كشف مسؤولون حاليون وسابقون في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، أن سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في دول أفريقيا جنوب الصحراء عانت نقصًا حادًا، يصل إلى حد الندرة، في الموظفين والموارد خلال عهد الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، ما قوض الجهود المبذولة لتحقيق أهداف واشنطن في القارة.

وبحسب “رويترز” يجبر تراجع النفوذ الأمريكي في أفريقيا إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب على مواجهة نقاط الضعف والخلل في فهم البيت الأبيض لظروف قارة سريعة التغير وتتحالف بشكل متزايد مع الصين وروسيا، خاصة وأن واشنطن تعرضت لانتكاسات دبلوماسية على مدى السنوات الأرض الماضية، منها خسارة القاعدة الأمريكية في النيجر والفشل في العثور على قاعدة بديلة في منطقة الساحل، في حين تتسع التحالفات العسكرية مع دول المنطقة، التي أصبحت أكبر بؤرة للإرهاب في العالم.

وأجرت “رويترز” مقابلات مع 8 مسؤولين حاليين وسابقين،ـ إلى جانب مراجعة تقارير هيئات الرقابة الحكومية الأمريكية، لفهم ما حدث للدبلوماسية الأمريكية خلال الفترة الماضية وما الذي يتعين على إدارة ترامب فعله لتعويض ما فات، خاصة وأن أمريكا لم تخسر على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي فقط، بل على مستوى القوة الناعمة أيضًا حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب هذا العام أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة من حيث الشعبية في أفريقيا.

وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، الذي عمل في عدد من الأدوار بأفريقيا، خلال إدارات ديمقراطية وجمهورية مختلفة، إن نقص الموارد أدى إلى أخطاء منها أن واشنطن تفاجئت باندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، وفشلت في إجراء محادثات مع المجلس العسكري في النيجر للإبقاء على قاعدتها الجوية في العاصمة نيامي.

وهناك شواهد أخرى تؤكد تراجع أمريكا في منطقة طالما اعتبرت ذات أولوية منخفضة بالنسبة لصانعي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، خاصة وأنها لم تحرز تقدما يذكر نحو تعزيز الوصول إلى الاحتياطيات الهائلة من المعادن الأفريقية، التي تقول إنها ضرورية للأمن القومي، فعلى سبيل المثال لا يزال مشروع السكك الحديدية، الرائد الذي تدعمه واشنطن لتصدير الموارد عبر أنجولا إلى الغرب، لم يكتمل بعد سنوات.

وقدم بايدن وعوداً سياسية شاملة لأفريقيا لم يلتزم بها بعد، بما في ذلك إجراء زيارة للمنطقة، وتعهده بدعم إضافة مقعدين دائمين للقارة الأفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، لكنه لم ينفذ أي من التعهدين.

وقال اثنان من كبار المسؤولين السابقين الذين خدموا في إدارة ترامب 2017-2021 إنهما يتوقعان أن يتبع الرئيس المنتخب نهجًا أكثر واقعية من بايدن، سعيًا لتحقيق عوائد ملموسة للإنفاق الأمريكي في المنطقة، مؤكدين أن المنافسة مع الصين ستكون محور التركيز الرئيسي، إلى جانب الدعم الجديد للشركات الأمريكية، وأن لولايات المتحدة قد تعيد النظر أيضًا في سياساتها تجاه القادة العسكريين في منطقة الساحل المضطربة، مع تركيز أقل على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال تيبور ناجي، السفير المتقاعد ومبعوث ترامب السابق إلى أفريقيا إن ” يأمل أن تكون إدارة ترامب واقعية أكثر في التعامل مع أفريقيا، فحيث تكون السياسة أكثر ارتباطا بالمصالح، يمكن أن ينتهي بك الأمر إلى تحقيق المزيد من النجاحات”.

وكشفت “رويترز” أن كثير من التقارير الصادرة عن مكتب المفتش العام، الهيئة الرقابية التابعة لوزارة الخارجية، تناولت بالتفصيل مشاكل التوظيف في السفارات الأمريكية في عدد من الدول الأفريقية، ومن بين الأمثلة المذكورة الوضع في جمهورية أفريقيا الوسطى، الدولة المنتجة للذهب، حيث أن السفارة الأمريكية فيها تعاني من نقص حاد في عدد الموظفين إلى درجة أن السفير الأمريكي لم يكن لديه في كثير من الأحيان موظف يدون محاضر الاجتماعات، إلى جانب ضعف الاتصال بالإنترنت في مبنى السفارة لدرجة أن إرسال المستندات بالبريد الإلكتروني قد يستغرق ساعات.

وقال التقرير إن ما يزيد عن مليوني دولار من أموال السفارة قد فُقد في عام 2023، ويرتبط ذلك جزئيًا بالسرقة والاحتيال من قبل الموظفين المحليين.

وحتى في الأماكن التي تريد الولايات المتحدة التنافس فيها مع بكين، وهي أولوية قصوى للأمن القومي، فإن مشاكل التوظيف حادة، وقال مسؤول في الكونجرس الأمريكي، إن القسم السياسي بالسفارة الأمريكية في غينيا، موطن أكبر احتياطيات من البوكسيت في العالم، والتي يتجه معظمها إلى الصين، كان شاغرًا في وقت ما من عام 2023، وأكد هذا المسؤول لـ”رويترز” أن “القسم بأكلمه كان فارغًا والأنوار مطفأة”.

وتظهر بيانات محدودة لوزارة الخارجية قدمتها لـ”رويترز” أن عدد موظفي الخدمة الخارجية في أفريقيا انخفض إلى 2057 في عام 2023 من 2175 في ديسمبر 2018. وقال توم يزدجردي، رئيس اتحاد الخدمة الخارجية إنه “أمر محبط لجميع المعنيين، إنها ليست مجرد مسألة توظيف، إنها مصدر قلق للأمن القومي”.

وأشارت “رويترز” إلى أنه مع احتدام الحروب الكبرى في أوكرانيا والشرق الأوسط، ربما تأتي أفريقيا في مرتبة متراجعة من أولويات سياسة ترامب الخارجية. وقال بيتر فام، كبير مبعوثي ترامب السابق إلى منطقة البحيرات الكبرى والساحل في أفريقيا، إنه لا يتوقع انخفاضًا كبيرًا في المساعدات الأمريكية لأفريقيا، لكن مع وجود ترامب هناك احتمال أكبر لقطع المساعدة، لأي دولة ستعمل ضد المصالح الأمريكية، مؤكدًا “علينا أن نكون أكثر وضوحًا في ذلك.. نريد شركاء أكفاء ومحاسبة”.