إعداد – الباحث: محمد بن مصطفى سنكري
أستاذ مساعد بجامعة أفريقيا الفرنسية العربية ببماكو، وجامعة بماكو
مترجم وباحث في الشؤون الأفريقية ومنطقة الساحل

الحرب الروسية الأوكرانية حرب سيادة بالدرجة الأولى؛ حيث إن أوكرانيا ترى لنفسها الحق في سيادتها لتقرير مصيرها سياسيًّا، فلها أن تختار التعاون مع المعسكر الغربي بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عدو فيدرالية روسيا الموروثة من الاتحاد السوفيتي، بينما ترى روسيا لنفسها الولاية على أوكرانيا وكل دول الاتحاد السوفيتي البائد، فمن هذا المنظار ترى روسيا أوكرانيا ولدًا عاقًا يجب تأديبه، فلذلك رأت روسيا محاولة امتداد حدود حلف شمال الأطلسي إلى حدودها تهديدًا حقيقيًّا بكل ما تحمله الكلمة من معاني التهديد، فقامت بمداهمة جارتها الأوكرانية في الرابع والعشرين من فبراير 2022.
وفي الثلاثين من نفس العام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمه لأربعة أقاليم في شرق وجنوب أوكرانيا، فالتف المعسكر الغربي بأسره حول أوكرانيا وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد الداعم الرئيسي لأوكرانيا في مواجهة روسيا مع حلفائها بدورها من المعسكر الشرقي من كوريا الشمالية والصين والهند، و هكذا تدور في أوكرانيا حرب مصالح بالوكالة بين القوى الكبري العالمية بين المعسكر الغربي والشرقي عامين كاملين دون أن ينتصر أي طرف على آخر، وتفوق التكاليف والخسائر من كلا الجانبين التصور.
وتقاتل مجموعة ” فاغنر” الروسية غير النظامية إلى جانب القوات الروسية النظامية في أوكرانيا، وهي نفس المجموعة التي تقاتل في عدة دول أفريقية والتي منها “مالي”، وإن كان التعبير الرسمي للحكومة هو “مدربون روس”؛ حيث إن مالي، ومن خلال التعاون العسكري مع روسيا ضمن سياستها الجديدة، القاضية بالإعراض عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة لفشل التجارب معها، والإقبال على روسيا. بل وتوقيع اتفاقيات عسكرية مشتركة معها، ولذلك فإنها تستقبل في صفوفها، وفي إطار هذا التعاون العسكري، مدربين ومقاتلين روسًا والمعروفون بـ”فاغنر”.
وحسب ما يبدو، فإن أوكرانيا، تريد أن تنقل الحرب من الأراضي الأوكرانية الروسية إلى أفريقيا بالوكالة، حيث يتنامى النفوذ الروسي، حيث كانت أولى هذه التحركات الأوكرانية ضد روسيا في شمال مالي، وبالأخص في معركة” تنزاوتن” بين الجيش المالي وبين المتمردين، والتي اتهمت فيها الحكومة المالية أوكرانيا بمد المتمردين بالمعلومات الاستخباراتية، والتي بسببها مُني الجيش الوطني والعناصر الروسية بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
ولقد عدت السلطات المالية ذلك دعمًا صريحًا للإرهاب والإرهابيين في بيان مفصل للحكومة، فأعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا فورًا.
وسنعرض هذه الأزمة الدبلوماسية بين البلدين من خلال المحاور الآتية:
أولا : تاريخ العلاقات بين مالي وأكرانيا
- على المستوى السياسي
- على المستوى الاقتصادي
ثانيا: وصف معركة “تنزاوتن”
ثالثا: مآخذ حكومة مالي على أوكرانيا
رابعا: ردود فعل الأطراف المعنية بالأزمة
- خاتمة البحث
- مراجع ومصادر البحث
أولا : تاريخ العلاقات بين مالي وأوكرانيا:
- على المستوى السياسي: ترجع العلاقات بين مالي وأوكرانيا إلى عهد الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي؛ حيث تلقى كثير من الكوادر المالية تكوينهم في أوكرانيا ضمن المظلة الروسية، وعندما هبَّت رياح الحكم الديمقراطي على القارة الأفريقية عام 1992، والتي انتخب فيها “ألفا عمر كوناري” كأول رئيس ديمقراطي للبلاد، أعطى دفعة جديدة للعلاقات بين البلدين، وكانت أوكرانيا قد أرسلت 20 عنصرًا من القوات المسلحة الأوكرانية للمشاركة في القوات الأممية متعددة الجنسيات لاستتباب الأمن واستقرار مالي، وكانت العلاقات بين البلدين قد عرفت أول انتكاسة لها في بداية الحرب الروسية الأوكرانية عند التصويت على قرار لمجلس الأمن الدولي مطالبًا روسيا بالانسحاب من أوكرانيا، فصوتت مالي ضد القرار مع ست دول أخرى.1
- على المستوى الاقتصادي: فقد عرف التبادل التجاري بين البلدين نموًا ملحوظًا في الأعوام الماضية، حيث وصلت إلى 17 مليون دولار، وتتضمن الصادرات الأوكرانية إلى مالي المعادن الحديدية والطائرات والسيارات الكهرابائية، بينما تصدر مالي المفاعلات النووية والقطن والثمار، وكان البلدان بصدد تعزيز تعاونهما الاقتصادي والتجاري، وخاصة في مجالات الزراعة والمعادن، والاتصالات الإلكترونية والإنتاج الكهربائي، بمساعد الآليات المالية الأممية2.
ولقد اندلعت الحرب الحرب الروسية الأوكرانية يوم اندلعت والطلاب الماليون في دراساتهم العليا في مختلف التخصصات في الجامعات الأوكرانية بمنح دراسية من ” كييف”.
ثانيا : وصف معركة” تنزاواتن”:
وقعت المعركة فيما بين 25 إلى 28 يوليو 2024، عندما تعرض موكب عسكري يتكون من مقاتلين روس” فاغنر” والجيش المالي متوجهًا إلى منطقة “تنزاواتن” على الحدود الجزائرية المالية لكمين من طرف قبائل الطوارق التي تسعى لاستقلال شمال مالي. فبينما كان الجيش المالي والمقاتلون الروس على مسافة كيلومترين من الحدود الجزائرية تعرضوا لعاصفة رملية، أوقفت تقدم القافلة، فانتهز المتمردون الفرصة لوضع كمين أمام الركب العسكري، فاندلعت مواجهات هي الأعنف من نوعها بين الطرفين، وبحكم المعلومات الاستخباراتية، وحتى المعدات العسكرية التي كان المتمردون قد تلقوها من أوكرانيا مسبقًا – حسب بعض المصادر – فإنه من خلال هذه المواجهات تكبد المقاتلون الروس والجيش المالي على حد سواء خسائر في الأرواح هي الأعلى لهم منذ تدخلهم في مالي.3
ثم أصدر الجيش بيانًا أكد فيه سيطرته على الموقف وأنه تمكن من سيطرته على %95 من التراب الوطني، بفضل القدرات الجوية، وأنه تمكن من طرد قطاع الطرق الذين كانوا قد أقاموا نقاط تفتيش مزورة لمصادرة أموال المواطنين العُزَّل. وعرضت التلفزة الوطنية صور المقاتلات وهي تحلق في سماء المدينة، وقالت إنها قصفت خمسة مواقع للمتمردين في المنطقة، وأن القوات البرية دخلت المدينة وقامت بعمليات تمشيط داخلها. وقال البيان: إنه يجب الحفاظ على المساحات التي تمت إعادتها في مواجهة جماعات مسلحة مجندة ومدربة، ذات استخبارات، والتي كادت تضر بالجهود التي قام بها حكومة المرحلة الانتقالية لحد الآن4.
والمتمردون من جانبهم أصدروا بيانًا جاء فيه:
لقد قضت قواتنا نهائيًا على طوابير الأعداء، كما تم الاستيلاء على عدد كبير من المعدات، وأسر فلول الجيش والمليشيات الروسية، وهنأت نفسها بهذا النصر البين الذي حققه جنود الإطار الاستراتيجي للحركات الأزوادية موثقًا بالصوت والصورة، ودون أية دعاية إعلامية.
وأكدت المنظمة غير الحكومية الأمريكية (سيت) المتخصصة في متابعة الجماعات المتطرفة والراديكالية، صحة البيان الذي أكدت فيه الجماعات الجهادية من جبهة النصرة للإسلام والمسلمين فرع القاعدة، تعرضها لموكب للجيش المالي والمقاتلين الروس بكمين في جنوب “تنزاواتن”، وأنهم قتلوا بدورهم 50 روسيًا و10 جنود ماليين، أرقام لم تؤكد من طرف آخر. ولكن المتمردين نفوا صحة هذه المشاركة للجهاديين في المعارك.5
ولا توجد أرقام رسمية لهذه الخسائر ولكن أكثرها تداولًا هي التي تحدد عدد القتلى في صفوف المقاتلين الروس من 80 إلى 84 عنصرًا، و40 إلى 47 عنصرًا في صفوف الجيش المالي.
ولقد عرضت مشاهد لأسرى من الجانبين يصعب التأكد من تطابقها للواقعة، لرجال على أنهم جنود روس يتكلمون الروسية ولجنود ماليين يتكلمون الفرنسية أنهم أسرى في أيدي المتمردين في “تنزاواتن”، كما عرضت مشاهد لمعدات عسكرية محروقة.
وهذه الصور لا يمكن الجزم بصحتها ووقوعها في هذه المعركة، أو أنها غير مصنوعة.
ويجدر التذكير بأن ثلثي مساحة مالي شمالًا، كانت قد سقطت في أيدي المتمردين بعد انقلاب عام 2012، وقد بقي شمال البلاد تحت سيطرتهم وخاصة مدينة ” كيدال” طيلة عشر سنوات، وحتى انقلاب 2021 الذي أوصل العقيد “عاصمي غويتا” ورفاقه إلى مقاليد الحكم، حيث غيروا مسار سياسة البلاد من المحور الفرنسي من لدن الاستعمار، إلى المحور الروسي، حيث وقعوا اتفاقيات عسكرية معها، زودت الجيش المالي بموجبها أسلحة متطورة، كما وقعوا اتفاقية مع المؤسسة الروسية شبه العسكرية المعروفة بـ”فاغنر” حيث أرسلت أعدادًا كبيرة من المقاتلين إلى مالي للقتال إلى جانب صفوف الجيش المالي، فتمكنت من قلب موازين القوى بين الجيش الوطني والمتمردين، حيث انتقلت من نصر إلى نصر، وحتى تحرير مدينة “كيدال” الكبيرة المتنازل عليها، والمعقل الرئيسي للمتمردين في شمال البلاد.
وبعد تحرير المدينة خرج المتمردون منها ولجؤوا إلى “منطقة” على الحدود الجزائرية، وبعد تحرير بقية مناطق البلاد، اتجه الجيش إلى تلك المنطقة لتحريرها، فدارت بينهما هذه المعركة وما تبعها من وردود فعل.
ثالثا : مآخذ حكومة مالي على أوكرانيا:
تلا المتحدث باسم الحكومة المالية، العقيد عبد الله ميغا، والذي أصبح صوته على التلفزة الوطنية رمزًا للسيادة والاستقلال، إذ لا يخرج إلا لأمر جلل ومصيري للأمة، بيانًا هو الثامن والستون من نوعه لحكومة المرحلة الانتقالية منذ وصول العسكر إلى مقاليد الحكم في مالي في الرابع والعشرين من مايو 2021، جاء فيه:
“لقد علمت الحكومة المالية بدهشة كبيرة بتصريحات المتحدث باسم الوكالة الأوكرانية للاستخبارات العسكرية، السيد أنريه يوسف، والتي أقر فيها ضلوع أوكرانيا في الهجمات الهمجية والبربرية للجماعات الإرهابية المسلحة، والتي قضى فيها عناصر من القوات المسلحة الوطنية في منطقة “تنزاوتن” كما تكبد خسائر في المعدات.
وقد أكد السفير الأوكراني في “السنغال” السيد يوري بفوفاروف هذه التصريحات، والذي أبان وأمام العالم دعم بلاده للإرهاب الدولي وخاصة في مالي، ووعد بنتائج أخرى في المستقبل.
إن هذه التصريحات جد خطيرة، وتنم بشكل صريح عن دعم الحكومة الأوكرانية للإرهاب في أفريقيا، في منطقة الساحل، وبشكل أخص في مالي.
إن الحكومة المالية تؤكد أن هذا الصنيع من السلطات الأوكرانية انتهاك سافر لسيادة الدولة المالية، ودعم للإرهاب الدولي، وخرق صريح للقانون الدولي، بما فيه ميثاق الأمم المتحدة.
بعد ضلوع أوكرانيا في العمليات التخريبية والإرهابية في مالي وتبنيها، اتخذت حكومة المرحلة الانتقالية الإجراءات الآتية:
- قطع العلاقات بين جمهورية مالي وأوكرانيا بشكل فوري.
- رفع دعوى قضائية لدى السلطات المختصة، بعد تصريحات السيد يوري بفوفاروف، والتي تمثل أعمالًا إرهابية وتبريرًا للإرهاب.
- اتخاذ تدابير ضرورية ضد زعزعة البلاد، ابتداء من دول أفريقية ومن السفارات الأوكرانية في المنطقة بإرهابيين ملثمين في صورة دبلوماسيين.
- إعلام أنصار وداعمي أوكرانيا أنها دولة أعلنت دعمها للإرهاب، وعليه فإن مالي تعتبر دعم أوكرانيا دعمًا للإرهاب الدولي. 6
رابعا : ردود فعل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين
- الحكومة الأوكرانية: علق وزير الخارجية الأوكراني على الأزمة الدبلوماسية بين بلاده ومالي في تصريحات له يوم 5 أغسطس 2024، حيث قال: إن قرار السلطات المالية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، قرار قاصر، غير متبصر ومستعجل؛ حيث إن أوكرانيا ضحية عدوان من قبل روسيا على نطاق واسع لم يتطرق له بيان السلطات المالية، وأن أوكرانيا تعمل بالتعاون مع المجتمع الدولي على تكريس العدالة واحترام حقوق الإنسان، والذي يهدف إلى حماية كل الدول بما فيها الدول الأفريقية، من التهديدات التي تواجه سيادتهم واستقلالهم وسيادتهم الترابية.
وبالمقابل، فإن روسيا بتماديها في عدوانها على نطاق واسع على أوكرانيا، والذي لا يذكر، فإنها تنتهك أهداف ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة، والتي تتضمن بشكل خاص حق الشعوب الأفريقية في مستقبل حر. إنه من المؤسف أن تقدم حكومة المرحلة الانتقالية في مالي على اتخاذ قرار بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، ودون تحليل عميق لوقائع وملابسات الحادثة التي وقعت في شمال مالي، ودون الإدلاء بأية أدلة على تورط أوكرانيا في تلك الأحداث. وقال إن أوكرانيا تحتفظ لنفسها الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية للرد على تصرفات غير الودية لحكومة المرحلة الانتقالية لجمهورية مالي7.
- الحكومة الروسية: جاءت ردة فعل الحكومة الروسية من المتحدثة باسم وزارة خارجية فدرالية روسيا ” مرييا زكاروفا” والتي أدلت للصحافة بتصريحات في تعليقها على قطع العلاقات الدبلوماسية بين مالي وأوكرانيا، حيث قالت: إن السلطات الأوكرانية تجهل موقف الحكومة المالية، والتي دعت دومًا إلى حل سلمي للحرب الروسية الأوكرانية، إن تصريحات السلطات الأوكرانية حول معركة “تنزاوتن” بين الجيش المالي والمتمردين في شمال البلاد، لتدل على صدق وصف “موسكو” لسياسة الرئيس الأوكراني “فلادمير زلنسكي” بالنازية الجديدة والذي أبرم اتفاقية مع الإرهاب الدولي.
السلطات المالية حذرت أنصار “كييف” من أن مساعدة أوكرانيا تُعد دعمًا للإرهاب الدولي، ودعت تلك السلطات نظراءهم الأفريقيين إلى إدانة تصرفات أوكرانيا والتي تهدد الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، وعبَّروا عن شكرهم وامتنانهم للدول التي تضامنت معها في الهجمات الإرهابية التي ارتكبها الإرهابيون برعاية خارجية.
نحن نتفهم الأسباب التي دعت السلطات المالية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع نظام “كييف” وتعاون كييف مع الإرهابيين لم يفاجئنا لأنه يفعل الشيء نفسه على أراضينا.
بعدما عجزت عن هزيمة روسيا في جبهات القتال، عمد النظام الإجرامي لـ”فلادمير زلنسكي” إلى فتح جبهة جديدة في أفريقيا في بلاد صديقة لموسكو.
سنستمر في لفت انتباه المجتمع الدولي إلى تصرفات “كييف” البربرية والطبيعة الإرهابية لنظام “كييف” بدأت تظهر للعالم أجمع أكثر أكثر.8
- الإطار الاستراتيجي الدئم للدفاع عن الشعب الأزوادي: (تشكيلة الحركات الأزوادية) نفى هذه الحركات الأزوادية السيد سيد بن بيلا الفردي دعم المخابرات الأوكرانية للحركات الأزوادية في معركة “تنزاوتن” بينها من جهة وبين الجيش المالي ومجموعة “فاغنر” وقال: إن صور الأعلام الأوكرانية التي تدوولت على مواقع التواصل لمقاتلين في صفوفهم صور مفبركة، وقال: إن ما حصل في ساحة القتال في تنزاواتن وآشبريشن وإخربان، جهود أزوادية وطنية مائة بالمائة.
بينما يرى المركز الأمريكي “راند” للاستشارات الأمنية أن قرار حكومة المرحلة الانتقالية في مالي بقطع علاقاتها مع أوكرانيا، قد يكون جزءًا من استراتيجيتها لتعزيز علاقاتها مع روسيا في المقابل، خاصة في ظل التوترات الجارية على الساحة الدولية.9
- الحكومة النيجرية: تماشيًا مع المادة 6 من ميثاق تحالف دول الساحل والذي ينص على أن أية دولة تتعرض لتهديد أو هجوم خارجي، فإن كل دول التحالف تكون معنية بذلك التهديد.
نص المادة: “كل تهديد لسيادة والتكامل الترابي لطرف أو أطراف في التحالف، يعد اعتداء على بقية الأطراف، ويستوجب تقديم المدد من قبل كل الأطراف، فرادى وجماعات، بما فيها استعمال القوة المسلحة، لضمان الأمن في الساحة الساحلية”10
وعنونت “جون أفرك” بــــــــ: (بعد مالي.. النيجر تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا). وقالت: إن السلطات في “إنيامي” (العاصمة النيجرية) تعتب على “كييف” (العاصمة الأوكرانية) دعمها لجماعات إرهابية بعد الهزيمة الثقيلة للجيش المالي ومسانديها من مجموعة “فاغنر” أواخر شهر يوليو في منطقة “تنزاوتن” وجاء في بيان الحكومة النيجرية يوم الثلاثاء، 5 من شهر أغسطس الجاري، تُلي على التلفزة الوطنية: إن حكومة دولة النيجر في تضامنها مع حكومة دولة مالي قررت ضمن سيادتها وبشكل مستقل قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا وبشكل فوري.
ويضيف البيان: لقد علمت حكومة جمهورية النيجر بدهشة وانزعاج بالتصريحات التخريبية لمدير الوكالة الأوكرانية للاستخبارات العسكرية “أنزيه يوسوف”، وما هو أشد من ذلك صنيع السفير الأوكراني في السنغال، والذي أعلن دعمًا واضحًا لتحالف الجماعات الإرهابية، والتي ارتكبت الهجوم البربري والجبان في “تنزاواتن” ضد القوات المسلحة المالية، ووصف البيان ذلك بالدعم للإرهاب الدولي. وأعلنت الحكومة النيجرية عزمها رفع دعوى أمام محلس الأمن الدولي لمناقشة الاعتداء الأوكراني.11
- حكومة بوركينافاسو: بوركينافاسو هي الدولة الثالثة في تحالف دول الساحل مع مالي والنيجر، وهو االتحالف الذي تحوَّل في السادس من يوليو الماضي إلى “كونفدرالية دول الساحل” فمن هذا الجانب تجد بوركينافاسو نفسها معنية بهذه الأزمة، بالإضافة إلى أنها من دول جوار مالي جنوبًا.
جاءت ردة فعل حكومة بوركينافاسو في بيان لوزارة الخارجية والتعاون الإقليمي في بيان صحفي جاء فيه:
بعد عرض ما حدث في معركة “تنزاوتن” ونشر مدير الوكالة الأوكرانية للاستخبارات العسكرية لفيديو معلنًا دعم ” كييف” للإرهابيين في شمال مالي في مواجهتهم للجيش المالي وأنصارهم الروس، في الفترة ما بين 25 إلى 27 يوليو 2024 في منطقة “تنزاوتن” والتي تكبد الجيش المالي خلالها خسائر ثقيلة في الأرواح والمعدات. دعاية أعاد السفير الأوكراني في “دكار” نشره على صفحته على الفيسبوك، قالت وزارة الخارجية:
إن بوركينافاسو لتدين بشدة هذا العمل المبرر للإرهاب، وتندهش لنشر السفير الأوكراني في “دكار” لهذا الفيديو على صفحته على الفيسبوك، وتصدر نداء إلى المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في مواجهة الموقف الأوكراني المساند للإرهاب، في وقت محاربة داء الإرهاب فيه أولوية واجبة للإنسانية جمعاء.
إن بوركينافاسو لتدعو الدول المتعطشة للسلام إلى إدانة هذا العمل التخريبي المهدد لاستقرار القارة الأفريقية.
إن بوركينافاسو لتؤكد دعمها المطلق واللامشروط للقوات المسلحة المالية في حربها من أجل الحرية وضد الإرهاب الدولي.
وتذكيرًا لها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، فإن وزارة الخارجية لبوركينافاسو تدعو الحكومة الأوكرانية إلى إعادة النظر في موقفها.
إن الجماعات الإرهابية التي تنكل وتقتل السكان وتنهب الممتلكات وتغتصب النساء في شمال مالي وفي المنطقة الساحلية بأسرها تهدد السلام والأمن الدوليين.
إن على أوكرانيا ألا تخطئ الهدف في قتالها، فعليها الامتناع عن تقديم أي دعم كان نوعه للإرهابيين، في الوقت الذي الهدف الوحيد فيه للقوات المسلحة الكونفدرالية لدول الساحل يبقى هزيمة الإرهاب الذي يفسد كثيرًا في المنطقة الساحلية المشتركة ويهدد القارة الأفريقية.12
- المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)
على الرغم من أن دول الساحل الثلاثة (مالي والنيجر وبوركينافاسو) أعلنت انسحابها الجماعي من المجموعة الاقتصادية، وتأسيس مجموعتها الخاصة المسماة “تحالف دول الساحل”، والذي تحول في السادس من يوليو الماضي إلى “كونفدرالية دول الساحل”، على الرغم من ذلك فإن المجموعة الاقتصادية أعلنت إدانتها الشديدة لكل أشكال التدخل في شؤون المنطقة، وكل المحاولات لجر المنطقة في المواجهة الجيوسياسية الحالية13.
- الحكومة السنغالية: وجدت السنغال نفسها في وسط الأزمة الدبلوماسية بين مالي وأوكرانيا، وذلك أنه لا توجد سفارة لأوكرانيا في مالي، وإنما السفارة الأوكرانية في دكار هي التي تغطي مالي، فبعدما نشر مدير الوكالة الأوكرانية للشؤون العسكرية الفيديو الذي ذكر فيه أن أوكرانيا قدمت دعمًا استخباراتيًا لمقاتلي الإطار الدائم للحركات الأزوادية، مما مكنهم من الحاق هزيمة نكراء بالجيش المالي والمرتزقة الروس هي الأولى من نوعها منذ بداية تدخلهم في مالي، قام السفير الأوكراني السنغال بنشر هذا الفيديو على صفحته على الفيسبوك، مما أثار حفيظة الحكومة السنغالية، فقامت هذه الأخيرة باستدعاء السفير الأوكراني إلى وزارة الخارجية السنغالية وأبلغته أن موقف السنغال في الحرب الأوكرانية الروسية الحياد البناء وأن السنغال لن تسمح بحال من الأحوال بأية محاولة لنقل الدعاية الإعلامية لتلك الحرب إلى أراضيها14
وأصدرت الخارجية السنغالية بيانًا جاء فيه:
لقد علمت وزارة الخارجية والتضامن الأفريقي بدهشة، نشر فيديو دعائية على صفحة السفير الأوكراني في “كار”، مع تعليق للسفير نفسه، وهو يعلن دعمه الصريح للهجوم الإرهابي الذي تعرض له الجيش المالي ما بين 25 و27 من شهر يوليو 2024 في شمال مالي، من قبل المتمردين الطوارق وعناصر من جماعة النصرة للإسلام والمسلمين، والتي أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح.
إن السنغال لطالما دعت إلى الحوار بين فرقاء الحرب الروسية الأوكرانية لحل الأزمة، وإن الحكومة لتنبذ الإرهاب بكل أشكاله، وإن بلادنا لا يمكنها القبول – وعلى أراضيها – بحال من الأحوال بتصريحات أوتصرفات تحمل معنى تبرير الإرهاب، لا سيما إذا كانت تهدف إلى زعزعة دولة شقيقة كمالي. وهكذا تدين وبشدة الهجمات التي ارتكبها الإرهابيون على الأراضي المالية ضد الجيش المالي، وبهذا جددت “دكار” لمالي تضامنها وقدمت تعازيها في ضحايا الهجوم الإرهاب15
ولقد قام السفير الأوكراني في داكار بسحب الفيديو من صفحته على الفيسبوك بعد ذلك.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، الحليفة الرئيسية لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا، فقد اكتفت بتصريح صحفي مقتضب للرئيس الأمريكي “جو بايدن” نقلته إذاعة فرنسا الدولية، والذي دعا فيه الدول الأفريقية إلى عدم قطع علاقاتها مع أوكرانيا.
- تحالف دول الساحل:
طبقًا لميثاق التحالف حول وجوب الدفاع المشترك عن دولة عضو في التحالف تتعرض لعدوان خارجي أو داخلي، فإن دولًا أرسلت رسالة مشتركة إلى رئيس مجلس الأمن مفادها رفع شكوى ضد أوكرانيا في تقديمها الدعم للمتمردين في شمال مالي في حربهم ضد الحكومة المالية، جاء فيها:
السيدالرئيس، باسم حكوماتنا، نوجه إليكم هذه الرسالة للتنديد بالدعم العلني من حكومة جمهورية أوكرانيا للإرهاب الدولي، خاصة في منطقة الساحل. لقد فوجئنا بتصريحات السيد أندري يوسوف، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، الذي اعترف فيها بتورط أوكرانيا في الهجوم الوحشي الذي شنته الجماعات الإرهابية المسلحة في 24 و25 و 26 يوليو 2024، والذي أدى إلى مقتل عناصر من قوات الدفاع والأمن المالية في منطقة “تنزواتين” بمالي، إضافة إلى الأضرار المادية الكبيرة. وقد أكد هذه التصريحات السيد يوري بيفوفاروف، سفير أوكرانيا في السنغال، الذي أعرب علنًا وبدون أي لبس عن دعم بلاده للإرهاب الدولي، وخاصة في منطقة الساحل. والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء المسؤولين الأوكرانيين وعدوا بـ “نتائج” أخرى قادمة. إن هذه التصريحات التي تحمل خطورة بالغة، تتجاوز التدخل الأجنبي الذي يُعتبر مدانًا بحد ذاته. فهي تمثل دعمًا رسميًا وصريحًا من الحكومة الأوكرانية للإرهاب في أفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل. وتُشكل هذه الأعمال أيضًا انتهاكًا لسيادة وسلامة أراضي دولنا، واعتداءً صريحًا على بلادنا، ودعمًا للإرهاب الدولي في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وبناءً على ذلك، فإننا ندين بشدة هذا العدوان والترويج للإرهاب من قبل السلطات الأوكرانية، الذي لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال. وندعو مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته تجاه الخيار المتعمد لأوكرانيا لدعم الإرهاب، وهو آفة مرفوضة بالإجماع على الصعيد الدولي بجميع أشكاله وتجلياته. لذلك، نطلب من مجلس الأمن، باعتباره المسؤول الرئيسي عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، اتخاذ التدابير المناسبة ضد هذه الأعمال التخريبية التي تعزز الجماعات الإرهابية في أفريقيا وتمثل دليلاً على تورط رعاة دوليين في توسيع الإرهاب في المنطقة، وهو ما دأبت دولنا على التنديد به.
معالي السيد مايكل عمر إنكانو، السفير والممثل الدائم لجمهورية سيراليون لدى الأمم المتحدة رئيس مجلس الأمن بنيويورك، إن هذه الأعمال العدوانية، بدلاً من تحقيق هدفها، تعزز على العكس التزام وتصميم بوركينافاسو وجمهورية مالي وجمهورية النيجر، في إطار اتحاد دول الساحل (AES) على مواصلة مسيرتهم بعزم أكبر نحو تعزيز سيادتهم ومواجهة تحدياتهم، وفقًا لتطلعات شعوب الاتحاد العميقة.16
وقع عن بوركينا فاسو
السيد كراموغو جان ماري تراوري وزير الخارجية والتعاون الإقليمي والمقيمين بالخارج من بوركينافاسو
وقع عن جمهورية مالي
السيد عبد الله جوب وزير الخارجية والتعاون الدولي
وقع عن جمهورية النيجر
السيد بكاري باو سنغري، وزير الخارجية والتعاون والنيجريين المقيمين بالخارج
حرر في 19 أغسطس 2024
خاتمة
وبعد، وفي النهاية يمكن الخلوص إلى المعطيات والنتائج الآتية:
فمحل تحرير النزاع في هذه الأزمة، هو معركة “تنزاوتن” التي دارت بين الجيش المالي وأنصاره من الفيلق الروسي، والمتمردين من شمال البلاد، في الفترة ما بين 25 إلى 27 من شهر يوليو 2024 الماضي، والدور الذي لعبته أوكرانيا في هذه المعركة من تقديم معلومات استخباراتية ولوجستية للمتمردين، مما رجح كفتهم ضد الجيش المالي، بل وكبدها خسائر هي الأعلى من نوعها منذ بداية التعاون العسكري مع روسيا.
بيان الحكومة المالية بيان مفصل ودقيق، مبني على تصريحات واعترافات المسؤولين الأوكرانيين بالصوت والصورة بتقديم هذه المعلومات بدءًا من مدير الوكالة الأوكرانية للاستخبارات العسكرية وانتهاء بالسفير الأوكراني في “دكار” بل والتعهد بتقديم مزيد من الدعم للمتمردين وتحقيق مزيد من النجاحات، الأمر الذي استوجب وصف أوكرانيا في البيان بالداعم للإرهاب الدولي، وبالتالي قطع العلاقات الدبلوماسية.
والحكومة الأوكرانية من جانبها، وفي بيانها، اكتفت بتأكيد تمسكها بمبادئ السلم والسلام الدولي، وفق ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة الوطنية، وذكر الاعتداء الذي تتعرض له أوكرانيا منذ عامين، والذي لم يذكره البيان المالي، وأبدت أسفها لقرار الحكومة المالية بقطع علاقاتها مع أوكرانيا، ووصفته بالمتعجل وقاصر الرؤية.
ولكن البيان لم يتضمن نفيًا صريحًا ولا ضمنيًا لضلوع أوكرانيا في تسليح المتمردين في شمال مالي بالمعلومات والعتاد، مما يعني أن الأمر يتعلق بعبارات دبلوماسية منمقة ولا تعبر عن الحقيقة، حيث الدول ترتكب مثل هذه الأعمال وتختفي وراء مثل هذه العبارات الدبلوماسية، معلنة تمسكها بالمبادئ والمواثيق الدولية.
ولكن هل ستستمر أوكرانيا على هذا الدرب في أفريقيا؟
لن تتراجع أوكرانيا عن مقارعة روسيا في أفريقيا، وربما حول العالم، بطريقة أو بأخرى، ما دامت الحرب مستمرة بين البلدين، ولكن قد تجد نفسها ملزمة بتغيير موقفها أو تغيير أساليبها، نظرًا لشدة ردود الفعل التي نتجت عن هذه المرة الأولى، حيث إن أصابع الاتهام قد وجهت إليها الآن برعاية الإرهاب على مستوى أفريقيا.
وعن مستقبل العلاقات بين مالي وأوكرانيا، فأنا في نظري أنه لا يُتوقع انفراج قريب للأزمة وعودة قريبة للمياه إلى مجاريها، وذلك لضعف آثار القطيعة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
فسياسيًا، مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ضعيف، حيث إن السفارة الأوكرانية في السنغال هي التي تغطي مالي، واقتصاديًا قيمة المبادلات التجارية بين البلدين ضئيلة جدًا لا تصل إلى مستوى الطموحات، وتوقيع مالي للتعاون العسكري مع روسيا، يلغي أية فرصة للتعاون العسكري مع أوكرانيا، فعلى ضوء هذه الملابسات، أنا أتوقع أن يبقى ملف العلاقات الدبلوماسية المالية الأوكرانية وقتًا طويلًا في سلة المهملات.
المراجع والمصادر
1. https://www.lemonde.fr/crise-ukrainne/مترجم
Guerre en Ukraine l Actualités et infos sur le conflit entre l’Ukraine et la Russie
2 . https://www.dw.com/fr/le-mali-rompt-ses-relations-diplomatiques-avec-lukrainre/a-69863660 مترجم بتصرف
3 . https://fr.apanews.net/news/le-mali-rompt-ses-relations-diplomatiques-acec-lukraine/مترجم بتصرف
Httpps://www.bbc.com/afrique/articles/c7033kj8leeoمترجم بتصرف
6. Communiqué N 068 du gouvernement de la transition du Maliمترجم بتصرف
7. A- Httpps://www.bbc.com/afrique/articles/c7033kj8leeoمترجم بتصرف
b-https://www.aa.com.tr/fr/afrique/rupture-par-le-mali-des-relations-diplomatiques-avec-lukraine-kiev-مترجم بتصرف
8. https://www.mid.ru/fr/foreign-policy/news/1964955/ مترجم بتصرف
9. https://www.skynewsarabia.com
قطع مالي العلاقات مع أوكرانيا..قرار سياسي أم تقرب من روسيا؟ بتصرف
10. https://mjp.univ-pep.fr/consitt/sahel2023.htm
11 . Charte du Liptako-Gourmaمترجم بتصرف
A-https://www.jeuneafrique.com/1596461/politique/apres-le-mali-le-niger-rompt-ses-relations-diplomatiques-avec-lukraine/مترجم بتصرف
12 . Communiqué de presse ; du 02 aout 2024
Ministère des affaires étrangères, de la coopération régionale et des burkinabé de l’extérieur- Burkina Fassoمترجم بتصرف
14 . Httpps://www.lemonde.fr/afrique/article/2024/08/05/le-mali-rompt-ses-relations-diplomatiques-avec-l-ukraine-6267658-3212.htmlمترجم بتصرف
15 . Httpps://www.bbc.com/afrique/articles/c7033kj8leeoمترجم بتصرف
16 . N° 24-00001/AES du 19 aout 2024. مترجم بتصرف