دور الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة في أفريقيا

كتب – محسن الزيني

باحث في الشؤون الأفريقية

يشهد العالم اليوم انطلاق ثورة رقمية هائلة ستغير مستقبل جميع المجالات وهذا لما تحمله معها من تطورات تكنولوجية غير مسبوقة من الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وإنترنت الأشياء، وغيرها من التقنيات التكنولوجية المتطورة.

وتعد البيانات الضخمة الحجر الأساسي للذكاء الاصطناعي، والذي يعتمد نظامه على تلك البيانات خاصة في الجزء المتعلق بالتعلم الآلي كمدخلات رئيسية، وقد ظل النهج الإحصائي للبيانات في الذكاء الاصطناعي محدودا إلى أن ظهرت البيانات الضخمة، التي أدت إلى تسارع نمو وتطور الذكاء الاصطناعي نفسه.

كما يقدم الذكاء الاصطناعي رؤية أفضل للبيانات الضخمة؛ ففي الماضي كان تحليل البيانات عمل بشري يعتمد على المعالجة اليدوية لكن بفضل الذكاء الاصطناعي أصبح الجهد البشري أقل، فالذكاء الاصطناعي هو الآلية التي تساعد على تحليل البيانات بسرعة وكفاءة أكبر بكثير مما يمكن أن يقوم به العقل البشري.

لقد كان دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة بمثابة تحول بالفعل، حيث مكَّن المؤسسات من إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لأصول البيانات الخاصة بها، واتخاذ قرارات أكثر دقة، واكتساب ميزة تنافسية في الصناعات الخاصة بها. مع استمرار تطور مجال الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن يصبح دور هذه التكنولوجيا في إدارة البيانات الضخمة أكثر أهمية في السنوات القادمة.

أولا – الفرص المتاحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة في أفريقيا

تتمتع أفريقيا بفرص كبيرة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة، هذه الفرص تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية لإدارة البيانات الضخمة في أفريقيا، وتسهم في تسريع التحول الرقمي وتحقيق التنمية الشاملة عبر مختلف القطاعات الحيوية[1]  والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

• تعزيز النمو الاقتصادي:  من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ يصل إلى 1.5 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بحلول عام 2030، مما يعكس إمكاناته الكبيرة في دعم التنمية الاقتصادية[2] .
• تطوير قطاعات حيوية: تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بنجاح في قطاعات مثل الخدمات المالية، الزراعة، الرعاية الصحية، والطاقة النظيفة، حيث تساعد في تحسين الإنتاجية، التنبؤ بالأمراض، وإدارة الموارد بكفاءة. [3]

• تحسين الحوكمة والخدمات العامة: تسعى الحكومات الأفريقية إلى تبني الذكاء الاصطناعي لتحسين تقديم الخدمات العامة وتعزيز الحوكمة الرقمية، كما في خطط البنية التحتية الرقمية في جنوب أفريقيا ومصر[4] .

• التنمية المستدامة وحل المشكلات الاجتماعية: يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين أنظمة الإنذار المبكر للنزاعات، وإدارة الموارد البيئية، والتنبؤ بتغير المناخ، مما يدعم أهداف التنمية المستدامة في القارة. [5]

• تطوير نماذج محلية تراعي الخصوصيات الثقافية: يعمل الباحثون على تصميم نماذج ذكاء اصطناعي تأخذ في الاعتبار اللغات المحلية والاختلافات الثقافية، مما يعزز من فاعلية هذه التقنيات في السياق الأفريقي[6] .

ثانيًا – التطبيقات العملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة في أفريقيا

1. تطبيقات المجال الصحي:-

خلال فترة جائحة كورونا، تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات الضخمة للتنبؤ بأوقات الذروة في انتشار الوباء، وفي جامعة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، توقع العلماء حدوث الموجة الأولى من (كوفيد-19) قبل أن ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.

أيضا أصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي باستخدام الهاتف المحمول منصة لتحسين البيانات الطبية وتقديم الخدمات الصحية، فمثلًا يستخدم حوالي 27000 من العاملين في مجال الصحة العامة في أوغندا نظامًا متنقلًا يُسمى mTrac للإبلاغ عن مخزون الأدوية. كما أصبحت رواندا أول دولة في أفريقيا تدمج الطائرات بدون طيار في خدماتها الصحية.

بالإضافة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة أسهمت في تحسين الاستجابة للكوارث الصحية في غرب أفريقيا. كما يتم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في إثيوبيا لمساعدة الأطباء على تشخيص أمراض السرطان والملاريا[7] .

ويدعم نموذج UlizaLlama الذي طورته مؤسسة Jacaranda Health في كينيا النساء الحوامل وحديثات العهد بالأمومة عبر نظام ذكاء اصطناعي يتحدث خمس لغات أفريقية، ما يعزز الوصول إلى المعلومات الصحية الدقيقة.[8]

كما تستخدم شركة RxALL نموذج للذكاء الاصطناعي لمكافحة الأدوية المزيفة من خلال تحليل البيانات الضخمة في سلاسل التوريد الدوائية.[9]

2. تطبيقات المجال الزراعي:-

تقدم شركتا Farmerline وAgrocenta، ومقرهما غانا، للمزارعين تكنولوجيا تعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة عبر الهاتف المحمول والويب خدمات الحصول على المشورة الزراعية ومعلومات الطقس والنصائح المالية، وتقوم شركة Zenvus ، وهي شركة نيجيرية ناشئة، باستخدام الذكاء الاصطناعي في قياس وتحليل بيانات التربة لمساعدة المزارعين على استخدام الأسمدة المناسبة وري المزارع على النحو الأمثل[10].

كما تستخدم شركات مثل Farmonaut الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية والبيانات المناخية، مما يمكّن المزارعين من اتخاذ قرارات دقيقة حول إدارة المحاصيل واستخدام الموارد. وتساعد أنظمة الاستشعار عن بعد وأنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) في مراقبة صحة المحاصيل ورطوبة التربة، وتوفر توصيات مخصصة لزيادة الإنتاجية بنسبة قد تصل إلى 30% . وتقدم منصات مثل Jeevn AI  نصائح زراعية مخصصة بناءً على تحليل البيانات الضخمة، وتتيح الزراعة الدقيقة للمزارعين الأفارقة عبر تطبيقات الهواتف الذكية.[11]

3. تطبيقات الحلول المالية الرقمية:-

هناك العديد من التطبيقات العملية التى تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة في القطاع المالى في أفريقيا. على سبيل المثال، في غرب أفريقيا وكينيا، أتاحت تقنية blockchain  التحقق الفعال من سجلات الملكية والمعاملات المالية، ووسعت إمكانية الوصول إلى البيانات الضخمة في بعض قطاعات الاقتصاد غير الرسمي[12] .

كما قامت شركة التكنولوجيا المالية النيجيرية “جوميا” باستخدام الذكاء الاصطناعي وخوارزميات معالجة البيانات الضخمة في خدمات الدفع والتجارة الالكترونية “جوميا باي”؛ لتحليل سلوك المستخدمين وتحسين عملية الدفع، الأمر الذي أدَّى بالفعل إلى زيادة في المعاملات بنسبة 30٪، وتستخدم منصة دفع نيجيرية أخرى Paystack، الذكاء الاصطناعي لأتمتة المحاسبة وخفض التكاليف. وقامت شركة Palmpay، ومقرها غانا، بدمج حلول الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باتجاهات المستهلكين، مما يسمح لها بتصميم عروضها وتحسين مشاركة العملاء.

وتُعدّ كينيا أحد مراكز التكنولوجيا المالية الرائدة في إفريقيا؛ حيث تستخدم منصات مثل M-Pesa، المملوكة لشركة Safaricom، الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المستخدمين، وتحديد كيفية تصميم عروض القروض والمنتجات المالية الأخرى بشكل أفضل.

كما تستخدم شركة Tanda الكينية الناشئة الذكاء الاصطناعي لمعرفة الجدارة الائتمانية للعملاء؛ بما في ذلك سجلات الدفع عبر الهاتف المحمول، وسلوكيات وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يجعل من الممكن تقديم الخدمات الائتمانية لأولئك الذين ليس لديهم تاريخ ائتماني تقليدي، وهو أمر شائع جدًّا في أفريقيا[13] .

4. التطبيقات الأكاديمية:-

طورت مؤسسات تعليمية أفريقية مثل “جامعة بريتوريا” في جنوب أفريقيا وجامعة “كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا” في غانا تطبيقات ذكاء اصطناعي في مختبراتها ونشرت أبحاث ركزت على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة، وأسس المعهد الأفريقي للعلوم الرياضية برامج ماجستير ودكتوراه في الذكاء الاصطناعي والتعلم، وقد تخرج منها نحو 3 آلاف طالب. [14]

يتضح مما سبق، أن الذكاء الاصطناعي يتمتع ببعض الميزات الفريدة التي تجعله متميزاً عن الاختراعات التكنولوجية الأخرى. ونُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يتحول يومًا بعد يوم ويتقدم لإحداث التغيرات التكنولوجية الهائلة عن طريق إدارة ومعالجة البيانات الضخمة. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي الأفريقي إلى 4,92 مليار دولار أمريكي خلال عام 2025.[15]

لــــذا، فمن الأهمية بمكان أن تسارع الدول الأفريقية إلى اللحاق بركب هذا التطور التقني الهائل وأن تضع لنفسها موطئ قدم في تطوير استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة، حيث تحتاج دول القارة إلى التوسع في تعليم المهارات النظرية والعملية اللازمة لتطوير وتنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوفير البيئة التقنية المناسبة والقاعدة المعرفية والاهتمام بتعزيز مهارات البرمجة، وتشجيع رواد الأعمال والحكومات على الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

المراجع

---

[1]أبيجيد أدي إيبيجولا وتشينيدو أوكونكو، الذكاء الاصطناعي في أفريقيا:  التحديات الناشئة، قراءات أفريقية، 18 مارس 2025

(

[2] د. جيهان عبد السلام عباس، الذكاء الاصطناعي في أفريقيا.. فرص تنموية وتحديات قائمة، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 1 أبريل 2023

[3] مصطفى بوريابة، دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبلنا، الحدث الأفريقي، 4 أغسطس 2024، https://www.alhadathlifriqui.com/?p=58478

([4] تقرير: سوق الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وتحليلات البيانات الضخمة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

Source: https://www.mordorintelligence.com/ar/industry-reports/middle-east-and-africa-mea-ai-cybersecurity-and-big-data-analytics-market

([5])https://farmonaut.com/africa/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A

([6]) سيبسيسو بييلا، وعمرو راجح، وشاكور راثر، الجنوب العالمي ينضم إلى سباق ابتكار أدوات الذكاء الاصطناعي، Nature Middle East ، 20 مايو 2025

([7])  نفس المرجع في (2)

([8])  نفس المرجع في (6)

([9])https://qiraatafrican.com/26722/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%8A%D8%AA%D9%85-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84/

([10]) نفس المرجع في (2)

([11]) https://farmonaut.com/africa/%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7-2

([12]) نفس المرجع في (2)

([13] (LABUTINA Daria, From Medicine to Giraffes: How AI is Used in Africa, Tass, 21 November 2024, Source: https://tass.ru/opinions/22462559

([14]) Charles Asiegbu and Chinasa T. Okolo,  How AI policy processes and outcomes in Africa, Brookings Institution, 16 May 2024

([15])  إيهاب العاشق، تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، 19 أبريل 2025، https://afropolicy.com/?p=4169