كتب – فاروق حسين أبو ضيف
باحث ماجستير بكلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة
شهدت السنوات الماضية تركيزًا متزايدًا من قبل الاتحاد الأفريقي وشركائه الدوليين على تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن (YPS) بوصفها إطارًا لتفعيل دور الشباب في منع النزاعات والمشاركة في عمليات الوساطة وبناء السلام. ورغم ما تحقق من تقدم في هذا السياق، لا سيما عبر دعم آليات التمكين والمشاركة السياسية، إلا أن هذه الأجندة ظلت قاصرة عن معالجة الجذور التنموية للنزاعات في أفريقيا. فقد تعاملت مع التنمية كعامل ثانوي أو مكمل لجهود الأمن، ولم تُدمج كعامل محوري في تحليل أزمات الشباب، الذين يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية متفاقمة مثل البطالة والفقر والتهميش. وقد أدى هذا التجاهل للعلاقة التبادلية بين غياب التنمية واستمرار النزاعات إلى ضعف فعالية الأجندة، وغياب نتائج ملموسة على الأرض، خاصة في الدول التي تعاني من هشاشة مزمنة، حيث تُوظف هذه الفجوات التنموية لتغذية التطرف والصراعات المسلحة.
وفي ضوء هذا القصور المفاهيمي والتطبيقي لأجندة YPS، بات من الضروري التحول نحو مقاربة أكثر شمولاً تتجاوز البعد الأمني التقليدي، وتنطلق من إدراك التداخل البنيوي بين السلام والتنمية، عبر تبني أجندة الشباب، السلام والتنمية (YPD). تقوم هذه الأجندة الجديدة على اعتبار التنمية ليس فقط شرطًا لتحقيق السلام، بل أداة وقائية لمواجهة النزاعات المتكررة، من خلال تحسين سبل العيش، وتوسيع الفرص الاقتصادية والتعليمية، وضمان اندماج الشباب في خطط الإنعاش وإعادة الإعمار. فالشباب الأفريقي، بما يمثله من كتلة ديموغرافية كبرى، يمكن أن يتحول إلى محرك للنمو والاستقرار إذا ما أتيحت له الأدوات المناسبة. ويعزز هذا التصور ما أكدته بيانات حديثة عن دخول نحو 100 مليون شاب سوق العمل الأفريقية خلال العقد المقبل، ما يعني أن الفشل في الاستجابة لهذه الموجة قد يفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية بشكل خطير.
غير أن التحول نحو أجندة YPD لا يمكن أن ينجح دون معالجة التفاوت الحاد في السياسات الإقليمية المعنية بالشباب، والذي كشف عن تباينات في الفهم والتطبيق بين التكتلات الأفريقية. ففي حين ركزت بعض المجموعات الاقتصادية الإقليمية، مثل الكوميسا والسادك، على البعد التنموي في سياساتها الشبابية، استمرت مجموعات أخرى، كالإيكواس وإيكاس، في تغليب الطابع الأمني على حساب التنمية. كما أن غياب التنسيق بين هذه المبادرات، وضعف الربط بينها وبين الإطار القاري العام لأجندة YPS، أدى إلى تكرار البرامج وغياب التقييم المشترك، ما ساهم في تبديد الموارد وضعف الأثر الفعلي. وقد أظهر تقييم منتصف المدة لخطة التنفيذ العشرية لأجندة YPS عدم تحقيق معظم الأهداف المقررة لعام 2024، وهو ما يعكس خللًا في التصميم والالتزام السياسي، ويؤكد الحاجة إلى إعادة بناء الأجندة على أسس تنموية واستشرافية تأخذ في الحسبان خصوصيات كل إقليم.
إلى جانب التفاوت المؤسسي، تعاني جهود تمكين الشباب في أفريقيا من مجموعة معقدة من الإشكاليات البنيوية، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة، وضعف جودة التعليم، وتهميش الشباب في دوائر صنع القرار. فالشباب، رغم نسبتهم الكبيرة في التوزيع السكاني للقارة، لا يزالون غائبين بدرجة ملحوظة عن مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي، ما يكرّس فجوة الأجيال، ويُضعف من فعالية السياسات الموجهة إليهم. كما أن التهميش الاقتصادي والسياسي يدفع بعض الشباب إلى خيارات خطرة، مثل الانضمام إلى الجماعات المسلحة، أو الهجرة غير النظامية، بحثًا عن بدائل للواقع المتأزم. ويزداد هذا التحدي في ظل محدودية فرص التشغيل، خاصة في المناطق الريفية والهامشية، مما يحول الكتلة الشبابية الأفريقية من فرصة إلى عبء تنموي وأمني إذا لم يتم احتواؤها بسياسات تنموية متكاملة تتجاوز المبادرات المؤقتة والتدريب الرمزي.
من هذا المنطلق، فإن بناء أجندة YPD فعالة يتطلب اعتماد مقاربة شاملة ومتكاملة تربط بين قضايا السلام والتنمية والسياسات الشبابية ضمن رؤية استراتيجية واحدة. ويتعين على الاتحاد الأفريقي ومجموعاته الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء أن يعيدوا توجيه خططهم واستثماراتهم نحو دمج مؤشرات تنموية واضحة في تنفيذ أجندة الشباب، مع تعزيز التنسيق بين البرامج القارية مثل أجندة 2063 واتفاقية التجارة الحرة الأفريقية. كما يجب تجاوز الفصل التقليدي بين مشاريع السلام ومبادرات التنمية، من خلال تبني خطط وطنية تعكس التداخل الفعلي بين هذه المسارات، وضمان مشاركة الشباب في تصميمها وتنفيذها. إن الرهان على التنمية كأداة لصناعة السلام لا يعني فقط خفض النزاعات، بل فتح المجال أمام شباب القارة ليكونوا صناعًا لمستقبلهم، لا مجرد أدوات في حسابات الأمن أو ضحايا لتقلبات السياسات. وفي ذلك ضمان لمستقبل أكثر استقرارًا وعدالةً في أفريقيا.
أولًا: قصور أجندة الشباب والسلام (YPS) في معالجة الجذور التنموية للنزاعات
تشكل أجندة الشباب والسلام (YPS) إحدى أبرز محاولات إشراك الشباب في جهود بناء السلام بالقارة الأفريقية، وقد طُورت عبر أطر أممية وقارية كقرار مجلس الأمن 2250، والميثاق الأفريقي للشباب، والإطار القاري للشباب والسلام. ورغم ما حققته هذه الأجندة من مكاسب على مستوى إدماج الشباب في عمليات الوساطة ومنع النزاعات، فإنها ظلت مقيدة برؤية أمنية أحادية، تركز على إشراك الشباب بوصفهم أطرافًا فاعلة في فض النزاعات، من دون التطرق الجاد للبعد التنموي كمسبب أساسي للصراعات. فقد تم التعامل مع التنمية باعتبارها عاملاً مسانداً للسلام لا محركًا جوهريًا له، مما أدى إلى قصور حاد في معالجة جذور النزاعات الهيكلية المرتبطة بالبطالة والفقر والتهميش.[1]
وتزداد خطورة هذا القصور حين نعلم أن نسبة كبيرة من الشباب الأفريقي تعيش في ظروف هشّة، إذ لا تزال البطالة والفقر المدقع وغياب العدالة الاجتماعية تحاصر شريحة واسعة منهم. فبمعدل سنوي يتراوح بين 10 إلى 12 مليون شاب يدخلون سوق العمل، بينما لا تُتاح سوى 3 ملايين فرصة، يتسع الخلل البنيوي في سوق العمل، وتُترك الأغلبية عرضة للفراغ والعزلة، ما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد في الجماعات المتطرفة أو الجريمة المنظمة. ورغم أن أجندة YPS تدعو إلى إدماج الشباب في مبادرات الوقاية من النزاعات، فإنها لم تتبنَّ رؤية متكاملة تنموية تتصدى لأسباب الانزلاق في النزاع، بل اختزلت الأزمة في بعدها الأمني، وأغفلت الرابط العميق بين التنمية المستدامة والاستقرار طويل الأمد، ولقد أخفقت YPS في تحويل المسار من “رد الفعل” الأمني إلى “الوقاية” الاستراتيجية المبنية على التنمية، حيث تمحورت معظم برامجها حول المشاركة السياسية وإعادة الإدماج، وتجاهلت الحاجة الملحّة إلى التعليم الجيد، وتمكين اقتصادي، وخدمات صحية وشبكات حماية اجتماعية للشباب. وأدى ذلك إلى ضعف التأثير الحقيقي للأجندة في حياة مئات الملايين من الشباب، فمع غياب الأجندة التنموية، ظل الشباب يُنظر إليهم إما كمهددين محتمَلين للسلم، أو كأدوات وظيفية في عمليات السلام، وليس كركائز لبناء مجتمعات مستقرة. هذا الإخفاق في إدماج التنمية كعنصر مركزي في الأجندة، قاد إلى تدخلات مجزأة، وعجز في معالجة السياقات المحلية المركّبة للنزاعات، التي ترتبط غالبًا بمشكلات التوزيع والتمييز الاجتماعي والاقتصادي.[2]
إن التجارب الأفريقية الراهنة تؤكد أن التنمية غائبة أو مغيبة عن صلب أجندة YPS، ما يضع علامات استفهام حول مدى فاعليتها. فعلى سبيل المثال، أظهرت حالات مثل شمال نيجيريا ومنطقة الساحل أن الجماعات المتطرفة تجد بيئة خصبة في المناطق المهمشة التي يفتقر فيها الشباب إلى الفرص والخدمات الأساسية. وهذا يؤكد أن معالجة النزاعات لا يمكن أن تتم دون مقاربة تنموية شاملة تعترف بضعف البنية الاقتصادية والاجتماعية كمغذيات مباشرة للصراع. كما أن غياب الانسجام بين المبادرات القارية والإقليمية – حيث تنحاز بعض التكتلات للتنمية مثل SADC، بينما تركز أخرى كـ ECOWAS على الأمن – يزيد من تعقيد المشهد ويعمّق فجوة السياسات، ويقوض الأثر التراكمي للأجندة على المستوى القاري.
إن أجندة YPS، في شكلها الحالي، لم ترتقِ إلى مستوى الطموح المطلوب لمعالجة تحديات القارة الأفريقية المرتبطة بالشباب والنزاعات. وقد أفضى تركيزها المفرط على الأبعاد الأمنية إلى تجاهل تام للإمكانات الكامنة في التنمية كأداة استباقية للسلام. وفي ظل تزايد الوعي بضرورة الانتقال نحو نموذج أكثر شمولاً يدمج بين السلام والتنمية، برزت دعوات إلى تبني أجندة بديلة تُعرف بـ”الشباب، السلام والتنمية” (YPD)، تضع التنمية في صميم الرؤية الاستراتيجية. فإعادة ضبط البوصلة نحو هذا النموذج الشامل لا تُعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة سياسية وإنسانية لضمان مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة للشباب الأفريقي، الذين يمثلون الأمل الحقيقي لتقدم القارة وازدهارها.
ثانيًا: التحول نحو أجندة جديدة: الشباب، السلام والتنمية (YPD)
يُمثّل التحول من أجندة “الشباب والسلام والأمن” (YPS) إلى أجندة “الشباب والسلام والتنمية” (YPD) استجابة ضرورية للاعتراف بالترابط الجوهري بين التنمية والسلام. فعلى الرغم من النجاحات التي تحققت في تعزيز مشاركة الشباب في عمليات السلام، إلا أن أجندة YPS بقيت محدودة من حيث تركيزها الأمني، متجاهلة أن التهميش الاجتماعي والاقتصادي يشكلان الجذر العميق لانعدام الاستقرار. ومع تصاعد معدلات البطالة بين الشباب، التي تجاوزت 20% في القارة كمتوسط، تصبح التنمية شرطاً مسبقاً لتحقيق سلام دائم. لذلك، فإن إدراج التنمية في صميم السياسات الشبابية لا يعزز فقط فرص الاستقرار، بل يفتح الباب أمام تمكين الشباب اقتصادياً ومجتمعياً، وتحويلهم من ضحايا محتملين للصراعات إلى عوامل نشطة في تعزيز السلم. وتبرز أهمية الأجندة الجديدة (YPD) في ضوء المتغيرات السكانية والاقتصادية التي تشهدها القارة. فمن المتوقع أن يبلغ عدد الشباب في أفريقيا بحلول عام 2080 نحو 500 مليون، بينما يدخل نحو 10 إلى 12 مليون شاب سوق العمل سنوياً، مقابل توفير 3 ملايين وظيفة فقط. هذا الاختلال يهدد بتحول “الفرصة الديموغرافية” إلى أزمة أمنية مزمنة إذا لم يُستثمر هذا الزخم السكاني تنموياً. وفي المقابل، فإن السياسات التي تُعطي الأولوية لتنمية رأس المال البشري من خلال التعليم، والتدريب، والتوظيف، توفر بديلاً حقيقياً للانخراط في التطرف أو الهجرة غير الشرعية. فالشباب، إذا ما تم تمكينهم، لا يصبحون فقط أدوات لحل النزاعات، بل شركاء في بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.[3]
تكشف التجارب الميدانية في دول مثل نيجيريا ودول الساحل عن أن غياب التنمية هو محفز رئيسي لتجنيد الشباب في الجماعات المتطرفة. ففي شمال شرق نيجيريا، أسهمت البطالة، والفقر، وغياب التعليم في تغذية جماعة بوكو حرام. أما في الساحل، فقد أدى التدهور البيئي وشُح الموارد إلى احتدام النزاعات القَبَلية، وخلق أرضية خصبة لتجنيد الشباب في الحركات المسلحة. هذه الوقائع تُبرز الحاجة إلى تصور شامل للأمن لا يقتصر على الجوانب العسكرية، بل يدمج العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ويضع التنمية في طليعة جهود الوقاية من النزاعات. فالأمن الحقيقي يبدأ من المدرسة، وفرصة العمل، والرعاية الصحية، وليس فقط من فوهة البندقية.
إن المقارنة بين الأطر القارية والسياسات الإقليمية تكشف عن تباين في فهم وتطبيق أجندة YPS. فبينما ركزت بعض التكتلات مثل مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA) على السياسات التنموية في برامجها الشبابية، ظلت تكتلات أخرى كالإيكواس والمجموعة الاقتصادية لوسط أفريقيا متمسكة بمنظور أمني تقليدي. هذا التباين يحدّ من فعالية الأجندة ويؤدي إلى مبادرات مجزأة، تفتقر إلى الاتساق والتكامل. وعليه، فإن التحول إلى YPD يتطلب إعادة هيكلة السياسات القائمة بما يضمن توحيد الرؤية حول الشباب كركيزة تنموية، ووضع التنمية على قدم المساواة مع السلام في الأطر القارية والوطنية.[4]
يُعدّ دمج التنمية في الأجندة الشبابية أكثر من مجرد إصلاح تقني، بل هو تحول مفاهيمي يعيد تعريف دور الشباب من كونه هامشياً إلى كونه محورياً في مسار التنمية المستدامة. فمبادرات مثل “أجندة 2063” ومنطقة التجارة الحرة القارية (AfCFTA) توفر فرصاً استراتيجية لتعزيز مشاركة الشباب اقتصادياً، شرط أن تُنفذ بطريقة تُراعي أولوياتهم وواقعهم. كذلك، فإن تعميم مؤشرات التنمية داخل الخطة العشرية الثانية لإطار YPS، كما أوصى التقرير، يشكل خطوة محورية لضمان تحقيق نتائج ملموسة. إن نجاح YPD مرهون بإرادة سياسية حقيقية، وتوفير الموارد، وتعزيز التنسيق بين الهيئات القارية والإقليمية والوطنية، بما يضمن للشباب دوراً ريادياً في تشكيل مستقبل أفريقيا.
يعكس التحول نحو أجندة “الشباب، السلام والتنمية” (YPD) تحوّلًا تحليليًا عميقًا في فهم العلاقة بين الشباب والاستقرار في أفريقيا، حيث لم يعد كافيًا النظر إلى الشباب من منظور أمني فقط، بل بات من الضروري إدماجهم في ديناميات التنمية كشرط مسبق لتحقيق سلام مستدام. فالأجندة التقليدية (YPS) انطلقت من منطلقات تتعامل مع الشباب كفئة هشة تحتاج إلى الحماية والمشاركة الرمزية في عمليات السلام، دون التطرق الجدّي إلى البُعد البنيوي المتعلق بغياب فرص العيش الكريم. أما أجندة YPD فتتبنى منطقًا أكثر شمولًا، يرى في التنمية – بمعناها الواسع الذي يشمل التعليم، والصحة، والاقتصاد – قاعدة للاستقرار وليست مجرد أداة داعمة. هذا التحول يعيد بناء السياسات من القاعدة إلى القمة، ويمنح الشباب دورًا تأسيسيًا في صياغة مستقبل القارة، لا بوصفهم عوامل خطر، بل باعتبارهم محرّكات للتغيير. فالتحليل الكامن وراء YPD يرتكز على إدراك عميق بأن غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية هو ما يغذي دوائر العنف، وأن تمكين الشباب هو أقوى أدوات كسر هذه الدوائر.[5]
ثالثًا: التفاوت في السياسات الإقليمية والضعف المؤسسي في تطبيق أجندة YPS
تُعد أجندة الشباب والسلام والأمن (YPS) إحدى أبرز المبادرات الهادفة إلى تعزيز دور الشباب في بناء السلام وتعزيز الأمن في أفريقيا. غير أن هذه الأجندة تعاني من تفاوت كبير في تطبيقها على المستوى الإقليمي، حيث تتبنى التكتلات الإقليمية رؤى ومقاربات متباينة تُربك فعالية التنفيذ. ففي حين تميل بعض المنظمات مثل مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA) إلى نهج تنموي أكثر شمولًا، تركز منظمات أخرى مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) على الجوانب الأمنية من منظور تقليدي. هذا التفاوت في الرؤى يُضعف الاتساق بين المبادرات ويُفقد الأجندة زخمها ويعوق التنسيق بين مختلف المستويات القارية والوطنية، مما يهدد بتحويلها إلى شعارات غير فعّالة بدلاً من أن تكون أداة استراتيجية للتحول.[6]
إحدى الإشكاليات الجوهرية في تنفيذ أجندة YPS تكمن في ضعف البناء المؤسسي داخل الاتحاد الأفريقي والمؤسسات الإقليمية الأخرى. فعلى الرغم من وجود أطر مرجعية مثل “الإطار القاري لـ YPS” وخطط العمل العشرية، إلا أن هذه المبادرات تعاني من نقص الموارد، وضعف الإرادة السياسية، والتأخر في التنفيذ. فعلى سبيل المثال، لم تُحقق معظم الأهداف المرحلية للخطة العشرية بحلول 2024، بما في ذلك ضعف تطوير خطط العمل الوطنية (NAPs) التي يُفترض أن تكون أساسًا للتنفيذ على المستوى المحلي. غياب التنسيق المؤسسي والرقابة الدورية على مستوى القارة يُفاقم من فجوة التنفيذ ويُحول المبادرات إلى جهود رمزية تفتقر للتأثير الواقعي.
كما يتجلى الضعف المؤسسي أيضًا في غياب التمكين المالي والتقني للمبادرات الشبابية، ما يجعل مشاركة الشباب في عمليات السلام مقتصرة على النخبة، أو محصورة في فعاليات رمزية غير مستدامة. إذ لم تُخصص موارد كافية من قِبل الاتحاد الأفريقي أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية لدعم البرامج الشبابية على الأرض، مما أدى إلى تهميش الشباب في الأطراف والنزاعات الممتدة، وترك فراغات تستغلها الجماعات المتطرفة لتجنيدهم. ويكشف هذا الوضع عن غياب رؤية استراتيجية مستدامة لتأهيل الشباب كفاعلين حقيقيين في عملية بناء السلام، الأمر الذي يضعف الثقة في الأجندة وفاعليتها. من ناحية أخرى، أدى تشتت المبادرات بين السلام والأمن والتنمية إلى خلق تعارض في الأولويات لدى الجهات المنفذة. فغالبًا ما تُنفذ مشروعات السلام بمعزل عن الأطر التنموية، وتُعامل قضايا البطالة والفقر كتحديات ثانوية بدلاً من كونها جذورًا للصراع. فالمبادرات مثل “مليون فرصة للشباب” أو خطة العمل الأفريقية لتمكين الشباب (APAYE) لم تحظ بنفس الاهتمام السياسي والمؤسسي الذي حظيت به أجندة YPS. وهذا يعكس فشلًا في بلورة سياسة شبابية شاملة تتكامل فيها عناصر التنمية والأمن والسلام، ما يحد من قدرة الأجندة على إحداث تغيير ملموس.[7]
التفاوت في التفسير والتطبيق الإقليمي لأجندة YPS لا يعكس فقط الفروقات في السياقات السياسية والأمنية بين المناطق الأفريقية، بل يكشف عن غياب آلية قارية واضحة لتوحيد السياسات وتبادل الخبرات. فعلى الرغم من أن بعض المناطق حققت تقدمًا نسبيًا في إدماج الشباب، مثل برامج “سفراء السلام” أو “مبادرات الإنذار المبكر”، إلا أن هذه النجاحات تظل جزئية وغير قابلة للتكرار في ظل غياب إطار قاري ملزم للتنفيذ. ويفتقر الاتحاد الأفريقي إلى أداة رقابية فعالة لرصد التقدم المحرز في الدول الأعضاء أو لفرض المعايير المتفق عليها، وهو ما يُعيد إنتاج التفاوتات بدلًا من معالجتها.[8]
هذا، فإن معالجة التفاوت في السياسات والضعف المؤسسي في تطبيق أجندة YPS تتطلب تحوّلًا استراتيجيًا نحو أجندة أكثر تكاملًا تحت مسمى “الشباب والسلام والتنمية” (YPD). هذا التحول لا يتطلب فقط تحديث الوثائق والإستراتيجيات، بل إعادة هيكلة المنظومة المؤسسية ذاتها لتكون قادرة على تنسيق الجهود بين الاتحاد الأفريقي والتكتلات الإقليمية والدول الأعضاء. كما يتطلب هذا التحول إشراك الشباب بشكل فعلي في صياغة السياسات وتحديد الأولويات التنموية، بما يعكس واقعهم المتنوع. فبدون هذا التكامل، ستظل أجندة YPS حبيسة الخطابات والنوايا الحسنة، دون أن تنجح في تحويل الإمكان الديمغرافي الأفريقي إلى قوة حقيقية للتغيير والتنمية.
رابعًا: إشكاليات تمكين الشباب في أفريقيا
رغم ما تبذله الدول الأفريقية من جهود متزايدة في السنوات الأخيرة لتمكين الشباب وتعزيز أدوارهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن التحديات البنيوية التي تحيط بواقع الشباب في القارة لا تزال تقف حائلًا دون تحويل الإمكانات الديموغرافية الهائلة إلى مكاسب تنموية وأمنية حقيقية. فالشباب، الذين يمثلون أكثر من 60% من سكان القارة، يعانون من فجوة واضحة بين التمثيل العددي في البنية السكانية ومحدودية الفرص الفعلية في دوائر صنع القرار أو سوق العمل أو منظومات التعليم والتأهيل. ويكمن جوهر المشكلة في غياب الرؤية الشاملة التي تربط بين التنمية وتمكين الشباب، مما يؤدي إلى بقاء هذه الفئة عرضة للتهميش والانجراف نحو مسارات غير شرعية أو متطرفة. كما أن السياسات الموجهة للشباب، رغم تعددها، تتسم في كثير من الأحيان بالتجزئة وضعف التنسيق وغياب المتابعة والتقييم. وفي هذا السياق، يزداد الإدراك بأن تمكين الشباب في أفريقيا لا يمكن فصله عن متطلبات التنمية المستدامة، ولا عن ضرورات بناء السلام، فغياب التمكين يُفضي إلى فقدان الثقة في المؤسسات، ويغذي النزاعات الاجتماعية والسياسية. وأبرز هذه الإشكاليات ما يلي:[9]
- ضعف التمثيل السياسي وصعوبة الوصول إلى دوائر صنع القرار: رغم الدعوات المتكررة لتمكين الشباب في الحياة السياسية، إلا أن التمثيل السياسي للشباب في أفريقيا يظل محدودًا للغاية. ففي معظم برلمانات دول القارة، لا تتجاوز نسبة النواب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا حاجز 2%، في حين يبلغ متوسط أعمار رؤساء الدول والوزراء ما بين 55 إلى 66 عامًا، مقارنة بمتوسط عمر السكان الذي لا يتجاوز 20 عامًا. هذا الخلل العمري يعكس فجوة كبيرة بين صناع السياسات ومن يتأثرون بها من الشباب. ومع غياب آليات فعالة لدمج الشباب في العمليات التشريعية والتنفيذية، تتراجع ثقة الشباب في جدوى المشاركة السياسية، ويتزايد العزوف عن الانخراط في الأحزاب والانتخابات. وتؤدي هذه الفجوة إلى غياب صوت حقيقي يعبر عن تطلعات هذه الفئة، ويعوق توجيه السياسات نحو احتياجاتها الفعلية.[10]
- ارتفاع معدلات البطالة وضعف فرص التشغيل: تُعد البطالة من أخطر الإشكاليات التي تواجه الشباب في أفريقيا، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 10–12 مليون شاب يدخلون سوق العمل سنويًا، في حين لا تُوفَّر سوى 3 ملايين فرصة عمل. في بعض الدول الأفريقية، تبلغ معدلات بطالة الشباب ما بين 60 إلى 80%، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ويُسهم نقص الوظائف في تفشي الفقر، ويجعل الشباب أكثر عرضة للانخراط في اقتصاد الظل أو الهجرة غير النظامية أو الانضمام للجماعات المتطرفة. كما أن ضعف التنويع الاقتصادي واعتماد بعض الدول على قطاعات تقليدية غير قادرة على خلق فرص عمل كافية يُفاقم من الأزمة، ما يجعل الحاجة إلى نماذج تنموية جديدة أكثر إلحاحًا لتوفير تشغيل كريم ومستدام للشباب.[11]
- تراجع معدلات التعليم والتأهيل وضعف المهارات: يُشكل التعليم أحد الركائز الأساسية لتمكين الشباب، غير أن الواقع التعليمي في معظم الدول الأفريقية يعاني من أوجه قصور هيكلية تؤثر سلبًا على فرص التأهيل والاندماج الاقتصادي. فمعدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي والجامعي لا تزال منخفضة، إلى جانب ضعف جودة المناهج، وقلة المؤسسات الفنية والتقنية المتخصصة، وغياب التوازن بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. كما تعاني بعض الفئات، خصوصًا الفتيات، من فجوات تعليمية ملحوظة بسبب الفقر أو الموروثات الثقافية. ونتيجة لذلك، تفتقر أعداد كبيرة من الشباب إلى المهارات الأساسية التي تؤهلهم لريادة الأعمال أو الانخراط في قطاعات حديثة كالتكنولوجيا والابتكار.
- هشاشة البنية التحتية التكنولوجية وضعف التحول الرقمي: في عصر الاقتصاد الرقمي، يمثل ضعف البنية التحتية التكنولوجية في أفريقيا تحديًا جوهريًا أمام تمكين الشباب. فغياب شبكات الإنترنت السريعة، وانخفاض مستويات التغطية، وارتفاع تكاليف الاتصال، تعوق قدرة الشباب على الوصول إلى المعرفة والمشاركة في الاقتصاد الرقمي. ويؤثر هذا القصور على فرص التعلم الرقمي، والعمل عن بُعد، والتفاعل مع المنصات الإلكترونية التي أصبحت مسرحًا أساسيًا للعمل السياسي والمدني. وقد قدرت بعض الدراسات أن القارة تحتاج إلى استثمارات تتجاوز 3 مليارات دولار سنويًا لتطوير بنيتها الرقمية، مما يتطلب شراكات دولية واستراتيجيات وطنية موجهة لدعم التحول الرقمي بوصفه مدخلًا لتمكين الشباب اقتصاديًا واجتماعيًا.
- التجنيد في الجماعات المتطرفة والنزاعات المسلحة: غياب التمكين السياسي والاقتصادي يجعل بعض الشباب فريسة سهلة للجماعات المتطرفة أو الشبكات الإجرامية. ففي مناطق مثل الساحل وغرب أفريقيا، تشير الدراسات إلى أن متوسط عمر المنضمين للجماعات المسلحة لا يتجاوز الثلاثين عامًا، وغالبًا ما يتم استقطابهم بناءً على الإحباط من الأداء الحكومي، أو وعود بالمال والحماية. الفقر، والبطالة، وغياب الأمل تشكل أرضية خصبة لتغلغل هذه الجماعات، ما يحول الشباب من رصيد تنموي إلى تهديد أمني. وبالتالي، فإن استراتيجيات مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تنجح دون إدماج أبعاد التمكين الاقتصادي والاجتماعي للشباب في الخطط الوطنية والإقليمية.
- عزوف الشباب عن المشاركة السياسية والمدنية: أدى تكرار الإقصاء السياسي، وضعف الثقة في المؤسسات، إلى فتور واضح في مشاركة الشباب في الحياة العامة. وعلى الرغم من أن الشباب يشكلون أغلبية عددية في معظم الانتخابات، فإن نسب مشاركتهم الفعلية –خصوصًا في الأحزاب السياسية أو مواقع القرار المحلي– تبقى متدنية. كما تشير بيانات مقياس “أفروباروميتر” إلى أن عددًا كبيرًا من الشباب يعبرون عن اهتمامهم بالشأن العام، لكنهم يفتقرون إلى القنوات الفعالة للتعبير أو التأثير. هذا العزوف لا يعبّر عن لامبالاة، بقدر ما يُجسد شعورًا بالإقصاء المزمن، مما يجعل من الضروري إعادة بناء العلاقة بين الدولة والشباب على أساس الشراكة والتمكين الحقيقي.[12]
- ضعف الاستجابة المؤسسية وانعدام التنسيق بين المبادرات: رغم وجود عدد من الأطر القارية والإقليمية الداعمة للشباب، مثل الميثاق الأفريقي للشباب، وأجندة 2063، ومبادرات التمكين الاقتصادي، إلا أن التطبيق الفعلي لتلك المبادرات يعاني من التشتت وغياب التنسيق بين الجهات المعنية. العديد من الخطط الوطنية تفتقر إلى التمويل، والبيانات الدقيقة، وآليات المتابعة والتقييم، مما يجعلها عرضة لأن تتحول إلى شعارات أو مبادرات رمزية. كما أن التداخل بين أولويات السلام والأمن والتنمية غالبًا ما يتم التعامل معه من منظور جزئي، مما يعوق بناء سياسات شاملة تستجيب لاحتياجات الشباب وتترجمها إلى نتائج ملموسة.
- التفاوت الجندري في تمكين الشابات الأفريقيات: تواجه الشابات الأفريقيات تحديات مزدوجة تتمثل في التمييز القائم على العمر والنوع الاجتماعي معًا، ما يجعلهن أقل قدرة على الوصول إلى الفرص الاقتصادية والسياسية. وتُظهر المؤشرات التنموية فروقات واضحة بين الذكور والإناث في معدلات التعليم، وفرص العمل، والمشاركة السياسية، خصوصًا في المناطق الريفية أو المهمشة. وغالبًا ما تُحرم الفتيات من التعليم المبكر بسبب الزواج أو الفقر أو الأعراف التقليدية، ما يُقلل من قدراتهن المستقبلية على الانخراط في التنمية أو المشاركة في عمليات بناء السلام. لذلك، فإن أي مقاربة شاملة لتمكين الشباب في أفريقيا لا بد أن تُدمج عدالة النوع الاجتماعي كأحد المبادئ الأساسية لتحقيق الإنصاف والفعالية معًا.[13]
خامسًا: استشراف المستقبل: ومسارات لبناء أجندة YPD فعّالة
يواجه مسار أجندة الشباب والسلام والتنمية (YPD) في أفريقيا تحديات بنيوية ومفاهيمية تستدعي تحوّلاً استراتيجياً نحو رؤية أكثر شمولاً وتكاملاً. إذ لم تعد المقاربة التقليدية التي تركز على إدماج الشباب في عمليات السلام كافية، في ظل تعمق التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانيه الشباب، والذي يشكّل في جوهره جذور النزاعات وتهديدات الاستقرار في القارة. ومع التوقعات بدخول ما يقارب 120 مليون شاب إلى سوق العمل خلال العقد المقبل، فإنّ بلورة أجندة مستقبلية تضع التنمية في صميم عملية بناء السلام بات ضرورة لا رفاهية. لذا، يتطلب الأمر مسارات واضحة ومترابطة تتجاوز الحلول الرمزية، وتستند إلى رؤية تنموية تعيد تشكيل العلاقة بين الشباب والدولة والمجتمع، وتُفعّل دورهم بوصفهم محركاً رئيسياً للسلام والنمو. فيما يلي أربع مسارات استراتيجية لبناء هذه الأجندة:[14]
- دمج البعد التنموي في الأطر القارية والإقليمية: يتطلب الانتقال من YPS إلى YPD دمج مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضمن الخطط التنفيذية للأطر القارية مثل “الإطار القاري للشباب والسلام” وخطة تنفيذ أجندة 2063. ويعني ذلك استبدال النهج الأمني الصرف بنهج تنموي-أمني متكامل يربط بين التعليم، وفرص العمل، وريادة الأعمال، والحماية الاجتماعية، بوصفها مدخلات أساسية لتحقيق السلام. ومن شأن هذا الدمج أن يعزز من فاعلية المبادرات القارية، ويضمن اتساقها مع متطلبات الواقع الديموغرافي للشباب في أفريقيا، كما يوفر آليات لقياس التأثير التنموي للمشاريع، لا مجرد التمثيل الرمزي للشباب في لجان أو مؤتمرات السلام.
- بناء استراتيجيات YPD محلية ومُراعية للسياقات الوطنية: ينبغي على الدول الأعضاء تطوير خطط عمل وطنية (NAPs) تراعي الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمعاتها، وتضع التنمية على رأس أولوياتها في تعاملها مع قضايا الشباب. ويشمل ذلك إصلاح السياسات التعليمية، وربطها بسوق العمل، وتحفيز الابتكار المحلي، ودمج الشباب في برامج التحول الرقمي والصناعي، خاصة في المناطق الهشة والمتأثرة بالنزاعات. وتوفر هذه الخطط فرصة لتمكين الشباب ليس فقط كمستفيدين من التنمية، بل كشركاء فاعلين في صياغتها وتنفيذها، ما يعزز من الثقة المتبادلة بين الشباب ومؤسسات الدولة ويقلص من جاذبية الجماعات المتطرفة.
- تعزيز التعاون بين التكتلات الإقليمية حول السياسات الشبابية التنموية: يمكن للتكتلات الإقليمية التي تبنّت مقاربات تنموية – مثل الكوميسا والسادك – أن تلعب دوراً محورياً في نقل التجارب وتنسيق السياسات بين الدول الأعضاء. ويشمل ذلك إنشاء منصات لتبادل المعرفة وأفضل الممارسات، وتطوير سياسات تجريبية مشتركة تستهدف الشباب في قطاعات مثل التجارة الحرة، وريادة الأعمال، والتكنولوجيا الخضراء. فالتنمية الإقليمية المترابطة تُضاعف من أثر الجهود الوطنية، وتُمكّن من الاستفادة من المزايا النسبية لكل منطقة، ما يسرّع من اندماج الشباب في الاقتصاد القاري، ويكرّس دورهم كرافعة رئيسية للتماسك والاستقرار.
- إعادة توجيه الموارد نحو مبادرات YPD الملموسة والمستدامة: تحتاج التحولات المقترحة إلى تمويل كافٍ ومستدام، وإعادة ترتيب أولويات المانحين المحليين والدوليين باتجاه دعم البرامج التي تجمع بين التنمية وبناء السلام. ويشمل ذلك إعادة تصميم مبادرات مثل “مليون فرصة” و”خطة تمكين الشباب” لتكون أكثر تكاملاً مع الأطر الأمنية، وزيادة الشفافية في تخصيص الموارد، وتبني معايير لقياس الأثر التنموي. كما يتطلب الأمر شراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والتكنولوجية لتوفير حاضنات تنموية حقيقية تستثمر في قدرات الشباب، وتنتج قصص نجاح قادرة على إلهام نماذج جديدة لأجندة YPD في مختلف أنحاء القارة.
هذا، فإن بناء أجندة فعّالة للشباب والسلام والتنمية يتطلب تحولاً جوهرياً في السياسات الراهنة، من مقاربات أمنية ضيقة إلى رؤى تنموية شاملة تعالج جذور الهشاشة واللا استقرار. فالشباب في أفريقيا لا يمكن أن يُنظر إليهم كمجرد أدوات للتهدئة أو كفئة تحتاج للحماية، بل كقوة دافعة قادرة على إحداث التغيير متى توفرت لهم بيئات محفزة وفرص عادلة. ويستدعي ذلك دمج مؤشرات التنمية في الأطر القارية، وتطوير استراتيجيات وطنية تستجيب لخصوصيات السياقات المحلية، وتعزيز التكامل الإقليمي في تبادل الخبرات والسياسات، مع إعادة توجيه الموارد نحو مبادرات قابلة للقياس ومستدامة الأثر.
وختامًا، يمكن القول إن مستقبل الشباب في أفريقيا بات مرهونًا بقدرة القارة على تبني أجندة شاملة تدمج بين السلام والتنمية في معالجة قضايا الشباب، وتبتعد عن المقاربات الأمنية الضيقة التي أثبتت محدوديتها. فالتحديات المعقدة التي تواجه الشباب، من بطالة وتهميش وفجوات تمكينية، لا يمكن تجاوزها إلا من خلال سياسات متكاملة تستثمر في رأس المال البشري وتوسّع فرص الاندماج الاقتصادي والاجتماعي. لقد آن الأوان لإعادة صياغة العلاقة بين الشباب والدولة، بحيث يُنظر إليهم كصُنّاع للتغيير ومحركات للتنمية، لا كفئات هامشية أو تهديدات أمنية. ويتطلب هذا التحول إرادة سياسية قوية، وتنسيقًا مؤسسيًا فعّالًا، وتوجيهًا رشيدًا للموارد، بما يضمن بناء مجتمعات أكثر عدالة واستقرارًا. إن الرهان على الشباب هو الرهان على مستقبل أفريقيا، وأجندة YPD تمثّل الإطار الأنسب لتحويل هذا الرهان إلى واقع ملموس.
[1] Maram Mahdi, Africa’s youth agenda must include peace, security and development, iss Africa. https://issafrica.org/research/policy-briefs/africa-s-youth-agenda-must-include-peace-security-and-development
[2] Africa’s youth agenda must include peace, security and development, ibid.
[3] In line with the African Youth Charter’s definition and for the purposes of this policy brief, youth or young people refers to those between the ages of 15 and 35 years.
[4] فاروق حسين أبو ضيف، أجندة الشباب الأفريقي لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وملامح عام 2025، قراءات أفريقية. https://shorturl.at/CKhLe
[5] أجندة الشباب الأفريقي لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وملامح عام 2025، مرجع سابق.
[6] African Union. 2020. Continental Framework on Youth, Peace and Security: 10-Year Implementation Plan (2020–2029), Addis Ababa, Ethiopia, https://au.int/sites/default/files/documents/39148-docimplementation_plan_-_english.pdf.
[7] United Nations Development Programme (UNDP). 2004. Human Development Report 2004: Cultural liberty in today’s diverse world. New York: UNDP, https://hdr.undp.org/content/human-developmentreport-2004.
[8] أجندة الشباب الأفريقي لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وملامح عام 2025، مرجع سابق.
[9] فاروق حسين أبو ضيف، إشكاليات تمكين الشباب في أفريقيا: قراءة للجهود الإقليمية والدولية وجهود الدولة المصرية في دعم الشباب الأفريقي، مركز السلام، سبتمبر 2024م. https://shorturl.at/UuxJh
[10] فاروق حسين أبو ضيف، آفـــــــاق وفـــــــرص نـجــــــاح الـقـــــــارة الأفريقية في تمكين الشباب، آفاق استراتيجية، العدد الرابع، أكتوبر 2021. https://idsc.gov.eg/upload/DocumentLibrary/AttachmentA/6241/%D8%A3.%20%D9%81%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%82%20%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86%20%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%B6%D9%8A%D9%81.pdf
[11] إشكاليات تمكين الشباب في أفريقيا: قراءة للجهود الإقليمية والدولية وجهود الدولة المصرية في دعم الشباب الأفريقي، مرجع سابق.
[12] آفـــــــاق وفـــــــرص نـجــــــاح الـقـــــــارة الأفريقية في تمكين الشباب، مرجع سابق.
[13] إشكاليات تمكين الشباب في أفريقيا: قراءة للجهود الإقليمية والدولية وجهود الدولة المصرية في دعم الشباب الأفريقي، مرجع سابق.
[14] Africa’s youth agenda must include peace, security and development, ibid.





