كتب – حسام عيد
تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”، تتطلع “بريكس”، التحالف الذي أصبح بمثابة تكتلًا فاعلًا ومؤثرًا في الاقتصاد العالمي، إلى استشراف مجتمع عالمي متعدد الأقطاب.
هدف استراتيجي ينطلق من قمة “بريكس” لعام 2024، في دورتها الـ16، والتي تترأسها روسيا وتستضيفها مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان التابعة للاتحاد الروسي خلال الفترة 22 – 24 أكتوبر 2024.
وقد أرسلت العاصمة الروسية، موسكو، دعوات إلى 38 دولة، وأكدت 32 منها مشاركتها بينها 24 ستكون ممثلة على مستوى القادة؛ وفق ما أفاد المستشار الدبلوماسي للكرملين، يوري أوشاكوف.


ما هي “بريكس”؟
تتألف مجموعة “بريكس” حاليًا من 10 دول، وهي؛ البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، مصر، إيران، المملكة العربية السعودية، إثيوبيا، الإمارات.
وقد أعربت أكثر من 34 دولة إضافية عن اهتمامها بالانضمام لعضويتها، في حين تكهن البعض بأن المجموعة قد تنمو في نهاية المطاف لتشمل أكثر من 100 دولة.
وبريكس هي رابطة حكومية دولية لدول تصنف بأنها ذات إمكانات عالية للنمو الاقتصادي والتنمية، وتم تشكيلها في عام 2006، واسمها اختصار مكون من الحروف الأولى لأسماء الدول المؤسسة لها، وهي: روسيا، البرازيل، الهند، الصين وجنوب أفريقيا.
تأسست المجموعة كجزء من منتدى سان بطرسبورج الاقتصادي بهدف أساسي، وهو التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن، فضلا عن التنمية الإنسانية، ومن أبرز مهام دول المجموعة التغلب على الأزمات المالية والاقتصادية الناشئة، وتحسين مستوى معيشة سكان البلدان المشاركة، والانتقال من الاعتماد على المواد الخام إلى إنتاج التكنولوجيا الفائقة.
الأطراف المكونة تؤكد دائمًا إنها تسعى إلى بناء علاقات على أساس ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والمبادئ الأساسية التي تلتزم بها المنظمة هي الانفتاح والواقعية والتضامن في القرارات والحياد تجاه الأطراف الثالثة.
تهدف المجموعة كذلك إلى خلق بيئة اقتصادية مستقرة ومواتية للأعضاء، فضلا عن تطوير التجارة وتحفيز الاستثمار المتبادل، كما تعمل على إقامة علاقات بين البنوك، واستخدام العملة الوطنية في التسويات المتبادلة.
منذ عام 2024، تحاول الدول الأعضاء في المجموعة تقديم جبهة موحدة بشأن القضايا الدولية الرئيسية، وتسعى جاهدة لجعل المجتمع العالمي متعدد الأقطاب، وتؤكد على العمل المشترك لتطوير الرعاية الصحية، وتحسين مستوى التعليم والحماية الاجتماعية.
“بريكس”.. قوة اقتصادية تفوق مجموعة السبع
أصبحت مجموعة دول “بريكس” ركيزة حيوية واستراتيجية في الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن تتحول إلى إحدى محركات التنمية الاقتصادية العالمية.
في عام 1992 كانت مجموعة السبع تستحوذ على 45.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في مقابل 16.7% لدول البريكس. واليوم، بلغت حصة دول بريكس من الاقتصاد العالمي 37.4% في عام 2023، مقارنة بحصة مجموعة السبع البالغة 29.3%، ما يعني أن الفجوة “تتسع وستتسع” لا محالة.
في العقود الأخيرة، جاء أكثر من 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من دول بريكس، ومن المتوقع أن يبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي في دول البريكس 4%، وهذا أعلى من نظيره في مجموعة السبع 1.7، كما أكد الرئيس الروسي.
كما تمثل بلدان المجموعة حوالي ثلث مساحة اليابسة في العالم، ويعيش فيها أكثر من 45% من إجمالي سكان الكوكب، وتضم حوالي 45% من احتياطياته النفطية، وتحتفظ بأكثر من 17% من احتياطي الذهب العالمي في بنوكها.
وتمثل دول بريكس حوالي ربع صادرات السلع العالمية، في حين تهيمن شركات التحالف على العديد من الأسواق الرئيسية، بما في ذلك موارد الطاقة والمعادن والأغذية.
واليوم، المجموعة ترى إمكانية تنافسية لاستخدام العملات المحلية في التبادل، وتهيئة أدوات مالية تسمح بالقيام بهذا العمل بشكل آمن، حيث تعمل دول بريكس على إنشاء نظام خاص بها مماثل لنظام “سويفت” بين البنوك لتبادل المعلومات المالية.


أولويات استراتيجية لقمة “بريكس” الـ16.. وأعضاء جدد محتملين
على مسار توليها رئاسة مجموعة “بريكس” للعام الجاري 2024، نظمت روسيا أكثر من 200 فعالية سياسية واقتصادية واجتماعية، بما في ذلك أكثر من 20 حدثاً على المستوى الوزاري.
تتمثل أولويات قمة “بريكس” الـ16 في تعزيز التعاون بالمجالات الرئيسية مثل السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة. بالإضافة إلى ذلك، تشمل الأولويات تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والعلوم والرعاية الصحية والبيئة والثقافة والرياضة والتبادلات الشبابية والمجتمع المدني.
ستوفر القمة فرصة لمراجعة التقدم المحرز في مبادرات “بريكس” الحالية واستكشاف مجالات التعاون المستقبلية.
ومن المتوقع أن تؤدي القمة إلى تعهد ملزم من قادة الدول المشاركة بإنشاء آليات لتعاون أعمق في التجارة، وإنشاء مؤسسات تكنولوجية ومالية تعزز التبادلات، بالإضافة إلى تسهيل عملية نقل المهارات والتكنولوجيا عبر الدول الأعضاء.
وسينظر القادة المشاركون بالقمة في قبول أعضاء جدد للمجموعة، حيث تسعى أكثر من 34 دولة إما إلى العضوية الكاملة أو التعاون في بعض الأشكال الأخرى، كما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر 2024.
مراقبون في آسيا يرون إنه بالرغم من إمكاناتها الهائلة، تواجه “بريكس” تحديات كبيرة، لأن الأنظمة السياسية المتنوعة والأولويات الاقتصادية لأعضائها قد تعوق عملية اتخاذ القرار والتعاون داخل المجموعة، كما أن غياب الإطار المؤسسي الرسمي لها يزيد الأمور تعقيدا.
ويرى المراقبون أنه باستثناء بنك التنمية الجديد الذي أنشأته المجموعة، لم يكن هناك الكثير مما يمكن إظهاره، فيما يتصل بالتعاون الاقتصادي بين دول المجموعة.
ومنذ تأسيسه، قدم البنك استثمارات في البنية التحتية والتنمية المستدامة بقيمة حوالي 35 مليار دولار لدول “بريكس”، حيث تغطي المشاريع الطاقة النظيفة، وكفاءة الطاقة، والبنية التحتية للنقل والمياه والصرف الصحي، وحماية البيئة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية.
وتتزايد قائمة الدول التي تسعى إلى الانضمام لمجموعة “بريكس”، لتشمل بعض عمالقة الآسيان والطامحين للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد أعربت اقتصادات بارزة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مثل تايلاند وفيتنام وماليزيا عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، وحتى الدول التي تقدمت بطلبات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مثل تركيا وصربيا، تدرس ما إذا كان الانضمام إلى المجموعة هو الخيار الأفضل.
ويقول محللون آسيويون إن القمة تعقد وسط تحديات وأزمات عالمية هائلة، وإن على القمة أن توفر أيضا إمكانيات لإسكات البنادق، ودفع الفصائل المتحاربة نحو تسوية قابلة للتفاوض، وأن تضغط لإيجاد حلول وآليات ملموسة لإنهاء الصراعات وإحلال السلام؛ لأن السلام شرط لا غنى عنه بالنسبة للتنمية والازدهار المشتركين.