د. شيماء محمود كامل

دكتوراه في العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

لقد مرت 9 أعوام منذ تبني دول العالم أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في يوليو 2015، والتي تعتبر الرؤية العالمية المشتركة للقضاء على الفقر، وإنقاذ كوكب الأرض وبناء عالم ينعم بالسلام، ويتبقَّى حاليًا 6 سنوات لتحقيق تلك الأهداف، وقد صُمِّمت أهداف التنمية المستدامة لجعل العالم يتحول إلى أصفار في العديد من جوانب الحياة المتغيرة بما في ذلك الفقر المدقع والجوع والإيدز والتمييز ضد النساء والفتيات[1]. وفي ضوء الأحداث التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة (انتشار فيروس كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية،….)، كما أن المضي قدمًا في مسار التنمية يتطلب جهدًا متضافرًا لمواجهة التحديات المتشابكة التي تواجه القارة الأفريقية، لا سيما تلك التي تواجهها دول جنوب الصحراء الكبرى، هذا ومن جانب آخر فإن الأزمات المتعددة التي تواجه القارة لا سيما على مستوى التغيرات المناخية، وانتشار الأوبئة والصراعات، عرقلت جهود التنمية، وقوضت مسار النمو الاقتصادي، كما ساهمت أيضًا في ارتفاع مستويات الديون، إضافة إلى توالي الأزمات التي تواجهها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي لديها نحو 462 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، وتفاقم تلك الأزمات بسبب تقلص الحيز المالي، ومشكلات الديون وانخفاض السيولة، التي يعاني منها نصف بلدان القارة[2]، وعليه سيتم فيما يلي توضيح التقدم المُحرز لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة الأفريقية من خلال تقييم الأهداف الثلاث الآتية (2،3،16) وكيف يُمكن للدولة المصرية مساعدة دول أفريقيا جنوب الصحراء في تحقيق هذه الأهداف الثلاث باستخدام الهدف الفرعى 17.9.

أولًا قياس التقدم المحرز في تنفيذ الأهداف 2 و3 و16 من أهداف التنمية المستدامة في القارة الأفريقية:

1 – تقييم الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة “القضاء على الجوع”:

المصدر: https://sdgs.un.org/ar/goals/goal2

يوضح الشكل المُشار إليه أعلاه تأثير انتشار جائحة كوفيد 19 على تحقيق الهداف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، حيث قبل انتشار كوفيد كان انعدام الأمن الغذائي أخذًا في الارتفاع، وبعد انتشار كوفيد شكَّل تهديدًا إضافيًا للنظم الغذائية، ولقياس التقدم المُحرز في تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة يتطلب الأمر معرفة المؤشرات المنهجية الدولية اللازمة لقياس تحقق الهدف من عدمه، ومن أهم تلك المؤشرات: (المؤشر 2.1.1: انتشار نقص التغذية، والمؤشر 2.1.2: انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل، والمؤشر 2.2.1: انتشار التقزُّم (الطول بالنسبة للعمر >2 انحراف معياري عن المتوسط في العالم، والمؤشر 2.a.1: التوجه الزراعي للنفقات الحكومية،….إلخ[3]).

وقد أشارت التقارير الصادرة عن مجموعة بنك التنمية الأفريقي خلال المؤتمر الاقتصادي الأفريقي الذي انعقد في موريشيوس عام 2022 إلى أن جائحة الفيروس التاجي والحرب في أوكرانيا وتغير المناخ أدت إلى إعاقة تقدم أفريقيا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، كما أكدت مُخرجات قمة النظم الغذائية الأفريقية لعام 2023 التي نظمها البنك الأفريقي للتنمية في مدينة دار السلام على أنه لا يُمكن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا والمعني بالقضاء على الجوع ما لم يتم تحقيق “السيادة الغذائية والمرونة” في أفريقيا، وذلك في ضوء إعلان داكار لعام 2023 حيث أظهرت القمة الأفريقية داكار 2 للأغذية التزام البلدان الأفريقية وشركاء التنمية القوي بتحقيق الأمن الغذائي والمرونة في أفريقيا، هذا ومن جانب آخر أعلن شركاء التنمية عن دعم يزيد عن 30 مليار دولار. ويشمل ذلك 10 مليارات دولار على مدى خمس سنوات يقدمها البنك الأفريقي للتنمية، في إطار التزامات بدعم تنفيذ المواثيق القطرية في القمة، وقد تجاوزت التزامات الشركاء منذ قمة داكار 2 70 مليار دولار[4].

2 – تقييم الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة “الصحة الجيدة والرفاه”:

المصدر (https://sdgs.un.org/ar/goals/goal3)

من أهم المؤشرات المنهجية الدولية اللازمة لقياس تحقق الهدف الثالث: )المؤشر 3.1.1: نسبة وفيات الأمهات، المؤشر 3.1.2: نسبة الولادات التي تتم تحت إشراف موظفين صحيين ماهرين، المؤشر 3.2.1: معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، المؤشر 3.3.3: معدل الإصابة بالملاريا لكل 1000 نسمة، ….إلخ)[5].

وقد أشارت التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP أنه على الرغم من التقدم الذي تبذله الدول الأفريقية لتحقيق هذا الهدف إلا أنه لا يزال أكثر من 6 ملايين طفل يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة في كل عام، ويموت 16000 طفل كل يوم من أمراض يمكن الوقاية منها مثل الحصبة والسل، فضلًا عن أنه كل يوم تموت مئات في النساء أثناء الحمل أو من مضاعفات تتعلق بالولادة، هذا ومن ناحية أخرى في كثير من المناطق الريفية تتم فقط 56% من الولادات على يد مهنيين متخصصين، كما يمثل الإيدز اليوم السبب الرئيسي للوفاة بين المراهقين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي لا تزال تعاني بشدة بسبب انتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية[6].

3 – تقييم الهدف الـ 16 من أهداف التنمية المستدامة “السلام والعدل والمؤسسات القوية”:

من أهم المؤشرات المنهجية الدولية اللازمة لقياس تحقق الهدف الـ16 هو: (المؤشر 16.1.1: عدد ضحايا القتل العمد لكل 100.000 نسمة حسب الجنس والعمر، المؤشر 16.1.2 الوفيات المرتبطة بالنزاعات حسب الجنس والعمر، المؤشر 16.1.3: نسبة السكان الذين تعرضوا لعنف جسدي أو نفسي أو جنسي،….إلخ).

وبتطبيق تلك المؤشرات على الهدف يتبين أنه لا يمكن أن يتم القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة دون معالجة النزاعات وانعدام الأمن، فالمستويات المرتفعة من العنف المسلح وانعدام الأمن لها آثار مدمرة على تنمية البلدان، مما يؤثر في النمو الاقتصادي. كما أن العنف الجنسي والجريمة والاستغلال والتعذيب يتزايد وينتشر أيضًا في حالات النزاع أو في غياب سيادة القانون، ويجب على البلدان اتخاذ التدابير اللازمة لحماية فئات الشعب الأكثر تعرضًا للخطر. ووفقًا للتقارير الصادرة عن منظمة الإسكوا لتقييم الهدف الـ16 في ضوء المؤشرات المذكورة أعلاه أشارت التقارير أن الإبلاغ عن الجريمة هي الخطوة الأولى لضحايا الجريمة للحصول على العدالة ولا يتم التحقيق في الجرائم غير المُبلغ عنها، ولا تستطيع السلطات المختصة إقامة العدالة، فضلًا عن أنه لا تتم معاقبة المجرمين على جرائمهم بل هم أحرار في العودة إلى ارتكاب الجريمة مما يؤثر على معدلات الجريمة والسلامة العامة ونوعية الحياة[7].

ثانيًا: كيف يُمكن الدولة المصرية مساعدة دول أفريقيا جنوب الصحراء في تحقيق الأهداف 2 و3 و16 باستخدام الهدف الفرعى 17.9:

يُمكن للدولة المصرية مساعدة دول أفريقيا جنوب الصحراء في تحقيق هذه الأهداف 2 و3 و16 باستخدام الهدف الفرعى 17.9 بشأن “تعزيز الدعم الدولي لتنفيذ بناء القدرات بشكل فعال وموجه في البلدان النامية لدعم الخطط الوطنية لتنفيذ جميع أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك من خلال التعاون بين الشمال والجنوب، وفيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي”، وذلك من خلال ما يلي:

  1. إعداد استراتيجية واضحة تتضمن احتياجات دول أفريقيا جنوب الصحراء والمشاكل التي تعيق تلك الدول لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، ووضع الخطط والسياسات والمؤسسات الشريكة والميزانيات المقترحة والإمكانات المتاحة التي تتناسب مع الوسائل اللازمة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
  2. التنسيق مع الجهات الفاعلة في الدول الأفريقية لتقديم الدعم اللازم للبرامج التي تعالج التأثير الهائل لهدر الأغذية على الأمن الغذائي والمناخ.
  3. تقديم ورش تدريبية للمزارعين الشباب من دول أفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز مهاراتهم في مجال الزراعة وتدريبهم على الأدوات الحديثة (تكنولوجيا زراعية) التي تزيد من الإنتاجية الزراعية، ومناقشة المزارعين ومعرفة احتياجاتهم وتعزيز الوصول إلى التمويل اللازم في القطاع الزراعي، وذلك من خلال التنسيق مع المنظمات الأفريقية المانحة التي تقدم دعم مالي وتزويد المزارعين به كخطوة أساسية نحو القضاء على الجوع وتحقيق الأهداف الأوسع لأجندة الاتحاد الأفريقي 2036.
  4. تقديم ورش عمل توعوية بأهمية تحقيق السيادة الغذائية والخروج من عباءة التبعية الغذائية.
  5. تقديم برامج توعوية طبية للعاملين بالقطاع الطبي في دول أفريقيا جنوب الصحراء بأهمية توعية الشعب بالسلامة الصحية وضرورة اتباع الإجرءات الوقائية التي تقلل من الإصابة بالعدوى، وتقديم التدريبات الطبية اللازمة للكوادر الأفريقية الطبية في كافة المجالات حتى يتسنى لهم التدخل السريع لمواجهة المشاكل الطبية التي تعاني منها دولهم، وأن يتم تقديم مبادرات بالتعاون مع المنظمات الأفريقية الأخرى للقرى الأفريقية النائية وتوعيتهم بأهمية إجراء عمليات الولادة على يد مهنيين متخصصين.
  6. تعزيز الشراكة مع المؤسسات الأمنية الأفريقية وتقديم التدريبات اللازمة للعاملين بتلك المؤسسات لتأهيلهم على اتباع السياسات التي تهدف إلى تقليل معدل الجريمة، وتقديم مبادرات لتوعية الضحايا بأهمية الإبلاغ عن الجريمة حتى يتم معاقبة الفاعلين.

وختامًا:

من المهم اتخاذ خطوات فعلية لإعادة القارة الأفريقية (أفريقيا جنوب الصحراء) إلى المسار الصحيح باتجاه أهداف التنمية المستدامة، لإجراء تحولات منهجية عميقةٍ نحو اقتصادٍ أكثر استدامة وأكثر مراعاةً للبيئة وأكثر شمولًا، وتسعى الدولة المصرية دائمًا إلى تقديم يد العون للقارة الأفريقية، وتجلى ذلك واضحًا من خلال نقل مصر الرؤية الأفريقية من خلال المشاركة في القمة الأوروبية/ الأفريقية بروكسل 2022، والتي ركزت الدولة المصرية على أهمية تقديم الدول المتقدمة يد العون للدول الأفريقية فى سعيها إلى تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك ضرورة الإسراع بنقل التكنولوجيا إلى الدول النامية، وكذا ضرورة دفع حركة الاستثمار الأجنبى للتوجه نحو القارة الأفريقية.


[1] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “ما هي أهداف التنمية المستدامة؟”، متاح على الرابط، https://www.undp.org/ar/arab-states/%D8%A3%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81-، تاريخ الدخول 12/10/2024، ساعة الدخول 2 مساءً.

[2] رئاسة مجلس الوزراء جمهورية مصر العربية، “نيابة عن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي.. الدكتوره رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي تُشارك في قمة رؤساء دول أفريقيا بكينيا لمناقشة عملية التجديد الحادي والعشرين لموارد المؤسسة الدولية للتنمية IDA”، 30 أبريل 2024، متاح على الرابط، https://cabinet.gov.eg/News/Details/75758، تاريخ الدخول: 12/10/2024، ساعة الدخول: 1 مساءً.

[3] الهيئة العامة للإحصاء، “تقرير مؤشرات أهداف التنمية المستدامة”، متاح على الرابط، https://www.stats.gov.sa/sites/default/files/Sustainable%20Development%20Goals، تاريخ الدخول: 12/10/2024، ساعة الدخول 2 مساءً.

[4] مجموعة البنك الأفريقي للتنمية، ” قمة النظم الغذائية الأفريقية لعام 2023: البنك الأفريقي للتنمية يقود جهود تحسين النظم الغذائية”، 10-سبتمبر-2023، متاح على الرابط، https://www.afdb.org/ar/akhbar-wa-ahdath/balaghat-sahafyah/64214، تاريخ الدخول: 12/10/2024، ساعة الدخول 3 مساءً.

[5] UNSD، “إطار المؤشرات العالمية لأهداف وغايات خطة التنمية المستدامة لعام 2030″، متاح على الرابط، https://unstats.un.org/sdgs/indicators/Global%20Indicator%20Framework%20after%202020%20review_Ara.pdf ، تاريخ الدخول: 12/10/2024، ساعة الدخول 3 مساءً.

[6] UNDP، “الهدف الثالث: الصحة الجيدة والرفاه”، متاح على الرابط، https://www.undp.org/ar/arab-states، تاريخ الدخول:12/10/2024، ساعة الدخول: 3 مساءً.

[7] منظمة الإسكوا، ” قياس الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا”، متاح على الرابط، https://www.unescwa.org/ar/events/%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%B3، تاريخ الدخول: 12/10/2024، ساعة الدخول: 3 مساءً.