بعد 100 يوم من حكم ترامب.. ماذا تقول استطلاعات الرأي عن المشهد في أفريقيا؟

مايو 14, 2025

كتبت – رباب محمد

باحثة في الشأن الأفريقي

منذ بداية ولايته الثانية في يناير 2025، شرع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في تنفيذ أجندة راديكالية لإعادة هيكلة الدور الدولي للولايات المتحدة الأمريكية، قائمة على الانسحاب من الالتزامات العالمية وتقليص النفوذ الأمريكي الخارجي. وجاءت هذه السياسة تجسيدًا لشعار “أمريكا أولًا”، لكنها انعكست بوضوح على دول العالم النامي خاصة الدول الأفريقية التي واجهت تداعيات خطيرة بسبب هذه التوجهات.

فبمجرد تنصيبه، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة الصحة العالمية، رغم كونها الممول والشريك الأكبر للمنظمة. كما أعلن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، وأقر تخفيضات جذرية في ميزانية المساعدات الخارجية تحت ذريعة “مكافحة الهدر”. كما تم تعليق معظم المساعدات المقدمة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمدة 90 يومًا، وإلغاء نحو 83% من برامجها، وتحويل الباقي إلى وزارة الخارجية، مما أثار صدمة واسعة في الأوساط الإنسانية والتنموية، التي اعتبرت القرار نكسة خطيرة للنفوذ الأمريكي في الدول النامية.

انقسام داخلي حول السياسات الجديدة

وقد ترتب على قرارات ترامب حدوث انقسامًا حادًا داخل الرأي العام الأمريكي فبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “بيو”، خلال الفترة من 24 إلى30 مارس 2025، على حجم عينة بلغ 3605 من المواطنين، عبّر 52% عن رفضهم لانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة الصحة العالمية، فيما رفض 46% قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وعبّر 45% عن اعتراضهم على وقف برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).

اتفاقية باريس للمناخ.. وصدمة أفريقية

رغم أن انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ لم يكن الأول (إذ سبق له اتخاذ القرار ذاته عام 2017)، إلا أن العودة إليه في ولايته الثانية جاء في وقت أكثر حساسية، في الوقت الذي تسعي في الدول الأفريقية للحصول على التمويل اللازم للحد من آثار تغير المناخ وتخفيفها، جاء الانسحاب الأمريكي مسببًا مخاوف لدى الدول الفقيرة، وعلى رأسها الدول الأفريقية، التي تخشي من حدوث فراغًا جيوسياسيًا في قيادة المناخ، بفقدان الولايات المتحدة الأمريكية كطرف داعم مما يُعد ضربة قاسية لجهود التكيف في أفريقيا.

وقد أحدث الانسحاب منها في عام 2017 رفضًا شعبيًا حيث أعتبره البعض أضر بالنفوذ العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أعرب عنه استطلاع للرأي قامت به “واشنطن بوست” بالتعاون مع “ABC NEWS” خلال الفترة من 2 إلى 4 يونيو 2017، أن 59% من الأمريكيين لا يوافقون على انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ.

وقد استمر اهتمام الأمريكيين بقضية المناخ مع فوز ترامب بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي عُقدت في 5 نوفمبر 2024، حيث أوضحت نتائج الاستطلاع الذي قام به مجلس “شيكاغو للشؤون الخارجية” خلال الفترة من 15 إلى 17 نوفمبر 2024، خوف الأمريكيين من سياسات ترامب تجاه قضية المناخ، لذا أكد 69% من الأمريكيين على أهمية حفاظ بلادهم على الالتزام باتفاقية باريس للمناخ والذي تعد ميثاقًا عالميًا يدعو الدول إلى الحد بشكل جماعي من انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري، كما أكد 63% أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية تمويل الجهود الدولية لمعالجة تغير المناخ باعتبارها واحدة من أكبر منتجي انبعاثات غازات الاحتباس العالمية.

وقد تضامنت هذه النتائج مع رغبات المواطنين في الدول الأفريقية والتي تسعي إلى أن تتحمل الدول الصناعية الكبرى مسئوليتها في توفير الدعم للدول الفقيرة حتى يمكنها التغلب والتكيف مع أثر التغيرات المناخية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما عبر عنه المواطنون في 22 دولة أفريقية في استطلاع للرأي قام به مركز “الأفرو باروميتر” خلال شهر يناير 2024، وذلك على حجم عينة تراوح بين 1200 إلى 2400 في كل دولة، حيث أعرب 77% من المواطنين في 22 دولة أفريقية أنهم يؤيدون زيادة الضغط على الدول الغنية والمتقدمة لتوفير الموارد لمساعدة المواطنين المتأثرين بتغير المناخ.

فانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ قد يلغي الالتزام البالغ 3 مليارات دولار والتي تعهدت بها لصندوق المناخ الأخضر في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، مما يؤدي هذا الفقدان للدعم المالي إلى إضعاف مبادرات التكيف مع تغير المناخ، لا سيما في المناطق المعرضة للخطر خاصة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تُدمر درجات الحرارة المرتفعة وأنماط الطقس غير المنتظمة الزراعة والأمن المائي.

أثر تجميد أعمال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)  

تعليق أعمال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ترك فراغًا كبيرًا في منظومة الدعم التنموي في أفريقيا؛ فالوكالة كانت من أكبر المانحين في العالم، وهي ركيزة من ركائز القوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية، وتقدم برامج دعم صحية وتعليمية وزراعية، لذا فعواقب وقف تمويلها المفاجئ وخيمة وخاصة في الدول الأفريقية، ففي غرب أفريقيا قد أُغلقت العيادات التي كانت تقدم في السابق رعاية صحية مجانية للأمهات، ما ترك الأمهات الحوامل دون إمكانية الحصول على خدمات لإنقاذ حياتهم، وأُجبرن على الاعتماد على البنية التحتية الصحية التي تعاني بالفعل من ضغوط.

وفي أفريقيا جنوب الصحراء وجد صغار المزارعين أنفسهم يكافحون ضد عدم القدرة المتزايدة على التنبؤ بالأمطار الموسمية والجفاف المطول. ورغم تصرّيحات وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” بأن المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة لن تتأثر، إلا أن الواقع يُشير إلى أن برنامج الأغذية العالمي اضطر إلى وقف مساعداته الغذائية والنقدية خلال موسم الجفاف في جنوب أفريقيا، ما ترك أكثر من 15 مليون مستفيد يعانون من الجوع.

كما تلعب المساعدات الزراعية وبرامج الغذاء الطارئة التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دورًا حيويًا في مكافحة الجوع في المناطق المتضررة من الجفاف والصراعات وحالات الطوارئ المناخية، ويعتمد القرن الأفريقي على البرامج الممولة من الولايات المتحدة الأمريكية لتوفير الإمدادات الزراعية والبنية التحتية للري والمساعدة المالية المباشرة للمزارعين، وتدعم برامج مماثلة في منطقة الساحل مرافق علاج سوء التغذية الأساسية ومبادرات التغذية المدرسية، لذا من المتوقع أن يؤدي تجميد المساعدات إلى مجاعة حادة.

وتُعتبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مسؤولة عن إنقاذ أكثر من 25 مليون شخص، معظمهم من الأفارقة، من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (عبر خطة بيبفار) التي أُنشئت عام 2003، وتوفر خطة بيبفار علاجًا مضادًا للفيروسات يُبقي الحياة لأكثر من 12 مليون فرد في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما تُحافظ على برامج وقائية حيوية وخدمات صحة الأم، ويُهدد تعليق المساعدات بتعطيل سلاسل توريد الأدوية والبنية التحتية للاختبار وشبكات الصحة المجتمعية، ومن المتوقع أن تواجه نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا – التي تُمثل ما يقرب من 50% من المستفيدين من خطة بيبفار – ارتفاعًا محتملًا في معدلات الوفيات المرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية لأول مرة منذ عقدين، مما يُعرض جيلًا بأكمله للخطر.

وتتجاوز مبادرات التنمية التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المساعدات الإنسانية الفورية لتشمل تعزيز النمو المستدام. فقد لعبت مبادرة المرأة العالمية للتنمية والازدهار (W-GDP) دورًا محوريًا في دعم رائدات الأعمال في غانا ورواندا وزامبيا من خلال التمويل الأصغر والتدريب المهني، وتواجه البرامج التعليمية، بما في ذلك منح الفتيات ومبادرات محو الأمية الرقمية، خطر الإلغاء، ما يحد بشدة من الحراك الاقتصادي ويؤدي إلى تفاقم البطالة وعدم الاستقرار الاجتماعي.

ووفقًا لاستطلاعات الرأي الأمريكية فتجميد عمل الوكالة الأمريكية للتنمية يتعارض مع رغبة الأمريكيين في زيادة المساعدات التي تقدمها بلادهم للدول الأخرى وخاصة للدول الفقيرة، فقد أبرزت نتائج استطلاع رأي قامت به شركة “يوجوف” لأبحاث السوق، على حجم عينة بلغ 1142 مواطنًا أمريكيا، خلال الفترة من 4 إلى 6 فبراير 2025، أن 47% من الأمريكيين يؤيدون تقديم بلادهم للمساعدات للدول الأجنبية، ويرى 33% أنه يجب على بلادهم تقديم المساعدات للدول الفقيرة.

الانسحاب من منظمة الصحة العالمية.. وتداعيات كارثية

يُعد انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية قرارًا ذا أثر بالغ على الصحة العامة في أفريقيا، وقد سبق وانسحب ترامب من منظمة الصحة العالمية في عام 2020 ما كان له آثار كبيرة على سياسات الصحة في جميع أنحاء العالم، وأثر بشكل خاص على الدول الأفريقية والتي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية في مجال الصحة والعلاج، وما إن بدأ ترامب فترته الرئاسية الثانية حتى أصدر قرار بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية مرة أخرى.

فالولايات المتحدة الأمريكية تعد واحدة من أكبر الممولين لمنظمة الصحة العالمية، وانسحابها سيؤدي إلى انخفاض كبير في ميزانية المنظمة ومواردها المالية؛ فهي توفر 22% من إيرادات منظمة الصحة العالمية، أي ما يعادل 261 مليون دولار سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم الولايات المتحدة بمبلغ 728 مليون دولار، وهو ما يمثل 14% من إجمالي المساهمات الطوعية للمنظمة، فهي أكبر مانح للمنظمة، حيث توفر حوالي 18% من إجمالي ميزانيتها، وتلعب دورًا حيويًا في قدرتها على أداء مهامها العالمية والاستجابة للأزمات الصحية. لذلك فإن خفض أو قطع هذه المساعدات المالية، خاصة من أكبر مانح يمكن أن يفرض ضغطًا كبيرًا على الهيكل المالي للمنظمة ويترك آثارًا سلبية واسعة النطاق على برامجها الصحية على مستوى العالم.

مما سيجعل الدول الأفريقية التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية الدولية لمكافحة الأمراض تواجه انخفاضًا في الموارد المالية ويؤدي إلى تأخير في توفير اللقاحات والأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى تقليل قدرة المنظمة على تنفيذ البرامج الصحية في أفريقيا، ويهدد برامج الصحة الرئيسية في أفريقيا ويضعف قدرة هذه الدول على الاستجابة للأزمات الصحية، ويؤدي إلى زيادة الوفيات وتفاقم الأمراض، وستشهد بلا شك آثارًا خطيرة على صحة ملايين المواطنين إذا لم يتم تأمين موارد مالية بسرعة لتعويض الفراغ الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية.

وفي حين يري الرأي العام الأمريكي أهمية بالغة للمساعدات الصحية التي تقدمها بلادهم للدول الأخرى جاء الانسحاب من المنظمة ليبرز الاختلاف بين توجهات الإدارة الأمريكية ورؤية المواطنين، ففي استطلاع رأي أجراه “مركز الاستشارات العامة بجامعة ميريلاند” في فبراير 2025، أبدى 79.9% من الأمريكيين دعمهم للمساعدات الصحية الخارجية، معتبرين أنها تسهم في الحد من انتشار الأمراض، وتساعد في تعزيز النمو الاقتصادي في الدول الفقيرة.

خسارة استراتيجية.. وفرصة لخصوم واشنطن

إن تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن دورها في دعم التنمية وخاصة في أفريقيا، يفتح المجال أمام قوى دولية أخرى، مثل الصين وروسيا ودول الخليج، لتعزيز نفوذها عبر شراكات اقتصادية وعسكرية. فبينما تنسحب واشنطن، يستعد خصومها لملء الفراغ، مما يعكس تراجعًا كبيرًا في القوة الناعمة الأمريكية.

وختاما.. من الواضح أن القارة الأفريقية، بما تحمله من تحديات صحية ومناخية واقتصادية، لم تعد ضمن أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب. وقرارات وقف الدعم والانسحاب من المنظمات الدولية قد تكون بداية لمرحلة خطيرة من التراجع في العلاقات الأمريكية-الأفريقية، مما يهدد ليس فقط أمن القارة واستقرارها، بل أيضًا مصالح واشنطن الاستراتيجية على المدى الطويل.

المصادر:

1-ttps://www.dw.com/ar/100-%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%87-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%8A%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B9%D9%82%D8%A8/a-72306113

2- https://www.pewresearch.org/global/2025/04/08/americans-give-early-trump-foreign-policy-actions-mixed-or-negative-reviews/

3- https://peacepalacelibrary.nl/blog/2017/make-our-planet-great-again-impact-trumps-decision-leave-paris-agreement

4- https://www.statista.com/chart/9696/59-oppose-trumps-decision-to-exit-paris-agreement

5- https://globalaffairs.org/research/public-opinion-survey/despite-trump-withdrawal-americans-back-paris-climate-agreement

6-  تقرير عن التنمية في العالم 2010، التنمية وتغير المناخ، البنك الدولي، واشنطن

  7- https://www.afrobarometer.org/wp-content/uploads/2024/11/News-release_Africans-call-on-governments-to-lead-in-climate-fight-with-help-of-rich-nations-Afrobarometer-di-rv-js-bh-22nov24.pdf

8- https://malawiace.com/2025/02/03/the-impact-of-trumps-foreign-aid-freeze-on-africa-an-analysis

9- https://futures.issafrica.org/blog/2025/The-toll-of-USAID-cuts-on-Africa

10- https://www.brookings.edu/articles/what-comes-after-a-usaid-shutdown

11 https://www.brookings.edu/articles/what-comes-after-a-usaid-shutdown

12- https://today.yougov.com/international/articles/51577-under-what-circumstances-do-americans-support-foreign-aid

13- https://www.ipis.ir/ar/subjectview/764406

14- https://www.atlanticcouncil.org/blogs/africasource/trumps-dismantling-of-usaid-offers-a-new-beginning-for-africa

15- https://shafcenter.org/%D8%AA%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81 16- https