كتبت – أسماء حمدي
في عام حافل بالانتخابات الحاسمة عبر القارة السمراء، تُسلط الأضواء على الجهود المستمرة للنساء الأفريقيات لدخول الساحة السياسية وتحدي العقبات التي تواجههن في طريقهن نحو المناصب القيادية.
حققت النساء إنجازات بارزة في عام 2024، كان أبرزها نيتومبو ناندي ندايتواه التي تولت منصب أول رئيسة منتخبة في تاريخ ناميبيا، ما يمثل إنجازًا كبيرًا في مجال حقوق المرأة في القارة الإفريقية.
معركة التغيير
شهدت 18 دولة أفريقية من أصل 54 انتخابات رئاسية أو برلمانية هذا العام، ما جعل 2024 عامًا محوريًا للقارة. كانت الآمال مرتفعة لتعزيز الحوكمة العادلة والشفافية والمشاركة المتساوية، لا سيما في تمكين النساء سياسيًا وزيادة تمثيلهن في مراكز صنع القرار.
على مدى أكثر من عقد، تابعت منظمة (Make Every Woman Count) المشاركة السياسية للنساء في أفريقيا. وأشارت إلى أن التقدم لا يزال محدود وأن الفجوة بين الجنسين لا تزال قائمة، مما يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها النساء في السعي نحو التمثيل السياسي المتكافئ.
خطوة إيجابية
ففي عام 2014، كان هناك 3 نساء يتولين مناصب رئاسية في أفريقيا. أما في 2024، فتقلص العدد إلى اثنتين فقط، بينهم رئيسة تنزانيا سامية صلوحي حسن، ونيتومبو ناندي ندايتواه التي أصبحت أول رئيسة منتخبة في ناميبيا في ديسمبر الماضي، رغم أن نتائج انتخابها تواجه الطعن في المحاكم.
ومع ذلك، حققت غانا إنجازًا تاريخيًا بانتخاب البروفسورة “نانا جين أوبوكو أجيمنج” كأول امرأة تشغل منصب نائب الرئيس، وهو تطور يُعتبر خطوة إيجابية نحو تمكين النساء سياسيًا في غرب أفريقيا.
تمثيل متزايد
إحصائيًا، شهدت نسب تمثيل النساء في البرلمانات الأفريقية تقدمًا طفيفًا. فبحلول يوليو 2024، بلغت نسبة النساء البرلمانيات 26%، مقارنة بـ 25% في عام 2021، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.
ورغم أن بعض الدول، مثل رواندا وجنوب أفريقيا والسنغال وتنزانيا، حققت نجاحات ملحوظة بفضل نظام الحصص (الكوتا)، إلا أن هذه الزيادة البسيطة تكشف عن الحاجة إلى مزيد من الجهود لتحقيق المشاركة السياسية المتكافئة.
نضال من أجل التغيير
ترى المديرة التنفيذية لمنظمة (Make Every Woman Count)، راي سو، أن التغلب على العقبات التي تواجه النساء في السياسة يتطلب أكثر من مجرد إصلاحات قانونية.
وتشير سو إلى أن هناك حاجة إلى تحول ثقافي في المواقف المجتمعية، وتعزيز تطبيق التدابير الداعمة للمساواة، والاستمرار في العمل على تمكين النساء من المشاركة الفعالة في السياسة. تقول سو: “النضال من أجل التغيير يتطلب إرادة قوية وإصرارًا على تحقيق الهدف”.
تجارب ملهمة
في نوفمبر 2024، انتُخبت تيريز فاي ديوف (43 عامًا) لأول مرة كعضو في البرلمان السنغالي، حيث أصبحت واحدة من 73 امرأة في مجلس النواب الذي يضم 165 مقعدًا، وهو أعلى نسبة تمثيل نسائي في غرب أفريقيا. بالنسبة لها، يمثل هذا التقدم إنجازًا كبيرًا، رغم أن النساء يشغلن فقط 4 مناصب وزارية في الحكومة المؤلفة من 34 عضوًا.
بدأت تيريز مسيرتها السياسية كأول امرأة تُنتخب عمدة لمدينة ديارير في جنوب غرب السنغال. وشغلت سابقًا منصب وزيرة شؤون المرأة والتنمية الاجتماعية والمساواة في حكومة الرئيس السابق ماكي سال.
تعزيز حقوق النساء
لكن طريقها لم يكن سهلًا، حيث واجهت تيريز مواقف معارضة، كان أبرزها خلال حملتها الانتخابية لمنصب العمدة، عندما اعترض أحد شيوخ قريتها على دعم امرأة ترتدي الأقراط الذهبية. لكنها تمكنت من تغيير رأيه بعد فوزها، حيث عاد ليعترف بخطأه ويشيد بقدرتها على القيادة.
تقول تيريز: “كعضوة في البرلمان، أسعى لإعادة طرح مشروع قانون للحماية الاجتماعية الذي دفعت به سابقًا. كما أركز على تعزيز حقوق النساء في الحصول على الأراضي الزراعية وتحسين التعليم الأساسي للشباب”.
نضال مستمر
في أكتوبر 2024، خاضت روت مانجات (56 عامًا) الانتخابات البرلمانية ممثلة لحزب بوديموس عن مدينة مابوتو. ورغم التحديات، أصبح بوديموس الآن الحزب المعارض الأكبر في موزمبيق.
تنتقد روت بشدة السياسات الاقتصادية لحزب فريليمو الحاكم، مشيرة إلى أن البلاد غنية بالموارد الطبيعية، مثل الخشب والغاز، لكن الشعب لا يستفيد منها بالشكل الكافي. تقول: “لدينا أطفال يجلسون على الأرض في المدارس بسبب نقص المقاعد، رغم أننا نمتلك ثروات هائلة. يجب أن تُوجه نسبة أكبر من عائدات الموارد لصالح الشعب”.
واجهت روت صعوبات عديدة، بما في ذلك التهديدات المباشرة. تتذكر حادثة تعرضت لها أثناء مراقبتها لعملية فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع، حيث لاحظت عمليات تزوير. تقول: “رغم الخوف، لن أهرب. هذه بلدي، وسأواصل النضال من أجل حقوق شعبي”.
تحقيق العدالة
عملت ستيف ليتسيكي (38 عامًا) كناشطة في مجال حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا قبل دخولها السياسة. شغلت منصب نائب وزير شؤون المرأة والأطفال وذوي الإعاقة في مايو 2024، بعد انتخابها كعضو في البرلمان.
تروي ستيف كيف واجهت التمييز بسبب هويتها، خصوصًا في أثناء حملاتها الانتخابية. لكنها تؤكد أن الهوية لا تقلل من أهمية النضال المشترك. تقول: “نحن نقاتل من أجل نفس القضايا، والاختلافات في الهوية لا تعني أننا لا نستطيع العمل معًا لتحقيق التغيير”.
تعزيز الوعي
تضيف ستيف: “هدفي أن يتمكن جميع الجنوب أفريقيين من رؤية أنفسهم كجزء من التغيير الذي نسعى إليه. السياسة ليست فقط عن المناصب، بل هي وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية”.
تُجمع هؤلاء النساء على أن التحديات التي تواجههن ليست عائقًا بقدر ما هي دافع للاستمرار في النضال من أجل التغيير. ومن خلال تعزيز الوعي المجتمعي، وتشجيع النساء على الانخراط في السياسة، والعمل على إصلاح السياسات التمييزية، يمكن تحقيق خطوات كبيرة نحو تمكين النساء وضمان مشاركتهن المتساوية في صناعة المستقبل.