كتبت – أماني ربيع
يعتبر الصيد أمرا حيويا لدى الشعوب والقبائل الأصلية التي لم تنجح بعد في التألقم على أسلوب الحياة المعاصرة، ويحاول الكثير من الحقوقيين الحصول على تأييدات لسن تشريعات تسمح للصيادين من تلك القبائل بالحق في الصيد دون التعرض للسجن أو التغريم.
ورغم أن العديد من صيادي القبائل يقومون الآن بزراعة المحاصيل، وتربية الماشية، فلا يزال الصيد لديهم وسيلة حيوية للعيش، وأمر أساسي لهويتهم، خاصة وأنهم ليسوا المسئولين عن انقراض الكثير من الحيوانات النادرة،ولا يشكلون خطرا على الحياة البرية، والخطر الحقيقي يأتي من الصيادين التجار الذين يبحثون عن الثروات، وليس وسيلة للعيش والبقاء.
فلماذا يجب على الصيادين، مثل رجال الأدغال في كالاهاري الوسطى أو “هادزا” في شمال تنزانيا، أن يطلبوا إذنا لفعل أمر ظلوا يقومون به منذ آلاف السنين.
معاناة ورفض
ويعتقد الكثير من المدافعين عن البيئة أنه إذا ما تركت السيطرة للسكان الأصليين على أراضيهم، سوف تقل الانبعاثات الكربونية إلى حد كبير، لأن هؤلاء البدائيون يدركون جيدا حقيقة التوازن بفطرتهم ويعرفون كيف يتواءمون مع البيئة.
والمشكلة أن الدول الأفريقية التي تحتوي على حياة برية ثرية، تتعامل معها كملكية خاصة للدولة، لكن بالنسبة للقبائل البدائية فهم يتبعون غريزة البقاء وحيث يجدون مكانا يصلح للعيش وبه ماء وحيوانات للصيد يحطون رحالهم، ولا يعرفون بشؤون الدول وترتيبات الحدود، يدركون فقط أنهم ارتكبوا خطأ ما، عندما يتم القبض عليهم بموجب قانون الحياة البرية المحلي.
ولفترات طويلة من عمر الأرض، كان البشر يصطادون ويجمعون الثمار من أجل البقاء على قيد الحياة، وإذا كان القدر سمح للكثيرين بفرصة التمدن والدخول في ركب الحضارة، فلم يكن بنفس الكرم مع آخرين ممن ظلوا على أسلوب الحياة القديم، الذي لا يتسامح معه رجل الحضارة اليوم.
وبالنسبة لرجل اليوم، المسمى مجازا، بالمتحضر، فهو لا يهتم بإخلاء أفراد الشعوب الأصلية من منازلهم، وإدخالها ضمن نطاق المحميات الطبيعية، ضاربين عرض الحائط بتراث هؤلاء الناس وبجودهم، ففي جنوب شرق الكاميرون مثلا، تم نقل الآلاف من “اقزام باكا”، عن محيط الحدائق الوطنية التي كانت منازلهم، ومن يتم العثور عليه في مناطق الصيد القديمة يواجه خطر الضرب المبرح على أيدي الحراس.
ويدعي هؤلاء أن الحفاظ على البيئة معناه خلوا لحياة البرية من الاتصال الإنساني، وهو أمر غريب، فالشعوب الأصلية تطورت جنبا إلى جنب مع الحياة البرية وفي قلبها، ويعترف دعاة الحفاظ على البيئة على مضض بارتكاب أخطاء في حربهم ضد التجارة غير المشروعة في الحيوانات البرية وصيدها الجائر، ولا يكترثون بالتمميز بين صيادين الكفاف من الشعوب القبلية الذين يبغون سد رمقهم، والصيادين التجاريين الذين يرفلون في الثروة.
ويرى البعض أن صيادو الكفاف، الذين يصطادون فقط بقدر احتياجهم، يشكلون خطرا غير مقبول على أعداد الحياة البرية خارج نطاق المحميات، وهو أمر لم يثبت عليه دليل علمي، وإلى الآن لم تؤثر محاولاتهم في الصيدد على معدل نمو الحياة البرية في أية دولة أفريقية.
ويحاول المسؤولون في الدول الأفريقية تبرير أفعالهم تجاه الشعوب الأصلية عبر الاعتقاد الخاطئ بأنهم متخلفون، وبحاجة لأن يصبحوا متحضرين.
أمام المحكمة
في 13 ديسمبر 2006 حقق البوشمن انتصارًا تاريخيًا، حيث قضت المحكمة بأن إخلائهم كان غير دستوري وأن من حقهم العيش داخل المحمية، على أرض أجدادهم، والصيد والجمع في المحمية ، ويجب ألا يضطروا إلى التقدم بطلب للحصول على تصاريح لدخولها، لكن الحكومة بذلت كل ما في وسعها لعرقلة ذلك الحكم، وسمحت لعدد قليل ممن ظهرت أسماؤهم في أوراق المحكمة بالعودة، لكن الأمر لم يكن جيدا جدا، كما يقول أحد هؤلاء الذين حكمت لهم المحكمة بالعودة، روي سيسانا، ” لم أشعر بالنصر، فأنا أعيش بين المحمية وبين معسكر إعادة التوطين لأكون قريبا من عائلتي وشعبي، لقد انفصلنا عن أطفالنا وزوجاتنا، ما نوع هذه الحياة، لم نفعل شيئا يستحق كل هذا.”
يقول سيسانا: “لقد اعتدنا على إطعام أنفسنا، الآن نعتمد على المساعدات الحكومية ، لقد أصبحنا كسولين وأغبياء”.
ويضيف: “نحن الآن نعامل كالكلاب، الكلب هو الشيء الوحيد الذي لا يستطيع إحضار طعامه إلى المنزل، عليه انتظار مالكه ليقدم له بعض الطعام.”
في عام 2010 ، أخذ البوشمن الحكومة إلى المحكمة مرة أخرى في محاولة للوصول إلى المياه داخل المحمية، رفض القاضي قضيتهم ، لكن في يناير 2011، ألغت محكمة الاستئناف في بوتسوانا القرار وأدانت “المعاملة المهينة” من قبل الحكومة للبوشمن.
وصفت محكمة الاستئناف في بوتسوانا ، في حكم صدر عام 2011 حول الأزمة، محنة البوشمن بأنها “قصة مروعة للمعاناة واليأس الإنسانيين” وحكمت بالسماح لهم بالحصول على المياه، وهي أوامر تجاهلها المسؤولون بأكثر من حجة، حيث يقولون إن نقلهم يهدف للحفاظ علىا لحياة البرية والنظم الإيكولوجية للمحمية الشاسعة التي تتجاوز مساحتها دولة الدانمارك.
وقضت محكمة الأراضي والبيئة في كينيا مؤخرًا بأن أفراد مجتمع “أوجيك “مُنعوا بشكل غير عادل من العيش وفقًا لثقافتهم كمزارعين وصيادين وجامعين في الغابات” ، وأن هذا المنع، يعد تمييزا ينتهم الحقوق التي كفلها الدستور لجميع مواطني كينيا.
لكن الانتكاسات تفوقت على النجاحات، فبموجب القانون، فإن قبيلة “هادزا” في شمال تنزانيا ترتكب جريمة في كل مرة يصطاد فيها أحد افرادها، و يتقع أفراد “باكا” في جنوب شرق الكاميرون في نفس المأزق أيضا.
وقضيتان ناجحتان في المحكمة لم تردع محاولات الحكومة لاقتلاع البوشمن في بتسوانا من أراضيهم، ففي عام 2013 ، عاد رجال البوشمن مرة أخرى إلى المحكمة للمطالبة بحرية الوصول إلى الماء، ومنع محامي البوشمن جوردون بينيت من دخول بتسوانا، ورفضت قضيتهم بعد ذلك، ليبقوا دون ممثلا قانونيا لهم في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وترفض الدولة منحهم تراخيص للصيد، بل ويتعرضون لإطلاق النار من المروحيات، وبتسوانا ليست سوى واحدة من بلدان عديدة اعتمدت سياسة إطلاق النار والقتل، فهي تعلق أهمية أكبر للحياة البرية على حياة الإنسان.
يبدو المستقبل معتما أمام صيادي الكفاف، فالقوانين الوطنية لم تقبل بعض كيف يمكن للمرء أن لايكون فلاحا أو يعيش في مدينة كبيرة، لم تفهم كيف يمكن لتوطين أهل القبائل من الصيادين أن يكون سببا للمشاكل، وليس حلها.
وكان القانون الدولي أكثر إنصافا فيما يتعلق بحقوق صيادي الكفاف، حيث أقرت المادة 14 من اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية صراحة بضرورة “حماية حق الشعوب المعنية في استخدام الأراضي التي كانوا يتمتعون فيها تقليديًا بالحصول على أنشطتهم المعيشية والأنشطة التقليدية “،التي يجب أن تشمل الصيد.
وتتحدث المادة 26 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية عن “حقها في الموارد التي استخدمتها تقليديًا” – وهي موارد يجب أن تشمل ، مرة أخرى، الحيوانات التي يتم اصطيادها للعيش.
لكن لا تزال تلك القوانين والقرارات لمعالجة الأمر مجرد حبر على ورق، وتلك الجهات غير قادرة على تنفيذ القرارات بعد اتخاذها.