أماني ربيع
يتم استبدال الأنظمة الغذائية الأفريقية التراثية بشكل متزايد بأنماط غذائية على النمط الغربي في دول أفريقيا، بسبب التحضر والتنمية الاقتصادية وزيادة الوصول إلى الأطعمة المصنعة والعولمة وتغير الأعراف الاجتماعية، ويتم ذلك دون الالتفات للعواقب الصحية لهذا التحول الغذائي.
أشارت نتائج دراسة أجريت في منطقة كليمنجارو في تنزانيا، مؤخرا، إلى أن عادات الأكل التقليدية في المناطق الريفية في أفريقيا يمكن أن تعزز جهاز المناعة وتقلل الالتهابات.
ووجد الباحثون في الدراسة التي نُشرت هذا الشهر في مجلة “نيتشر ميديسن”، أن للأطعمة التقليدية التي يتناولها سكان القرى الريفية تأثيرًا إيجابيًا على جهاز المناعة، لافتين إلى أنه ينبغي إضافة الموز الأفريقي والكسافا وشراب الموز المخمر إلى الإرشادات العالمية للتغذية الصحية، إلى جانب زيت الزيتون والطماطم والنبيذ الأحمر في النظام الغذائي للبحر المتوسط.

تأثير العادات الغذائية الغربية
وقال الدكتور كويرين دي ماست، أحد مؤلفي الدراسة، إنهم الآن في سباق مع الزمن لتسجيل ودراسة الفوائد المحتملة للأنظمة الغذائية الأفريقية التراثية قبل أن تختفي مع انتقال الناس إلى المدن وتبنيهم عادات غذائية غربية.
وأضاف: “الوقت يمر سريعًا، إذ نرى أن هذه الأنظمة الغذائية التراثية تُستبدل أكثر فأكثر بالأنظمة الغذائية الغربية، مما يجعلنا نفقد الكثير من المعلومات الشيقة التي يمكننا أن نتعلم منها ليس فقط لأفريقيا”.
وفي بحث سابق، أثبت الفريق أن الأشخاص الذين يتبعون أسلوب الحياة التقليدي في المناطق الريفية لديهم نظام مناعي مختلف عن سكان المدن، حيث يحتوي على بروتينات مضادة للالتهابات أكثر، ويُعد الالتهاب المزمن عاملًا رئيسيًا للإصابة بالعديد من الأمراض غير المعدية، بما في ذلك التهاب المفاصل الروماتويدي ومرض الزهايمر.
طعام تقليدي
ولمدة أسبوعين، تم تحويل 77 شابًا في العشرينات والثلاثينات من العمر من النظام الغذائي التقليدي إلى النظام الغربي، أو العكس مع أخذ عينات دم في البداية والنهاية، ومرة أخرى بعد أربعة أسابيع.
شملت وجبات النظام الغذائي التقليدي الموز الأخضر الممزوج بالفاصوليا الحمراء، والدجاج المسلوق المقدم مع الخضراوات الخضراء والأرز البني والفاصوليا، بينما شملت قائمة الطعام الغربية، البيتزا والدجاج المقلي والبطاطس المقلية والمكرونة المُقدمة مع يخنة اللحم البقري.
لاحظ الأشخاص الذين اتبعوا حديثًا نظامًا غذائيًا غربيًا ارتفاعًا في مؤشرات الالتهاب في دمائهم، وأشارت الاختبارات إلى أن أجهزتهم المناعية لم تستجب جيدًا للعدوى. كما زاد وزنهم، في المقابل، كان للانتقال من نظام غذائي غربي إلى نظام غذائي تقليدي تأثير مضاد للالتهابات بشكل كبير، وانخفضت مؤشرات الدم المرتبطة بمشاكل التمثيل الغذائي.
في مرحلة ثالثة من التجربة، طُلب من المشاركين الذين اتبعوا نظامًا غذائيًا غربيًا شرب مشروب الموز المخمر المحلي، المعروف باسم “مبيجي”، لمدة أسبوع، وشهدت تلك المجموعة أيضًا تحسنًا في مؤشرات الالتهاب، واستمرت بعض التغيرات الملحوظة في السمات المناعية والأيضية خلال فترة المتابعة، مما يشير إلى تأثير مستدام للتدخل قصير المدى.
وتُظهر هذه النتائج الآثار الأيضية والمناعية للتحولات الغذائية واستهلاك المشروبات المخمرة، مما يؤكد أهمية الحفاظ على الممارسات الغذائية التقليدية للتخفيف من عوامل خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

فوائد صحية حقيقية
لم تكن النتائج مفاجئة للدكتور جودفري تيمبا، المؤلف الرئيسي للدراسة والمحاضر في جامعة KCMC في موشي، تنزانيا، والذي لاحظ عند زيارة معظم القرى، والتحدث إلى كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 80 و90 عامًا، أنهم يتمتعون بصحة جيدة، ولا يعانون من أي مضاعفات صحية، متحدثين عن تناول هذا النوع من النظام الغذائي وهذا المشروب منذ أن كانوا في الخامسة والعشرين من عمرهم.
وأوضح دي ماست أن مكونات النظام الغذائي، مثل الفلافونويدات والبوليفينولات الأخرى، وتأثيرها على ميكروبيوم الأمعاء، من المرجح أن تلعب دورًا في التأثيرات الملحوظة.
ومع ذلك، لم يتم استكشاف هذا النظام الغذائي وفوائده وتوثيقها، على عكس الأنظمة الغذائية التقليدية في دول البحر الأبيض المتوسط والدول الاسكندنافية، والتي تروج منظمة الصحة العالمية لآثارها المفيدة.
وقال تيمبا: “نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لإدراج الأنظمة الغذائية ذات التراث الأفريقي في الإرشادات العالمية للأنظمة الغذائية، لما لها من فوائد صحية حقيقية/ ولكن نظرًا لعدم دراستها على نطاق واسع، فليس من السهل إقناع الناس، بأنها صحية، لعدم وجود بيانات كافية.”
إهمال أبحاث المناعة
أُجريت الدراسة على الرجال فقط لأسباب لوجستية، لكن الباحثين قالوا إنهم يتوقعون نتائج مماثلة لدى النساء، وأن تستمر الفوائد مع مرور الوقت إذا استمر الناس في اتباع هذه الأنظمة الغذائية.
وأوضح دي ماست، الذي يشغل مناصب في جامعة KCMC والمركز الطبي لجامعة رادبود في هولندا، بأن أولويات البحث في أفريقيا كانت تُحدد تاريخيًا من قِبل دول الشمال العالمي مع التركيز على الأمراض المعدية مثل الملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية، مشيرا إلى أنه تم إهمال الأبحاث المتعلقة بأمور مثل علم المناعة.
ويأمل دي ماست أن يتغير هذا الوضع الآن، مع الارتفاع السريع في الأمراض غير المعدية، حيث تواجه العديد من الدول الأفريقية معدلات متزايدة من الأمراض غير المعدية مثل داء السكري والسمنة وأمراض القلب، وهو ما سيُشكل تحديًا كبيرًا للأنظمة الصحية في جميع أنحاء أفريقيا.
وأضاف أن الإرشادات الغذائية تميل أيضًا إلى “نقل ما نعرفه من الشمال إلى أفريقيا، مشيرا إلى أنه ينبغي أن تكون هناك توصيات خاصة بكل منطقة، استنادًا إلى بيانات علمية”.

تنوع أنماط الغذاء في أفريقيا
ويختبر الفريق الآن تأثير اتباع نظام غذائي تراثي على التنزانيين الذين يعانون من السمنة، بما في ذلك ما إذا كان بإمكانه تعزيز استجابتهم للقاحات، ويخططون لمقارنة مختلف الأنظمة الغذائية التراثية الإقليمية.
وقال دي ماست: “هناك تنوع كبير في الأنماط الغذائية في جميع أنحاء أفريقيا، أو حتى في تنزانيا فقط”، مثلا تقع جودفري في منطقة كليمنجارو، ولكن على بُعد 30 كيلومترًا منها، تعيش قبيلة الماساي، ونظامهم الغذائي مختلف تمامًا حيث يعتمد بشكل أساسي على البروتين الحيواني، ومع ذلك، كانت أمراض القلب والأوعية الدموية، في العادة، شبه غائبة عن أفراد القبيلة.
