كتب – د. محمد فؤاد رشوان
باحث في الشؤون الأفريقية
شهدت منطقة الساحل الأفريقي هجومًا خطيرًا استهدف قوات مجموعة فاجنر الروسية المنتشرة في مالي، إضافة إلى القوات المسلحة المالية. يُعتبر هذا الهجوم من الأحداث البارزة التي تعكس التوترات المتصاعدة في المنطقة، في ظل التحولات الجيوسياسية والتنافس الدولي على النفوذ في أفريقيا. تطرح هذه العملية العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت لحدوثها وتوقيتها، وأثرها على الاستقرار الأمني والسياسي في مالي والمنطقة ككل.
وقد أعلنت مالي يوم الأحد 4 أغسطس عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا ردًّا على التصريحات التي أدلى بها “أندريه وسوف” المتحدث باسم وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية بأن المتمردين الماليين تلقوا المعلومات اللازمة لتنفيذ الهجوم، فيما رأته مالي أن هذا الهجوم الذي راح ضحيته ما لا يقل عن 84 من مقاتلي فاجنر الروس و47 جنديًا من مالي على مدار أيام القتال العنيف الذي تم في شمال مالي والذي يعد أكبر هزيمة لفاجنر منذ تدخلت في مالي من أجل مساعدة السلطات العسكرية في مالي لمحاربة الجماعات المتطرفة.
ويسعى هذا التحليل إلى رصد الأبعاد السياسة والاستراتيجية لهذا الهجوم، وما يعكسه من دلالات على الساحة الأفريقية والدولية، كما يسعى لاستشراف أبعاد ذلك الهجوم على الأوضاع في أوكرانيا وفي منطقة الساحل الأفريقي.
أولًا: ماذا حدث؟
منذ سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011، شهدت منطقة الساحل الأفريقي تصاعدًا في النشاطات الإرهابية، وانتشارًا للجماعات المسلحة المختلفة. تحولت مالي إلى مركز للنزاعات المسلحة، مع إعلان بعض الجماعات الإسلامية المتشددة تمردها ضد الحكومة المالية، في ظل هذا الوضع، تدخلت فرنسا عام 2013 بعملية “سرفال” لمساعدة الحكومة المالية في استعادة سيطرتها على البلاد، وهو ما أدى لاحقًا إلى نشر قوة متعددة الجنسيات تحت اسم “مينوسما” لدعم الاستقرار.[1]
في عام 2021، وفي ظل تزايد التوترات مع فرنسا واتهام باريس بالفشل في تحقيق الأمن، دعت الحكومة المالية مجموعة فاجنر الروسية للمساعدة في مكافحة الجماعات الإرهابية، مما أدى إلى انسحاب القوات الفرنسية وتصاعد الانتقادات الدولية لوجود فاجنر.[2]
وفي تطور جديد، شهدته منطقة الساحل حيث استهدف عناصر من الجماعات الإرهابية قاعدة عسكرية مشتركة لقوات فاجنر والجيش المالي، وفقًا للمصادر الميدانية، استخدمت الجماعات المهاجمة تكتيكات متعددة من بينها التفجيرات الانتحارية والهجمات المسلحة المباشرة، واستمر الهجوم لساعات طويلة وأسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح بين صفوف الجنود الماليين والمقاتلين من مجموعة فاجنر، حيث راح ضحية هذا الهجوم ما لا يقل عن 84 من مقاتلي فاجنر الروس و47 جنديًا من مالي على مدار أيام القتال العنيف الذي تم في شمال مالي.[3]
وقد أعلنت مالي عن قطع علاقتها مع أوكرانيا بعد أن اتهمت حكومة كييف بأنها متورطة في قتل قوات وعناصر الجيش والأمن المالي في منطقة كيدال شمال مالي، فيما يرى العديد من المراقبين أن هذا الهجوم يعد أكبر هزيمة قد شهدتها قوات فاجر منذ عملها في مالي منذ عام 2021 لمساعدتها على دحر الإرهاب والجماعات المتطرفة.[4]
وقد تفاوتت ردود الفعل على الهجوم بين الإدانات الدولية والتأكيد على دعم الحكومة المالية، فقد أدانت النيجر ومالي ودول أخرى في غرب أفريقيا التصريحات التي أدلى بها سفير أوكرانيا لدى السنغال وغينيا وغينيا بيساو والكوت ديفوار، وأعلنت النيجر قطع علاقاتها مع أوكرانيا، فيما استدعت وزير الخارجية السنغالية السفير الأوكراني بسبب مقطع الفيديو المصور الذي نشرته السفارة الأوكرانية على صفحتها على الفيس بوك، فيما أعربت وزيرة الخارجية الروسية عن أسفها لنقل أوكرانيا معركتها إلى الساحة الأفريقية نتيجة لعجزها عن هزيمة روسيا في ميادين المعركة.[5]
ثانيًا: الأبعاد السياسية والاستراتيجية
الهجوم على مالي ومجموعة فاجنر الروسية يمكن تحليله من زوايا سياسية واستراتيجية عدة، تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية.
- البعد السياسي:
يرتبط الهجوم على مالي بصراعات القوى في غرب أفريقيا، حيث تسعى بعض الأطراف الإقليمية والدولية إلى تعزيز نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي وخاصة دولة مالي، باعتبارها دولة محورية في المنطقة، كما أنها تعدّ مسرحًا لتنافس القوى العالمية والإقليمية مثل فرنسا، روسيا، والصين، وقد أدى تصاعد الدور الروسي من خلال مجموعة فاجنر، التي تُعتبر أداة غير رسمية للكرملين بهدف تقويض النفوذ الفرنسي التقليدي في المنطقة.[6]
كما يعكس الهجوم تصاعد التوترات بين الحكومة المالية المدعومة من روسيا والجماعات المسلحة التي تستغل الفراغ الأمني والسياسي في البلاد، من جانب آخر، يُعزز الهجوم من الانتقادات الدولية تجاه وجود قوات فاجنر في أفريقيا، خصوصًا مع تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان واستخدامها كأداة لتعزيز نفوذ موسكو في المنطقة، فروسيا تسعى لاستغلال الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب القوات الفرنسية لتعزيز نفوذها في مالي والساحل بشكل عام، هذه الديناميكية يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التوترات بين القوى الدولية، خاصة بين فرنسا وروسيا، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.[7]
2. البعد الاستراتيجي
يضع الهجوم على فاجنر في مالي تحديات كبيرة أمام روسيا فيما يتعلق بأمن مصالحها في أفريقيا، ففاجنر تُعد الذراع العسكرية الخاصة لروسيا من أجل تأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية في أفريقيا، والهجوم عليها يهدد تلك المصالح، خاصة إذا تمكنت القوى المعادية من إضعاف أو إقصاء فاجنر وتكرار هذا الهجوم على أكثر من جبهة، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تقييم للوجود الروسي في المنطقة حال فقدان الشعب للثقة في تأمين البلاد وهو نفس السبب الذي خرجت المظاهرات المناهضة للقوات الفرنسية والأوروبية من أجلة، ما يعني تقليص النفوذ الروسي في المنطقة، وخدمة مصالح القوى الغربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، اللتان تسعيان لاستعادة نفوذهما المفقود في المنطقة.[8]
وقد يكون الهجوم الأخير بمثابة جرس إنذار لبداية حرب بالوكالة بين القوات الروسية والأوكرانية على أرض القارة الأفريقية، حيث من الممكن أن يتم تكثيف الهجمات خلال الفترة المُقبلة على المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أفريقيا من أجل جعل القوات الروسية تنغمس فى مطاردة تلك القوات على الأراضي الأفريقية وبالتالي تنشغل عن الساحة الأوكرانية لتخفيف حدة القتال على الأراضي الأوكرانية وإضعاف النفوذ الروسي في أفريقيا من ناحية أخرى.[9]
ويعطي دخول أوكرانيا في الحرب تأكيدًا جديدًا على أن منطقة الساحل تحولت إلى ملعب للصراع الدولي فكييف التي فشلت في تحقيق مكاسب ميدانية ضد الروس على أراضيها وجدت في مالي ضالتها للانتقام من مجموعة فاجنر التي كان لها دور مؤثر في تراجع الأوكرانيين في بداية الحرب، وما قامت به أوكرانيا بإمداد الجماعات الانفصالية والمتطرفين بصور وخرائط دقيقة حول تحركات القوات الحكومية ومسلحي فاجنر تم الحصول عليها عبر الأقمار الصناعية، وهو ما يعني أنه جزء من رد الفعل الأوروبي لنشر الفوضى في منطقة الساحل.[10]
من ناحية أخرى، تُعتبر مالي منطقة استراتيجية من ناحية الموارد الطبيعية، خاصة الذهب واليورانيوم، وهو ما يجعلها هدفًا رئيسيًا للقوى الدولية، فالسيطرة على هذه الموارد أو ضمان النفوذ عليها يعد جزءًا من اللعبة الاستراتيجية الأوسع بين القوى العالمية، لذا فقد يكون الهجوم جزءًا من هذه الصراع على الموارد، حيث تسعى قوى مختلفة لإعادة رسم خريطة النفوذ في مالي.[11]
ثالثًا: دلالات الهجوم على مجموعة فاجنر والجيش المالي
يحمل الهجوم على مجموعة فاجنر الروسية والجيش المالي العديد من الدلالات السياسية والاستراتيجية التي تؤثر في الديناميكيات الإقليمية والدولية، وفيما يلي عرض لأبرز هذه الدلالات:
- الدلالات السياسية
يشير الهجوم إلى ضعف الحكومة المالية في فرض سيطرتها وتأمين البلاد، رغم الاستعانة بقوات أجنبية مثل مجموعة فاجنر، الأمر الذي يعزز الشكوك حول فعالية الحكومة في مواجهة التحديات الأمنية الداخلية، فعلى الرغم من تحقيق قوات فاجنر بالتعاون مع قوات الأمن المالية نجاحات كبيرة خلال العامين الماضيين ما يعكس حجم الخبرات التي اكتسبتها قوات فاجنر في الطبيعة الجغرافية للمنطقة، إلا أن بعض المراقبين قد أرجعوا الإخفاق الأخير والذي ربما لن يكون الأخير إلى الثقة المفرطة من جانب قوات فاجنر وقيامهم ببث العديد من الفيديوهات للسخرية من عناصر الطوارق والمجموعات المتمردة في شمال مالي.[12]
ومن ناحية أخرى يعزز الهجوم الانتقادات الدولية تجاه وجود قوات فاجنر في مالي، حيث تُتهم هذه القوات بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية لصالح موسكو، كما يعيد هذا الهجوم تسليط الضوء على دور روسيا في أفريقيا والتوترات المرتبطة به،[13] كما يعكس الهجوم تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة. هذا يفتح المجال أمام روسيا لتوسيع نفوذها، ولكن الهجوم يشير إلى أن هذا التوسع لن يكون بدون تحديات، خاصة بعدما أصبحت منطقة الساحل الأفريقي ملعبًا للمخابرات الأوروبية وأجهزتها من أجل محاصرة تمدد النفوذ الروسي في أفريقيا .
تواجه مجموعة فاجنر الروسية تحديات كبيرة في إطار التطورات الجديدة في المنطقة حيث تسعى روسيا لإعادة هيكلة مجموعة فاجنر بعد وفاة قائدها يفغيني بريجوين في أغسطس 2023 عقب عملية تمرد على الكرملين وتشكيل الفيلق الأفريقي الجديد ليكون مرجعية عسكرية وتابعًا بشكل مباشر لوزارة الدفاع الروسية وتحت إشراف نائب وزير الدفاع، وتتوزع قواته في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وأفريقيا الوسطى وليبيا التي ستكون المركز الرئيس للفيلق من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية لمناطق الانتشار الروسي، كما يهدف إلى مناهضة الوجود الغربي والاستحواذ على أكبر قدر من الموارد والأصول في الساحة الأفريقية، وهو ما تسعى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهته بكل قوة ومن خلال التعاون المخابراتي والعسكري القوي الذي ربما يكون الهجوم على قوات فاجنر هو أوله وليس آخر عملية. [14]
وبالتالي ستعمل روسيا على دعم الأنظمة العسكرية التي وصلت للحكم بالانقلابات العسكرية وهو ما سيؤدي إلى طول فترات الحكم الانتقالية والمماطلة في الانتقال السلمي للسلطة وعودة الحكم المدني وبالتالي استمرار حالة استمرار عدم استقرار المنطقة وتزايد عمليات الانقلابات العسكرية في باقي دول المنطقة. [15]
كما يمكن للهجوم أن يدفع الدول المجاورة لتعزيز التعاون الأمني فيما بينها لمواجهة التهديدات المشتركة هذا التعاون قد يتخذ شكل اتفاقيات أمنية جديدة أو تعزيز القدرات العسكرية المشتركة من شأنها أن تقوي من عمليات تبادل المعلومات بين دول المنطقة وعمليات مراقبة الحدود بشكل يقلل من سهولة حركة تلك الجماعات بين دول المنطقة.
2. الدلالات الاستراتيجية
يعكس الهجوم تحديًا مباشرًا للنفوذ الروسي المتزايد في مالي والمنطقة بشكل عام، قد تضطر موسكو إلى إعادة تقييم استراتيجياتها وتحسين تنسيقها مع الحكومة المالية لضمان حماية مصالحها، كما أنه من المحتمل أن يؤدي الهجوم إلى مراجعة الاستراتيجيات الأمنية المتبعة في مالي ومنطقة الساحل بشكل عام وما يشمله ذلك من تحسين جمع المعلومات الاستخبارية، وتطوير تكتيكات جديدة لمواجهة الجماعات المسلحة.
قد يدفع الهجوم المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى زيادة دعمهم لمكافحة الإرهاب في مالي والساحل المتمثل في زيادة التمويل والتدريب للقوات المحلية، أو من خلال نشر قوات حفظ سلام إضافية، فضلًا ما قد يسببه الهجوم من زيادة في عدم الاستقرار المنطقة، مما يخلق بيئة أكثر ملاءمة لنشاطات الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة، ما يفرض تحديات إضافية على الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار.
وختامًا قد تكون الجماعات المسلحة التي نفذت الهجوم تسعى إلى إرسال رسالة واضحة للحكومة المالية وحلفائها الدوليين، مفادها أن الوجود الأجنبي لن يكون مقبولًا وأنه يمكن استهدافه، ما يعقد الوضع الأمني والسياسي في مالي ويجعل أي وجود أجنبي في المنطقة محفوفًا بالمخاطر.
رابعًا: التداعيات
- التداعيات على الحرب الروسية الأوكرانية
يمكن للهجوم على قوات فاغنر والجيش المالي أن يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال تقليص الموارد والقدرات الروسية وتغيير التوازنات الاستراتيجية على الساحة الدولية.
. تأثير على القدرات الروسية
إذا تعرضت قوات فاغنر لهجوم كبير في مالي أو في أي مكان آخر خارج أوكرانيا، وهو المتوقع امتداد الهجمات على قوات فاجنر في مناطق نفوذها في أفريقيا مما قد يؤدي ذلك إلى تقليل عدد المقاتلين المتاحين للحرب في أوكرانيا، ونظرًا لكون قوات فاغنر تلعب دورًا مهمًا في العمليات الروسية في أوكرانيا، فإن تشتيت جهودها في مناطق متنوعة للصراع في أماكن متفرقة من شأنه أن يؤثر على القدرة الروسية في أوكرانيا.
. تأثير على التحالفات الروسية
الهجمات على قوات فاغنر أو الجيش المالي قد تؤثر في علاقات روسيا مع الحكومات التي تتعاون معها في أفريقيا، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف التحالفات الروسية الأفريقية، والتي كان لها تأثير كبير على التصويت في الأمم المتحدة في العديد من المواقف منها الحرب الأوكرانية ذاتها، وهو ما قد يضعف موقف روسيا دوليًا، مما قد يكون له انعكاسات على صراعها مع أوكرانيا.
. تأثير على المعنويات:
الهجمات على قوات فاغنر قد تؤدي إلى تراجع معنويات القوات الروسية والمقاتلين التابعين لها في أوكرانيا، خاصة إذا كانت هذه الهجمات تترافق مع هزائم أو صعوبات ميدانية في أوكرانيا،
. تأثير استراتيجي عالمي
قد يؤدي التركيز على جبهات أخرى مثل مالي وأفريقيا الوسطى والنيجر إلى تشتت الجهود الروسية، مما يمنح الأوكرانيين وحلفاءهم الغربيين فرصة لتعزيز مواقعهم أو شن هجمات مضادة، ومن ناحية أخرى ربما يشجع الناتو والغرب على زيادة دعمهما لأوكرانيا مع إدراكهم أن روسيا تتعرض لضغوط على عدة جبهات، إلا أنه ومن المحتمل أن يؤدي إلى قيام القوات الروسية بتكثيف هجماتها على أوكرانيا من أجل الضغط عليها للتركيز على عدم التركيز خارج ساحة المعركة، وبالتالي تتكبَّد القوات الأوكرانية خسائر أكثر فداحة في الفترات القادمة.
2. التداعيات على الساحة الأفريقية
قد تؤدي تداعيات الهجوم على قوات فاجنر إلى تداعيات كبيرة على الساحة الأفريقية منها زيادة عدم الاستقرار ما يؤثر على مستقبل التنمية في المنطقة مع إحداث تغييرات محتملة على موازين القوى والتحالفات الدولية في المنطقة ومنها:
- تدهور الأمن والاستقرار:
تلعب قوات فاغنر دورًا محوريًا في بعض الدول الأفريقية من خلال تقديم الدعم العسكري للحكومات ضد الجماعات المتمردة أو الإرهابية، وعقب استهداف هذه القوات بشكل كبير فإنه من المرجح أن يترك فراغًا أمنيًا وزيادة للنشاط الإرهابي في بعض المناطق، وهو ما يؤدي لزيادة السخط الشعبي على الحكومات الأفريقية، وهو ما قد يؤدي إلى الإطاحة بتلك الحكومات من السلطة وتزايد حالة السخط العام في تلك البلدان، وما يترتب على ذلك من تصاعد للنزاعات المحلية، حيث قد تسعى بعض الجماعات المسلحة إلى استغلال الفرصة لتحقيق مكاسب إقليمية أو سياسية.
- تراجع النفوذ الروسي:
حيث تعتمد روسيا على قوات فاغنر لتعزيز نفوذها في أفريقيا، خاصة في الدول التي تواجه اضطرابات داخلية، ومع تزايد الهجمات على قوات فاجنر قد تؤدي إلى تقليل النفوذ الروسي في المنطقة، مما قد يفتح المجال أمام قوى أخرى مثل الصين أو الدول الغربية لزيادة نفوذها.
- إعادة تشكيل التحالفات الدولية:
إذا تبين أن روسيا غير قادرة على حماية مصالحها وشركائها في أفريقيا، فقد تسعى بعض الدول الأفريقية إلى إعادة تقييم تحالفاتها الدولية، مما قد يؤدي إلى تحولات في التوجهات الجيوسياسية للقارة، حيث قد يدفع بعض الدول الأفريقية إلى البحث عن دعم من قوى غربية مثل فرنسا أو الولايات المتحدة لتعويض الفراغ الذي قد تتركه قوات فاجنر، وهو ما يؤدي إلى زيادة التدخل الغربي في الشؤون الأفريقية.
وختامًا يمثل الهجوم على قوات فاجنر والجيش المالي تحولًا خطيرًا في ديناميكيات الصراع في منطقة الساحل الأفريقي، إذ يعكس هذا الهجوم الفشل في تحقيق الاستقرار الأمني، ويُبرز التحديات التي تواجهها الحكومات الأفريقية في مواجهة الجماعات المسلحة المتنامية. كما أنه يسلط الضوء على التنافس الدولي على النفوذ في أفريقيا، ويثير تساؤلات حول مستقبل الاستراتيجيات الأمنية في المنطقة. بينما يظل مصير النفوذ الروسي في مالي مجهولًا، فإن الأكيد هو أن التوترات في المنطقة ستستمر، مما يتطلب جهودًا دولية وإقليمية منسَّقة لمعالجة جذور الصراع وإعادة الاستقرار إلى منطقة تعاني من أزمات متشابكة.
[1] مالي: عودة على أبرز محطات الوجود العسكري الفرنسي طيلة الأعوام التسع الماضية، 17/2/2022 على الرابط :
[2] دلائل جديدة على حضور متزايد لمرتزقة فاغنر في مالي، 7/1/2022 على الرابط :
[3] Adam Durbin, Mali cuts diplomatic ties with Ukraine over Wagner ambush claims, at :
https://www.bbc.com/news/articles/ceqdd7vdwg7o
[4] Mali cuts ties with Ukraine, claiming Kyiv’s involvement in rebel attacks at :
[5] بعد مالي… لماذا قطعت النيجر علاقاتها مع أوكرانيا؟
[7] التغيرات الجيوبولتيكية بمنطقة الساحل الأفريقي ومستقبل النفوذ الفرنسي، مجلة رؤية التركية السنة 12 العدد 4 على الرابط:
[8] Russia’s Wagner has deadliest loss in Africa’s Sahel, highlighting the region’s instability at:
[9] Is Russia’s war against Ukraine spilling over into Africa?, insititute for security studied at:
https://issafrica.org/iss-today/is-russia-s-war-against-ukraine-spilling-over-into-africa
[10] الحبيب الأسود، أوكرانيا تنقل المواجهة مع فاغنر إلى مالي ، 6/8/ 2024 موقع العرب على الرابط :
[11] الصراع على الموارد في منطقة الساحل – مالي ” أنموذجًا” 27/6/ 2024 ، التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب على الرابط :
[12] د. أحمد عسكر، لماذا تعرضت فاجنر للهزيمة من شمال مالي ؟ على الرابط :
[13] catrina Doxsee, Massacres, Executions and falsified Graves : the wagner Groups mounting Humanitarian cost in mail, at :
[14] نسرين الصباحى ، كيف يُعزز الفيلق الأفريقي نفوذ روسيا في القارة السمراء؟ ، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 27 مايو 2024 على الرابط :
[15] الفيلق الأفريقي الروسي .. تحذير من استبدال النار بالنار، 17 مايو 2024 على الرابط :