إعداد – د. شيرين جابر
باحث أول مركز الدراسات الاستراتيجية – مكتبة الإسكندرية
تُعد منطقة القرن الأفريقي على رأس أجندات واستراتيجيات العديد من القوى الدولية والإقليمية؛ نظرًا لأهميتها السياسية والاقتصادية، إذ تتعدد الفواعل الإقليمية والدولية المنخرطة في منطقة القرن الأفريقي لأهداف ودوافع مختلفة؛ الأمر الذي جعل منها ساحة للتنافس والصراع فيتنازع عليها جميع الدول من أجل إيجاد موطئ قدم لهم هناك بغرض تحقيق أهداف استراتيجية.
يوجد بمنطقة القرن الأفريقي «ستة موانئ بحرية» من أكبر وأهم الموانئ الأفريقية وهي: موانئ بربرة وبوصاصو وهوبيو في الصومال، وعصب ومصوع بإريتريا، وميناء جيبوتي، وتتمتع جميعها بموقع استراتيجي هام، نظرًا لقربها الجغرافي من مضيق باب المندب، وكونها حلقة وصل وبوابة مهمة لأسواق بلدان شرق ووسط أفريقيا ومراكز إقليمية لنقل النفط والبضائع، كما يضم المجال البحري للقرن الأفريقي احتياطيات كبيرة من النفط والغاز.
إن التنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي أخذ منعطفًا جديدًا مع التحرك العسكري لميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، وانقلابها على الشرعية باليمن، وحرب غزة المندلعة منذ أكثر من عام، والتصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران وحزب الله، خاصةً بعد اغتيال كل من إسماعيل هنية وحسن نصر الله. ويأتي ذلك في ظل ظروف إقليمية تشهد التعنت الإثيوبي في قضية سد النهضة، ووجود قوات مصرية في الصومال، فضًلا عن هجمات إرهابية قاسية في كثير من دول القرن الأفريقي، خصوصًا في الصومال وكينيا التي تنشط فيهما «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية؛ ومن ثم جاءت أهمية هذه الدراسة لتناول تحديات المعركة الدولية للتغلغل في القرن الأفريقي، والمستقبل الأمني لمنطقة القرن الأفريقي، فضلًا عن مستقبل هذا التغلغل في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.
أولا: تحديات المعركة الدولية للتغلغل في القرن الأفريقي
في حقيقة الأمر، لا يبدي المجتمع الدولي الجدية اللازمة، سواء في محاربة التنظيمات المتطرفة أو في تقديم الدعم لدول قارة أفريقيا بصفة عامة ودول القرن الأفريقي بصفة خاصة، ومن ثم يمكن تحديد مجموعة الأسباب التي تحول دون التغلغل الدولي والإقليمي في منطقة القرن الأفريقي ومنها:
1 -اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال ومزيد من التوتر في المنطقة: ربما تدفع التوترات الراهنة بين إثيوبيا والصومال نحو إتاحة فرصة أكبر لحركة الشباب الإرهابية لتجديد نشاطها ومحاولة إعادة صياغة خطابها باعتبارها حركة تدافع عن الصومال في مواجهة «المطامع الإثيوبية»؛ ففي 1 يناير 2024 وقَّعت إثيوبيا مع حكومة جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) مذكرة تفاهم تسمح لها بالنفاذ إلى ميناء بربرة في مدخل البحر الأحمر، في مقابل ما يمكن أن يُفضي إلى اعتراف رسمي بهذه الدولة التي أُعلِنت انفراديًّا بعد أن كانت ولاية من ولايات جمهورية الصومال. وتتضمن مذكرة التفاهم استخدام إثيوبيا 20 كيلومترًا من شاطئ البحر الأحمر في مياه أرض الصومال في محيط ميناء بربرة على خليج عدن لمدة 50 سنة، وإمكانية بناء قاعدة عسكرية بحرية إثيوبية في منطقة ميناء بربرة، وإمكانية بناء منطقة تجارية إثيوبية في منطقة ميناء بربرة[1].
أعلنت حركة الشباب المجاهدين الصومالية، في 4 يناير 2024، عن موقفها الرافض لمذكرة التفاهم التي وقعتها كل من إثيوبيا وإقليم أرض الصومال في 1 يناير، وهددت – في بيان لها – الطرفين بشن هجمات انتقامية، كما دعا علي محمود راج المتحدث الرسمي للحركة، إلى حمل السلاح والقتال ضدهما[2].
وتكشف هذه الخطوة عن رغبة الحركة في استعادة الزخم حولها مجددًا على الساحة الصومالية من خلال استمالة الرأي العام الصومالي، وما قد يصاحبه من حشد وتعبئة للمزيد من المناصرين الجدد للانضمام إليها، بما يعزز حضورها في الداخل الصومالي، الذي يخفف بدوره من حدة العمليات العسكرية التي يقودها الجيش الصومالي منذ أغسطس 2022 للقضاء على مخاطر الحركة في مناطق سيطرتها بوسط وجنوب البلاد، إضافةً إلى توسيع نفوذها على الصعيد الإقليمي بما يعزز مكانتها في الساحة الإرهابية العالمية، في ضوء دينامية التفاعلات المعقدة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، الأمر الذي يرجِّح تصعيد الحركة نشاطاتها الإرهابية في الصومال ومحيطه الإقليمي خلال المرحلة المقبلة.
2- الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وزعزعة استقرار القرن الأفريقي: إن الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، وما أعقبه من حرب الإبادة التي شنَّتها إسرائيل على غزة بدعم من الولايات المتحدة، كان بمثابة زلزال سياسي في الشرق الأوسط، وإن هزاتها تهز السياسات في القرن الأفريقي، وتؤدي إلى انهيار بنية السلام والأمن المتداعية بالفعل أو تزعزع استقرار القرن الأفريقي بشكل أو بآخر؛ وخاصةً مع إطالة أمد الصراع لأكثر من عام.
لقد أظهرت حماس أن إسرائيل ليست دولة لا تُقهر، وأن فلسطين لن تظل غير مرئية، وكانت جرأة حماس بمثابة جرعة قوية للإسلاميين، مثل حركة الشباب الصومالية. ومع انسحاب عملية حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، تظل حركة الشباب تشكل تهديدًا – ومن المرجَّح أن تتشجع لتكثيف عملياتها في كل من الصومال وكينيا المجاورة.
3- توقيع اتفاق أمني بين القاهرة ومقديشو لمكافحة الإرهاب: تعيش العلاقات المصرية الإثيوبية فصلًا جديدًا من فصول التوتُّر، على خلفية إرسال مصر خبراء عسكريين ومعدات إلى العاصمة الصومالية مقديشو أواخر أغسطس 2024. إن التقارُب المصري الصومالي – وإنْ كان يتم تحت شعار مكافحة الإرهاب – لكن من الواضح أن دافعه الرئيسي هو المخاوف المشتركة من السلوك الإثيوبي في حوض النيل والقرن الأفريقي، نتيجة ما تقوم به أديس أبابا من ملء متكرر لسد النهضة دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول أساسية في الحوض وعلى رأسها مصر والسودان، إضافة إلى مساعيها لتكريس انفصال إقليم أرض الصومال بالتنسيق مع إسرائيل.
وتشمل هذه الاتفاقية حوالي 13 بندًا، وتتمثَّلُ أهم بنودها في أن أيَّ عدوان على أي دولة موقعة على البروتوكول هو عدوان على باقي الدول، وأيّ مساسٍ بدولة من الدول الموقعة على البروتوكول هو مساسٌ صريحٌ بباقي الدول الموقعة، ولقد نصَّ البند الثاني من الاتفاقية على أن كل الدول المتعاقدة تعتبر أيَّ اعتداءٍ مُسلحٍ يقع على أية دولةٍ أو أكثر منها أو على قواعدها هو اعتداء عليها جميعًا، وفي السياق ذاته، تلتزم الدول الموقِّعة بمساعدة الدولة المُعتدى عليها، من خلال اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير، واستخدام كل ما لديها من وسائل، وفي حالة الحرب تعمل تلك الدول على توحيد خططها لاتخاذ التدابير، سواء الدفاعية أو الوقائية[3].
وجاءت الخُطوة المصرية بعد قُرابة 6 أشهر على توقيع إثيوبيا اتفاقية مع أرض الصومال، حصلت من خلالها على حقِّ الوصول إلى ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستخدامه لأغراض تجارية وعسكرية، واعترافها باستقلال الإقليم الانفصالي، وبالتالي أثارت الاتفاقية مخاوف القاهرة على نفوذها في البحر الأحمر، وسلامة الملاحة في قناة السويس، خاصةً مع احتمالية تمكين قوات إسرائيلية من النشاط في الإقليم، كما أن الصومال نظرت للاتفاقية على أنها تهديد لوحدة الأراضي الصومالية وسلامتها.
4- إغلاق معبر القلابات الحدودي بين السودان وإثيوبيا: شهدت الحدود بين السودان وإثيوبيا توترًا يوم 2 سبتمبر 2024م، بعدما سيطرت ميليشيا الفانو الأمهرية على المعبر من الناحية الإثيوبية، مما أدى إلى إغلاق المعبر من الناحية السودانية من جانب حكومة ولاية القضارف، على نحوٍ أدى إلى توقف أنشطة التجارة الحدودية بين السودان وإثيوبيا بجانب توقف إجراءات السفر والجوازات.
ويعتمد السودان في فترة الحرب على استيراد السلع الاستهلاكية من إثيوبيا بملايين الدولارات كل شهر، وقد أسهمت هذه النشاطات التجارية في تلبية احتياجات المدن التي تسيطر عليها القوات المسلحة في شمال وشرق البلاد. وبسبب تعليق العمل في معبر القلابات، فإن هذا الإجراء يؤثر في حركة التجارة بين الدولتين[4]. كما يلعب اقتصاد الصراع دورًا في استمرار الأمهرا في إضفاء التوتر على المناطق الحدودية بين البلدين، إذ تسيطر الأمهرا على مناطق غرب التيجراي والمناطق الحدودية عبر السودان، والتي تُعد غنية في زراعة المحاصيل التي تمثل مصدرًا اقتصاديًا مهمًا[5].
5 – تراجُع الثقة بواشنطن بسبب مواقفها المتقلبة تجاه المنطقة: تُلقِي السياسات السابقة للولايات المتحدة تجاه دول القرن الأفريقي بظلالها على راهن ومستقبل العلاقات التعاونية مع هذه الدول، ومن الواضح أن الثقة بواشنطن تتراجع باستمرار حتى لدى حلفائهم التاريخيين؛ بسبب التقلبات في نهج الإدارات المتعاقبة في واشنطن والمواقف الأمريكية الانتهازية حيال أزمات المنطقة. وتتولَّد في أفريقيا قناعة متزايدة بأن الهيمنة الأمريكية آخذة في الانحسار، وخاصةً في ضوء انتقال اهتمام واشنطن شرقًا للتركيز على مواجهة تنامي النفوذ الصيني – الروسي، والذي يُحتم عليها تقليل انخراطها وخفض التزاماتها في مناطق أخرى حول العالم بما فيها منطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي[6].
6 – تراجُع الدعم الإقليمي الموجه للقضاء على الإرهاب: قد ينعكس تطور المشهد الصدامي بين إثيوبيا والصومال بشكل سلبي على التنسيق الثنائي بشأن جهود مكافحة حركة الشباب المجاهدين التي لديها ارتكاز عملياتي في الصومال، وتنفذ عمليات في دول مجاورة لها؛ حيث تُعد إثيوبيا من الدول المشاركة بعناصر عسكرية في “بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال” (ATMIS)؛ وذلك بجانب كل من (بروندي، وجيبوتي، وكينيا، وأوغندا)؛ علمًا بأن هذه البعثة تولت مهامها في أبريل 2022 بناءً على قرار من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وبموافقة من مجلس الأمن الدولي[7].
وفي حين عاد الدعم الخارجي، لا سيما مع عودة الجنود الأمريكيين، ومشاركة الطائرات المسيرة الأمريكية والتركية في تقديم غطاء جوي واستخباري للقوات والمليشيات المحلية، لم تَفِ دول الجوار الثلاث حتى الآن بتعهداتها بشأن إرسال المزيد من الجنود من خارج بعثة الاتحاد الأفريقي ” ATMIS “، للمشاركة في المرحلة الثانية التي كان يفترض بها ملاحقة الشباب في معاقلها الرئيسة بولايتي جنوب الغرب وجوبالاند جنوب البلاد؛ ولتعويض النقص الحاصل، والذي يزيده بدء انسحاب ” ATMIS ” من هذا البلد (منذ أواخر يونيو 2023، حيث تم سحب 2000 جندي كدفعة أولى من قواتها المنتشرة في الصومال)، تلجأ الحكومة بشكل متزايد إلى الاعتماد على المليشيات العشائرية وتقوم بتسليحها، في خُطة يكتنفها بعض المخاطر وتُثير حفيظة الداخل والخارج[8].
7 – توافر التمويل المادي لنشاطات حركة الشباب الصومالية: تشير تقديرات غربية إلى قدرة حركة الشباب على توفير نحو 100-150 مليون دولار سنويًا من خلال عمليات الابتزاز وفرض الضرائب؛ وذلك من أجل تمويل أنشطتها في داخل الصومال ومحيطها الإقليمي، كما أن هناك المزيد من الشكوك حول علاقة تربط بين عناصر الحركة ومجموعة من القراصنة الذين يتورطون في اختطاف السفن التجارية قبالة سواحل الصومال، إضافةً إلى تفاوض الحركة مع القراصنة وجماعة الحوثي اليمنية بخصوص شراء بعض الأسلحة لتعزيز عملياتها الإرهابية في القرن الأفريقي[9].
قامت حركة الشباب ببناء مؤسسة إجرامية متطورة، مما أدى إلى المساومة على مستويات متعددة من سلطات الحكم، وإجبار مجموعة واسعة من الشركات والمجتمعات على الامتثال، وتعمل حركة الشباب على شحذ نظام شديد المركزية للابتزاز في موانئ الدخول والطرق منذ ما يقرب من عقدين، معظمها في الأراضي التي تسيطر عليها في المناطق الجنوبية والجنوبية الوسطى من البلاد. ويحتفظ موظفوها بسجل لأصول المواطنين بغرض تحصيل ٢.٥ % كضريبة «زكاة» سنوية. يتم تطبيق نظام جباية الزكاة من قبل الذراع الاستخباراتي لحركة الشباب، ويتم الجباية من خلال التخويف والعنف المنهجي، والتجار الذين يرفضون الدفع عند نقاط التفتيش أو قادة المجتمع الذين لا يمتثلون لمطالب الزكاة، يتعرضون للاغتيال[10].
وفضلاً عن القُدرات المالية واللوجستية والاستخباراتية، تتبع الحركة تكتيكات قتالية متنوعة بحسب طبيعة المعركة ونوع الهدف، أبرزها «الكر والفر» وأسلوب حرب العصابات، بما فيها الكمائن والعمليات الانتحارية والاغتيالات؛ ما يمنحها الأفضلية في ضرب أهداف عالية الدقة واستنزاف خصومها وإرباكهم، وقطع الخطوط الرئيسية، وتحقيق مكاسب مهمة بأقل التكاليف، ويُصعب على الجيش ملاحقتها وإيصال الإمدادات العسكرية لنقل عملياته إلى عمق المناطق النائية، وتأمين مكاسبه في تلك المناطق[11].
ثانيا: المستقبل الأمني لمنطقة القرن الأفريقي
إن ثمة حالة من التوتر وعدم الاتزان السياسي والأمني في منطقة القرن الأفريقي، كانت إثيوبيا سببًا رئيسيًّا فيها، وبالنظر إلى الطبيعة القبلية في إثيوبيا، وزيادة حدة الاضطرابات الداخلية فيها، وتصاعد المعارك بين الجيش الإثيوبي وميليشيا فانو الأمهرية، فضلًا عن وجود تمردات من جانب عرقية الأورومو وعناصر من التيجراي، يمكن التنبؤ ببعض المسارات التي يمكن أن تحدث خلال الفترة القادمة، وذلك على النحو التالي:
المسار الأول: حرب إثيوبية داخلية، بالنظر إلى التناحرات الداخلية في إثيوبيا بين الجيش الإثيوبي وميليشيا فانو، واحتمالية انضمام العرقيات الأخرى إلى هذا الصراع، قد نجد حكومة آبي أحمد منهمكةً في حربٍ داخليةٍ قد تدفعها إلى إعادة ترتيب الأوراق مرة أُخرى، وربما التراجع عن اتفاق أرض الصومال، فضلًا على تعطيل العمل بشكلٍ مؤقتٍ في سد النهضة، أو الإذعان للمطالب المصرية والسودانية ومراعاة حقوقهم المائية، وقد تؤول الأوضاع إلى إقالة آبي أحمد، ذلك الأمر إذا حدث ستتغير دفة الأمور عما هي عليه.
المسار الثاني: تنسيق «مصري – تركي» في القرن الأفريقي، تشير التطورات الحالية إلى فرضية التعاون والتنسيق بين مصر وتركيا، خاصَّةً في ظل تنامي وتيرة العلاقات بينهما، وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة في 4 سبتمبر 2024، وهو ما يؤكد أن من مصلحة الطرفين تحقيق الاستقرار في المنطقة، والذي تحاول إثيوبيا بمساعيها المختلفة زعزعته، وربما تنجح الوساطة التركية في الأزمة بين أديس أبابا ومقديشو، وإيجاد حلٍّ وسط يرضي جميع الأطراف ويراعي الفراغ الأمني في المنطقة، وقد تعمل القوات المصرية والتركية على الأراضي الصومالية بشكلٍ تعاونيٍ؛ لدحر محاولات التمدُّد الإثيوبي على حساب نظرائها، ربما يحظى ذلك برعاية الاتحاد الأفريقي؛ تجنُّبًا لاندلاع صراعٍ جديدٍ.
المسار الثالث: احتمالية اندلاع صراع جديد، تشير بعض التقديرات إلى احتمالية اندلاع حرب بالوكالة على الأراضي الصومالية، واشتعال صراعٍ جديدٍ في منطقة القرن الأفريقي، إلا أن هذا الأمر ربما يكون مستبعد إلى حد ما، وذلك لأن المنطقة متوترة بطبيعة الحال وتشهد صراعات دموية، كما أن الأطراف المتضررة لن تتحمل أعباء حرب، إلا أن إثيوبيا إذا أصرت على مواقفها الرافضة لمصالح دول جوارها، أو إذا حاولت المساس بأمنهم واستقرارهم أو الزج بالتطورات نحو نزاع تكون هي الطرف الأساسي فيه، ستكون القوى الأخرى على جاهزيةٍ لحصار أديس أبابا والاشتباك معها، ولكن هذه الاحتمالية أيضًا ضعيفة؛ بسبب ما تعانيه إثيوبيا من توترات داخلية.[12]
ثالثًا: أبرز سيناريوهات التغلغل الدولي في القرن الأفريقي
تُبرز العديد من السيناريوهات، التي تتعلق بمستقبل الوجود الدولي في القرن الأفريقي، وتأثيره على الأمن القومي، ويمكن توضيح تلك السيناريوهات على النحو التالي:
السيناريو الأول: توسيع النفوذ الأمريكي بالقرن الأفريقي
تسعى واشنطن من وراء العديد من التحركات العمل على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة، والتصدي للتوسع الصيني والروسي، وتقليص أية محاولة لتحقيق أهداف استراتيجية غير أمريكية بالقرن الأفريقي، ومع فوز ترامب بولاية ثانية في الولايات المتحدة، لا بد أن نذكر أنه إذا استمرت خطابات ترامب وسياساته من فترة ولايته الأولى، فقد يكون مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا عامةً مليئة بالتوترات والفرص الضائعة.
السيناريو الثاني: تصاعد التنافس الأمريكي مع الصين وروسيا وتركيا
يُعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا؛ حيث تنتهج الصومال برجماتية جديدة، تهدف إلى توسيع دائرة تحالفاتها الدولية، وهو ما كشفته تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشأن رغبته في تأسيس علاقات متوازية مع العالم الخارجي؛ فعلى سبيل المثال: تسعى الصومال لتنويع مصادر التسلح لديها؛ لذا ناشد الرئيس الصومالي في أكثر من مناسبة، روسيا، للحصول على بعض التقنيات التسليحية منهم، فيما يتصاعد الحديث مؤخرًا عن تأسيس قاعدة عسكرية روسية بالصومال.
أما على الصعيد الصيني، فقد شهدت العلاقات الأمنية والعسكرية بين الجانبين، تصاعدًا كبيرًا، وخاصةً منذ انسحاب القوات الأمريكية؛ حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية في المجال الأمني والدفاعي، كما زوَّدت بكين الصومال بفرص استثمارية في مجال البنى التحتية، فضلًا عن الموقف الصيني في العديد من القضايا والأزمات السياسية داخل الصومال.
أما على الصعيد التركي؛ فتشهد العلاقات الثنائية تناميًا ملحوظًا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، كذلك على الصعيد الأمني والعسكري، وقد تجلى ذلك في التوقيع على الاتفاق الإطاري الأخير للتعاون الدفاعي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، لتعكس كل تلك التطورات تحولًا للنهج البرجماتي الصومالي، واتجاه مقديشيو نحو تنويع علاقاتها، بما يخدم مصالحها الوطنية وخاصةً في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجهها.
السيناريو الثالث: تراجع النفوذ الأمريكي
يفترض هذا السيناريو فشل السياسة الأمريكية في مواجهة التنافس الدولي بالقرن الأفريقي، في مقابل توسع النفوذين الروسي والصيني، وخاصةً أن غالبية المبادرات العسكرية والأمنية التي قدمتها واشنطن، أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، ما يعني أنه بمرور الوقت، سيصبح الوجود العسكري الأمريكي غير مرحب به، بخلاف الدعم الذي تقدمه الصين وروسيا؛ حيث يستهدف الدعم الاقتصادي ودعم البنى التحتية، وضخ استثمارات في قطاعات مختلفة، ناهيك عن استخدام بكين وموسكو صلاحياتهما في المحافل الدولية لتقديم الدعم السياسي للمنطقة في قضايا عدة، وتركيزهما على تعزيز العلاقات ببعديها الاقتصادي والتنموي، إلى جانب اتجاههما لتطوير منظومة التسلح، دون أن يكون لهما دور في الصراع الميداني، بخلاف القوات الأمريكية التي تسبَّبت في مقتل آلاف المدنيين، ونزوح عشرات الآلاف، نتيجة الاستهداف العشوائي لأشخاص يُشتبه بانتمائهم لحركة الشباب، ومع ذلك يُعدُّ هذا السيناريو الأقل ترجيحًا وخاصةً في ظل تصاعد خطر حركة الشباب، وانسحاب قوات أتميس، ما يعني أن النظام الصومالي سيسعى للحصول على دعم دولي متنوع، لتعزيز قدراته في مواجهة أنشطة حركة الشباب.
قائمة المراجع
[1] Fasika Tadesse, Ethiopia Offers Airline Stake to Somaliland for Sea Access, Bloomberg, 2 January 2024, available at: https://www.bloomberg.com/news/articles/2024-02-06/treasury-auction-calms-nerves-before-record-10-year-note-sale
[2] The Complexities of the Somaliland-Ethiopia Sea Access Deal, ACLED, 15 January 2023, available at: https://acleddata.com/2024/01/26/somalia-situation-update-january-2024-the-complexities-of-the-somaliland-ethiopia-sea-access-deal/
[3] Mostafa Ahmed Mandour , Egypt, Ethiopia, and Somalia: Can Agreements Silence the Guns?, 25 September 2024, available at: https://aps.aucegypt.edu/en/articles/1428/egypt-ethiopia-and-somalia-can-agreements-silence-the-guns
[4] Sudan closes Ethiopia border after Fano militia seizes town, Sudan Tribune, 2 September 2, 2024, available at: https://sudantribune.com/article290290/
[5] Sudan closes El Gedaref border crossing with Ethiopia, OCHA, 3 September 2024, available at: https://reliefweb.int/report/sudan/sudan-closes-el-gedaref-border-crossing-ethiopia
[6] and Alex De Waal, How the Israel-Hamas war is destabilizing the Horn of Africa? Responsible Statecraft, Nov 03, 2023, https://responsiblestatecraft.org/israel-hamas-africa/
[7] Mahmoud Zakaria, An Outlet to the Sea: Understanding the Escalating Tensions Between Ethiopia and Somalia, Interregional for Strategic Analysis, 1 November 2023, Available at: https://www.interregional.com/article/%D9%85%D9%86%D9%81%D8%B0-%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A/2014/en
[8] Sustaining Gains in Somalia’s Offensive against Al-Shabaab, Crisis Group, 21 March 2023, available at: https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/somalia/b187-sustaining-gains-somalias-offensive-against-al-shabaab
[9] Wendy Williams, Reclaiming Al Shabaab’s Revenue, Africa enter for Strategic Studies, 27 March 2023, available at: https://africacenter.org/spotlight/reclaiming-al-shabaabs-revenue/
[10] Ibid.
[11] Jan Havlíček, Terrorism in East Africa: Rise of Al-Shabaab and How to Counter It, Institute for Politics and Society, August 2020, pp 3- 4.
[12] دينا لملوم، «رؤية مستقبلية حول التطورات المتسارعة في القرن الأفريقي»، مركز شاف، 8 سبتمبر 2024، متاح على: https://shorturl.at/Iv3qx