بقلم – فاروق حسين أبو ضيف

باحث متخصص في الشئون الأفريقية

تمثِّل ظاهرة التغيرات المناخية أحد أبرز القضايا ذات الأولوية على الأجندة الدولية في الآونة الأخيرة؛ حيث تحظى باهتمام كبير سواء على مستوى الدول أو المنظمات الدولية، كما تعد أحد أبرز التهديدات التي تواجه العالم، لا سيَّما أن التداعيات الناجمة عن الكوارث المناخية تهدد الأمن الإنساني بأبعاده المختلفة، فلا تقتصر على مجرد تصاعد وتيرة الطقس السيئ وموجات الجفاف والتصحر وأزمات شُحّ المياه، وإنما أصبحت العواقب أكثر حدة وتشابكًا؛ لارتباطها بالأمن الغذائي، والمائي، والاستقرار الاقتصادي والسياسي، والنزاعات والإرهاب. 

وتُعد قارة أفريقيا الأكثر عرضة لعواقب تغير المناخ، رغم أنها الأقل تسببًا به، فرغم أن إجمالي حجم غازات الاحتباس الحراري الأفريقية لا يتجاوز نحو 4% من إجمالي حجم الانبعاثات العالمية، كما أنها تعاني من جُملة من الظواهر المناخية المتطرفة، أبرزها الجفاف واضطراب معدلات هطول الأمطار، والتصحر، الأمر الذي يتمخض عنه ارتفاع معدلات اللجوء والنزوح البيئي، ومن ثمّ تزايد الضغوط على البنية التحتية للمناطق الأخرى، فضلًا عن مفاقمة الضغوط الاقتصادية عليها، بما يُعرِّض الاستقرار السياسي والاجتماعي لتلك المجتمعات للخطر، ويُسهم في اندلاع النزاعات وتأجُّج الصراعات بين الطوائف والعرقيات المختلفة في دول القارة الأفريقية.[1]

وفي هذا السياق، فقد أدت موجات الجفاف الطويلة التي ضربت منطقة القرن الأفريقي نتيجة التغير المناخي إلى نزوح نحو مليوني شخص داخليًا في إثيوبيا والصومال، وملايين اللاجئين عبروا الحدود من الصومال وجنوب السودان إلى المناطق التي يطالها الجفاف في كينيا وإثيوبيا، بالإضافة إلى 3.3 مليون شخص آخرين طالتهم تأثيرات الجفاف.[2]

أولًا: أثر التغير المناخي في القرن الأفريقي

أدى تغير المناخ والهجرة الناجمة عنه داخل منطقة القرن الأفريقي إلى تفاقم المخاطر الأمنية في المنطقة بشكل خطير، ومتصاعد، ويؤكد تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على الحقائق القاتمة لتغير المناخ في أفريقيا؛ حيث عانت القارة بالفعل من عواقب وخيمة، تتراوح من فقدان التنوع البيولوجي إلى انخفاض إنتاج الغذاء، وتعد منطقة القرن الأفريقي واحدة من أبرز المناطق المعرضة بشدة لآثار تغير المناخ، حيث تضم أراضي جافة شاسعة، ونزاعات حدودية متعددة، ومجتمعات رعوية عديدة، فضلًا عن قضايا حقوق المياه عبر الحدود، كما أن المنطقة لها تاريخ طويل من الصراعات، والكوارث الطبيعية والمجاعة، ولعل أحد أهم أسباب إنشاء الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيجاد) في عام 1986 هو معالجة الجفاف والتصحر.[3]

وتجدر الإشارة إلى أن منطقة القرن الأفريقي، والتي تضم 7 دول هي (إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا والسودان وجنوب السودان)، واحدة من أبرز المناطق تضررًا بالتغيرات المناخية في القارة؛ حيث تضاعفت تداعياته في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، وتأثرها بين هطول أمطار وارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف، مما يهدد الأرواح، وتهديد ملايين اللاجئين والنازحين داخليًا، بخلاف تأثيرها في الأمن والسلم في تلك المنطقة، فيما ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) والهيئة المعنية بالتنمية بأفريقيا (IGAD) في تقرير لها أن هناك نحو 66.7 مليون شخص داخل منطقة القرن الأفريقي يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي، في يونيو الماضي، بعدما وصل في مايو الماضي نحو 74.9 مليون شخص[4]، كما ذكر تقرير لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في أغسطس 2022 أن عدد المهددين بالمجاعة في منطقة القرن الأفريقي زاد إلى أكثر 22 مليون شخص بسبب الجفاف، بالإضافة إلى تسجيل أكثر من 7.5 مليون حالة نزوح داخلي بسبب الكوارث في القارة الأفريقية؛ حيث يعد الجفاف أكثر تداعيات تغير المناخ خطورة بالمنطقة.[5]

وتواجه المنطقة مؤخرًا حالة من عدم الاستقرار والصراعات المستمرة، وهو ما قد يزيد من تعقيد الجهود لوضع السيناريوهات المستقبلية؛ حيث إن منطقة القرن الأفريقي لا تعاني من الصراع وعدم الاستقرار فحسب، بل أصبحت حالة عدم الاستقرار هو السمة المميزة للمنطقة مؤخرًا، حيث تعاني السودان وجنوب السودان وكينيا من صراعات مستمرة، واشتباكات عنيفة بين القوات العسكرية وبعض الميليشيات، فيما تمر العلاقات بين إثيوبيا والصومال بحالة من عدم الاستقرار، لا سيما بعد الاتفاق الأخير بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي، ونتيجة للتغيرات المناخية، أصبحت منطقة القرن الأفريقي تمر بواحدة من أسوأ أزمات انعدام الأمن الغذائي، ففي أغسطس 2022، بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في إثيوبيا وكينيا والصومال نحو 22 مليون شخص، ويمر بعضهم بمجاعات بالفعل، على الرغم من أن منع الصراعات والأزمات يشكل جوهر الجهود الرامية إلى تحديد مخاطر المناخ والهجرة.[6]

وأدت التغيرات المناخية بالمنطقة إلى زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية والبيئية والديموجرافية على المنطقة، وهو ما زاد من تصاعد حجم الاضطرابات وزيادة التنافس على الموارد، وتصاعد وتيرة الهجرة المزعزعة للاستقرار والتي تؤدي إلى تفاقم التوترات داخل الدول وبينها، ومن ثم قد تتجاوز الاضطرابات الإقليمية منطقة القرن الأفريقي، مما قد يؤثر في السياسة والأمن في القارة، لا سيما مع ارتفاع معدلات النزوح؛ حيث أدى انخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في منطقة القرن الأفريقي وارتفاع نسب الجفاف إلى فرار ما لا يقل عن 180 ألف لاجئ من الصومال وجنوب السودان إلى كينيا وإثيوبيا.[7]

كما أوضح التقرير الصادر مؤخرًا خلال عام 2024 عن صندوق النقد الدولي أن الدول الهشة والمتأثرة بنمو الصراعات داخلها أصبحت أكثر عرضه لتحديات التغيرات المناخية، وهو ما يزيد من تفاقم الأوضاع داخلها، مضيفًا أن هناك 6 دول أفريقية من ضمن أكثر الدول هشاشة وتأثرًا بالصراعات عالميًا، وهذه الدول هي (السودان، جنوب السودان، إثيوبيا، بوروندي، الصومال، إريتريا)[8]؛ حيث تستضيف هذه الدول ما يقرب من 47% من أغلب طالبي اللجوء واللاجئين في القارة الأفريقية، وعلى هذا، فإن السكان النازحين غالبًا ما يعيشون في المناطق التي تعاني من اضطرابات ومخاطر بيئية، ومن المتوقع أن تشهد المنطقة تحديات مناخية ضخمة بحلول عام 2030، وربما تحتاج المنطقة إلى تشكيل تحالف لضمان تحقيق التنمية والأمن المناخي، والقدرة على التكيف المناخي والصمود ضد المتغيرات البيئية وزيادة نسب النازحين واللاجئين.

ثانيًا: تأثير تغير المناخ في تأجيج العنف

ظهرت مؤخرًا مجموعة من التداعيات المرتبطة بالتغيرات المناخية بشكل غير المباشرة، نتيجة تصاعد وتيرة العنف، لا سيما في ظل استغلال الجماعات التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، لا سيما الجفاف ونقص المياه؛ حيث ظهرت تصاعد وتيرة الصراع بين الرعاة والمزارعين داخل منطقة القرن الأفريقي، ويبلغ عدد الرعاة في تلك المنطقة ما بين (12 إلى 22) مليون شخص، ويشكلون نسبة كبيرة من سكان المنطقة، وتعد المجتمعات الرعوية واحدة من أبرز الفئات المتأثرة بالتغيرات المناخية، لا سيما في ظل حالة الجفاف غير المسبوقة في القرن الأفريقي؛ حيث أدى ذلك إلى وفاة ما يزيد عن 13 مليون رأس ماشية بين 2020 و2022 نتيجة نقص المياه والأعلاف، وهو ما قاد لزيادة الصراع بين الرعاة والمزارعين، نتيجة الضرر الناجم عن المتغيرات الطارئة على المنطقة، كما أدى انخفاض نسبة الأمطار بالسودان، لا سيما داخل منطقة جنوب كردفان إلى تفاقم الأزمات البيئية، والتي أدت إلى تدفق مجموعات من البدو للتحرك نحو جنوب البلاد، وهو الأمر الذي قاد لمزيد من الصراعات بين المزارعين في المنطقة.[9]

ونتيجة للتغيرات المناخية التي أصابت المنطقة، أصبح الانتقال والتحرك من أجل البحث عن مناطق جديدة صالحة للرعي أساس الحياة عند مجموعات كبيرة من بدو القرن الأفريقي، ومن ثم زيادة الصراعات بين القبائل الوافدة وسكان المناطق الغنية بالمراعي الأصليين، وهو ما قد تستغله بعض الجماعات المسلحة المنتشرة في المنطقة من أجل تعزيز نفوذها وخدمة أهدافها، وسط انشغال حكومات دول هذه المنطقة بالتوترات الداخلية أو الإقليمية، وربما يؤدي ذلك لزيادة حدة الصراعات من خلال قيام الحركات المسلحة بدعم أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر، فضلًا عن ذلك، فقد عانت بعض دول القرن الأفريقي من شُح في الأمطار لمدة خمسة مواسم متتالية، وذلك منذ أكتوبر 2020؛ حيث وُصفت بأنها أسوأ موجة جفاف حدثت منذ 40 عامًا، وفي عام 2022 أدى الجفاف في الصومال إلى وفاة نحو 43 ألف شخص، في حين بات نحو 22 مليون شخص مهددين بالجوع في إثيوبيا وكينيا والصومال.[10]

ثالثًا تداعيات الحرب السودانية على التغيرات المناخية

أصبحت السودان مؤخرًا واحدة من أبرز دول القرن الأفريقي عرضة لتغيّر المناخ، لا سيما وسط ارتفاع درجات الحرارة وتزايد معدلات الجفاف، نتيجة عدم انتظام سقوط الأمطار الموسمية، وزيادة التهديدات البيئية، لا سيما في ظل الصراع الممتد على الحكم في السودان منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة “البرهان” وقوات الدعم السريع بقيادة “حميدتي”، والتي قادت لحرب طالت أغلب أنحاء البلاد، والتي أدت إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين، في كارثة إنسانية كبيرة، وسط تدمير هائل للبنية التحتية في البلاد، وتعد السودان على شفا كارثة بيئية كبيرة نتيجة التدمير المتعمّد من جانب طرفي الصراع لتدمير المنشآت النفطية، لا سيما بعد قصف مصفاة الجيلي للبترول وتدميرها بالكامل.[11]

وفي هذا السياق، يمكن ربط الصراع السوداني بين الجيش والدعم السريع في السودان، والتغيّرات المناخية التي طرأت على البلاد، كما أن معالجة هذه التحديات المناخية وما يرتبط بها من أسباب الصراع، يتطلب نهجًا شاملًا وواضحًا، يتمركز بشكل رئيس حول وقف التصعيد، والعمل على انخراط المنظمات الدولية والإقليمية والهيئات الداخلية في هذه العملية، وذلك من أجل التغلّب على التحدّيات ومنع تفاقمها، وذلك في ظل تنامي أعداد النازحين، والنقص الحاد في السلع الغذائية، مع انخفاض الإنتاجية الزراعية، وانهيار الموارد المائية نتيجة تدمير أنظمة الري والجسور، وشبكات الطاقة في السودان، نتيجة تصاعد وتيرة العمليات العسكرية بين الجانبين.[12]

وقد تسبب الصراع في السودان إلى نقص المساحات الخضراء نتيجة تحولها لأراضٍ غير قابلة للزراعة مع زيادة نسبة التصحر، فيما أثر ارتفاع موجات الحرارة في البلاد على حياة المزارعين ونمط حياتهم، وزيادة نسب التبخّر والإجهاد المائي، فضلًا عن ذلك فإن السودان لا يزال يواجه تحديات كبيرة؛ حيث أدى الصراع إلى زيادة المخاطر البيئية، وإجبار نحو 6 ملايين سوداني على النزوح وترك منازلهم بسبب الحرب، ما زاد من تداعيات الأزمة الإنسانية، مع زيادة حالة التنافس على الموارد المحدودة، لا سيما الموارد المائية وبعض الأراضي الزراعية المحدودة، ويمكن أن يزيد التنافس مع زيادة التوترات القبلية بين النازحين، مما يزيد من الانقسامات السياسية والقبلية، ومن ثم زيادة التدهور البيئي.[13]

فيما تجدر الإشارة إلى أن الخرطوم أصبحت في الوقت الراهن تواجه عدة تحديات بيئية وسياسية ومناخية؛ إذ يتطلب ذلك ضرورة تكاتف الجهود الدولية لوضع إطار شامل لوقف العمليات العسكرية بين الجانبين، في ظل التصعيد الخطير، وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين، ولمواجهة الآثار البيئية الخطيرة جراء هذه الأزمة، فإن السودان في حاجة إلى الآتي:

  • ضرورة الحصول على الدعم الدولي الكافي لوقف إطلاق النار: تحتاج الأزمة إلى ضرورة تكاتف المجتمع الدولي وإعطاء أولوية كبيرة للسودان من أجل حل الأزمة السياسية، وضرورة معالجة الاحتياجات الإنسانية جراء استمرار التصعيد من طرفي الصراع، مع استمرار عمليات النزوح الجماعي، كما تحتاج أيضًا إلى ضرورة توافر الجهود الإقليمية، لا سيما الاتحاد الأفريقي، مع ضرورة توفير المساعدات الأساسية للاجئين والنازحين، فضلًا عن إعادة وضع استراتيجية لإدارة الموارد، والعمل على إعادة تأهيل الأراضي الزراعية التي تدمرت نتيجة الصراع والتغيرات المناخية وانتشار الجفاف، كما يحتاج السودان إلى ضرورة قيام الوكالات الدولية بإنشاء أنظمة بيئية حديثة تتماشي مع الأوضاع البيئة التي تمر بها البلاد، مع ضرورة التأكيد على أهمية منع تفاقم الأوضاع البيئية، لأن ذلك قد يزيد من المشكلات الداخلية، وزيادة الصراع بين القبائل المختلفة.[14]
  • تعزيز الوصول إلى الصناديق المعنية بالتغيرات المناخية: فالسودان بحاجة إلى الوصول للتمويل الدولي الهادف إلى تعزيز أطر مواجهة آثار التغيرات المناخية، ومعالجة الآثار السلبية الناجمة عن الصراع والمناخ، وأصبحت الخرطوم في حاجة ماسة إلى الموارد المختلفة من أجل إصلاح البنية التحتية التي دمرتها الحرب، كما تحتاج إلى إعادة اصلاح هيكل البنية التحتية الحيوية، وذلك من أجل تعزيز قدرة الأنظمة الخاصة بالرعاية الصحية والغذائية والموارد المائية والطاقة وضمان تحمّلها للظواهر المناخية التي تتعرض لها البلاد، وكان صندوق المناخ الأخضر قد وافق في عام 2020 على منح السودان تمويلًا بقيمة 25,6 مليون دولار، لإنشاء مشروع من أجل مقاومة التغيرات المناخية في البلاد، وتوفير الرعاية الصحية والغذاء، وتعزيز الأمن المائي لـنحو 3,7 مليون شخص، لكن الأحداث التي وقعت في أكتوبر 2021 وقيام القوات المسلحة السودانية بعزل رئيس الوزراء “حمدوك”، قد أدى إلى وقف المشروع.[15]
  • تعزيز بناء القدرات وتفعيل الإنذار المبكر: إذ يجب الاستثمار الجيد في أنظمة الإنذار المبكر، والعمل على تعزيز بناء قدرات المجتمع، من أجل تنمية القدرة على الاستجابة بفعالية وبشكل سريع للتهديدات المناخية، وهو ما يساعد على تقليل الخسائر الناجمة عن التغيرات المناخية والأزمات السياسية، فضلًا عن ذلك فقد يحتاج السودان إلى تعزيز البنية التحتية التعليمية وإعادة هيكلية الأنظمة بما يتناسب مع التهديدات الحالية، من أجل زيادة الوعي المجتمعي حول البيئة والمناخ، والعمل على حماية الموارد الطبيعية، وتهيئة المجتمع لضمان المشاركة الفعالة لحل الأزمات البيئية والنزاعات؛ حيث إن السودان يحتاج لأن يصبح مجتمعًا متهيئًا ومجهزًا بشكل أفضل لضمان التكيف مع التغيّرات البيئية ومواجهتها، كما أن مبادرات الإصلاح البيئي تعد أمرًا هامًا وحيويًا من أجل إصلاح الأضرار داخل النظم البيئية نتيجة التغيرات المناخية، والتي تعمل على تعزيز الاستدامة على المدى الطويل، وفي هذا الصدد، فإن مشروع مستجمعات المياه في شمال دارفور التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) يعد واحدًا من أهم أبرز صور الحلول المبتكرة لمعالجة القضايا البيئية في المناطق التي تتأثر بالصراعات والتغيرات المناخية.[16]

رابعًا: الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية في القرن الأفريقي

 تعتبر معالجة تداعيات التغيرات المناخية أحد أبرز الأهداف الأساسية داخل إطار خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والمعروفة بخطة 2030؛ حيث يعمل الهدف (13) الخاص بأهداف التنمية المستدامة إلى ضرورة وضع إجراءات من أجل مكافحة التغيرات المناخية ومعالجة آثارها المختلفة؛ حيث حظيت التغيرات المناخية باهتمام المجتمع الدولي مؤخرًا، من أجل وضع الاستراتيجيات لتخفيف تداعيات المناخ على الدول، لا سيما من أجل الحد انبعاثات الغازات السامة والمسببة للاحتباس الحراري؛ حيث إن القارة الأفريقية تعد أقل مناطق العالم تأثيرًا في الاحتباس الحراري، لكنها أيضًا واحدة من أكبر المناطق المتأثرة بشكل مباشر من تأثيرات تغير المناخ، مع استمرار عجز أغلب دولها على مواجهة التداعيات السلبية مثل الجفاف والفيضانات، فضلًا عن تأثير ذلك في انعدام الأمن الغذائي وانتشار المجاعات، وغيرها من التداعيات السلبية غير المباشرة.

وتعد أزمة المناخ واحدة من أكبر الأزمات التي عصفت بالمجتمع العالمي؛ وما يحدث داخل القارة الأفريقية يؤثر في بقية دول العالم؛ حيث إنه من الضروري أن تكثف دول العالم، لا سيما الدول الصناعية، من جهودها من أجل تخفيف الضغوطات التي تواجهها الدول الأفريقية في هذا الصدد، فضلًا عن ضرورة العمل على إيجاد حلول فعالة والتغلب على التحديات الناجمة من زيادة الانبعاثات الحرارية.[17]

فيما تجدر الإشارة إلى أن الأموال المخصصة للدول الأفريقية لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية أقل بكثير من المبلغ اللازم من أجل التصدي للآثار الضارة للمناخ والقدرة على دعم التكيف والصمود، ورغم الموافقة على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول الفقيرة عن الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية، والذي يُعد واحدًا من أبرز مخرجات مؤتمر المناخ (COP 27) الذي عقد بمصر في نوفمبر 2022، إلا أنه لا تزال هناك مناقشات حول آلية الصندوق والتمويل، وكذلك شروط الوصول إليها.[18]

برز مؤخرًا ما يُعرف بالدبلوماسية المناخية؛ حيث تعد واحدة من الأدوات الرئيسة نحو الاستجابة العالمية لآثار التغيرات المناخية، لا سيما في ظل تنامي القدرة على تعزيز وإدارة المناخ عالميًا، وتمثل الدبلوماسية المناخية حلقة وصل هامة بين مناقشات المصلحة الوطنية مع التعاون الدولي، من أجل ضمان تقييم مصالح وأهداف الدول الأخرى للاتفاق فيما يتعلق بالعمل المناخي، فضلًا عن صياغة استجابة مشتركة متعلقة بإشكالية التغير المناخي.

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الخاصة بالتغير المناخي (UNFCCC) تمثل إحدى أبرز صور الدبلوماسية المناخية، والتي عملت على تقليل الدول من أضرار الغازات الدفيئة، لا سيما في ظل تداعياتها السلبية على الدول الفقيرة. فضلًا عن ذلك، فقد أكد خطاب العدالة المناخي على ضرورة تعزيز النهج المتعلق بالأمن المناخي والذي يركز على أفريقيا، كما أن تعزيز الأجندة الخاصة بالدبلوماسية المناخية، والتي ترتكز بشكل قوي على تحديات المناخ في القارة الأفريقية.

وجدير بالذكر، أن دول منطقة القرن الأفريقي قادرة على مواجهة التغيرات المناخية، من خلال زيادة الدعم والمساعدات الإنمائية، والعمل على زيادة التحويلات المالية من أجل دعم العمل المناخي، ودعم الدول التي تتعرض بشكل سلبي لتغيرات مناخية طارئة مثل الصومال والسودان، فضلًا عن تكثيف الدعم مع الاتحاد الأفريقي وكذلك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD) للمساعدة في وضع الإجراءات المختلفة لقضايا المناخ.

وختامًا، يمكن التأكيد على أن التغيرات المناخية داخل القارة الأفريقية بشكل عام تعد عاملًا ديناميكيًّا محفزًا لزيادة أنشطة الجماعات الإرهابية والعنف في القارة، لا سيما في ظل التداعيات الكارثية المصاحبة لهذه التغيرات، لا سيَّما مع انتشار الجفاف والتصحر والشُّح المائي بالقارة بشكل عام، ومنطقة القرن الأفريقي تحديدًا، وهو ما يؤدي إلى غياب الأنشطة الزراعية وتهديد الأمن الغذائي، وسط نزوح ملايين السكان، وهو ما قد يفاقم من النزاعات والأزمات التي تشهدها المنطقة، ومن ثم خلق بيئة مواتية لنمو وتمدد الجماعات الإرهابية.

ونتيجة للصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مؤخرًا، أصبحت الخرطوم تواجه أزمة إنسانية حادّة، ومن المتوقع أن تقود لتداعيات بيئية غير مسبوقة، وسط انتشار الجفاف، وزيادة مساحات التصحر في البلاد، مما قد يُزيد من الصراعات المحلية، ومن ثمَّ فقد تحتاج الخرطوم إلى تكثيف الجهود من أجل وضع التدابير والإجراءات الاستباقية لتعزيز وبناء السلام البيئي، مع ضرورة تطوير نظام الإنذار المبكر لمجابهة الأزمات المرتبطة بالمناخ.


[1] فاروق حسين أبو ضيف، التغير المناخي والإرهاب: بحيرة تشاد نموذجًا، مجلة آفاق استراتيجية العدد السادس، أغسطس 2022. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/7372

[2] شعبان بلال، التغير المناخي في القرن الأفريقي يهدد حياة الملايين، مركز الاتحاد للأخبار، 28 ديسمبر 2023. https://shorturl.at/YaRhP

[3] Climate Change and Regional Instability in the Horn of Africa, Council on Foreign Relations, Nov 2022. https://www.cfr.org/report/climate-change-and-regional-instability-horn-africa

[4] فاو: 66.7 مليون شخص بالقرن الأفريقي يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، القاهرة الإخبارية، 5 يوليو 2024. https://shorturl.at/eKJ1H

[5] التغير المناخي في القرن الأفريقي يهدد حياة الملايين، مرجع سابق

[6] Climate Change and Regional Instability in the Horn of Africa, ibid

[7] Fiona Harvey, Human-driven climate crisis fuelling Horn of Africa drought – study, the guardian. https://www.theguardian.com/environment/2023/apr/27/human-driven-climate-crisis-fuelling-horn-of-africa-drought-study

[8] أمل علي داوود، القيود والثغرات التي تُعيق الدبلوماسية المناخية -دراسة حالة القرن الأفريقي، يوليو 2024، قراءات أفريقية. https://urlis.net/bimpdza0

[9] عبد القادر محمد علي، هكذا يتسبب التغير المناخي بصناعة العنف في أفريقيا، موقع الجزيرة نت، يناير 2024. https://shorturl.at/boJnP

[10] هكذا يتسبب التغير المناخي بصناعة العنف في أفريقيا، مرجع سابق.

[11] بين الحرب والتغير المناخي السودان يعاني نقصا حادا في المياه، 16 أبريل 2024، وكالة الأنباء العراقية. https://www.ina.iq/210892–.html

[12] معضلة السودان: مواجهة تغيّر المناخ في دولة مزّقتها الحرب، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، أبريل 2024. https://shorturl.at/nqNbr

[13] According to the International Organization for Migration (IOM), armed clashes across Sudan have displaced an estimated 6,326,416 internally displaced persons (IDPs) as of February 21, 2024. A further 1.88 million have fled across borders into neighboring countries.

[14]  Susanne Jaspars and Lutz Oette, Sudan’s Catastrophe: A Long History of Failed Responses to Structural and Direct Violence, University of London, May 2023. https://urlis.net/xbw4cq1o

[15] Lina Yassin, Climate Change and Political Instability: Will Sudan Ever Find a Way Out?, THE TAHRIR INSTITUTE FOR MIDDLE EAST POLICY. https://urlis.net/raze4wey

[16] Water catchment project is expanded to aid peace and economic recovery in North Darfur,
United Nations Environment Programme (UNEP). https://www.unep.org/news-and-stories/story/water-catchment-project-expanded-aid-peace-and-economic-recovery-north

[17]  Protecting Africa’s Intact Nature: The Most Effective Action to Increase Climate Resilience, African Parks. https://urlis.net/h8cwudij

[18] Climate Finance: How to move from the Trillions to the People?, African Center for Economic Transformation. https://urlis.net/z59qcmyw