشارك فعّال فيها. وعليه، قالت الباحثة في دراسات السلام والصراع، إن هناك اقترابين في التعامل مع قضية المرأة والجريمة المنظمة، الأول، وهو النمط الأكثر شيوعًا، الذي يرى المرأة كضحية للجريمة المنظمة، والذي يتأسس على الصورة الذهنية التقليدية التي تربط بين المرأة والاستكانة والخضوع، بينما تربط بين الرجل والعنف والجريمة. ولهذا، فعند قيام المرأة بأي جريمة، غالبًا ما يتم التعامل مع هذه الجريمة كخطأ مزدوج (جريمة في حد ذاتها، وجريمة تغاير الصورة الذهنية عن المرأة في المجتمعات التقليدية). كثيرًا ما تتجه الجماعات الإجرامية لتوظيف السيدات واستغلالهن للاستفادة من هذه الميزة. كما أوضحت الدكتورة آيات علي، أنه هناك اتجاه متزايد لمشاركة المرأة في أنشطة الجريمة المنظمة، على الرغم أنه لا يزال الرجال يشكلون الغالبية العظمى من أعضاء الشبكات الإجرامية في أفريقيا. في هذا الشأن، استطاعت بعض النساء الوصول إلى أدوار قيادية وتنفيذية في الجماعات الإجرامية بعد أن كانت تقوم بالأدوار المساندة فقط سابقًا. كما تطرقت الدكتورة إلى أسباب انخراط المرأة في أنشطة الجريمة، ومنها أسباب هيكلية، كضعف نظم العدالة الجنائية وصورها والأوضاع الأمنية المتدهورة والحروب والنزاعات، وأسباب اجتماعية تتمثل في التمييز والتهميش الاجتماعي، محدودية الفرص التعليمية، العنف المنزلي، الثقافة الذكورية، وأسباب اقتصادية تتمثل في انتشار الفقر والبطالة. كما تناولت “علي” تداعيات انخراط المرأة في الجريمة المنظمة، حيث إن مشاركة المرأة في الجريمة المنظمة لها تداعيات سلبية على المستوى الفردي، والمجتمعي، لا سيما وأنها تؤدي إلى تفكك البنى الاجتماعية والأسرية في ضوء مشاركة العنصر الرئيسي في مثل هذه الأنشطة؛ حيث تتمثل التداعيات على المرأة المنخرطة في التعرض للاستغلال والعنف من قبل شبكات الجريمة المنظمة، مواجهة عواقب قانونية خطيرة في حال القبض عليها، الانفصال عن الأسرة والمجتمع والتهميش الاجتماعي، المعاناة النفسية والإدمان والأمراض المرتبطة بنمط الحياة الإجرامية، ومن التداعيات أيضًا زعزعة النسيج الاجتماعي والأسرى.

في الأخير، تطرقت إلى الاستجابات الحالية لمشاركة المرأة في أنشطة الجريمة المنظمة فمن خلال تقييم الوضع الحالي يتضح أن هناك قصورًا كبيرًا في الاستجابات الحالية مما يؤدي بالضرورة لتنامي الظاهرة، وليس الحد منها. هناك عدد من التحديات التي تواجه الجهود الرامية للحد من انخراط المرأة في أنشطة الجريمة المنظمة، ومنها؛ الفقر والندرة الاقتصادية، إذ يُعد الدافع المالي والاقتصادي من أبرز العوامل التي تدفع النساء للانخراط في الجريمة المنظمة؛ حيث يوفر ذلك مصدر دخل سريع وسهل مقارنة بالفرص الشرعية المتاحة، هذا إضافة إلى انعدام المساواة بين الجنسين فلا تزال المرأة تواجه تمييزًا وعقبات هيكلية في المجتمعات الأفريقية، مما يحد من فرص تعليمها وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا. هذا فضلًا عن بعض الممارسات الثقافية والتقاليد الاجتماعية قد تساهم في تهميش المرأة وزيادة تعرضها للاستغلال. بالإضافة إلى ضعف سيادة القانون والقضاء؛ حيث غالبًا ما تتسم أنظمة العدالة الجنائية في بعض البلدان الأفريقية بعدم الفعالية والفساد، مما يضعف ردع الجريمة المنظمة. كما أكدت الدكتورة آيات علي، على أن معالجة هذه الظاهرة يتطلب تطوير تدخلات واستجابات شاملة ومتكاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتمكين المرأة وتوفير البدائل الإيجابية لها، عدم الاعتماد على الاقترابات الأمنية فقط وتكامل الجهود الوطنية الدولية على مستوى الوقاية والمكافحة والتأهيل والدمج الاجتماعي، تعزيز سيادة القانون وتحسين نظم العدالة الجنائية وتطوير بنيتها التحتية، التركيز على التعليم والتمكين الاقتصادي للمرأة، تعزيز القدرات البحثية والإحصائية وتوفير البيانات والدراسات العلمية المتخصصة لصياغة تدخلات مبنية على الأدلة، والاستفادة من التجارب الناجحة والممارسات الأفضل في هذا السياق.

التعقيب: تحدث الأستاذ رمضان قرني عن أهمية كسر التابوهات والصور الذهنية في التعامل مع تلك القضية الحساسة، منوهًا إلى أهمية التركيز على البعد الإعلامي في هذا السياق، الذي يتسم بالقصور الشديد.

أما المحور الخامس، فقد تناول العلاقة بين الجريمة المنظمة والإرهاب، حيث أشارت الدكتورة غادة كمال الخبيرة في الشؤون الأفريقية، إلى أن الإرهاب هو جزء من العملية الإجرامية المنظمة، خاصة وأن الإرهاب لم يعد أمرًا عشوائيًا كالسابق. ولعل من أهم سمات الإرهاب في أفريقيا تعدد الجماعات الإرهابية، ومنها حركة الشباب المجاهدين، بوكو حرام، أنصار الدين، علاوة على جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. هذا فضلًا عن الميلشيات المسيحية، وأن انتشار الإرهاب في القارة يعود إلى أسباب عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية. كما أن هدف الإرهاب والجريمة المنظمة، هما؛ المال، أما الهدف الاستراتيجي هو العنف. جدير بالذكر أنه يوجد نمطان للعلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة وهما نمط اقترابي، ونمط تعاوني.

 في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه بعد أحداث 11 سبتمبر من عام 2001، وبسبب العقوبات المفروضة على التنظيمات، بدأ البحث عن مصادر بديلة للتمويل. توجد 5 مجالات للعلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة، تتمثل في: تعدين الذهب، الفدية، سرقه الماشية، تهريب المخدرات، والخطف، وجميعها أنشطة ومجالات مربحة جدًا للجماعات الإرهابية والإجرامية على حد سواء. وتشير التقديرات أنها تشكل حوالي 40% من إيراداتها، كما أنه وفقًا لمؤشر الجريمة المنظمة؛ فقد نشأت حركة الشباب في دولة تعاني من الهشاشة السياسية وحاليًا تمول جماعات أخرى في مناطق متفرقة في القارة، هذا بالإضافة إلى جماعة بوكو حرام وامتدادها في شمال الكاميرون.

 كما ألقت الخبيرة في الشؤون الأفريقية الضوء على تشابك الإرهاب مع الجريمة البحرية (القرصنة، الإتجار بالبشر، والصيد غير المشروع). في المقابل، تتفاوت عمليات منع ومكافحة الجريمة المنظمة المرتبطة بالإرهاب من دولة إلى أخرى، فهناك دول متعاونة مثل كينيا، ودول لا تقوم بجهود كافية في هذا الصدد.

التعقيب: أكد المستشار حسام علام على أهمية محور الجريمة المنظمة والإرهاب، فهي تمثل واحدة من أبرز القضايا التي تواجه القارة وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في العديد من الدول.

في الختام، قامت الدكتورة جيهان عبد السلام أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، بتقديم مداخلة حول أثر الجريمة المنظمة على الأوضاع الاقتصادية والتنموية في الدول الأفريقية؛ حيث أوضحت أن الظروف الاقتصادية والتنموية في القارة هي التي تدفع الأفراد إلى الجريمة المنظمة، ومن هذه الأسباب معدلات الفقر المرتفعة في القارة، فأعلى معدلات الفقر في العالم توجد في أفريقيا. أما عن التداعيات السلبية للجريمة المنظمة، فقد أشارت مجموعة من الدراسات إلى أن الجريمة المنظمة مسؤولة عن إهدار الموارد المالية؛ حيث تفقد أفريقيا سنويًا 88,8 مليار دولار لهذا السبب، فضلاً عن الاستثمارات غير المشروعة وغسيل الأموال وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الأفريقي، منها ارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار. كما أن جزءًا كبيرًا من التداعيات المرتبطة بالجرائم الإلكترونية والعملات الافتراضية يؤثر سلبًا في الاستقرار المالي وأداء البورصات في الدول الأفريقية، ويؤدي لخسارة كبيرة في التدفقات لصالح التجارة غير المشروعة، وغسيل الأموال. كما تُعرض الجريمة المنظمة الحياة البرية والموارد الطبيعية لخطر مما يحرم المجتمعات من إمكانية الاستفادة من هذه الموارد، وهروب المزارعين خوفًا من الجريمة، وهذا بطبيعة الحال يُقلص الإنتاجية الزراعية ويؤثر سلبًا في التنمية الاقتصادية ويصب في غير صالح الأمن الغذائي. يضاف إلى ذلك تداعياتها على عملية التنمية وتآكل رأس المال البشري داخل بعض الدول التي عانت من الآثار الاقتصادية للجريمة المنظمة مثل دول خليج غينيا، كما أن المشاكل السياسية وغياب الاستقرار السياسي يؤدي إلى خلق بيئة ملائمة لتهريب المخدرات، بالإضافة إلى تآكل رأس المال للبشري بشكل كبير وزيادة معدلات الوفيات بين الشباب بسبب المخدرات، الذي يمثل القوى العاملة؛ مما يهدد الاقتصاد. على سبيل المثال، فإن نيجيريا تعاني من الجريمة المنظمة والإرهاب، وقد أدى ذلك إلى تدهور الخدمات الصحية وفرار 1.5 مليون شخص فروا من القطاع الزراعي هربًا من الجريمة المنظمة. على الرغم من كون جنوب أفريقيا من أهم اقتصاديات الدول الأفريقية، ولكنها ما زالت تعاني من انتشار الجريمة بشكل مثير للقلق؛ حيث إنه بسبب ارتفاع معدلات الجريمة بكل أشكالها المختلفة خاصة الجرائم المالية تخسر جنوب أفريقيا نحو 10% من إجمالي ناتجها المحلى سنويًا. وقد تم إدراج جنوب أفريقيا في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)، والخاصة بمعالجة أوجه القصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال؛ مما أدى إلى عزوف المستثمرين، وذلك بسبب العلاقة التبادلية بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، كما أن العوامل الاقتصادية محل هذه التداعيات تزيد من الفجوات التنموية في المجتمعات الأفريقية. وفي ختام كلمتها أكدت على أن التنمية والنمو لن يتحققا إلا بمكافحة الجريمة المنظمة.

للاطلاع على اللقاء كاملا