من الجيزة إلى لاجوس.. وجهات ثقافية تبهر العالم

أبريل 9, 2025

كتبت – أسماء حمدي
على امتداد القارة الإفريقية، حيث تتشابك خيوط التاريخ مع نبض الحاضر، تشكل المتاحف جسور تربط الأجيال بإرثها العريق، وتعيد سرد الحكايات التي كادت أن يطويها النسيان تحت رمال الزمن.
المتاحف ليست مجرد مبانٍ تحتضن القطع الأثرية، بل فضاءات نابضة بالحياة، تعكس عمق الحضارات التي ازدهرت على هذه الأرض، من ممالك الفراعنة في وادي النيل إلى ثقافات اليوروبا الغنية في غرب إفريقيا، ومن منحوتات الممالك القديمة إلى الفنون المعاصرة التي لا تزال تُبدع بروح الأجداد.
في عام 2025، يترقب العالم افتتاح مجموعة من المتاحف التي ستعيد تشكيل المشهد الثقافي للقارة، وعلى رأسها المتحف المصري الكبير في الجيزة، الذي سيتربع كأكبر متحف أثري في العالم، ومتحف بَت-بي في السنغال، الذي يحتفي بالفن الإفريقي بأسلوب يعيد الاعتبار لتراث القارة العريق. هذه الصروح لا تقتصر على عرض المقتنيات، بل تروي قصصًا من الهوية والمقاومة والإبداع، لترسّخ موقع إفريقيا كبوصلة ثقافية، تتجه إليها العقول بشغف، والقلوب بانبهار.
المتحف المصري الكبير
يعد المتحف المصري الكبير أحد أبرز المشاريع المنتظرة لعام 2025، والذي سيتم افتتاحف في الثالث من يوليو، على مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربع، ليكون أكبر متحف أثري في العالم بتكلفة تخطت مليار دولار. ورغم أنه لم يُفتح بالكامل بعد، فقد أُتيحت للزوار فرصة استكشاف بعض قاعاته الرئيسية خلال فترة التشغيل التجريبي.
عند دخول المتحف، يستقبل الزوار تمثال ضخم من الجرانيت الأحمر لرمسيس الثاني، الذي حكم بين عامي 1279 و1213 قبل الميلاد. ويعد هذا التمثال أيقونة معروفة في مصر، إذ ظل قائمًا في أحد أكثر ميادين القاهرة ازدحامًا لمدة 50 عامًا، معرضًا لعوادم السيارات واهتزازات القطارات المارة بالقرب منه.
يستوحي تصميم المتحف الداخلي والخارجي عناصره من أهرامات الجيزة، التي يمكن رؤيتها من أعلى الدرج الضخم ذي الطوابق الستة. ويضم المتحف 12 قاعة رئيسية تعرض تماثيل ملكية، وتوابيت، ومسلات، وأعمدة من الجرانيت، توثق حقبًا تاريخية تمتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الروماني.


منظومة ثقافية وترفيهية
يضم المتحف مجموعة فريدة من القطع الأثرية والكنوز الملكية، من بينها تابوت خنوم-ناخت، والتمثال الجاثي للملكة حتشبسوت، إضافة إلى المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، والتي سيتم عرضها بالكامل لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922. ويشمل المتحف مقتنيات تعود إلى عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر اليوناني الروماني، مقدمة في أسلوب عرض متحفي مبتكر يسرد تاريخ الحضارة المصرية عبر العصور.
لا يقتصر المتحف على العرض الأثري فقط، بل يُشكل منظومة ثقافية متكاملة، حيث يضم منطقة تجارية توفر للزوار المطاعم والخدمات اللازمة لقضاء يوم كامل داخل المتحف. كما يحتوي على قاعات مؤتمرات مجهزة بأحدث التقنيات، إضافة إلى قاعة لمحاكاة الواقع الافتراضي، التي تتيح للزوار تجربة غامرة تحاكي طقوس الدفن في مصر القديمة، من حفر الآبار إلى بناء الأهرامات.
ويضم المتحف أيضًا “متحف الطفل”، المجهز بأحدث الوسائل التكنولوجية، بهدف تعليم الأطفال وتثقيفهم حول الحضارة المصرية القديمة، وتعزيز وعيهم الأثري بطريقة تفاعلية تجمع بين الترفيه والتعليم.
مركز جون راندل
في قلب مدينة لاجوس الثقافي في نيجيريا، وعلى موقع كان يضم مسبحًا ونصبًا تذكاريًا منذ أوائل القرن العشرين، في منطقة أونيكان، يقع مركز الثقافة اليوروبي الجديد، الذي شهد إعادة إحياء بعد عقود من الإهمال منذ إغلاقه في أواخر السبعينيات.
في نوفمبر الماضي، افتُتح المسبح الجديد والمتحف الحديث للجمهور الذي تبلغ مساحته 1000 متر مربع. يتميز تصميم المبنى ببنية هندسية مستوحاة من الهندسة المعمارية التقليدية لليوروبيين، إذ يرتفع المبنى من الأرض في نمط متكرر يشبه الأشكال الهندسية العضوية التي كانت تُستخدم في البناء التقليدي. أما جدرانه الخارجية، فتكتسي بألوان ترابية تذكر بالطابع المعماري للقرى اليوروبية القديمة، حسب صحيفة الجارديان البريطانية.
ثقافة اليوروبا
تم بناء حوض السباحة الأصلي في الموقع على يد الطبيب جون راندل، المولود في سيراليون والمنحدر من عائلة من الأفارقة العائدين. جاء ذلك بعد أن شهد راندل حوادث غرق متكررة بين شباب لاجوس في البحيرة المحيطة، فقرر إنشاء مسبح عام بعدما رفض الحكام الاستعماريون تنفيذ المشروع.
في عشرينيات القرن الماضي، أصبح المسبح الذي بناه راندل، في متنزه جورج الخامس آنذاك، نقطة جذب رئيسية، خاصة بعد استبعاد سكان لاجوس من النادي المجاور الذي كان مخصصًا للأعضاء فقط ويديره البريطانيون. وفي الخمسينيات، تمت إضافة قاعة تذكارية إلى الموقع، لكن مع توسّع لاجوس في العقود اللاحقة، تدهورت حالة المباني وأُغلقت تمامًا في أواخر السبعينيات.
يقول شون أودووولي، المهندس الرئيسي للمشروع: “عند زيارة المتاحف الغربية، غالبًا ما تجد القسم الإفريقي في الطابق السفلي، مظلمًا ومهملًا. لكن هذا المتحف ينبض بالألوان والأصوات، ليعكس حيوية وثقافة اليوروبيين بكل ديناميكيتها”.


متحف بَت-بي
في منطقة سينجامبيا في غرب إفريقيا، التي تشتهر بأحجارها الضخمة المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، يتم إنشاء متحف بَت-بي كمجمع ثقافي متكامل يضم قاعات عرض، ومركزًا مجتمعيًا، ومكتبة، ومقهى، إلى جانب مساحة مخصصة للحرفيين المحليين لعرض وبيع أعمالهم الفنية. يحمل المتحف اسم “بَت-بي”، وهو مصطلح يعني “العين” بلغة الولوف، التي تُستخدم على نطاق واسع في السنغال.
ويهدف المتحف، وفقًا لإدارته، إلى “إتاحة متعة الفنون البصرية للسكان الذين ربما لم تسنح لهم فرصة زيارة المتاحف من قبل”. وسيتم عرض قطع أثرية من الأدوات المنزلية القديمة، والأقنعة، والمنحوتات، إلى جانب أعمال فنية حديثة ومعاصرة من مختلف أنحاء إفريقيا.
تؤكد المهندسة المعمارية النيجيرية، مريم إسوفو، أن الإلهام الرئيسي في تصميم المتحف جاء من “تاريخ الموقع نفسه”. وتوضح قائلة: “قمنا ببناء المعارض تحت مستوى الأرض، في إشارة إلى قدسية المكان، تكريمًا لما كان موجودًا في الماضي، مع توفير مساحة للتعبير الفني والإبداعي. لطالما كانت هذه المنطقة هدفًا لنهب التراث الثقافي من أجل إثراء مجموعات المتاحف الأجنبية، وقد حان الوقت لاستعادة جزء من هذا الإرث”. من المتوقع افتتاح المتحف في عام 2025.
إرث ثقافي يُعاد اكتشافه
مع افتتاح هذه المتاحف الجديدة، تواصل إفريقيا استعادة وتوثيق إرثها الثقافي، وتقديمه إلى العالم بأساليب حديثة. ففي الوقت الذي طالما كانت فيه المتاحف الغربية تستحوذ على المقتنيات الأثرية والفنية من هذه المناطق، تأتي هذه المشاريع لإعادة تسليط الضوء على الفن والتاريخ من منظور محلي، ومنح المجتمعات فرصة للاحتفاء بثقافاتها على أرضها.
عام 2025 سيكون محطة بارزة في رحلة استعادة الهوية الثقافية، حيث تفتح هذه المتاحف أبوابها ليس فقط كمراكز للعرض، بل كمساحات حية تتناغم مع مجتمعاتها، وتعيد رسم خريطة الفن والتراث العالمي برؤية جديدة.