إعداد:
نشوى عبد النبي – باحث سياسي
د.م أحمد سلطان – متخصص في شئون النفط والطاقة ورئيس لجنة الطاقة بنقابة المهندسين
تواجه القارة الأفريقية تحديات كبيرة في مجال الطاقة؛ حيث يعاني جزء كبير من سكانها من انقطاع التيار الكهربائي وعدم الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة، وفي الوقت نفسه تتعرض القارة لآثار تغير المناخ بشكل كبير، مما يهدد الزراعة والأمن الغذائي وسبل العيش للملايين، في هذا السياق تبرز أهمية التحول نحو الطاقة المتجددة كحل مستدام لتلك التحديات.
وتُعد “الوظائف الخضراء” إحدى مقاربات “الاقتصاد الأخضر” الذي يرتكز مفهومه على إعادة تشكيل وتصويب الأنشطة الاقتصادية لتكون أكثر مساندة للبيئة والتنمية الاجتماعية، بحيث يشكل طريقًا نحو تحقيق التنمية المستدامة. إن مصطلح “الاقتصاد الأخضر” يشمل مجموعة من الأدوات الاقتصادية التي يمكن أن تُسخِّر النشاط الاقتصادي لدعم واحد أو أكثر من أهداف التنمية المستدامة، ويتطلب استخدام تلك الأدوات فهمًا دقيقًا للسياق الاجتماعي والمؤسسي والسياسي للدولة والالتزام بالتعام والتكيف.
يُعرِّف برنامجُ الأمم المتحدة للبيئة الاقتصادَ الأخضر بأنه: “نظام من الأنشطة الاقتصادية التي من شأنها أن تُحسِّن نوعية حياة الإنسان على المدى الطويل، دون أن تتعرض الأجيال القادمة إلى مخاطر بيئية أو ندرة أيكولوجية خطيرة”. وقد استحدث البرنامج تعريفًا عمليًا لهذا المصطلح بأنه: “اقتصاد يؤدي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع العناية في الوقت ذاته بالحد من المخاطر البيئية وحالات الشح الإيكولوجي”.
ويُقصد بـ“الوظائف الخضراء”: تلك التي تكفل تخفيف الأثر البيئي للشركات والقطاعات الاقتصادية وتؤدي إلى تخفيض مستوياته إلى حدود يمكن تحمُّلها، ومن أمثلة تلك الوظائف تلك التي توجد في قطاعات كثيرة من الاقتصاد، كالطاقة وإعادة تدوير المخلفات والتشييد والنقل. وكل هذه الوظائف من شأنها أن تُسهم في تخفيض استهلاك الطاقة وحسن استخدام المواد الأولية والمياه من خلال استراتيجيات تعمل على تخليص الاقتصاد من الكربون وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وتخفيض / أو إزالة جميع أشكال النفايات والتلوث وحماية وإصلاح النظم البيئية والتنوع البيولوجي.
وتُعرِّف منظمة العمل الدولية “الوظائف الخضراء” على أنها: “عمل لائق من شأنه أن يخفف من آثار نشاط الشركات والقطاعات الاقتصادية على البيئة وخفضها إلى مستويات مستدامة، أو إنها عمل يتضمن وظائف تحافظ على البيئة وتعيد تأهيلها”. وهكذا تُركِّز “الوظائف الخضراء” على سمات المسئولية الاجتماعية وحماية البيئة والاستمرارية على التقنيات البديلة وكفاءة استخدام الطاقة والوعي البيئي، إضافة إلى ذلك فهي تتضمن تلك الوظائف التي تساهم في حماية النظم البيئية والتنوع الحيوي، وتخفيف استهلاك الطاقة والموارد والمياه من خلال استراتيجيات عالية الكفاءة، وإرساء اقتصاد خال من الكربون ويعمل على تجنب إنتاج جميع أشكال النفايات والتلوث بشكل دائم.
من أبرز الوظائف الخضراء التي يُتوقع أن تشهد نموًا كبيرًا في المستقبل هي الوظائف المرتبطة بالطاقة المتجددة، وذلك في ظل التحوّل العالمي نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح والمياه. مع هذا التحوّل، يتزايد الطلب على الخبراء في هذا المجال، حيث ستحتاج الشركات إلى مهندسين متخصصين في تصميم وتطوير أنظمة الطاقة الشمسية والرياح والمائية، بالإضافة إلى فنيين لتركيب هذه الأنظمة وصيانتها. ومع زيادة الطلب على المهندسين، سينشأ أيضًا طلب على العديد من الوظائف الأخرى المرتبطة بتكنولوجيا الطاقة المتجددة، مثل المصممين، الباحثين، المتخصصين في التسويق، والمدربين في هذا القطاع.[1]
أثر التغيرات البيئية والمناخية في عنصر العمل
يشكل التغير المناخي التحدي الرئيسي أمام التنمية المستدامة في القرن الحادي والعشرين، وهو التهديد الأكبر لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة. وفي سياق التصدي للمشكلات البيئية، اكتسبت الأهداف الإنمائية مزيدًا من الأهمية في المناقشات العالمية، خاصة منذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي، عندما أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1982 “اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية” المعروفة بلجنة “برونتلاند” لدراسة العلاقة بين البيئة والتنمية. وقد نال مفهوم “التنمية المستدامة” اهتمامًا متزايدًا في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية الذي عُقد عام 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل، حيث أصدرت الحكومات “إعلان ريو” بشأن البيئة والتنمية واعتمدت جدول أعمال القرن الحادي والعشرين الذي تضمن برنامجًا للعمل المطلوب اتخاذه خلال هذا القرن، وفي نفس الفترة، صدر منشوران من البحوث الجامعية عرضت لأول مرة مفهوم “الاقتصاد الأخضر”.
وعلى الرغم من البحوث التي أُجريت في هذا المضمار على الأبعاد البيئية والاقتصادية للتغير المناخي، إلا أنها اتَّسمت بضعف معالجتها للأبعاد الاجتماعية وخاصة تأثير تلك الظاهرة على عنصر العمل. واتساقًا مع تجاهل البعد الاجتماعي للتغير المناخي والبيئي، يشهد مفهوم “الانتقال العادل” اهتمامًا من قبل الاتحاد الدولي لنقابات العمال خلال السنوات الأخيرة لاسيما في أعقاب الأزمة المالية العالمية. ومن بين المبادرات التي ترتبت على مفهوم “الانتقال العادل” والتي تعمل على معالجة الآثار الناجمة على التغير المناخي “مبادرة الوظائف الخضراء” التي أطلقتها منظمة العمل الدولية (مارس 2007) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة الدولية لأرباب الأعمال والاتحاد الدولي لنقابات العمال. وقد أثمرت جهود الشركاء الأربعة في هذه المبادرة إصدار تقرير بعنوان “الوظائف الخضراء: نحو العمل اللائق في عالم مستدام أقل إنتاجًا للكربون”.
وهكذا تعتبر “الوظائف الخضراء” حلًا لمشكلة التغير المناخي والتدهور البيئي، لأنها تعمل على التنسيق بين أهداف الحد من الفقر، وتلك الخاصة بتخفيض مستويات انبعاثات الغاز الدفيئة وتحسين البيئة الطبيعية من خلال استحداث وظائف لائقة للسكان[2].
وظائف “الطاقة الخضراء”
الفرص والتحديات في ظل التحول نحو مصادر الطاقة المستدامة
تشكل “الوظائف الخضراء” أساسًا مهمًا لتحقيق مستقبل مستدام، حيث تلعب دورًا حيويًا في التصدي للتحديات البيئية والاقتصادية الحالية. تشمل هذه الوظائف مجموعة واسعة من المجالات، بدءًا من الطاقة المتجددة وصولًا إلى الزراعة المستدامة، مما يخلق فرص عمل متنوعة تساهم في حماية البيئة. يشهد الطلب على الوظائف الخضراء زيادة ملحوظة، ما يعكس تنامي الوعي بأهمية الاستدامة البيئية. ومع التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، تزداد الحاجة إلى الكفاءات المتخصصة التي تدعم هذا التوجه، خاصة في قطاع الطاقة المتجددة.

فرص العمل الخضراء مستقبلًا
يشهد قطاع البناء الأخضر والتصميم المستدام توسعًا سريعًا، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على المهندسين المعماريين والمدنيين المتخصصين في المباني الصديقة للبيئة. تشمل هذه المباني استخدام مواد صديقة للبيئة، وتصميم أنظمة لإدارة النفايات والمياه، بالإضافة إلى اعتماد تقنيات الطاقة المستدامة مثل الطاقة الشمسية. يمكن للمهندسين المعماريين والمدنيين المساهمة في إنشاء مدن مستدامة ترفع من جودة الحياة وتقلل من البصمة البيئية من خلال تصميمات مبتكرة.
تعد إدارة النفايات والتدوير من القطاعات الأساسية في الاقتصاد الأخضر، حيث تزداد الحاجة إلى حلول مبتكرة للتعامل مع النفايات المتزايدة بطرق تحافظ على البيئة. يعتمد خبراء إدارة النفايات على أحدث التقنيات لتحويل النفايات إلى موارد ذات قيمة، وتشمل هذه الوظائف أيضًا الباحثين والمحللين الذين يركزون على دراسة النفايات وتحديد الطرق الأكثر فعالية لإعادة تدويرها.
تعد الزراعة المستدامة عنصرًا أساسيًا في تحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على البيئة، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية والنمو السكاني المتزايد. ستتطلب الزراعة المستدامة متخصصين مثل المزارعين والفنيين الذين يمتلكون مهارات في استخدام التقنيات الحديثة لزراعة النباتات وتربية الماشية بطرق صحية ومستدامة. سيسهم هؤلاء الخبراء في تقديم الإرشادات والتدريب للمزارعين، مما يساعدهم على تطبيق ممارسات الزراعة المستدامة بفعالية.
يشهد سوق العمل إقبالًا متزايدًا على الوظائف الخضراء، مدفوعًا بالتحول العالمي نحو الاستدامة وحماية البيئة، مما يفتح آفاقًا واعدة أمام الخريجين والباحثين عن عمل.

تحديات التحول إلى الوظائف الخضراء
يواجه الانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الأخضر العديد من العقبات والتحديات التي تعيق تحويل الوظائف غير المستدامة إلى وظائف صديقة للبيئة، ومن أبرز تلك التحديات:
- يتطلب التحول إلى اقتصاد أخضر استثمارات مالية كبيرة لتحديث البنية التحتية الحالية، بما في ذلك شبكات الطاقة المتجددة، وأنظمة النقل المستدامة، والمرافق الصناعية الخضراء.
- يفتقر العديد من العاملين في الصناعات التقليدية إلى الكفاءات والمهارات المطلوبة للعمل في القطاعات الخضراء الناشئة.
- يواجه سوق العمل تحديات كبيرة نتيجة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث يتطلب الأمر إعادة هيكلة القوى العاملة، وتدريب العمال على مهارات جديدة، وتأهيلهم للوظائف الناشئة في القطاعات المستدامة، يشمل ذلك مهارات في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الموارد، والتقنيات الزراعية المستدامة، وإدارة النفايات، وغيرها من المجالات ذات الصلة بالاقتصاد الأخضر.
- قد تتعارض المصالح الاقتصادية قصيرة الأجل للعديد من الشركات مع التحول إلى اقتصاد أخضر، حيث يتطلب هذا التحول تغييرات في العمليات الإنتاجية، والاستثمار في تقنيات جديدة، والتخلي عن ممارسات غير مستدامة تحقق أرباحًا سريعة.
- تعتمد العديد من المجتمعات بشكل كبير على صناعات تقليدية غير مستدامة كمصدر رئيسي للدخل وفرص العمل. هذه الصناعات قد تكون ملوِّثة للبيئة أو تعتمد على موارد طبيعية قابلة للنضوب، يجعل هذا الاعتماد عملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر أكثر تعقيدًا، حيث قد يتسبب إغلاق أو تقليل حجم هذه الصناعات في فقدان وظائف وخسائر اقتصادية للمجتمعات المحلية.
مع توفير الدعم الحكومي والتدريب المناسب، يمكن التغلب على هذه التحديات وتحويل المزيد من الوظائف غير الخضراء إلى وظائف خضراء.[3]
“الوظائف الخضراء”… في القارة السمراء

تمثل الوظائف الخضراء في أفريقيا فرصة ذهبية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي، مع الحفاظ على البيئة، وتتمتع القارة بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، لكنها لا تزال تجذب استثمارات قليلة مقارنة بإمكاناتها. هذا النقص في الاستثمارات يؤدي إلى نقص في “الوظائف الخضراء”، مما يستدعي ضرورة استغلال موارد الطاقة المتجددة المتاحة لتحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص عمل جديدة.
و تتجه أفريقيا نحو مستقبل واعد من خلال الوظائف الخضراء، التي من المتوقع أن يتراوح عددها بين 1.5 مليون و 3.3 مليون وظيفة بحلول عام 2030. ولتحقيق هذا النمو الهائل في الوظائف الخضراء، تحتاج القارة إلى تضافر الجهود الدولية لجذب الاستثمارات الضرورية، إضافة إلى إعطاء الأولوية للتعليم وتنمية المهارات وتدريب القوى العاملة. كما أن إنشاء سلاسل توريد إقليمية سيكون له دور حاسم في دعم هذا التوجه.
تتصدّر الطاقة الشمسية الكهروضوئية قائمة مصادر الطاقة المتجددة من حيث توفير الوظائف الخضراء في أفريقيا، حيث من المتوقع أن توفر 1.7 مليون وظيفة بحلول نهاية العقد الحالي. إضافة إلى ذلك، يُساهم قطاع الطاقة الكهرومائية بتوفير 165 ألف وظيفة، بينما يُمكن لقطاع نقل وتوزيع الكهرباء أن يُوجد حوالي 197 ألف وظيفة. وفي غضون ست سنوات، يُتوقع أن يُوفر قطاع طاقة الرياح حوالي 79 ألف وظيفة خضراء في أفريقيا. كما تُتيح مشروعات تخزين البطاريات والطاقة الحرارية الأرضية 51 ألفًا و33 ألف فرصة عمل على التوالي.
شهدت الوظائف الخضراء في أفريقيا نموًا طفيفًا في عام 2024، حيث ارتفع عددها إلى 324 ألف وظيفة، بزيادة 1.2% عن عام 2023. ومع ذلك، لا يزال هذا النمو أقل من المتوسط العالمي، الذي شهد زيادة قدرها 18% في وظائف الطاقة المتجددة. يشير هذا التقرير إلى أن البيانات المتعلقة بظروف العمل في الوظائف الخضراء في أفريقيا لا تزال محدودة، مما يستدعي مزيدًا من البحث والدراسة لفهم كامل لإمكانات هذا القطاع وتحدياته[4].
الوظائف الخضراء من أجل تمكين المرأة الأفريقية
تتجه أفريقيا نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا من خلال الوظائف الخضراء، التي تلعب دورًا حيويًا في تمكين المرأة، حيث تمتلك القارة السمراء إمكانات هائلة لتطوير الطاقة المتجددة، لكنها لا تزال تجذب جزءًا محدودًا من الاستثمارات النظيفة العالمية. هذا النقص في الاستثمارات يؤثر سلبًا في عدد الوظائف الخضراء المتاحة للمرأة الأفريقية، ويقلل من فرصها في المشاركة الفعالة في هذا القطاع الواعد.
تُعد المرأة الأفريقية قوة دافعة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر في أفريقيا جنوب الصحراء، إذ تشارك بفعالية في قطاعات رئيسية كالزراعة والغابات والسياحة، والتي من المتوقع أن تشهد نموًا كبيرًا في الوظائف الخضراء. ومع ذلك، يقل تمثيل المرأة في القطاعات التي توفر وظائف خضراء ذات مستوى أعلى، مثل الطاقة (خاصةً طاقة الرياح والطاقة الشمسية)، والنقل، والبناء، وبعض الخدمات المتخصصة كالاستشارات الخضراء. بينما يزداد تمثيلها في قطاعات أخرى كإدارة النفايات وبعض مجالات الطاقة المتجددة (الكتلة الحيوية)، والتي من المرجح أن تخلق وظائف أقل من حيث المستوى.
على الرغم من التحديات، تُظهر النساء الأفريقيات قدرة ملحوظة على التكيف والابتكار في مجال الاقتصاد الأخضر. فهنّ يبادرن بإنشاء مشروعات صغيرة في مجالات متنوعة كالبناء الأخضر والتجديد وكفاءة الطاقة، مما يفتح لهن آفاقًا جديدة ويساهم في تعزيز دورهن الاقتصادي.
ومع ذلك، تواجه المرأة الأفريقية تحديات كبيرة تعيق وصولها الكامل إلى الوظائف الخضراء، بعض هذه التحديات يتعلق ببعض القطاعات على وجه الخصوص، كالأعراف الاجتماعية التي تحد من مشاركة المرأة في قطاع البناء. وتوجد تحديات أخرى أكثر شمولية، كصعوبة الوصول إلى الأراضي والتمويل والتكنولوجيا، والفجوة بين الجنسين في التعليم وسوق العمل، والقوانين التي تحد من تولي المرأة لبعض المهام والوظائف. إضافة إلى ذلك، تلعب الأعراف الاجتماعية دورًا سلبيًا، حيث تُلقى على عاتق المرأة مسؤولية القيام بمعظم أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، مما يحد من فرصها في الحصول على وظائف أخرى[5].

يقدم الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر فرصًا فريدة لتقليل عدم المساواة بين الجنسين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك من خلال:
- تحدي النمطية الجندرية في سوق العمل: ستكون العديد من الوظائف في الاقتصاد الأخضر وظائف جديدة لم يتم تحديدها اجتماعيًا للرجال أو النساء بعد. وبالتالي، توجد فرص أمام النساء لتولي وظائف جديدة كمهندسات أو معماريات أو مستشارات للكفاءة الطاقة أو سائقات للحافلات الخضراء أو مبتكرات في مجالات مختلفة. وتوضح العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تقودها النساء والتي تقوم بتثبيت الألواح الشمسية في جميع أنحاء المنطقة كيف يمكن اختراق “الجدران الزجاجية” والدخول في القطاعات التي يهيمن عليها الرجال مثل البناء. مع دعم السياسات العامة القوية، يمكن لهذه النجاحات المبكرة أن تُمثل نماذج جديدة للنساء ولها تأثير مضاعف في الأجيال القادمة.
- تقدير القيمة الاقتصادية للعمل غير المدفوع الذي تقوم به النساء لصالح البيئة: تلعب النساء في جميع أنحاء أفريقيا دورًا حاسمًا كمديرات للموارد الطبيعية، مما يساهم في الاستدامة البيئية وقوة مجتمعاتهن. غالبًا ما يكون هذا العمل غير مدفوع الأجر ويتم على أساس تطوعي. ويمكن أن تغير الأدوات الاقتصادية الخضراء الجديدة، مثل أرصدة الكربون ومدفوعات خدمات البيئة في السياحة والغابات والقطاعات الأخرى، هذا الوضع من خلال تخصيص قيمة اقتصادية للعمل غير المدفوع للنساء. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يقترن الانتقال إلى النشاط الاقتصادي الأخضر بالترقية وتنظيم الأنشطة الحالية للنساء في الاقتصاد غير الرسمي في إدارة النفايات والزراعة من خلال العمل الجماعي والشبكات التي تقودها النساء. ويمكن توسيع نطاق المبادرات في هذه المجالات لتكون بمثابة محولات للأوضاع بالنسبة للنساء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى[6].
التوصيات حول وظائف الطاقة الخضراء في القارة الأفريقية:
- تعزيز السياسات الحكومية الداعمة للطاقة المتجددة: يجب على الحكومات الأفريقية وضع سياسات وتشريعات واضحة ومشجعة لاستثمار الطاقة الخضراء، بما في ذلك حوافز ضريبية للشركات المستثمرة في الطاقة المتجددة وتسهيل إجراءات الحصول على تراخيص المشروعات.
- دعم التعليم والتدريب المهني: من المهم إنشاء برامج تدريبية وتعليمية متخصصة في مجالات الطاقة المتجددة لتمكين الشباب الأفريقي من اكتساب المهارات اللازمة للعمل في هذه القطاعات. إضافة إلى ذلك، يجب تخصيص برامج تعليمية في الجامعات والمعاهد التقنية لتخريج مهندسين ومتخصصين في تقنيات الطاقة الخضراء.
- تعزيز البنية التحتية للطاقة الخضراء: تحتاج القارة إلى تطوير بنية تحتية حديثة تدعم إنتاج وتوزيع الطاقة المتجددة، مثل شبكات الكهرباء الذكية ومرافق التخزين والطاقة الموزعة، لتسهيل الوصول إلى الطاقة في المناطق النائية والريفية.
- تشجيع الابتكار المحلي في حلول الطاقة المتجددة: ينبغي تحفيز البحث والتطوير في التقنيات المحلية التي تتناسب مع الظروف البيئية والجغرافية في أفريقيا، مثل تحسين تقنيات الطاقة الشمسية والرياح المناسبة لمناطق القارة المختلفة.
- تشجيع الشراكات الدولية والإقليمية: يجب على الدول الأفريقية تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص لتوفير التمويل والتقنيات الحديثة في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى تبادل الخبرات والمعرفة بين الدول الأفريقية.
- استدامة التمويل لمشاريع الطاقة الخضراء: تشجيع الاستثمارات المحلية والدولية في مشروعات الطاقة المتجددة من خلال إطلاق أدوات مالية مبتكرة، مثل السندات الخضراء، وتوفير القروض الميسرة لدعم تنفيذ مشاريع الطاقة النظيفة.
- خلق فرص عمل جديدة في قطاع الطاقة الخضراء: يجب التركيز على استخدام قطاع الطاقة المتجددة كأداة لخلق وظائف محلية مستدامة، خصوصًا في مجالات التصنيع والتركيب والصيانة للطاقة الشمسية والرياح، مما يساهم في تقليل معدلات البطالة وتحسين الوضع الاقتصادي.
من خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن لقارة أفريقيا أن تساهم بشكل كبير في التحول نحو الطاقة المستدامة، مما يسهم في تحسين حياة سكانها وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
خلاصة القول، تعتبر وظائف الطاقة الخضراء أحد العناصر الحيوية التي يمكن أن تحول التحديات التي تواجه القارة الأفريقية إلى فرص حقيقية للنمو والتنمية المستدامة. إن التحول نحو الطاقة المتجددة ليس مجرد خيار بيئي بل ضرورة اقتصادية واجتماعية لتعزيز الأمن الطاقي، وتحسين مستويات المعيشة، وخلق فرص عمل جديدة. القارة السمراء، التي تشهد تزايدًا في الحاجة إلى الطاقة بسبب النمو السكاني والتوسع الحضري، يمكن أن تستفيد بشكل كبير من تطوير قطاعات الطاقة الخضراء كالطاقة الشمسية، الرياح، والطاقة الحيوية.
إن الاستثمار في هذا القطاع لا يسهم فقط في تحقيق التنمية الاقتصادية ولكن أيضًا في تعزيز الاستقلالية الطاقية وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية الملوثة. وبتوافر الإرادة السياسية والدعم الدولي، يمكن لأفريقيا أن تلعب دورًا محوريًا في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.
[1] هبة محمد إمام، الوظائف الخضراء.. طريق لتحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة، مقال، الطاقة، 14 يوليو 2024، https://2u.pw/oqpzjncY
[2] د. صليحة عشي، أ.حدة متلف، اعتماد الوظائف الخضراء في توظيف الشباب وتحقيق التنمية المستدامة، دراسة، كلية العلوم الاقتصادية جامعة الحاج لخضر، https://2u.pw/JW37wvhs
[3] الحسين شكراني، تحديات التّغيرات المُناخية والرهانات المستقبلية للتحول إلى “الوظائف الخضراء”: نقد المنظور الرّأسمالي، دراسة، استشراف للدراسات المستقبلية، ديسمبر 2022، https://2u.pw/eiKkimyK
[4] عدد الوظائف الخضراء في أفريقيا قد يبلغ 3.3 مليون وظيفة بحلول 2030، تقرير، الطاقة، 15 أكتوبر 2024، https://2u.pw/yaCTac4d
[5] الوظائف الخضراء.. هل تجد نساء أفريقيا فرص عمل في الطاقة النظيفة؟، تقرير، الطاقة، 2021، https://2u.pw/YSQFDRPH
[6] GREEN JOBS FOR WOMEN IN AFRICA: OPPORTUNITIES AND POLICY INTERVENTIONS, 2021 UN Women and the African Development Bank (AfDB), https://2u.pw/VMArgyIr