قناة موزمبيق.. الأمن البحري في مواجهة القرصنة والصراع الجيوسياسي (دراسة)

أكتوبر 11, 2025

كتب – عميد أركان حرب / د. تامر سامي

المتخصص في قضايا الأمن القومي وسياسات الدفاع الاستراتيجي

تُعد قناة موزمبيق أحد الممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية المتزايدة خلال العقدين الماضيين، حيث تُعد نقطة تلاقي مصالح قوى دولية متعددة، مثل الصين، الهند، فرنسا، والولايات المتحدة، وذلك في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، واستراتيجية WIOR الهندية، وكذلك حماية طرق الملاحة البحرية العالمية ومكافحة الإرهاب. كما اكتسبت القناة أهمية كبيرة في أمن الطاقة العالمي بعد الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي التي تم الإعلان عنها منذ عام 2011، وهي الاكتشافات التي وضعت موزمبيق في قلب اهتمامات الدول الكبرى المستوردة للغاز الطبيعي، وهي نفسها التي حفزت الجماعات المتمردة للسيطرة عليها. ومن جانب آخر، تأتي القناة كحلقة وصل رئيسية لطرق التجارة العالمية من جنوب شرق آسيا إلى شرق وجنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويأتي كل ذلك في سياق افتقار الدول المشاطئة للقناة للقدرات الدفاعية والبحرية اللازمة لحماية وتأمين مواردها وحركة الملاحة العالمية.

وفي هذا الإطار، تُعنى الدراسة بتحليل التهديدات البحرية والجيوسياسية التي تؤثر في قناة موزمبيق، وكذلك تقييم مدى تدخل الفاعلين الإقليميين والدوليين: دول الجوار، منظمات مثل SADC، الاتحاد الأفريقي، شركاء خارجيون مثل الهند، أوروبا، الصين، وذلك من خلال عدد (3) محور، كالتالي:

  1. السياق الجغرافي والسياسي.
  2. التهديدات الأمنية والجيوسياسية.
  3. دور الفاعلين المحليين، الإقليميين، والدوليين.
  4. رؤية تحليلية وخاتمة.

أولاً: السياق الجغرافي والسياسي:

تعد قناة موزمبيق الممر البحري الرئيسي الذي يربط شرق أفريقيا بجزيرة مدغشقر، ويربط المحيط الهندي ببحر العرب. حيث يحد القناة من الشرق جزيرة مدغشقر ومن الغرب دولة موزمبيق بينما تقع كل من جمهورية جزر القمر وجزيرة مايوت الفرنسية في المدخل الشمالي للقناة، ويبلغ طول القناة الإجمالي حوالي 1600 كيلومتر، ويمتد من رأس ديلجادو شمال موزمبيق إلى الطرف الجنوبي لمدغشقر، بينما يصل العمق في بعض المناطق إلى أكثر من 3000 متر، كما يصل عرض القناة إلى 460 كم وتعتبر أضيق نقطة تطل على القناة ما بين منطقة أنقوشي الموزمبيقية ومنطقة تامبوهورانو المدغشقرية. وعلى مدى قرون، كانت قناة موزمبيق طريقًا تجاريًا حيويًا بين شرق أفريقيا والهند والشرق الأوسط وأوروبا لنقل التوابل والأقمشة والعاج والذهب والعبيد. وفي القرن السادس عشر، بدأ الأوروبيون باستكشاف القناة وإقامة مستوطنات على الساحل الأفريقي حيث سيطر البرتغاليون على المنطقة واستخدموا القناه لتجارة البضائع بين مستعمراتهم في الهند، والساحل الأفريقي. كما أسس الفرنسيون والبريطانيون والهولنديون مستعمرات على ساحل شرق أفريقيا.[1]

وقد اكتسبت قناة موزمبيق أهمية إضافية بعد اكتشاف 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج في حوض روفوما، وكذلك احتياطيات الفحم الضخمة، حيث بدأت اكتشافات الغاز الطبيعي عندما أعلنت شركة إيني الإيطالية عام 2011 اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي قبالة سواحل موزمبيق تقدر بـ 425 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، تلك الاكتشافات التي حولت موزمبيق إلى صاحبة ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر، الأمر الذي وضع موزمبيق على خريطة موردي الغاز الطبيعي الرئيسيين للاتحاد الأوروبي في 13 نوفمبر 2022 عندما غادرت أول شحنة غاز طبيعي مسال من محطة كورال سول العائمة في موزمبيق متجهة إلى أوروبا في إطار سعي الأوروبيين لايجاد بدائل للغاز الروسي، هذا بجانب أن القناة أحد طرق الملاحة البحرية الرئيسية التي ظهرت أهميتها خلال إغلاق قناة السويس في مارس 2021 بسبب جنوح سفينة إيفر جيفن مما أدى إلى اضطرابات في التجارة البحرية تطلبت تحويل معظم حركة المرور من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح مروراً عبر قناة موزمبيق. كما أن القناه تُعد أحد مكونات استراتيجية WIOR الهندية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومبادرة الحزام والطريق الصينية نظراً لأهميتها الكبيرة لحركة التجارة العالمية إذ تحتوى ضفتاها على 29 ميناء أكبرها ميناء (ناكالا) وميناء (مابوتو) في موزمبيق، كما يمر من خلالها 30% من حركة ناقلات النفط العالمية سنوياً.[2]

ثانياً: التهديدات الأمنية والجيوسياسية:

تعاني منطقة قناة موزمبيق من العديد من التهديدات الأمنية والجيوسياسية التي تؤثر بشكل كبير ومباشر في البيئة الأمنية المحيطة، وذلك كالتالي:

1 – القرصنة البحرية:

بشكل عام، تشكل القرصنة البحرية أحد أخطر التهديدات الأمنية في أفريقيا منذ عام 2000، فقد برزت الممرات المائية الأفريقية منذ ذلك الحين باعتبارها من أخطر الطرق للسفن في العالم؛ بسبب هجمات القراصنة التي تتركز بالأساس في ثلاث مناطق رئيسية هي: (الساحل الصومالي، وخليج عدن) على طول ساحل شرق أفريقيا، (منطقة خليج غينيا بما في ذلك المياه الإقليمية لنيجيريا) في غرب أفريقيا، (قناة موزمبيق وطريق كيب البحري) في الجنوب الأفريقي.

وبالرغم من أن منطقة قناة موزمبيق تعتبر أقل المناطق الثلاث خطورة، نظراً لعدد هجمات القراصنة فيها بالمقارنة بالساحل الصومالي وخليج غينيا، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تهديد القرصنة البحرية فيها، ففي عام 2020 وقعت 4 عمليات قرصنة في القناة، بينما انخفضت إلى عملية واحدة فقط في 2021، ولم تقع أي عمليات في عام 2022، ثم وقعت عمليتا قرصنة في 2023، في حين لم تسجل أي عمليات قرصنة بحرية في قناة موزمبيق في 2024.[3]

2 – تهديدات التنظيمات الإرهابية:

يرتبط نشاط التنظيمات الإرهابية في عدد من المناطق الأفريقية بتهديدات الأمن البحري، حيث تمتد النزاعات المسلحة (البرية) لتشمل مكونًا بحريًّا، وهو الذي تجلى في تهديدات تنظيم داعش شمالي موزمبيق بإقليم “كابو ديلجادو”، والتي كانت لها تأثيرًا غير مباشر على تهديد العناصر الإرهابية للأمن البحري لموزمبيق، والاستفادة من الموارد البحرية للبلاد، باعتبارها إحدى القنوات لمختلف أشكال التجارة غير المشروعة، واستقطاب المزيد من العناصر والموالين، حيث تشكل تجارة الأسلحة عن طريق البحر مصدرًا مهمًا للربح لتلك التنظيمات بسبب زيادة الطلب على السلاح في البيئات المتضررة أمنيًّا، وكذلك يساهم الإتجار بالمخدرات والقرصنة والجرائم البحرية الأخرى في تمويل الحركات المتمردة المتطرفة التي تهدد المدنيين الموزمبيقيين ومشروعات الغاز والطاقة البحرية الكبرى في محافظة كابو ديلجادو.

وتقود حركة تمرد شمال موزمبيق (تحديدا كابو ديلجادو معقل الرئيسي ومنشأ التنظيم)، النشطة منذ عام 2017، جماعة أهل السنة والجماعة (ASWJ) أو أنصار الشريعة، التي اندمجت لاحقا في هيكل ولاية وسط أفريقيا ISCAP التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تحت مسمى ولاية موزمبيق ISMP. وقد اتسم مسار هذه الجماعة بالتقلبات الدورية – مراحل من المكاسب الإقليمية، والرد العسكري، والانسحاب التكتيكي. وبين عامي 2021 و2023، عطّلت عمليات الانتشار المشتركة لقوات رواندا وتنزانيا والجماعة الإقليمية لتنمية جنوب أفريقيا (SADC) التابعة لقوة ساميم (SAMIM) سيطرة التنظيم المسلح على مناطق استراتيجية مثل موكيمبوا دا برايا، إلا أن هذا النجاح كان جزئيًا فقط.

وبحلول منتصف عام 2024، خلق انسحاب قوة ساميم فجوة أمنية ملحوظة، وبينما حافظت القوات الرواندية والتنزانية على وجودها، كان نطاق تغطيتها الجغرافية وقدرتها اللوجستية محدودين، لا سيما في المناطق الوعرة مثل ماكوميا وممرات الغابات الكثيفة (وهذا تحديدا هو المكان الذي عاد فيه التنظيم للظهور بقوة في عام 2025)، ففي الفترة ما بين 20 يوليو وأوائل أغسطس 2025، نفّذ التنظيم غارات على عدة مقاطعات شمال موزمبيق – مويدومبي، وأنكوبي، وكيوري، وبالما، وميلوكو، وكويسانغا، ونانغادي، وبالاما. كما أن التنظيم لم يكتفِ بالعمل العسكري فقط، وأصدر في 11 أغسطس 2025 شريطًا دعائيًا لعملياته تحت عنوان “نور الجهاد”، سرد التنظيم في المقطع تاريخه من النشأة والمراحل التي مر بها، كما صور فيه هجماته الأخيرة على منتجع سياحي بمنطقة نياسا ومعسكرات للجيش الموزمبيقي وتجمع لمقاتليه يعلنون فيه عن تجديد البيعة لزعيم التنظيم المركزي أبي حفص الهاشمي القرشي.

وقد تزامنت هذه الهجمات مع الإعلانات التي تُشير إلى إمكانية إعادة تشغيل مشروع الغاز الطبيعي المسال التابع لشركة توتال إنرجيز بحلول أواخر سبتمبر ٢٠٢٥. ولدى التنظيم حافز استراتيجي واضح للإشارة إلى انعدام الأمن للمستثمرين الأجانب، وتقويض مصداقية الدولة، وهو تكرار التأثير لهجوم بالما الكبير عام ٢٠٢١.[4]

فمنذ أكتوبر 2017 تعاني موزمبيق من مواجهات مستمرة مع المتمردين في إقليم كابود يلجادو شمالي البلاد، وأدت المواجهات في خريف عام 2017، إلى مقتل أكثر من ألف شخص، ‏وتشريد مائة ألف آخرين اضّطروا إلى الفرار من منازلهم. بينما في الخامس من أغسطس 2020، شن المتمردون هجومًا آخر على ميناء موسيمبا دا برايا ‏ الإستراتيجي، وقتلوا أكثر من 50 جنديًّا في كمين واحد، وأغرقوا سفينة حربية صغيرة بقذيفة صاروخية. ‏بعدها بعدة أيام استولوا على ميناء بريا، ولكن شاركت القوات الرواندية في طردهم منها في عام 2021، وأُعيد فتح الميناء أواخر عام 2022 بعد أن أغلقه المتمردون في وجه الحكومة الموزمبيقية لمدة عامين، وتقع موسيمبوا دا برايا جنوب شبه جزيرة أفونجي مباشرةً، ويوجد في أفونجي مشروع غاز طبيعي مسال بمليارات الدولارات يُعرف بمشروع “موزمبيق للغاز الطبيعي المسال” والذي توقف أيضاً نتيجة للاضطرابات الأمنية في المنطقة عندما اعتدى المتمردون على موقع أنادراكو للغاز الطبيعي المسال في فبراير 2019 على سبيل المثال.[5]

وبشكل عام، شهدت الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2017 ثلاث هجمات مسلحة، ثم ازدادت بشكل تصاعدي لتصل إلى 34 هجومًا في عام 2019. وخلال الفترة من يناير وحتى أبريل 2020 شهد شمال موزمبيق 43 هجومًا مسلحًا، ومع استمرار المواجهات بشكل متقطع، شن المتمردون في أوائل أغسطس 2025 سلسلة هجمات متصاعدة ركزت على منطقة تشيوري أدت إلى نزوح ما يقرب من 60 ألف شخص. هذا وقد قتل منذ بداية التمرد أكثر من 6 آلاف شخص بينهم 364 في سنة 2024 وحدها.[6]

ويتزايد خطر الهجمات المحتملة ضد مصالح الدولة والشركات الأجنبية في ظل تهديد الشركات العاملة في مقاطعة كابو ديلجادو، ولا سيما شركات النفط والغاز؛ مثل شركة إكسون موبيل الأمريكية، وتوتال الفرنسية، وإيني الإيطالية، وشركة أناداركو الأمريكية للنفط في حوض روفوما البحري، حيث وضعت شركة أناداركو الأمريكية العاملين في مصنع للغاز الطبيعي المسال تحت الإغلاق بسبب تهديد المتمردين بالمنطقة. ومنعت الشركة عمالها من تجاوز محيط المصنع على ساحل مقاطعة كابو ديلجادو المتاخمة للحدود مع تنزانيا، في حين أرجأت شركة إكسون موبيل اتخاذ القرار الاستثماري النهائي بشأن منشأة لمُعالجة الغاز الطبيعي المسال بقيمة 30 مليار دولار في شبه جزيرة أفونجي على الأقل. وتستأنف شركة توتال الفرنسية عملياتها بحذر، فيما تراهن شركة إيني الإيطالية على قدرتها في تأمين عملياتها من خلال وضع وعاء الغاز الطبيعي المسال العائم كورال سول Coral Sul بعيدًا عن ساحل كابو ديلجادو.[7]

3 – الجريمة المنظمة:

يستخدم التمرد في شمال موزمبيق الإتجار واسع النطاق في الهيروين والسلع غير المشروعة الأخرى بما في ذلك الموارد الطبيعية؛ مثل قرون وحيد القرن والمعادن والأخشاب والأحجار الكريمة والذهب، وتهريب المخدرات على طول الساحل البحري للمحيط الهندي. وهناك زيادة في حجم الهيروين المنتج والشحن من أفغانستان على طول شرق وجنوب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة. ومن ثم، استغل المتمردون حدود موزمبيق التي يسهل اختراقها مع تنزانيا لتهريب الأسلحة وتجنيد مقاتلين أجانب والهروب من المطاردة.

وبشكل عام، تعد قارة أفريقيا محطة عبور رئيسية لتجارة المخدرات ما بين الشرق والغرب. وتمثل قناة موزمبيق نقطة عبور مهمة لتجارة المواد المخدرة عموماً ومخدر الهيروين خاصة فقد تزايد انتقال المخدرات وبخاصة الهيروين في الدول الجزرية الأفريقية الواقعة شرق الساحل الأفريقي (جزر القمر على سبيل المثال والواقعة عند المدخل الشمالي لقناة موزمبيق)، مما يهدد بتعزيز شبكات التهريب العابرة للحدود الوطنية حيث يستهدف التجار الموانئ والمطارات والطرق البرية التي تشهد غيابًا للوجود الأمني؛ لنقل المخدرات عبر القارة. ففي أبريل 2023 ضُبط نحو 507 كيلوجرامات من المخدرات بقيمة 23 مليون دولار على متن قارب عند مدخل قناة موزمبيق، كما ضبطت قوة بحرية فرنسية في يناير 2021 نحو 444 كيلوجرام من مخدر الهيروين بقيمة 40 مليون دولار قبالة سواحل موزمبيق. وتشير تقارير إلى مرور كميات كبيرة من المخدرات التي يتم تهريبها من أفغانستان عبر المحيط الهندي على طول الساحل الجنوبي الأفريقي وصولًا إلى أوروبا.[8]

4 – التنافس على الموانئ البحرية:

يشكل تزاحم القوى الكبرى عند المضائق المائية الاستراتيجية في السواحل الأفريقية مصدر تهديد للأمن البحري للقارة، لما ينطوي عليه من تزايد عسكرة المنطقة، إضافة إلى نشاط سفن القوى الكبرى في عمليات الصيد غير الشرعي في المياه الأفريقية، إلى جانب السيطرة على المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الأفريقية لا سيما فيما يتعلق بمصايد الأسماك، واستخراج الموارد والثروات الطبيعية، وهناك اتجاه يرى أن إبرام القوى الدولية لصفقات الموانئ والقواعد البحرية تعرض الدول الأفريقية لمخاطر متعددة تتعلق بتمويل القوى الكبرى الذي يحقق أهدافها في بسط نفوذها والحصول على امتيازات عديدة على حساب الدول الأفريقية، التي ربما تخضع لإرادات تلك القوى؛ بسبب الديون المثقلة على كاهلها لصالح الأخيرة، علاوة على استغلال الموانئ الأفريقية في جمع المعلومات الاستخباراتية للمنافسين الاستراتيجيين، وهو ما يشكل تهديدًا لسيادة الدول الأفريقية.[9]

تمتلك موزمبيق 11 ميناء رئيسيًا على قناة موزمبيق، وهي موانئ (بيمبا، ناكالا، موزمبيق، بيباني، كوليماني، شيندي، بيرا، انهامباني، ماتولا، ماكوسي، مابوتو)، تديرها جميعاً هيئة الموانئ الوطنية في موزمبيق ما عدا ميناء مابوتو – أكبر موانئ موزمبيق – تديره هيئة موانئ دبي العالمية والتي قامت عام 2024 بتمديد تعاقدها مع الحكومة الموزمبيقية على إدارة وتشغيل وتوسعة الميناء حتى عام 2058 في صفقة قدرت بـ 1.1 مليار دولار، في حين تمتلك شركة Grindrod الجنوب أفريقية 24.7% من أسهم الميناء،[10] ومن جانب آخر، تعاقدت موزمبيق في أكتوبر 2024 مع شركة Desheng Port الصينية على إنشاء وإدارة ميناء جديد في منطقة Chongoene جنوبي موزمبيق على أن تمتلك الشركة الصينية 80% من أسهم الميناء لمدة 15 عامًا في صفقة بقيمة 300 مليون دولار.[11]

كما تمتلك مدغشقر 11 ميناء رئيسيًا، منها 6 تشرف على قناة موزمبيق، وهي موانئ (سواريز، سانت لويس، نوزي بي، ماجونجا، موروندافا، تولياري) تُدار بالكامل بواسطة الهيئات الرسمية في مدغشق، وذلك بالرغم من أن الشركات الصينية تدير 3 موانئ رئيسية في مدغشقر، إلا أن جميعها يشرف على المحيط الهندي في الجهة الشرقية في مدغشقر وليس من جهة قناة موزمبيق، وهي موانئ (انتسايرانانا، أمبوديفوتاترا، تاماتاف).

أما جزر القمر، فتتألف من أرخبيل من ثلاث جزر تقع في الجزء الشمالي من قناة موزمبيق. أكبر جزر المجموعة هي جزيرة القمر الكبرى، بمساحة 1025 كيلومترًا مربعًا، وعاصمتها موروني. وجزيرة موهيلي، أو موالي، وهي أصغر جزر المجموعة. تقع في المحيط الهندي، وعاصمتها فومبوني.ثم جزيرة أنجوان التي تمتد على مساحة 163 ميلًا و تضم أكبر عدد من السكان بين جميع الجزر، وعاصمتها نترينجي. وفي عام ٢٠١٥، فازت شركة الصين للاتصالات والإنشاءات (CCCC) بعقد بناء ميناء جديد في جزيرة موهيلي، وشكلت شركة مشتركة لإدارته وتشغيله لمدة 15 عام.[12]

ومن جانب آخر، فإن ما يجعل نشاط الشركات الصينية على وجه الخصوص مثيراً للاهتمام هو المواصفات التي تقوم بتنفيذها في الموانئ التي تقوم بإنشاءها، وهي المواصفات التي تتوافق مع مواصفات القطع البحرية الصينية، وهو ما قاد إلى ملاحظة نشاط عسكري للبحرية الصينية في كل من مينائي مابوتو في موزمبيق، و تاماتاف في مدغشقر خلال عامي 2024، 2025.[13]

ثالثاً: دور الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين:

يبرز العديد من الفاعلين في المشهد الأمني والجيوسياسي في قناة موزمبيق نتيجة لتداخل وتشابك مصالح العديد من القوى المحليه / الإقليمية / الدولية؛ إذ تمتلك فرنسا العديد من الجزر في قناة موزمبيق، بما في ذلك جزر (بانك دو جيسير، وباساس دا إنديا، ومايوت، وجزيرة أوروبا) وهي الجزر التي تقع في المدخل الشمالي للقناة وتمنح فرنسا مفتاح دخول القناة من جهة الشمال، وفي مارس 2025 أعلنت فرنسا عن نيتها لبناء قاعدة عسكرية فرنسية على جزيرة مايوت، لتنضم إلى القاعدة الفرنسية الموجودة بالفعل في جزيرة Reunion شرق مدغشقر، وهو ما يعطي الوجود الفرنسي في مدخل قناة موزمبيق بعداً إضافياً ويمنحها ميزة استراتيجية في مدخل القناة الشمالي، وتعلل فرنسا ذلك بأنها تعمل في إطار مكافحة أعمال القرصنة البحرية في قناة موزمبيق.[14]

ومن جانبها، تقدم الولايات المتحدة أكثر من 812 مليون دولار كمساعدات سنوية لموزمبيق، مما يُحسّن الرعاية الصحية والتعليم والتنمية الاقتصادية. هذا وقد استثمرت الولايات المتحدة بكثافة في موزمبيق، على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي. حيث تعكس هذه الاستثمارات المصالح الاستراتيجية الأمريكية في تأمين موارد الطاقة، وتوسيع العلاقات التجارية، وتعزيز التعاون الاقتصادي في أفريقيا. وتستثمر الولايات المتحدة، من خلال شركة إكسون موبيل، بكثافة في قطاع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق. وقد التزم بنك التصدير والاستيراد الأمريكي بمبلغ 4.7 ​​مليار دولار لمشروع الغاز الطبيعي المسال في المنطقة 1 في قناة موزمبيق الذي تقوده شركة توتال إنرجيز. كما قدمت مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية 1.5 مليار دولار كتأمين ضد المخاطر السيادية لمشروع روفوما للغاز الطبيعي المسال التابع لشركة إكسون موبيل في المنطقة 4 في قناة موزمبيق، وهو ما يمثل أهم استثمارات الولايات المتحدة في قارة أفريقيا لعام 2025.[15]

وتتعامل الولايات المتحدة مع التهديدات الأمنية في قناة موزمبيق من منظور مكافحة الإرهاب، فتقدم مساعدات أمنية ولوجيستية للقوات الحكومية في موزمبيق في مواجهة المتمردين في كابو دلجادو، يظهر ذلك في قيام القوات الخاصة الأمريكية في أغسطس 2024 بتدريب القوات الموزمبيقية لمدة شهرين على أعمال مكافحة الإرهاب، وذلك بالإضافة إلى تقديم معدات طبية وأجهزة اتصالات.[16]

ومن جانب آخر، لا تضم القوات المسلحة لموزمبيق سوى قرابة 11.200 شخص يتوزعون على 10 آلاف جندي في الجيش، و200 جندي لسلاح البحرية وألف لسلاح الجو، ونتيجة هذا العجز الواضح لقوات الأمن المحلية في مواجهة المتمردين، استعانت حكومة مابوتو بخدمات مرتزقة يعملون في شركات أمنية خاصة لمساعدتها في حربها ضد المتشددين مما أدى إلى تزايد حضور الجهات الأمنية الفاعلة على الأرض، مثل فاغنر الروسية وشركة ديك الاستشارية الجنوب أفريقية، إلا أن تأثيرها كان محدودًا. كما برزت رواندا، كشريك أمني رئيسي لمابوتو. في المقابل، كانت موزمبيق أقل استجابة لنشر بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في موزمبيق (ساميم) بين عامي 2021 ويوليو 2024، مما أدى إلى تأخير الاتفاقات على الرغم من فعالية القوة. في غضون ذلك، ركزت تنزانيا على تأمين حدودها مع كابو ديلجادو، محققةً نتائج ملحوظة من خلال العمليات المشتركة مع ساميم. كما أثار وجود رواندا مخاوف الحكومة التنزانية، التي تسعى إلى استعادة العلاقات التاريخية مع مابوتو في الوقت الذي تواجه فيه نفوذ كيغالي المتزايد. كما يشارك الاتحاد الأوروبي والصين الولايات المتحدة في تدريب القوات المسلحة الموزمبيقية وكذلك في تقديم بعثات للمساعدة الأمنية.[17]

رؤية تحليلية وخاتمة

لا تختلف البيئة الأمنية والجيوسياسية في محيط قناة موزمبيق كثيراً عنها في أفريقيا بشكل عام، حيث لا تزال عوامل تنامي التهديدات تتلخص في الآتي:

1 – ضعف سيطرة الحكومات الوطنية:

وهي أزمة مستمرة في السياق الأفريقي؛ نتيجة تضافر عدد من العوامل على رأسها ضعف القدرات الأمنية للجيوش الوطنية، وعدم قدرتها على السيطرة على كافة حدود الدولة، مما يمنح التنظيمات الإرهابية فرصة جيدة لملء الفراغ وتوسيع نطاق سيطرتها الجغرافية، ومن ثم نفوذها حتى المجال البحري، وهو ما ترتب عليه تفاقم عمليات القرصنة والجريمة المنظمة في قناة موزمبيق، وكذلك استمرار نشاط المتمردين في كابو دلجادو منذ عام 2017 .

2 – تدهور الأوضاع الأمنية:

وذلك نتيجة تصاعد نشاط المتمردين في شمال موزمبيق، وسيولة الحدود التي بات يسهل اختراقها من قبل العناصر الإرهابية، بالإضافة إلى ضعف التنسيق الأمني بين الدول الأفريقية، بما يشكل بيئًة ملائمًة لتنامي التهديدات الأمنية، مما قاد إلى محاولة المتمردين في كابو دلجادو توسيع نشاطهم عبر الحدود التنزانية.

3 – ضعف الأوضاع الاقتصادية والمعيشية:

تنبع التهديدات الأمنية الناشئة داخل المجال البحري من أسباب غير عسكرية وأمنية أيضًا مثل: الاضطرابات الاجتماعية، والاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة داخل المجتمعات الساحلية مثل مقاطعة كابو دلجادو التي تعاني مستويات مرتفعة من الفقر، وبنية تحتية اجتماعية ضعيفة في التعليم والصحة والنقل وغيرها، مما يدفع قطاعًا كبيرًا من الشباب للانضمام للمتمردين والتورط في عمليات القرصنة والجريمة المنظمة، وتهديد الأمن البحري أملًا في تحقيق أرباح مادية، وتحسين مستويات معيشتهم.

4 – ضعف الوعي الدفاعي والأمني:

ويظهر ذلك في محدودية القدرات الدفاعية للقوات الحكومية في موزمبيق، والتي تنم عن عدم وعي القيادات بأهمية وجود قوات نظامية قوية تحمي موارد البلاد ووحدتها. فعلى الرغم من امتلاك موزمبيق سواحل بطول 2700 كم على قناة موزمبيق إلا أنها لا تمتلك سوى 200 فرد فقط لا غير في قواتها البحرية، وهو حجم لا يتناسب مطلقاً مع سواحل تعتبر ثالث أطول خط ساحلي في المحيط الهندي، الشيء نفسه فيما يخص قواتها البرية التي تبلغ 10 آلاف فرد فقط لا غير، وهو ما لا يتناسب مطلقاً لحماية دولة بمساحة 800 ألف كم مربع.

وختاماً، فإنه بالنظر إلى العوامل المحفزة للتهديدات الأمنية والجيوسياسية في قناة موزمبيق، نجد أن زيادة التوترات الأمنية من توسع في عمليات القرصنة، والسطو المسلح، ونشاط الشبكات الإجرامية في تهريب المخدرات، والسلاح، والإتجار بالبشر، إلى جانب انخراط بعض التنظيمات الإرهابية في هذه العمليات من أجل تعزيز تدفقاتها من السلاح والأموال الطائلة التي تسهم في تعزيز صفوفها بانضمام عناصر جديدة لها، مما يعزز نفوذها وبسط سيطرتها على مجال جغرافي أوسع، كل ذلك يؤدي إلى تنامي المخاطر الاقتصادية وتهديد التجارة البحرية وتوقف مشروعات التنمية الاقتصادية وهروب الاستثمارات الأجنبية، مما يقود في النهاية إلى زيادة التدخل الأجنبي تحت ذريعة حماية خطوط الملاحة الدولية والرعايا والاستثمارات الأجنبية  مما يمهد الطريق أمام استغلال القوى الدولية للموارد والثروات الأفريقية وبسط نفوذها، وربما وصولًا إلى إبرام صفقات تأسيس قواعد عسكرية بحرية وتجارية كما هو الحال في منطقة القرن الأفريقي على سبيل المثال.


[1] Throughout history: the Mozambique Channel, Available at: https://maritimafrica.com/en/throughout-history-the-mozambique-channel/ , accessed: September 17th, 2025.

[2]  ربيع محمد، كيف أسهمت احتياطيات موزمبيق من الغاز الطبيعي في دفع الولايات المتحدة نحو تعديل مسار سياستها الأفريقية؟ قراءات أفريقية، متاح على الرابط : https://qiraatafrican.com/14475/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A3%D8%B3%D9%87%D9%85%D8%AA-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%A7/ تاريخ الدخول: 17 سبتمبر 2025.

[3] ICC International Maritime Bureau, Piracy and Armed Robbery against Ships Report, London, January 2025, P. 6.

[4]  إيهاب العاشق، عودة نشاط تنظيم الدولة في شمال موزمبيق: الدوافع الاستراتيجية والتداعيات الأمنية والإنسانية، أفروبوليسي، متاح على الرابط: https://afropolicy.com/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%82/ ، تاريخ الدخول: 20 سبتمبر 2025.

[5]  حمدي عبدالرحمن، جدلية المحلي و”المعولم” في تمرد شمال موزمبيق، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط:https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/5799/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A-%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%AF-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%82 ، تاريخ الدخول: 18 أغسطس 2025.

[6]  60  ألف شخص نزحوا من شمال موزمبيق بسبب القتال العنيف، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/news/2025/8/6/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-60-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%B4%D8%AE%D8%B5-%D9%86%D8%B2%D8%AD%D9%88%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84 ، تاريخ الدخول: 18 أغسطس 2025.

[7]  نسرين الصباحي، بؤرة توتر جديدة: الأبعاد المختلفة للتمرد في شمال موزمبيق، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/10468/ ، تاريخ الدخول: 20 سبتمبر 2025.

[8]  نسرين الصباحي، المرجع السابق.

[9]  أحمد عسكر، خريطة مهددات الأمن البحري في أفريقيا جنوب الصحراء، مركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، متاح على الرابط: https://acpss.ahram.org.eg/News/20933.aspx ، تاريخ الدخول: 17 سبتمبر 2025.

[10] Maputo port targets expansion and role as regional logistics hub, African Business, Available at:  https://african.business/2025/09/trade-investment/maputo-port-targets-role-as-regional-logistics-hub, Accessed:September 20th, 2025.

[11] Mozambique: Chinese-led port concession includes construction of 73km Chibuto- Chokwe rail line, Club of Mozambique, Available at: https://clubofmozambique.com/news/mozambique-chinese-led-port-concession-includes-construction-of-73km-chibuto-chokwe-rail-line-268582/ , Accessed: September 20th, 2025.

[12] A Chinese company takes over the new port of Mohéli, Africa Intelligence, Available at: https://www.africaintelligence.com/southern-africa-and-islands/2015/03/27/a-chinese-company-takes-over-the-new-port-of-moheli,108067475-bre#:~:text=China%20Communications%20Construction%20Co%20(CCCC,who%20is%20himself%20from%20Moheli. , Accessed: September 20th, 2025.

[13]  Paul Nantulya, Mapping China’s Strategic Port Development in Africa, Africa Center for Strategic Studies, Available at: https://africacenter.org/spotlight/china-port-development-africa/ , Accessed: September 20th, 2025.

[14] France accused of erasing Mayotte’s identity with new military base, Available at: https://caliber.az/en/post/france-accused-of-erasing-mayotte-s-identity-with-new-military-base , Accessed: September 20th, 2025.

[15] Raghvendra Kumar, Navigating Political Crisis and Conflict in Mozambique, Available at: https://www.fpri.org/article/2025/05/navigating-political-crisis-and-conflict-in-mozambique-quads-interest-and-strategy/ , Accessed: September 20th, 2025.

[16] US forces to train Mozambique’s marines to fight jihadist insurgency, Africa News, Available at: https://www.africanews.com/2021/03/15/us-forces-to-train-mozambique-s-marines-to-fight-jihadist-insurgency/ , Accessed: September 20th, 2025.

[17] Martin Collet, Mozambique: Between Wealth and Vulnerabilities, an Analysis of Tensions, IRIS, Available at: https://www.iris-france.org/en/mozambique-entre-richesses-et-vulnerabilites-analyse-des-tensions/ , Accessed: September 20th, 2025.