كتبت – أسماء حمدي
أدى الانتشار السريع لفيروس جدري القرود “إمبوكس”، وهو مرض فيروسي يسبب طفح جلدي مؤلم وأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، إلى إصابة أكثر من 17000 حالة، في 13 دولة إفريقية هذا العام.
وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية الأكثر تضررًا، حيث تمثل الدولة الواقعة في وسط إفريقيا 96٪ من جميع الحالات و97٪ من جميع الوفيات هذا العام.


حالة طوارئ عامة
زادت حالات المرض في القارة بنسبة 160٪ على أساس سنوي، وأدى الارتفاع السريع في الحالات وانتشار المرض عبر الحدود، حيث أبلغت العديد من البلدان عن حالات لأول مرة، إلى قيام مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا ومنظمة الصحة العالمية بإعلان تفشي جدري القرود حالة طوارئ صحية عامة هذا الشهر.
تم تسجيل جدري القرود، لأول مرة في البشر في عام 1970 فيما يُعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وينتشر من شخص لآخر ومن الحيوانات إلى البشر من خلال الاتصال المباشر. يأتي الفيروس الذي يسببه من نفس عائلة فيروس الجدري. في عام 2022، تم إعلان مبوكس حالة طوارئ عالمية عندما انتشر إلى أكثر من 70 دولة.
في مايو، أبلغ العلماء عن سلالة جديدة من الفيروس، من النوع 1ب، في الكونغو، وقالوا إنها أكثر ضراوة وترتبط بمعدل وفيات أعلى. ويعتقد العلماء أن الشكل الجديد يساهم في الانتشار الحالي. ويتسبب النوع 1ب في الوفاة في حوالي 3.6% من الحالات، مع تعرض الأطفال للخطر بشكل أكبر، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.


أزمة إنسانية حادة
يحدث تفشي المرض في جمهورية الكونغو، على خلفية أزمة إنسانية حادة في الجزء الشرقي من البلاد، حيث دفع القتال الطويل الأمد بين الجيش الكونغولي ومتمردي M23 مئات الآلاف من الناس إلى ترك منازلهم.
ما أدى إلى اكتظاظ الناس في مخيمات النازحين، مثل مخيم مودجا، وتسبب ذلك بانتشار المرض وجعل الاستجابة لتفشي المرض أكثر صعوبة بسبب نقص المعرفة والأزمة الإنسانية التي أجبرت الناس على النزوح إلى مخيمات مزدحمة.
وقالت مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، هيذر كير: “يمكنك أن تتخيل مخيمًا مزدحمًا للنازحين حيث الظروف الصحية ليست جيدة بالفعل ثم تضيف تفشي فيروس جدري القرود، هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة”، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
تعد غوما، عاصمة مقاطعة شمال كيفو في شرق البلاد، موطنًا لمئات الآلاف من النازحين والعديد من مخيمات النازحين، بالإضافة إلى المخاوف من أن الظروف في المخيمات قد تساعد في انتشار المرض، فإن الوعي بفيروس جدري القرود، وكيفية انتقاله، والوقاية منه وأيضا كيفية الاستجابة له، بين السكان المحليين منخفض، وأدت هذه الفجوة في المعلومات إلى عدم اليقين بشأن العلاج والخوف وحتى الوصمة.


الخوف في كل مكان
في مخيم مودجا للنازحين، ظهرت بثور مملوءة بالسوائل على ظهر مارسيلين ديزيريه البالغة من العمر 3 سنوات، ثم بعد حوالي أسبوعين، ظهرت على جسد شقيقها الأصغر جوردان، بدءًا من رقبته ثم انتشرت إلى ظهره، وقضى الطفلان أسابيع في المستشفى حتى تعافيا.
داخل خيمتهم في المخيم، جلست مارسيلين على الأرض بينما يجلس جوردان بين أحضان والدته، بامبير روانيكا، وكانت الجروح والندوب الناجمة عن الفيروس لا تزال مرئية على الطفلين، وخاصة على مارسيلين. تقول روانيكا: “كان الجميع خائفين من الاقتراب من الأطفال المرضى باستثنائي، لأنني كأم، لا أستطيع التخلي عنهم”.

وفي الخيمة المقابلة، تجلش فوراها موالوهوبيرا وهي جدة لـ4 أطفال، تقول: “أصيب أحفادي الـ4 بطفح جلدي وأعراض أخرى تشبه فيروس جدري القرود”، وأشارت إلى أنها سحقت أوراق شجيرة مورافومبا، التي تستخدم غالبًا في الكونغو لعلاج التهاب اللوزتين والسعال والجرب وجدري الماء، ثم وضعت المعجون على أجساد الأطفال بعد الاستحمام، قبل فركهم بزيت النخيل.
تضيف موالوهوبيرا: “اعتقدت أن أحفادي مصابون بجدري الماء، لكنني أفكر الآن في اصطحابهم إلى مركز متخصص لعلاج الفيروس على بعد حوالي 9 أميال، نعم سوف آخذهم إلى المركز غدًا”.
في مودجا، كان الخوف من جدري القرود حاضرا في كل مكان، وبينما كانت ويدواي جاكلين تقلم أغصان الأشجار التي قطعتها من الشجيرات القريبة لبيعها كحطب للتدفئة لسكان المخيم الآخرين، تقول: “فكرت إنه مرض سيء، لقد أصيب به العديد من الناس بالفعل في المخيم، وأخشى أن أصاب به، لكن إذا مرضت، لن أتمكن من القدوم لجلب الخشب وبيعه لشراء الطعام”.


لماذا لا تتدفق اللقاحات؟
لدى شركات الأدوية إمدادات جاهزة للشحن ضرورية لوقف جائحة محتملة، لكن لوائح منظمة الصحة العالمية أبطأت الوصول.
إذ لا توجد لقاحات لجدري القرود متاحة في الكونغو، مركز حالة الطوارئ الصحية العالمية التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي، على الرغم من أن البلاد طلبت اللقاحات لأول مرة قبل عامين وتقول الشركات المصنعة إن لديها إمدادات.
وقال وزير الصحة في الكونغو، الدكتور صامويل روجر كامبا: “أهم شيء نحتاجه الآن هو اللقاحات، ونأمل بتلقي الجرعات الأولى هذا الأسبوع من خلال تعهدات من اليابان والولايات المتحدة”.
بعد 3 سنوات من آخر تفشي عالمي للفيروس، لم توافق منظمة الصحة العالمية رسميًا على اللقاحات، على الرغم من أن الولايات المتحدة وأوروبا وافقتا، ولم تصدر ترخيصًا للاستخدام في حالات الطوارئ من شأنه أن يسرع الوصول.
إن أحد هذين الموافقتين ضروري لكي تتمكن اليونيسيف وجافي، المنظمة التي تساعد في تسهيل التحصين في الدول النامية، من شراء وتوزيع لقاحات جدري القرود في البلدان المنخفضة الدخل مثل الكونغو.
لكن المنظمة تخشى المخاطرة، وتشعر بالقلق إزاء الحاجة إلى حماية مصداقيتها وغير مستعدة للتصرف بسرعة في حالات الطوارئ، حسبما قالت بلير هانوول، مستشارة الصحة العالمية التي أدارت محفظة موافقات منظمة الصحة العالمية كنائبة مدير مؤسسة بيل وميليندا جيتس، وهي ممول رئيسي، لأكثر من عقد من الزمان. وشددت على أن “ليس لديهم المرونة لاستخدام الأساليب البديلة”.
يقول مدير سياسة المنتجات الصحية والمعايير في منظمة الصحة العالمية، ديوديت موبانجيزي، إن مجموعة خبراء المنظمة ستجتمع في الأسبوع الذي يبدأ في 16 سبتمبر للنظر في البيانات المقدمة حول اللقاحات، ويمكنها إصدار ترخيص في وقت مبكر من ذلك الأسبوع إذا كانوا راضين.
في الأسابيع الأخيرة، أصبح اللاعبون الرئيسيون في الاستجابة للوباء ينتقدون منظمة الصحة العالمية بشكل متزايد لإبطاء الجهود المبذولة لإيصال اللقاحات إلى إفريقيا بشكل غير ضروري. وقال أحد العلماء الأمريكيين الذي يجلس في اللجان الاستشارية لمنظمة الصحة العالمية ولكن لم يُسمح له بالتحدث علنًا إنه “نظام مكسور” “غير مبني لحالات الطوارئ”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.