كتبت – زينب مصطفى رويحه

باحثة في الشؤون الأفريقية

يشهد الساحل الأفريقي تحولات جيوسياسية حادة، إذ إن انسحاب القوات الفرنسية ومن بعدها القوات الأمريكية يمثل نقطة تحول في طبيعة التوازنات التي تدور حولها المنطقة، وهو المتغير الذي بطبيعة الحال أفسح المجال أمام دول أخرى لملء الفراغ واستعراض النفوذ، وفي ظل الاضطراب الذي يسود المشهد العالمي من حيث الصراع بين الغرب وروسيا، انطلقت موسكو على الفور لمغازلة دول الساحل وعرض خدماتها في سياق تبادل الخبرات الأمنية بشأن مواجهة حركات التمرد والجماعات الإرهابية.

كما شكلت هذه المتغيرات فرصة مواتية أمام قوى أمثال تركيا وإيران لتجاوز إقليمها وبسط نفوذها في الساحل، وفي سيناريو يشبه ما قامت به في ليبيا، قامت تركيا بإرسال مرتزقة سوريين إلى النيجر بدأ نقلهم في شهر سبتمبر الماضي بعد وقوع الانقلاب العسكري هناك بقيادة عبد الرحمن تشياني، وتفيد التقارير أن هؤلاء المرتزقة يعملون  لصالح قوات فاغنر الروسية ([1])، وفي تحركات موازية، تجري مباحثات بين إيران والمجلس العسكري في النيجر بشأن صفقة لتوريد 300 طن من اليورانيوم النيجري  بقيمة 56 مليون دولار إلى إيران.

ويأتي نشاط القوى الصغيرة والمتوسطة في منطقة خارج اهتمامها الكلاسيكي (الساحل) كنتيجة منطقية تتوافق ودور هذه القوى في ضوء متغيرات المشهد العالمي الراهن، حيث إن انخراط القوى الكبرى في حرب نفوذ من أجل تغيير قواعد النظام العالمي التي باتت لفترة طويلة تتسم بالأُحادية، أفسح المجال للقوى المتوسطة والصغيرة لإعادة هندسة نفوذها ولعب دور أوسع.

محفزات تركيا وإيران للعمل في الساحل

على الرغم من اختلاف ملامح السياسة الخارجية لكل من تركيا وإيران، لكن خلقت الظروف في منطقة الساحل بيئة خصبة تتلاقى مع طموحات كلا من طهران وأنقرة على حدة، وبعد توالي الانقلابات في الساحل، اختلفت الظروف السياسية لكل من موريتانيا وتشاد عن نظرائها في مالي والنيجر وبوركينافاسو، وحازت دول الانقلابات الثلاث على اهتمام تركيا وإيران بشكل لافت، وتمثل الدولتان أبرز القوى الفاعلة هناك في الوقت الراهن، وتتمثل أبرز العوامل التي عملت على جذبهما للعمل في الساحل كالآتي:

الظروف السياسية والأمنية في الدول الثلاث

تمركزت دول الساحل الأفريقي على قائمة الدول الأكثر تعرضًا للهجمات الإرهابية في عام 2023، وجاءت بوركينافاسو في المركز الأول عالميًا بإجمالي عدد وفيات بلغ ألفي شخص كخسائر بشرية ناجمة عن 258 حادثة مرتبطة بالإرهاب، وهو ما يعادل ربع إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العالم، كما تعرضت لهجوم دومي عنيف في مانسيلا في 11 يونيو الماضي أسفر عن مقتل 107 جنود، ويبدو أن البلاد على أعتاب انقلاب عسكري جديد، إذ تكررت حوادث إطلاق النار حول القصر الرئاسي كإحدى علامات السخط العام حول أداء القائد العسكري إبراهيم تراوري وفشله في الحد من الحوادث الإرهابية، بالإضافة إلى رغبته في إحكام قبضته على السلطة بإعلانه تمديد الفترة الانتقالية لمدة 5 سنوات([2]).

ولا يختلف هذا الاضطراب عن نظيره في مالي التي تواجه سخطًا شعبيًا متناميًا ردًا على حالة القمع السياسي التي أعلنها المجلس العسكري من خلال تعليقه أنشطة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وملاحقته للمعارضين السياسيين في محاولة لتكميم الأفواه المطالبة بعودة الحكم المدني([3])، هذا بالإضافة إلى المواجهات الأمنية بين الجيش والانفصاليين في شمال مالي بعد انهيار اتفاق السلام الموقَّع مع حركة أزواد. أيضًا تواجه النيجر نشاطًا إرهابيًا عنيفًا، وأسفر الهجوم الذي وقع في منطقة تيلابيري في 25 يونيو الماضي عن مقتل 20 جنديًا ومدنيًا، ومن الملاحظ أن الدول الهشة سياسيًا وأمنيًا شكلت دوما هدفًا استراتيجيًا بالنسبة لتركيا وإيران كما هو الحال في ليبيا والصومال والسودان.  

انسحاب القوات الغربية

لا جدال في أن الرفض الأفريقي قيادةً وشعبًا لاستمرار وجود القوات الغربية بأنواعها الفرنسية والأوروبية والأمريكية شكَّل العامل الأكثر جذبًا في توسع الدور التركي والإيراني في الساحل، فعلى الرغم من أن تركيا تمتعت سابقًا ببعض الشراكات التجارية والدبلوماسية المتواضعة مع دول الساحل، لكن لم يكن من الممكن أن يتسنى لها بهذه المرونة إرسال مرتزقة في ظل انتشار القوات الغربية، كذلك الأمر بالنسبة لإيران، فبينما سعى الرئيس الأسبق أحمدي نجاد مرارًا بدون جدوى للحصول على اليورانيوم النيجري، لكن بعد أن سحبت النيجر رخصة استغلال منجم اليورانيوم الرئيسي في إيمورارين من المجموعة النووية الفرنسية أورانو تبدو الفرصة سانحة أمام طهران التي تنخرط بالفعل مع المجلس العسكري في النيجر في صفقة لاستيراد 300 طن من اليورانيوم، ويمثل الساحل الأفريقي مسرحًا خاليًا لتصفية الحسابات بين الغرب وتركيا التي تتعثر أمامها مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي، وكذلك بين الغرب وإيران في ظل العقوبات الدولية المفروضة على الأخيرة جراء نشاطها النووي([4]).    

الدور الروسي

يلعب الدور الروسي في الساحل دورًا كبيرًا كمحفز للدول التي تتمتع بعلاقات قوية مع موسكو للتدخل السياسي والأمني في المنطقة، حيث أن خطوة دخول عسكريين روس القاعدة الجوية 101 التي تستضيف قوات أمريكية في النيجر، بعد قرار المجلس العسكري بطرد القوات الأمريكية تحمل دلالات عدة أولها تقهقر ملحوظ للنفوذ الأمريكي في واحدة من أهم قواعده الاستراتيجية في غرب أفريقيا، وثانيها أن الدول في الساحل أصيبت بإحباط كبير من جانب الدول الغربية ومن ثم صار من الصعب استمرار تقبُّل وجودها. واليوم، تتمتع العديد من الدول الأفريقية بعلاقات أمنية وثيقة مع روسيا، كما أصبحت أكبر مورد للأسلحة في أفريقيا، واستغلت روسيا التوتر بين دول الساحل وفرنسا لتقديم نفسها كمزود أمني جدير بالثقة، وعلى نفس الخطى، تسير تركيا وإيران في محاولة لنقل خبراتها لدول الساحل فيما يتعلق بدحر الإرهاب.

ومن الواضح أن هناك ترتيبات منسقة بين روسيا وكل من تركيا وإيران، والتي على إثرها نقلت تركيا مرتزقيها للعمل تحت مظلة فاغنر الروسية، كما يصف البعض أن حصول إيران المتوقع على اليورانيوم النيجري يأتي بمثابة مكافأة لطهران في ضوء الشراكة الاستراتيجية الروسية الإيرانية، أي إن تركيا وإيران تمثلان عوامل مساعدة لروسيا ويتحركان تحت رعايتها.

استكمال الخريطة الأفريقية

في ظل انشغال الغرب بالحرب الروسية الأوكرانية والصراعات في الشرق الأوسط، تُعتبر الفرصة سانحة أمام تركيا وإيران لاستكمال مخططهما في أفريقيا، على سبيل المثال، لدى تركيا 44 سفارة في أفريقيا، وكان النشاط التركي مركز بدرجة كثيفة في شمال وشرق القارة ممثلا في اتفاقيات التعاون العسكري مع حكومتي السراج والدبيبة في ليبيا كما استعادت علاقتها مع مصر في السنوات الأخيرة، وفي فبراير الماضي وقعت أنقرة مذكرة تفاهم مع الصومال تتعهد بموجبها ببناء وتجهيز وتدريب البحرية الصومالية على مدى السنوات العشر القادمة، وهي بصدد توقيع اتفاقية عسكرية لتدريب الجيش الأوغندي بالإضافة إلى اتفاقية مع موزمبيق لتبادل المعلومات العسكرية، ويأتي النشاط التركي في الساحل وغرب أفريقيا لتطويق القارة بأكملها.

كذلك الأمر بالنسبة لإيران التي نجحت جهودها خلال الأشهر الأخيرة في الاتفاق مع السودان على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما زودت الجيش السوداني بمسيرات من طراز مهاجر 6 في حربه ضد قوات الدعم السريع، وفي المقابل تسعى للحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان، بالإضافة إلى مساعيها الحثيثة لعودة العلاقات مع مصر، وإلى الغرب، تتمتع إيران بعلاقات قوية مع جبهة البوليساريو في المغرب، كما يدعم وجودها في الساحل القاعدة الشعبية التي يتمتع بها زعيم الشيعة إبراهيم الزكزاكي في نيجيريا.    

رد فعل الأفارقة

ساعد رد فعل تركيا وإيران إزاء الانقلابات العسكرية في الساحل في تقريب وجهات النظر بين قادة هذه الانقلابات وتركيا وإيران، حيث تبنت تركيا خطابًا مناهضًا للغرب وأيدت الانقلابات باعتبارها تعبر عن قرار وطني داخلي، وصرح الرئيس التركي رجب أردوغان برغبته في الحفاظ على العلاقات مع النظام العسكري في النيجر كما انتقد فرنسا بسبب ما وصفه بقمع الشعوب الأفريقية على مدار سنوات، وتلعب الخبرة الشعورية الأفريقية دورًا بارزًا في جذب قوى جديدة للعمل في الساحل، حيث إن الاستياء الأفريقي المتراكم ضد الغرب كان عاملًا رئيسيًا وراء تراجع نفوذ أمريكا وفرنسا، وفي المقابل نظر الأفارقة إلى روسيا وتركيا باعتبارهما شركاء صاعدين، وفي أغسطس الماضي، نظم المجلس العسكري في النيجر تجمعًا لمؤيدي الانقلاب في العاصمة نيامي، ورفع المشاركون خلال المظاهرة العلم التركي كتعبير عن الامتنان للموقف الذي اتخذته حكومة أردوغان تجاه النيجر، كذلك أعلن المسؤولون في بوركينا فاسو أن الثورة الإيرانية بمثابة إلهام لهم ضد الغطرسة والإمبريالية، ووصفوا إيران باعتبارها دولة شقيقة.

ملامح الحضور التركي والإيراني

ركزت كل من تركيا وإيران على إحلال النفوذ الغربي بالتركيز على نفس الأدوات التي استخدمها الغرب في دول الساحل الثلاث، أهمها:

إرسال المرتزقة والمعدات العسكرية

يمثل قرار تركيا إرسال مرتزقة إلى النيجر نقطة تحول في صالح إعادة صياغة الدور التركي في الساحل وغرب أفريقيا، حيث إنها بدأت بإرسال المرتزقة إلى النيجر منذ تولي المجلس العسكري مقاليد السلطة، وفي ظل التفاهمات وأطر التعاون المشتركة بين النيجر ومالي وبوركينافاسو، من المتوقع إرسال مزيد من المرتزقة التابعين لتركيا إلى تلك الدول، وفي ظل الدور الرائد الذي تلعبه أنقرة في سوق صناعة المسيرات، حصل جيش بوركينا فاسو في أبريل الماضي على شحنة مسيرات من طراز Akinci  وTb2، وفي أوائل عام 2024، تلقت مالي دفعة جديدة من المسيرات التركية، كما وقعت النيجر عقد أسلحة يتضمن شراء طائرات بدون طيار من طراز بايراكتار تي بي 2 في نوفمبر 2021، وتتمتع تركيا بحضور عسكري قوى في غرب القارة، حيث تنخرط في اتفاقيات تعاون عسكري مع نيجيريا وتوجو والسنغال، وينتشر الملحقون العسكريون الأتراك في 19 دولة أفريقية، بما في ذلك نيجيريا ومالي والسنغال والمغرب، ويمثل ذلك النشاط بداية حقبة جديدة في العلاقات الأمنية بين أنقرة وغرب أفريقيا.

واستطاعت إيران جذب دول الساحل للانخراط في شراكات عسكرية ثنائية، إذ استهدفت زيارة وزير الدفاع المالي، ساديو كامارا، إلى إيران في مايو 2023 شراء أسلحة إيرانية، وهو ما يصب في مصلحة طهران، حيث أعرب حينها وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني عن استعداد بلاده لتزويد مالي بالمعدات العسكرية والخبرات في الحرب ضد الإرهاب، مؤكدًا “إن إيران لن تدخر جهداً لتعزيز القوة الدفاعية لمالي ضد التهديدات التي تشكلها الجماعات الإرهابية”.

دعم المواقف السياسية

اتخذت تركيا موقفًا مغايرًا لما قررته أوروبا إزاء الانقلابات العسكرية في الساحل، حيث عارض أردوغان مقترح المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التدخل العسكري في النيجر، كما امتنع بيان مجلس الأمن التركي عن إدانة الانقلاب العسكري في النيجر، ونص البيان على أن “أفضل من يسعى إلى حل قضايا القارة هم أولئك الذين ينتمون إلى القارة”، كذلك استبق وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو الزيارة لباماكو كأول مسؤول دولي يجتمع مع المجلس العسكري في مالي بعد انقلاب أغسطس 2020([5]).

وكذلك عبرت إيران عن رفضها للعقوبات الغربية المفروضة على قادة الانقلاب العسكري في النيجر خلال اجتماع النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مخبر مع رئيس وزراء النيجر لامين زين في  يناير الماضي، وأكد رغبة إيران في العمل المشترك مع النيجر للالتفاف حول العقوبات الأمريكية، كما اتفقا على الخطوات الأولية لإعادة فتح سفارة النيجر في طهران، وخلال زيارة وزيرة خارجية بوركينا فاسو، أوليفيا روامبا، إلى طهران في 2023،  أعرب الرئيس السابق إبراهيم رئيسي عن استعداد إيران لنقل تجاربها وإنجازاتها إلى الدول الصديقة، وفي يناير 2023، قام نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري بزيارة إلى واغادوغو لتبادل وجهات النظر حول سبل إقامة تعاون اقتصادي أوثق بين البلدين، وفي أغسطس 2022، زار وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان باماكو، مؤكدا رغبة بلاده في فتح فصل جديد في العلاقات مع باماكو، وأشاد الرئيس السابق رئيسي في يوليو 2023 “بمقاومة الدول الأفريقية ضد الاستعمار باعتبارها رمزا لصحوتها ويقظتها”.

تعزيز العلاقات الاقتصادية

قفز مستوى التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا خلال العقدين الماضيين من 5.4 مليار دولار إلى أكثر من 40 مليار دولار في عام 2022، ويتجلى استثمار تركيا في أفريقيا جنوب الصحراء بشكل خاص في قطاع البنية التحتية، وفازت شركة Summa التركية، بصفقة إعادة بناء وتشغيل مطار غينيا بيساو الدولي الجديد في مارس 2022، وبناء الملعب الوطني السنغالي، وبناء المطارات في النيجر والسنغال وسيراليون، وفي عام 2021، بلغت قيمة المشروعات التي نفذتها شركات البناء التركية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 5 مليارات دولار، ووقعت تركيا والنيجر في يناير 2020 اتفاقية تسمح لتركيا بإجراء عمليات التنقيب والتعدين.

وبالتوازي، فإن طهران ونيامي بصدد توقيع صفقة لتوريد اليورانيوم النيجري إلى إيران وكجزء من الاتفاقية، ستزود طهران مولدات ذات سعة كبيرة إلى نيامي لمعالجة نقص الطاقة في النيجر ودعم جهود التحويل الزراعي، وتعد القمة التجارية الإيرانية الأفريقية الثانية التي عُقدت في أبريل الماضي، مؤشرًا آخر على سعي إيران إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، وحاول الرئيس الإيراني السابق رئيسي، الإعلان عن خارطة طريق لترسيخ التعاون الاقتصادي بين إيران والدول الأفريقية، معربًا عن حرص بلاده على المشاركة في استكشاف الموارد الهائلة للقارة، وفي أكتوبر الماضي، وقعت طهران 8 اتفاقيات تعاون مع بوركينا فاسو في مجالات الطاقة والتخطيط الحضري والبناء([6]).

تفعيل أدوات القوة الناعمة

تلعب وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) دورًا هامًا كإحدى أدوات القوة غير الصلبة في توطيد النفوذ التركي في أفريقيا، وتمتلك 22 مكتب تنسيق في جميع أنحاء القارة بما في ذلك السنغال وتشاد والنيجر وتوغو، كذلك تقوم مؤسسة المعارف التركية بنشر الثقافة التركية في أفريقيا، وأسست العديد من المدارس في 26 دولة أفريقية، بما في ذلك تشاد، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، كما أطلقت أنقرة مشروعات صحية وإمدادات مياه في النيجر وبوركينا فاسو، وأنشأت مؤسسات تعليمية في مالي، ومولت منحاً دراسية للطلاب من دول مالي والنيجر وبوركينافاسو للدراسة في تركيا.

وتعد منطقة الساحل موطنًا لمجتمعات شيعية كبيرة، خاصة في غينيا ومالي وموريتانيا والنيجر وشمال نيجيريا والسنغال، وقامت المنظمات الخيرية الإيرانية، مثل جمعية الهلال الأحمر ومؤسسة الإمام الخميني بتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة للسكان في الساحل، كما تسعى جامعة آزاد الإسلامية نحو مد أذرعها في دول الساحل، وفي يناير الماضي، أعلنت طهران عن إنشاء جامعتين في مالي، كما تعد الحركة الإسلامية في نيجيريا (IMN)، بمثابة امتداد لإيران في نيجيريا، حيث يعمل زعيمها إبراهيم الزكزاكي على نشر مبادئ الثورة الإيرانية في أفريقيا.

أبرز المآلات

وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن استشراف مستقبل تركيا وإيران في الساحل في عدة سيناريوهات، منها:

تنافس إقليمي وغير إقليمي: على الرغم من أنه لا يمكن اعتبار الدور التركي أو الإيراني في الوقت الحالي في مرحلة تنافس أو تعاون، لكن إذا تمادى انخراط الدولتين في الساحل يمكن أن تتحدد شكل العلاقة بينهما سواء في اتجاه تعاوني أو تنافسي، كما أن نشاطهما يجذب قوى أفريقية إقليمية ترى أنها الأجدر بلعب دور أكبر في إقليمها.

توسيع قدرة دول الساحل على المناورة والاختيار: إن وجود أكثر من قوة فاعلة في دول الساحل يحسن موقف هذه الدول كهدف اقتصادي واستثماري بين عديد من القوى، ويسلط الضوء أمامها على تجارب اقتصادية جديدة بعد عقود من الارتباط بالاقتصاد الفرنسي، ويعمل على تنويع شراكاتها دون الاقتصار على شركاء محددين.

إعادة الولايات المتحدة والغرب صياغة دورهما في الساحل: في 27 يونيو الماضي، سلمت الصين جيش بوركينا فاسو نحو 100 مركبة مدرعة جديدة، وحذرت أمريكا النيجر بشأن علاقاتها مع روسيا وإيران، ولا يمكن إنكار الأهمية الاستراتيجية التي يحملها الساحل وغرب أفريقيا في العقيدتين الأمريكية والفرنسية، لذا من المتوقع أن تحاول فرنسا وأمريكا إيجاد صيغة جديدة من التعاون مع دول الساحل لقطع الطريق على روسيا وحلفائها من الانفراد بالقرار في الساحل الأفريقي.

ومن هنا، يتبين  حرص كل من تركيا وإيران على تلافي الأخطاء التي وقعت فيها الدول الغربية التي كان من شأنها توسع الهوة بين الغرب ودول الساحل، كما أنه لا يمكن تجاهل أن استمرار الحضور التركي والإيراني في الساحل يتغذى على السخط الأفريقي إزاء الغرب وأيضًا الترحيب بالدور الروسي، فضلًا عن تحسن الحالة الأمنية في الإقليم، وفي حال تغير أحد أركان المعادلة، فمن المتوقع أن يصاب النفوذ التركي والإيراني بضربة قوية، وحتى الوقت الراهن، لا يمكن اعتبار أن هناك شراكة استراتيجية في طور الإعداد بين الساحل وكل من تركيا وإيران، إذ إن جميع الأطراف ما زالت في مرحلة الاستكشاف لحدود نواياهم وإمكاناتهم وقدرتهم على التأثير والاستمرار.  


 ([1]( Nicolas Bourcier and others,  Sadat, the ‘Turkish Wagner’ whose shadow hangs over West Africa, Le Monde, June 7, 2024. On https://tinyurl.com/3esx9wa6

([2] )Institute for Economics & Peace, Global Terrorism Index 2024, P.6. on https://tinyurl.com/ydc2dh57

([3] )Reuters, Malian political parties say leaders arrested amid crackdown, June 21, 2024. On https://tinyurl.com/567kxx4y

([4](  Giorgio Cafiero, Iran Sees Potential Gain in Loss of Western Influence in the Sahel, Stimson Center, September 22, 2023. On https://tinyurl.com/429yym4v

([5] ) Abdullah Bozkurt, Turkey sees opportunities in collaborating with Niger’s coup leaders, Nordic Monitor, August 14, 2023. On https://tinyurl.com/34dp2jse

([6](  Pierre-Elie de Rohan Chabot, Paul Deutschmann, Washington watches as Tehran negotiates with Niamey for 300 tonnes of uranium, Africa Intelligence, April 30, 2024, on https://tinyurl.com/5esnzdpf