أماني ربيع

تعتبر القارة الأفريقية، واحدة من أكثر مناطق العالم عرضة لتأثيرات تغير المناخ، بالرغم من أنها الأقل مساهمة في انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، وواجهت القارة العديد من التحديات البيئية مؤخرًا، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وأنماط هطول الأمطار المتغيرة، والجفاف المتكرر، والأحداث الجوية المتطرفة.

وتعمل هذه التغييرات على تفاقم نقاط الضعف القائمة في الزراعة، وموارد المياه، والصحة البشرية، والبنية الأساسية، والتي تعد حيوية لسبل عيش الملايين من الناس، مثلا: يشتغل بالزراعة نحو 60٪ من سكان أفريقيا ويهددهم أنماط هطول الأمطار المتغيرة والجفاف المطول أمنهم الغذائي، حيث أصبحت غلة المحاصيل متغيرة بشكل متزايد، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وتفاقم الفقر.

تحديات في مواجهة تغير المناخ

 وتشكل ندرة المياه مصدر قلق ملح آخر، حيث يؤدي انخفاض هطول الأمطار وزيادة الجفاف إلى إجهاد موارد المياه المحدودة بالفعل، مما يؤثر على الزراعة والوصول إلى مياه الشرب النظيفة، والمناطق الساحلية معرضة للخطر أيضًا، حيث يهدد ارتفاع مستويات سطح البحر الملايين الذين يعيشون في المناطق المنخفضة.

 وفي الواقع، تؤثر تأثيرات تغير المناخ بشكل كبير في سكان أفريقيا ذوي الدخل المنخفض، مما يؤدي إلى تعميق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، حيث تعوق الموارد المالية والبنية الأساسية المحدودة في أفريقيا قدرتها على التكيف مع هذه التحديات.

 لكن أفريقيا تتمتع أيضاً بالقدرة على الصمود من خلال الحلول القائمة على الطبيعة، والتعاون الإقليمي، والواقع أن الجهود الرامية إلى تعزيز التكيف مع المناخ، مثل ممارسات الزراعة المستدامة، وتحسين إدارة المياه، والسياسات الذكية مناخياً، تشكل أهمية بالغة في بناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في مكافحة تغير المناخ، بحسب دراسة حالة بعنوان: “التحديات التي تواجه أفريقيا في مكافحة تغير المناخ” للباحث مارك أجيي ساكي، بجامعة سانت جوزيف، بنسلفانيا.

عقبات أمام تغطية قضايا المناخ

وهناك عقبة أساسية تقف في طريق وصول صوت أفريقيا إلى العالم، ففي حين تتأثر القارة بشكل غير متناسب بتغير المناخ، فإن قصصها غالبًا ما تكون غائبة عن المناقشات العالمية، مما يؤدي إلى إدامة رواية الأزمة وتجاهل الحلول المحلية.

وفي الوقت الذي تزداد فيه كثافة وتواتر الفيضانات وموجات الجفاف والعواصف، لا يعكس حجم التغطية الإعلامية وخاصة من المصادر الدولية هذه الحاجة الملحة، وهذا الافتقار إلى الاهتمام يساهم في تهميش وجهات النظر الأفريقية داخل الحوار العالمي حول تغير المناخ.

ويحاول الصحفيون المحليون سد هذه الفجوة، وتقديم فهم دقيق للتأثيرات والحلول المتنوعة الناشئة داخل مجتمعاتهم، ومع ذلك لا تزال هناك حاجة كبيرة لتحسين ودعم التقارير المتعلقة بتأثيرات وقصص تغير المناخ في أفريقيا.

يتخذ الصحفيون المحليون في أفريقيا، زمام المبادرة لجلب قضايا تغير المناخ إلى الصدارة، وتقوم مشاريع مثل مبادرة #PowerTracker  في جنوب أفريقيا بالتحقيق في العواقب الاجتماعية والبيئية للتحول إلى الطاقة المتجددة، بينما يعمل صحفيون آخرون على رفع الوعي حول الترابط بين تغير المناخ والتنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة.

ويدافع آخرون عن المزيد من الشفافية والوصول إلى بيانات المناخ، ويمكن لعمل هؤلاء الصحفيين المحليين أن يزود القرارات السياسية بالمعلومات بشكل مباشر ويمكّن المجتمعات من التكيف مع تحديات تغير المناخ، بحسب موقع معهد أبحاث السياسات الأفريقية (APRI).

لكن هناك العديد من العوائق التي تعوق فعالية التغطية المحلية لتغير المناخ في أفريقيا، منها التمويل غير الكاف الذي يشكل عائقًا كبيرًا، ويقيد وصول الصحفيين إلى الموارد ويحد من قدرتهم على إجراء تحقيقات متعمقة، وتتخلف منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا عن جميع المناطق الأخرى في الإنفاق الفردي على خدمات معلومات الطقس والمناخ.

كما أن القيود المفروضة على الوصول إلى البيانات والمعلومات، والتي غالبًا ما تكون بسبب العقبات البيروقراطية أو التكلفة العالية للمنشورات العلمية، تعيق عملهم، كما ويواجه الصحفيون أيضًا مخاوف بشأن السلامة والرفاهة، وخاصة أولئك الذين يقدمون التقارير في المناطق المتأثرة بالأحداث الجوية المتطرفة، أو التدهور البيئي، أو عدم الاستقرار السياسي.

وقال جاكوبو أوتافياني، كبير مسؤولي البيانات في Code for Africa، إن دور الصحافة الدقيقة والواقعية يساهم في فهم حجم قضايا المناخ على أرض الواقع، وبالتالي التوصل إلى حلول مستدامة لتطوير الاقتصادات المحلية في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يتعرض حوض الكونغو لضغوط بسبب إزالة الغابات والتي تساهم في تقليل الذي آثار تغير المناخ.

وبحسب موقع ” medium” تساهم أكاديمية البيانات بانتظام في نشر قصص مهمة تسلط الضوء على الوضع المزري الذي تواجهه العديد من البلدان الأفريقية بسبب تغير المناخ، وتلفت سلسلة التحقيقات التي أجرتها إنفونايل بعنوان “Sucked Dry” الانتباه إلى الآثار السلبية للاستيلاء على الأراضي من قبل المستثمرين الأجانب، لا يؤدي هذا إلى تهجير المجتمعات المحلية فحسب، بل إنه يخلف أيضًا دمارًا في الموارد الطبيعية في العديد من الدول الأفريقية، مثل: أوغندا والسودان وإثيوبيا.

حلول لمواجهة الأزمة

وبصرف النظر عن التحديات والعقبات التي تواجه تغطية قضايا المناخ في أفريقيا، فإن التركيز المفرط على الأزمات وتصوير القارة كضحية عاجزة تحتاج إلى تدخل خارجي يقوض الوكالة المحلية ويحجب الحلول المبتكرة التي تطورها المجتمعات الأفريقية، ويمكن أن يؤدي هذا التركيز على التأطير السلبي أيضًا إلى الشعور بالتشاؤم بشأن المناخ، مما يعوق العمل الاستباقي، بحسب ما يوضح مقال لـ جريس مبونجو، إيزابيلا روبرتس، سيج جورج على موقع (APRI).

ومن أجل تحقيق ثقافة أكثر تأثيراً وقوة في تغطية تغير المناخ في أفريقيا، ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الاستثمار لتوفير التمويل المستدام للصحافة المحلية، بما في ذلك تغطية حضور الصحفيين الأفارقة في فعاليات مثل مؤتمر الأطراف، حيث يمكنهم التفاعل بنشاط مع المناقشات والمفاوضات العالمية الحالية بشأن المناخ.

ويتمثل تدخل آخر ضروري في تعزيز تلك المؤسسات التي تضمن حماية وسلامة مراسلي المناخ، ولابد أيضا من تحسين الوصول إلى البيانات والمعلومات، وتطوير الموارد التي تستهدف الصحفيين، مثل “التقارير الصحفية”، لتلخيص الحقائق العلمية المعقدة في صيغة أكثر تواصلاً.

ومن شأن بناء قدرات الصحفيين والمحررين من خلال التدريب وورش العمل وبرامج الإرشاد أن يخلق بيئة مواتية يمكنهم من خلالها تطوير المهارات اللازمة لتغطية تعقيدات تغير المناخ بشكل فعال.

ومن المهم، توطين المعرفة والتقارير المتعلقة بتغير المناخ، بما يتضمن تصميم الرسائل بحيث تتوافق مع القيم الثقافية والاجتماعية الخاصة بالقارة، وترجمة المعلومات إلى اللغات المحلية، من أجل تعزيز المشاركة العامة والفهم، وتمكين المجتمعات من تولي مسؤولية العمل المناخي، ولابد من التركيز على إعداد تقارير مناخية متوازنة من خلال عرض الحلول المحلية، وليس فقط على الأزمات، وتسليط الضوء على مرونة المجتمعات الأفريقية وقدرتها على العمل.

ويعتبر التعاون والدعم الدوليين لتعزيز التقارير المتعلقة بتغير المناخ في أفريقيا أمرا ضروري، كما أن الشراكات بين الصحفيين المحليين والدوليين والمؤسسات الإعلامية لتسهيل تبادل المعرفة، وتوفير الوصول إلى الموارد، وتضخيم الأصوات الأفريقية على الساحة العالمية تشكل أيضًا عنصرًا أساسيًا. ومن خلال الاستثمار في الصحفيين المحليين وتمكينهم، يمكن للمجتمع الدولي دعم استجابة أكثر استنارة وعدالة لأزمة المناخ، وهي الاستجابة التي تعترف بالتحديات والفرص الفريدة التي تواجه أفريقيا وتركز على أصوات الأكثر تضررًا.