أماني ربيع
كشفت دراسة جديدة بعنوان “تكلفة الصور النمطية الإعلامية لأفريقيا”، أن القارة تخسر المليارات سنويًا في مدفوعات الفائدة المتضخمة على الديون السيادية بسبب الصور النمطية السلبية المستمرة التي تهيمن على التغطية الإعلامية الدولية للقارة، والتي تركز بشكل كبير على الصراع والفساد والفقر والمرض والقيادة الضعيفة، وهو ما يؤثر على التنمية الاقتصادية من خلال خلق تصور سلبي للقارة وتقليل جاذبيتها كوجهة استثمارية.
ووجدت الدراسة التي أجراها مستشارو Africa Practice ومنظمة Africa No Filter غير الربحية، أن السرديات السلبية والمتحيزة لها عواقب في العالم الحقيقي لأنها تضخم تصورات المخاطر، مما يؤدي إلى تكاليف اقتراض مرتفعة بشكل غير مبرر، ويثبط فرص الاستثمار
وبحسب الدراسة تزداد هذه التغطية الإعلامية المشوهة خاصة أثناء الانتخابات، التي يكون التركيز خلالها على القضايا السلبية مثل العنف والاحتيال الانتخابي، مرتفعًا بشكل غير متناسب مقارنة بالمخاطر السياسية المماثلة في البلدان الأخرى.
صورة ناقصة
على سبيل المثال، كانت 88٪ من المقالات الإعلامية حول كينيا خلال فترات الانتخابات سلبية، مقارنة بـ 48٪ فقط لماليزيا خلال انتخاباتها، ونتيجة لذلك، ينظر المستثمرون الدوليون إلى الدول الأفريقية على أنها أكثر خطورة مما هي عليه في الواقع، ووفقا للدراسة، يخسر المقترضون الأفارقة نحو 4.2 مليار دولار (3.9 مليار يورو) في دفعات الفائدة على قروضهم، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الروايات النمطية، بحسب موقع “دويتشه فيله” الألماني.
وقالت المديرة التنفيذي لمنظمة Africa No Filter موكي ماكورا، إن هناك تكلفة للسرديات الإعلامية النمطية المستمرة عن أفريقيا، ويؤكد حجم الخسارة الهائل على الضرورة الملحة لتحدي هذه الصور النمطية السلبية عن القارة وتعزيز سرد أكثر توازنا.
وعلى مدى العقود الماضية، تحسنت التغطية الإعلامية عن القارة، بفضل المشاركة الأفريقية الأكبر في الشؤون الدولية، والحضور المحلي المتزايد للمنافذ الإعلامية الدولية في القارة، والدعوة ضد الصور النمطية، ولكن رغم ذلك لا تزال الصورة ناقصة.
تفاوت وتحيز
قارنت الدراسة تكلفة الصور النمطية الإعلامية في أفريقيا التغطية الإعلامية العالمية للانتخابات في أربع دول، كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر، بالتقارير عن دول غير أفريقية ذات ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية مماثلة، وتشير الدراسة إلى وجود تحيز وتفاوت في كيفية تغطية غرف الأخبار والصحفيين لأفريقيا، بالإضافة إلى العناوين الرئيسية المضللة.
وأوضحت ماكورا في حديث لصحيفة “الجارديان” البريطانية، أنه عادةً ما تركز التغطية الإعلامية للانتخابات بشكل ضيق على السباق بين الحزب الحاكم وحزب المعارضة الرئيسي أو أحزاب المعارضة، وفي أفريقيا، غالبًا ما تكون التغطية الإعلامية مليئة بقصص عن أحداث العنف في الانتخابات والشائعات حول الفساد.
وأضافت: “يكون التركيز على الدراما الانتخابية بدلاً من القضايا المطروحة مدفوع أحيانًا بالرغبة في نشر قصص تتصدر العناوين الرئيسية، حيث من الأسهل بيع القصص عن السياسيين الملوثين والاشتباكات العنيفة من الخوض في إصلاح الرعاية الصحية أو سياسات خلق فرص العمل”.
وأشارت ماكورا إلى أنه في مقابل كل قصة سلبية تعزز الصور النمطية التقليدية، هناك مائة قصة لا تفعل ذلك، وقال: “السؤال ليس أيهما ينبغي أن نغطيه، الأمر ليس إما أو، بل ينبغي أن يكون الأمران معا”.
تكاليف غير مبررة
وتدفع هذه التصورات المتزايدة للمخاطر التي تصورها وسائل الإعلام، المقرضين إلى تطبيق تكاليف اقتراض عالية “غير مبررة”، حتى بالنسبة للدول الأفريقية ذات التصنيف الائتماني اللائق، و”توفر غطاء” لشروط القروض غير العادلة، وفقًا لعلماء البيانات والاقتصاديين الذين يقفون وراء الدراسة.
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة Africa Practice ماركوس كوريج، أن الفرصة التجارية الحقيقية محجوبة عن المستثمرين الدوليين بسبب علاوة المخاطر هذه”، مضيفًا أن التقدير البالغ 3.2 مليار جنيه إسترليني لم يشمل سوى تأثير التقارير الإعلامية السلبية على الديون السيادية، ولم يأخذ في الاعتبار التأثيرات على محركات التنمية الأخرى مثل السياحة والاستثمار المباشر الأجنبي والمساعدات.
وتشير الدراسات إلى أن اتجاهات وسائل الإعلام تؤثر على 10٪ من تكلفة رأس المال، وهذه التكلفة يمكن أن تمول تعليم أكثر من 12 مليون طفل أو توفر التطعيمات لأكثر من 73 مليونًا، أو توفر “مياه الشرب النظيفة لثلثي سكان نيجيريا” أو بإمكانها مساعدة القارة في مواجهة بعض أسوأ تأثيرات تغير المناخ.
تمثيل أكثر عدالة
وخلال السنوات الأخيرة، دعا القادة الأفارقة في القمم العالمية والإقليمية إلى إصلاح البنية المالية العالمية – بما في ذلك إعادة تقييم التكلفة العالية للقروض لأفريقيا، ويؤكد كوريج أن هناك اعتراف بضرورة إصلاح البنية المالية العالمية، آملا أن تعمل مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) وغيرها من المؤسسات على جعل رأس المال التنموي أكثر سهولة في الوصول إلى الجنوب العالمي، وخاصة إلى أفريقيا، لكن للأسف هذا النوع من الأجندات يتحرك بشكل بطيء.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت منظمة Africa No Filter دليلاً لتقارير الانتخابات تأمل أن يساعد غرف الأخبار في معالجة التحيز، بينما يخطط الاتحاد الأفريقي حاليا لإنشاء وكالة تصنيف ائتماني أفريقية لتوفير تحليل إقليمي للمخاطر السيادية يبتعد عما يقوله منتقدو أنظمة التصنيف الحالية عن “الافتراضات المتشائمة” من قبل “وكالات التصنيف الدولية ذات الوجود المحلي المحدود”، ومن المتوقع أن تبدأ الوكالة العمل العام المقبل.
وفي حديث لموقع “دويتشه فيله” الألماني، قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، إن أفريقيا بحاجة إلى تمثيل أكبر في هيئة الإقراض العالمية، مشيرة إلى أنه سيتم إضافة عضو آخر من مجلس الإدارة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
وقالت جورجيفا: “نحن نفعل ذلك لأننا نعتقد أن أفريقيا تستحق أن يتم تمثيلها بشكل أكثر عدالة”.
تغيير السرد
ولمقاومة التغطيات الإعلامية المتحيزة ومحاولة كسر الصورة النمطية عن أفريقيا في الأخبار والإعلان والسينما والدراما التلفزيونية، بدأت العديد من الخطط الواعدة في تحقيق نجاح ملموس في هذه الناحية، ومؤخرا، انطلقت حملة جريئة للسياحة في رواندا باسم ” Visit Rwanda”.
استخدمت الحملة كرة القدم لجذب المستثمرين والسياح إلى البلاد، وتعاونت هذه الحملة مع نادي أرسنال الإنجليزي لكرة القدم وباريس سان جيرمان الفرنسي، وكذلك فريق بايرن ميونيخ الألماني للإعلان عن مناطق الجذب الفريدة والتراث الثقافي للبلاد.
وبالرغم من اتهام الرئيس الرواندي بول كاجامي بغسيل الرياضة، بمعنى ممارسة استخدام الرياضة لتحسين صورة بلد أو منظمة من خلال الاستثمار في أحداث رياضية رفيعة المستوى أو فرق لتحويل الانتباه عن القضايا التي تعاني منها البلاد، إلا أن حملة ” Visit Rwanda” نجحت في تغيير السرد حول الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، والتي تمكنت من بيع ما هو حقيقي وملموس خلال الحملة.
وفي حديث مع “دويتشه فيله”، قالت فاطمة علي محمد، الرئيسة التنفيذية لشركة Africa Brand Warrior، وهي وكالة تسويق واتصالات ناشئة، إنه يجب أن تكون هناك نية لقيادة سرد القصص لإظهار كيف نعيش حقًا، وكيف نفكر حقًا.
وأضافت: “يقع العبء الأول علينا كأفارقة، حيث يتعين علينا أن نروي قصتنا بأنفسنا، لأن الآخرين قد يضيفون أشياء لا نريدها إلى قصصنا”.
أستوديو غرب أفريقيا
من ناحية أخرى، تقود صناعة السينما النيجيرية، الجهود الرامية إلى سرد القصص الأفريقية الأصيلة، والتحرر من الصور النمطية، وكانت منصة نتفليكس قد انضمت إلى هذه الحركة، وساهمت في إطلاق أعمالاً أفريقية أصلية مثل “Blood & Water” و”Queen Sono” إلى المسرح العالمي لتقدم من خلالها قصصا محلية ذات جاذبية عالمية.
ومؤخرا، أفصح النجم الأسمر إدريس إلبا عن خططه للانتقال إلى أفريقيا لتعزيز صناعة السينما هناك، وكجزء من جهوده المستمرة لتطوير صناعة السينما في القارة السمراء، يسعى إلبا المولود لأب من سيراليون وأم من غانا، لبناء أستوديوهات سينمائية في غانا وتنزانيا على مدى العقد المقبل، فهي مهمة لا يستطيع إنجازها وهو مقيم في لندن.
وقال إلبا، لهيئة الإذاعة البريطانية، إنه سيتنقل بين أماكن مختلفة، مثل: أكرا في غانا، وفريتاون في سيراليون، وزنجبار في تنزانيا خلال الخمس أو العشر السنوات المقبلة، وبالفعل، أتمت السلطات التنزانية تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها نحو 200 فدان في زنجبار لإلبا، الذي يخطط لبناء أستوديو سينمائي هناك باسم West African Studios.
وفي تصريحات للصحافة الغانية في فبراير 2023، قال إلبا: “لقد عملنا لمدة ثلاث أو أربع سنوات لوضع خطة تضع منشأة في قلب صناعة الأفلام الأفريقية”، مشيرًا إلى أن المرافق الحالية “ناقصة”.

قوة ناعمة
وأوضح إلبا لـ “بي بي سي” أن قطاع الفنون والسينما، بمثابة قوة ناعمة ليس في غانا وحدها ولكن في جميع أنحاء أفريقيا، مضيفًا أنه من خلال الموارد والبنية الأساسية المناسبة، يمكن لصناع الأفلام الأفارقة تحدي الروايات الاستعمارية حول القارة التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية.
وقال إلبا: “إذا شاهدت أي فيلم أو أي شيء يتعلق بأفريقيا، فكل ما ستراه هو الصدمة، وكيف كنا عبيدًا، وكيف تم استعمارنا، وكيف كانت مجرد حرب، لكن عندما تأتي إلى إفريقيا، ستدرك أن هذا وحده لا يعبر عن الحقيقة، ومن المهم حقا أن نمتلك القدرة على رواية قصص عن تقاليدنا وثقافتنا ولغاتنا والاختلافات بين لغة وأخرى، فالعالم لا يعرف ذلك.”
وذكر تقرير اليونسكو لعام 2022 أنه على الرغم من “النمو الكبير في الإنتاج”، حيث تنتج صناعة الأفلام النيجيرية وحدها نحو 2500 فيلم سنويًا، مع تقديرات إجمالية للإيرادات بمئات الملايين من الدولارات، فإن إنتاج الأفلام الأفريقية يعوقه قضايا مثل القرصنة وفرص التدريب غير المهمة ونقص المؤسسات السينمائية الرسمية.