حسام عيد – محلل اقتصادي
ثورة خضراء تترقبها قارة أفريقيا، من خلال برنامج تقنيات التحول الزراعي الأفريقي (TAAT)، الممول من البنك الأفريقي للتنمية، والذي من شأنه إحداث طفرة في الإنتاج الزراعي الأفريقي من خلال تسريع توفير البذور المحسنة وغيرها من التقنيات والممارسات الزراعية المصممة خصيصًا لتنوع التربة والظروف المناخية في القارة السمراء.
المزارع السوداني هاشم أحمد سلام، يعمل في حقول القمح منذ أكثر من 20 عامًا، ورغم ذلك لم يشاهد بعد الثورة الخضراء الأفريقية التي طال انتظارها، والتي توصف بتحويل أفريقيا إلى سلة خبز للعالم، واليوم على ما يبدو قد تكون الأمور على وشك التغيير، فهناك مبادرة (TAAT) الزراعية التي قام البنك الأفريقي للتنمية بتطويرها (AfDB)، ستساعد المزارع السوداني على إحداث ثورة في كيفية قيامه بالأعمال الزراعية وتعزيز غلة محصوله.
وتنشر مبادرة تقنيات التحول الزراعي الأفريقي الممولة من البنك الأفريقي للتنمية (TAAT) أفضل الأصناف لبذور المحاصيل الموافقة للمعايير القياسية وذات الجودة الفائقة، وكذلك المدخلات الزراعية والممارسات الزراعية للمزارعين من خلال توجيه التقنيات المثبتة عبر المشهد الأفريقي.
ومع إمكانية استفادة عشرات الملايين من صغار المزارعين من TAAT، باتت أفريقيا على مشارف ثورة خضراء؛ ففي السودان، يقول المزارع سلام: “بدعم من مشروع قمح TAAT، تلقيت بذور قمح محسنة بالإضافة إلى التدريب على زراعة الصفوف وتقنيات الإنتاج الأخرى في مدرسة المزارعين الحقلية”. ويضيف: “إن البذور التي يتحملها برنامج TAAT ساعدت على زيادة حصاد القمح من متوسط 1.8 طن للهكتار الواحد إلى 5.5 طن للهكتار، في منطقة معروفة بموسم الحرارة التي لا ترحم”.
تحويل الزراعة الأفريقية
تنشط مبادرة تقنيات التحول الزراعي الأفريقي TAAT، في السودان و27 دولة أخرى في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وتسعى إلى تشجيع الدول على العمل معًا على تنسيق السياسات واللوائح للسماح لملايين المزارعين الأفارقة بالوصول بشكل أكثر كفاءة والاستفادة من التقنيات؛ مثل البذور المحسنة المعتمدة والثروة الحيوانية والأسماك عبر الحدود والمناطق الزراعية البيئية.
ويقول الدكتور أندرو مود، مدير قسم الزراعة في البنك الأفريقي للتنمية، والمسؤول عن مبادرة TAAT: “الهدف هو تحويل الزراعة الأفريقية جذريًّا إلى قطاع تنافسي ومربح والمساعدة في تقليل الاعتماد على استيراد الأغذية في أفريقيا من خلال إنتاج المزيد من الحبوب الخاصة بنا والإنتاج والثروة الحيوانية وإمدادات الأسماك”.
ومنذ إطلاق تلك المبادرة في عام 2018، ركزت TAAT على 9 مجالات ذات الأولوية والأفضلية؛ مثل الترويج للفاصوليا والكسافا والأرز والقمح والذرة والذرة الرفيعة وإنتاج البطاطا الحلوة البرتقالية، كما يعد تحسين تربية الأحياء المائية وتربية الماشية من الأولويات.
إنتاج محاصيل وافرة وغلة عالية الجودة
جزء كبير من “التكنولوجيا” في TAAT، حول البذور المحسنة، مما يوفر غلة أعلى وقدرة أكبر على التكيف مع الجفاف والحرارة والآفات والضغوط الأخرى، على سبيل المثال لا الحصر، القمح العادي، الذي يحتاج إلى درجات حرارة تتراوح بين 20 إلى 26 درجة مئوية لإنتاج غلة عالية، يمكن أن تزدهر بذوره المقاومة للحرارة في المناطق التي ترتفع فيها درجات الحرارة الميدانية بما يزيد عن 30 درجة.
ونتيجة لهذه التطورات، في إثيوبيا، يزرع المزارعون الذين ينثرون بذور القمح المقاومة للحرارة محاصيل وافرة في مناطق الأراضي المنخفضة التي كانت تستخدمها البلاد في السابق، والتي كانت تعتبر ذات يوم قاحلة للغاية لإنتاج الحبوب عالية الجودة.
ووفقًا للبنك الأفريقي للتنمية، فإن هذا لا يقلل فقط من فاتورة واردات الحبوب في البلاد، ولكنه يخلق أيضًا وظائف ويولد دخلًا ثابتًا ولائقًا في المجتمعات الزراعية الريفية.
وتشارك المبادرة المنظمات الشريكة والوكالات المنفذة لضمان تنفيذ واسع النطاق، وهي تعمل مع المعهد الدولي للزراعة الاستوائية (IITA) على تعزيز إنتاج الفول في ثمانية بلدان في وسط وشرق وجنوب أفريقيا.
وتقوم إحدى الوكالات المنفذة، وهي المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة أو إيكاردا ICARDA، بالترويج لإنتاج القمح الممول من TAAT في سبعة بلدان، بما في ذلك المرتفعات في شرق أفريقيا.
عبور الحدود وسياسة المواءمة الإقليمية
ويقول منسق TAAT الدكتور جوناس شيانو: “إن المبادرة تهدف إلى زيادة إنتاج الغذاء الأفريقي بمقدار 120 مليون طن على مدى السنوات الثماني إلى العشر القادمة، وهو رقم يتراوح بين 1.5 إلى 2.8 مليار دولار، اعتمادًا على أسعار السوق المستقبلية”.
يعد التعاون عبر الحدود أمرًا أساسيًّا لضمان إمكانية نشر أصناف جديدة من البذور للاستخدام عبر مناطق زراعية إيكولوجية كاملة تمتد عبر العديد من البلدان، وليس فقط داخل بلدان محددة.
ومع انفتاح أسواق البذور الإقليمية ورفع القيود الوطنية، يقول مسؤولو TAAT: “إن برنامج اختبار البذور الواحد يمكن أن يؤدي إلى نثر أنواع بذور جديدة بإمكانها أن تزدهر في 10 بلدان تشترك في نفس المنطقة الزراعية الإيكولوجية”.
تتعاون TAAT مع المجموعة الاستشارية لمراكز البحوث الزراعية الدولية (CGIAR) مثل مركز الأرز الأفريقي، المعروف سابقًا باسم رابطة تنمية الأرز في غرب أفريقيا AfricaRice، بين عامي 2011 و2015، حيث عملت AfricaRice مع المزارعين النيجيريين لزيادة استخدام البذور الجديدة والأسمدة، وكذلك دعم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما دعت المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية إلى اعتماد سياسة عامة لدعم التعاون عبر الحدود.
وبحلول نهاية الفترة، زاد إنتاج الأرز من قبل مزارعي مجموعة الاختبار بمقدار 7 مليون طن في السنة وتضاعف متوسط الغلة.
وأدى هذا النجاح، المدعوم بسياسة المواءمة الإقليمية، إلى توفير حوالي 4.2 طن من بذور الأرز الذكية مناخيًّا لأربعة بلدان: بوركينا فاسو وكوت ديفوار ومالي ونيجيريا.
تحدي التصورات
يكمن جزء كبير من نجاح تنفيذ TAAT في الأرقام؛ ففي غضون بضع سنوات فقط، تم نشر حوالي 30.500 ألف طن من أنواع القمح التي تتحمل الحرارة في السودان، وتم توزيع 25.438 ألف طن من البذور في إثيوبيا، وحتى الآن هناك 7.600 ألف طن من البذور يتم استخدامها في نيجيريا، حيث يرى منسق برنامج TAAT في أبوجا أن نيجيريا لديها إمكانات كبيرة.
يقول الدكتور كريسانتوس أكيم، منسق المبادرة في أبوجا: “تقف نيجيريا على توفير الكثير من الأموال في الحد من واردات القمح، إذا تم زراعة المزيد من القمح في البلاد”.
ويضيف: “إن التحدي هو التصور الخاطئ بأن القمح حصريًّا لدول منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتعمل TAAT على تغيير هذا التصور، من خلال نشر أصناف قمح تتحمل الإجهاد تم تطويرها لإنتاج غلات عالية في أفريقيا”.
ويقول أكيم: “في نيجيريا، عمل المزارعون مع TAAT لفحص مجموعة من بذور القمح التي تتحمل الإجهاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، وحددوا ثلاثة أصناف أنتجت ما يصل إلى 4 غلات. ويضيف: “الأمطار الاستوائية والري الشامل يمكن أن يسمح بزراعة القمح على مدار السنة”.
محاربة دودة جيش الخريف
تعتبر TAAT أيضًا جزءًا من المعركة لمواجهة انتشار دودة الجيش الخريفية؛ وهي حشرة تهدد محاصيل صغار المزارعين، التي تصنف ضمن الحشرات الأكثر فتكًا للمحاصيل الزراعية، وهي حشرة استوائية وشبه استوائية تعود أصولها إلى الأمريكيتين.
ظهرت لأول مرة في أفريقيا في عام 2016، وبدون اتخاذ الإجراءات المناسبة، يمكن أن تتسبب الحشرة في خسائر تتراوح بين 2.4 إلى 6.2 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمحصول الذرة فقط، تفضل دودة الجيش الخريفية الذرة، لكنها يمكن أن تتغذى على أكثر من 80 نوعًا إضافيًّا من النباتات بما في ذلك الأرز والذرة الرفيعة والدخن وقصب السكر ومحاصيل الخضروات والقطن.
في زامبيا، تعمل TAAT مع الحكومة وشركات البذور وقادة المجتمع لتوزيع القمح والذرة والذرة الرفيعة المعالجة بالمبيدات الحشرية والجفاف على المزارعين. ومنذ عام 2018، زودت TAAT زامبيا بأكثر من 28 ألف لتر من المواد الكيميائية المستخدمة لعلاج ما يقرب من 5000 طن من البذور، والتي تقاوم الإصابة بدودة الجيش الخريفية. وقد استفاد ما يقرب من نصف مليون مزارع زامبي.
وقد قال أليك داكا -نائب مدير وزارة الزراعة في زامبيا، خلال جولة أخيرة للأعمال التجارية الزراعية المشاركة في مبادرة تقنيات التحول الزراعي الأفريقي TAAT- “نحتاج إلى شركاء متعاونين مثل TAAT للدخول واستكمال ما تقوم به الحكومة بالفعل”.
من المختبر إلى حقول أفريقيا
تدعم TAAT البحث من أجل تكييف أفضل ممارسات التكنولوجيا الزراعية العالمية مع القارة الأفريقية، ويتعاون البنك الأفريقي للتنمية مع المعهد الدولي للزراعة الاستوائية، الذي يستخدم تكنولوجيا الزراعة المائية لتعزيز إنتاج نبات الكسافا، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، يوجد حوالي نصف إنتاج العالم من الكسافا في أفريقيا، حيث يُزرع المحصول في أكثر من 40 دولة أفريقية.
بدورها، تقول الدكتورة جنيفر بلانك، نائب الرئيس للزراعة والتنمية البشرية والاجتماعية في البنك الأفريقي للتنمية: “أعتقد أن لدينا دورًا للمساعدة على الدخول في الثورة الخضراء في أفريقيا”.
وأضافت: “توجد العديد من التقنيات، ومعها يجب أن تكون أفريقيا قادرة على التقدم بخطوات متسارعة، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تم توسيع نطاق المشاريع”.
وبالعودة إلى السودان؛ يقول مزارع القمح هاشم أحمد سلام: “إن التقنيات الزراعية المدعومة من TAAT تقوم بأكثر من تحسين محصوله -فهي تعمل أيضًا على تحسين نوعية حياة عائلته وأسرته”. ويضيف سلام: “زيادة دخلي من القمح المدعوم من مبادرة تقنيات التحول الزراعي الأفريقي TAAT سمح لي بإرسال طفليّ الاثنين إلى الخرطوم للدراسة في جامعة خاصة”.