أماني ربيع
من بريق القناع الذهبي لتوت عنخ آمون، إلى الأهرامات وأبو الهول العظيم في الجيزة، يُعد إغراءُ مصر أبديًا، ولطالما كانت صور هذه الثقافة القديمة في كل مكان ويمكن التعرف عليها على الفور، منذ الهوس الذي صنعه اكتشاف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر مقبرة توت عنخ آمون قبل 102 عام من الآن.
للأسف جذبت ثروات مصر المستعمرين وصائدي الكنوز الأجانب منذ عام 332 قبل الميلاد، عندما أسس الإسكندر الأكبر مدينته التي تحمل اسمه، حيث زخر تاريخ مصر بالحروب مع الرومان والفرس والعثمانيين وأخيرًا البريطانيين.
وفي عام 1798، قاد نابليون أيضًا غزوًا فرنسيًا قصيرًا نسبيًا أدى إلى اكتشاف حجر رشيد وفك طلاسمه وهو ما فتح عيون أوروبا الغربية على مصر، وزاد الاهتمام الغربي بالتاريخ والثقافة المصرية القديمة، ما أدى إلى بعثات أثرية واسعة النطاق، وللأسف لم يوجد في هذا الوقت قانون ملزم يمنع الأجانب من الاستيلاء على ما يجدونه من آثار، فبدأ تدفق لم يتوقف للتراث المصري القديم الذي غادر البلاد وتفرق في جميع أنحاء العالم.


شهرة آثمة
واكتسبت العديد من المتاحف الشهيرة في العالم شهرتها من اقتناء آثار مصرية مسروقة، ومنها: المتحف البريطاني في لندن، الذي يعرض أكثر من 100 ألف قطعة، باستثناء مجموعة واندورف التي تم التبرع بها للمتحف في عام 2001، وتشمل 6 ملايين قطعة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في كل من مصر والسودان، وهناك أيضًا المتحف الجديد في برلين، ومتحف بتري للآثار المصرية في ألمانيا، ويعرض كل منهما أكثر من 80 ألف قطعة أثرية، وكذلك متحف اللوفر في باريس الذي يضم حوالي 50 ألف قطعة.
يزور هذه المتاحف وغيرها من المتاحف الأقل شهرة حول العالم والتي تضم مئات آلاف القطع الأثرية المصرية، الملايين سنويًا، ويتصدرها، متحف اللوفر الفرنسي الذي يجذب سنويًا نحو 9.3 مليون زائر، يأتي أغلبهم لمشاهدة القسم المصري الذي يمثل نحو 60% من مقتنيات المتحف.
وهناك المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يأتي في المركز الثاني بنحو 8 ملايين زائر، والمتحف البريطاني بنحو 6.7 مليون زائر، ومتحف المتروبوليتان في نيويورك بنحو 6.3 مليون زائر سنويًا، والمتحف الوطني في بريطانيا بنحو 6 ملايين زائر، ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن بنحو 5.3 مليون زائر.
وهذه مجموعة مذهلة من آثار أكثر الحضارات إثارة للاهتمام في التاريخ والتي توزعت حول متاحف العالم:
“الجميلة أتت”
في السابع من ديسمبر عام 1912، خرج رأس الملكة المصرية نفرتيتي (1370-1330 ق.م) إلى النور، بعد اكتشافه على يد عالم الآثار المصرية لودفيج بوشارد، عثر العالم الألماني على الرأس الفاتن في منطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا، ومنذ ذلك الوقت نالت نفرتيتي شهرة عالمية، وصدرت العديد من الكتب والدراسات عن حياتها كزوجة للملك أخناتون ووالدة الملك توت عنخ آمون أشهر ملوك مصر القديمة.
كانت الملكة نفرتيتي مؤثرة بشكل فريد كزوجة وملكة خلال واحدة من أكثر الفترات إثارة للجدل في تاريخ مصر القديمة، حيث كانت حافز وداعما لأخناتون خلال مرحلة تحول مصر القديمة إلى عبادة إله واحد هو “آتون”.
وحتى الآن لا يوجد وجها له نفس مكانة وجه نفرتيتي، فقد رسّخ الفن الخالد الذي أبدع التمثال النصفي مكانتها كواحدة من أكثر الشخصيات التاريخية شهرة على الإطلاق، حتى إن العالم الألماني الذي اكتشفها وقع في غرام التمثال الذي وصفه في مذكراته قائلا: “فجأة، أصبح بين أيدينا أفضل أعمال مصر القديمة الفنية الباقية، لا يمكن وصف ذلك بالكلمات، لا بد أن تراه”، وربما لهذا لم يبق التمثال في مصر طويلا، حيث أخرجه بوشارد من مصر بصورة غير شرعية.
صنع التمثال النصفي، تحتمس، النحات المفضل للملك، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وتم التنقيب عنه بواسطة شركة ألمانية للآثار الشرقية بعد 33 قرنًا، وقُدم إلى ممول البعثة جيمس سيمون الذي رفض عرضه علنًا لأكثر من عقد من الزمان، ويرجع ذلك على الأرجح إلى إدراكه للقضايا القانونية والأخلاقية التي سيواجهها.
حيث تم إخراج التمثال من مصر بالتحايل، بعد تصنيفه على أنه “تمثال نصفي من الجبس لأميرة من العائلة المالكة”، ولأن مصلحة الآثار وافت على إرسال القطع الجصية المكتشفة أثناء الحفر إلى ألمانيا، انتهى الأمر بتمثال نفرتيتي النصفي في الخارج، ومنذ عشرينيات القرن الـ 20، طالبت مصر باسترداد التمثال من جميع المتاحف الألمانية التي احتفظت به، لكن بلا جدوى، وهو موجود حاليًا في متحف برلين الجديد.
بخلاف قيمة التمثال التاريخية التي تهم المختصين بعلم المصريات، أحدثت الملكة نفرتيتي ثورة عالمية في عالم الجمال، وفي كتابها “تحديد العيون: تاريخ ثقافي”، تحدثت الصحفية زهرة هانكير عن الضجة التي أحدثها الكشف العلني عن التمثال النصفي للملكة المصرية، بعد عرضه لأول مرة في متحف نيو عام 1924، فمنذ تلك اللحظة أصبح تحديد العيون صيحة جمالية رائجة.
تقول هانكير: “أصبحت نوافذ صالونات تصفيف الشعر في أمريكا بها نسخا طبق الأصل من تمثال نفرتيتي النصفي، وصنعت بيوت الأزياء خطوطًا مستوحاة بالكامل من نفرتيتي، وبالطبع، كما بدأ العديد من النساء والمشاهير في استخدام تحديد العيون”.
لا تزال مكانة نفرتيتي كأيقونة جمال الموضة مستمرة حتى يومنا هذا، ووفقًا لهانكير، فهي واحدة من أوائل المؤثرين في مجال الجمال، تقول: “نحن نتحدث عن 100 عام من الشغف بمظهرها”.
حجر رشيد
لا يمكن الحديث عن التحف الأثرية المصرية المنهوبة دون التطرق إلى حجر رشيد، وهو أهم القطع المعروضة في قسم الآثار المصرية في متحف اللوفر، وخلال عهد نابوليون شنت فرنسا حملة عسكرية على مصر، أحضرت معها العلماء والأثريين، بهدف دراسة المنطقة تمهيدا لنهبها فيما بعد.
خلال الحملة تم اكتشاف حجر رشيد الذي عاد معهم إلى فرنسا من بين عدد لا يحصى من الأعمال الأخرى، وظل خارج مصر منذ ذلك الحين، حيث حصل عليه البريطانيون بعد مطلع القرن التاسع عشر مباشرة وحُفِظ في المتحف البريطاني، حيث لا يزال موجودًا حتى اليوم، ولفترة طويلة ضغطت مصر من أجل إعادة القطعة الأثرية المسروقة، ولكن دون جدوى.
وحجر رشيد، عبارة عن لوح من الجرانيت المنحوت يعود تاريخه إلى عام 196 قبل الميلاد، وتم اكتشافه في مدينة رشيد بدلتا النيل، حيث عثرت القوات الفرنسية عليه في عام 1799 أثناء بناء حصن خلال الاحتلال الفرنسي القصير لمصر.
ترجع أهمية الحجر إلى الدور الذي لعبه في فك رموز اللغة المصرية القديمة، وعليه نقوش تمثل مرسوما عن الملك بطليموس الخامس، مكتوب بثلاثة نصوص مختلفة، مرتبة من الأعلى إلى الأسفل: الهيروغليفية (نظام الكتابة الرسمي لمصر القديمة)، والديموطيقية (نظام الكتابة الشائع لمصر القديمة)، واليونانية القديمة.
قبل اكتشاف هذا الحجر، لم يكن أحد يعرف كيفية قراءة الهيروغليفية على الإطلاق، ولكن بفضل معرفة العلماء باليونانية القديمة، تمكنوا من العمل على فك رموز النص الثمين، ومهد هذا الفهم الجديد للنقوش الطريق أمام العلماء لترجمة نصوص مصرية قديمة أخرى وساعد في كشف بعض ألغاز هذه الحضارة العظيمة، وأدى هذا التطور الحاسم إلى أن يصبح حجر رشيد أحد أشهر القطع، إن لم يكن الأكثر شهرة، في مجموعة المتحف البريطاني.


برج دندرة
من بين غنائم الحملة الفرنسية على مصر أيضا، برج دندرة، يتمتع هذا العمل، وهو نقش بارز على سقف من الحجر الرملي يصور الأبراج، بأهمية دينية وتاريخية كبيرة.
عثرت القوات الفرنسية على هذه الخريطة الفلكية في معبد مخصص للإله المصري أوزوريس، والمعروف باسم معبد حتحور، في يناير 1799، وهي توضح حركات النجوم والأبراج، كما تم نقش نظريات حول نهاية العالم عليها.
وتم وصف هذه القطعة بأنها الخريطة الوحيدة المعروفة التي تمثل السماء القديمة بالكامل، وخلص العلماء إلى أن هذه الخريطة كانت أيضًا بمثابة الأساس لتطوير أنظمة علم الفلك التي نؤمن بها اليوم، تم نقل السقف من موطنه الأصلي على بعد حوالي 25 ميلاً شمال الأقصر إلى متحف اللوفر في باريس عام 1821.
وفي أغسطس عام 2022، دعا عالم الآثار المصري د. زاهي حواس إلى إعادة سقف دندرة، إلى جانب تمثال الملكة نفرتيتي وحجر رشيد إلى مصر.
تمثال حميونو
تمثال حميونو، هو تمثال بالحجم الطبيعي المصنوع من الحجر الجيري، اكتشفه عالم الآثار هيرمان يونكر عام 1912، ويُعتقد أن صاحب التمثال كان مسؤولاً رفيع المستوى وابن شقيق الملك خوفو الذي حكم مصر قبل نحو 4500 عام، ويرتبط اسمه ببناء الهرم الأكبر.
في مصر القديمة كانت التماثيل تصنع لتخلد الأشخاص لكي يتعرفوا على صورتهم في الحياة الآخرة، ويتميز هذا التمثال باختلافه عن أغلب تماثيل مصر القديمة التي كان نحتها يتم وفقا للنسب المثالية، فكان الأشخاص يظهرون دوما في أفضل صورة وبجسد مثالي وهيئة شابة لا تظهر عليها التجاعيد أو علامات الشيخوخة، بينما يبدو تمثال حميونو بدينا أقرب إلى شكله الحقيقي.
لذا يُعد تمثال حميونو تمثالا واقعيًا ويقف الآن شامخًا في متحف رومر وبليزيوس في هيلدسهايم بألمانيا، وتصفه النقوش الموجودة عند قدم التمثال “سيد كتبة الملك” و”مشرف على جميع أعمال الملك” و”كاهن كبش منديس”.


معبد دندور
في 28 أبريل 1967، منح الرئيس الأمريكي ليندون جونسون معبدًا مصريًا قديمًا بُني في القرن الأول قبل الميلاد – هدية من مصر إلى الولايات المتحدة – لمتحف المتروبوليتان للفنون. واليوم، يعد الهيكل، معبد دندور، أحد الأعمال الفنية الأيقونية والمحبوبة في متحف المتروبوليتان للفنون.
في صيف عام 1968، أبحرت سفينة شحن من البحر الأبيض المتوسط إلى مدينة نيويورك، وعلى متنها معبد نوبي عمره قرون، تم تفكيكه وتعبئته في 640 صندوقًا من أجل رحلته الدولية، وكانت كتل الحجر الرملي القديمة هذه، التي يبلغ وزنها 800 طن، هدية من مصر إلى الولايات المتحدة.
وفي عام 1967، أعلن الرئيس ليندون جونسون أن متحف متروبوليتان للفنون سيكون بمثابة المنزل الجديد لمعبد دندور، وكانت مؤسسة سميثسونيان، تأمل أن ينتقل المعبد من ضفاف النيل إلى ضفاف نهر بوتوماك، لكن وثيقة عبارة عن رسالة على ورق مطبوع في البيت الأبيض، موجهة إلى مدير متروبوليتان في ذلك الوقت توماس هوفينج، أثبتت منح الرئيس جونسون معبد دندور للمتحف.
تم تركيب المعبد في جناح ساكلر بمتحف متروبوليتان في سبتمبر 1978، وتم تصميم هذا الجناح المزود بحوض عاكس وجدار زجاجي يطل على سنترال بارك، ليصبح واجهة أنيقة، ومنذ ذلك الحين، أصبح الجناح مكانًا شائعًا لجميع أنواع الاحتفالات، بما في ذلك الأحداث الخيرية وحفلات الموسيقى الكلاسيكية.
اكتمل بناء معبد دندور في عام 10 قبل الميلاد، وتم بناؤه في جنوب مصر في عهد القيصر أغسطس، أول إمبراطور روماني، وتقول قصته، أنه بُني، لحاكم نوبي محلي ساعد الرومان في الفوز بمعركة، وكان أبناؤه قد غرقوا في النيل، وهي وفاة تؤدي في الأساطير المصرية إلى التقديس، والمعبد مخصص للصبيين إلى جانب الإلهة المصرية إيزيس.
يتميز هيكل المعبد بنقوش بارزة تصور الإمبراطور أغسطس على هيئة فرعون، وهو مزيج غريب من التأثيرات الرومانية والمصرية، كما يضم إضافات أحدث، بما في ذلك أسماء ضابط بحري بريطاني من القرن التاسع عشر وعالم مصريات إيطالي محفورة على الحجر.

