كتبت – أسماء حمدي
لقرون طويلة عاشت قبائل الماساي في السهول الإفريقية المفتوحة حرة طليقة دون قيد، وحتى الآن لا تزال تعيش بالطريقة نفسها تقريبا التي عاشها أسلافهم، وتمكنوا من التمسك بمعظم تقاليدهم والحفاظ على ثقافتهم.
وتعيش الماساي تحديدا في كينيا وتنزانيا وينتسبون إلى المجموعة النيلية، وهي مركب إثني وثقافي ينتمي إليه عدد من القبائل والمجموعات الإفريقية، والتي تعرف بالشعوب الناطقة باللو، ويتميزون بالهدوء والشجاعة في المواقف الخطرة.


حرية وشجاعة
تشتهر قبائل الماساي بملابسهم ذات الألوان الذاهية المميزة، خاصة الأحمر والأزرق، إذ يرمز اللون الأحمر في ثقافتهم إلى الأرض والحرية والشجاعة والدم، إضافة إلي رقصهم الدائم علي إيقاع الطبول الإفريقية لأوقات طويلة.
وتعد “الكوشا” هي الملابس الأشهر التي يرتديها الماساي إذ يلفون بها أجسادهم، بينما تزين النساء أجسادهن بأقراط وأساور مصنوعة من حلي محلية، كما يصنعون أيضا أقراطا من قرون الحيوانات.
وفي تنزانيا يقيم عشرات الآلاف منهم في بيوت مصنوعة من الطين والقش وأعواد الأشجار، والتي عادة ما تتولى النساء بنائها بجانب الأعمال المنازلية، أما الرجال فهم يتفرغون للرعي والصيد، إذ ارتبطت علاقات الماساي بالأرض رعيا واصطيادا.
واتخذت الماساي من الغابات مصدرا أساسيا للحياة، وموردا للقوت والرزق، وبحسب تقاليد هذه القبائل التي عاشت حرة في هذه السهول الشاسعة يتوجب عليهم الحصول على ما يحتجون إليه من دون تدمير الطبيعة التي يعيشون فيها.


طقوس العبور
تمتلك قبائل الماساي ثقافة غنية بالاحتفالات الموسمية ورقصات فلكلورية خاصة بهم، إذ يحتفلون بكل حدث خلال حياتهم بدءا من الولادة والبلوغ وحتى الموت، كما تمثل زغاريد النساء في الحفلات جزءا أساسيا من الهوية الثقافية للماساي.
يحتفل الماساي، وهم رعاة شبه الرحل كل 17 إلى 20 عامًا، بالإنكيباتا، والتي تعني “الدوران في دوائر” بلغة الما، أي “طقوس العبور”، حيث أقيمت الدورة الأخيرة في عام 2007، وهذا العام شارك نحو أكثر من 4000 فتى من قرى المنطقة، والذين تتراوح أعمارهم بين 9 و18 عامًا، إذ يبدأ الحفل رحلتهم إلى مرحلة البلوغ.
ولهذه الطقوس 3 مراحل مهمة لهذه الفئة العمرية، أولها الإنكيباتا وهذه المرحلة للفتية غير المختونين ويتم خلالها اختبار قوة التحمل ورباطة الجأش، إذ يقوم الفتية ويطلق عليهم محاربون بأداء رقصة “أدموا” حيث يشكل الفتيان دائرة ويتوسطها أحدهم ويقوم بالقفز إلى الأعلى بقدر ما يستطيعون حاملين حرابهم التي يستخدمونها في صيد الأسود.
وفي كل رقصة وكل قفزة ينشدون أغانيهم المقدسة، محتفلين بالحياة ومعبرين بشكرهم للإله إنكاي، الذين يؤمنون به، على قدرتهم على القوة والشجاعة وهي السمات التي يعرف بها محاربو الماساي.
ثم تأتي “أنغشير” وهي مرحلة أكل اللحوم حيث يشهر رجال القبيلة سكاكينهم الحادة ويتناولون لحم الأبقار في جماعات، والذي يكون من الماشية التي يرعاها الفتية وخلال الوليمة يقوم الشيوخ بتقييمه.
وختاما تأتي مرحلة أونوتو وتكمن في قدرة الشاب على العمل الجماعي ويتم تقييم ذلك خلال جلسة لشيوخ القبائل.


بالحليب والأعشاب
بعد فترة من الغناء والرقص وقضاء ليلة في نجورونجورو، يسير الأولاد إلى قرية أوليروبي حيث يباركهم شيوخ الماساي، وذلك من خلال إلقاء الحليب الممزوج بالماء والأعشاب على الأولاد.
وعندما تنتهي المراسم التي تستمر 10 أيام، يتم ختان الأولاد ويصبحوا محاربين، ثم يتم وضع قطعة من جلد البقر المضحى به على الإصبع الأوسط ليد الصبي، وتعتبر هذه الخطوة أهم لحظة في إنكيباتا.
ويقول أحد شيوخ الماساي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “إن إنكيباتا مهم جدًا بالنسبة لنا لأنه يعزز الشعور بالحفاظ على الثقافة ويوحد المجتمع بأكمله، ويبني التضامن والتفاهم والشعور بالانتماء”.
وبعد انتهاء المراسم، تم اختيار كيريكا البالغ من العمر 12 عامًا، لقيادة مجموعة الشباب المشاركين في إنكيباتا هذا العام، حيث سيقود كيريكا هذه المجموعة لبقية حياتهم، ويمثل وجهات نظرهم عند اتخاذ قرارات مهمة بين مجتمع الماساي في المنطقة.
في غضون 7 سنوات تقريبًا، سيخضع كيريكا لمراسم إيونوتو، والتي تبدأ الانتقال من المحارب إلى الأكبر، وبعد 7 سنوات أخرى على الأقل، سيصبح رسميًا أحد شيوخ الماساي، وبمجرد أن يجتاز جميع الأولاد البالغ عددهم 4000 طفل طقوس العبور الثلاثة، سيتم عقد إنكيباتي آخر.
وفي عام 2018، أضيفت مراسم العبور الثلاثة إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.
وينتهي الحفل بالصلاة ويعود الأولاد إلى منازلهم، أما بالنسة لأولئك الأولاد الذين لا يستطيعون السفر إلى نجورونجورو لحضور الحفل يمكنهم الحصول على مباركة من أحد كبار السن أثناء مرورهم عبر قراهم.


حياتنا في خطر
منذ سنوات، واجه أكثر من 150 ألفًا من شعب الماساي في تنزانيا الإخلاء من أراضيهم على يد الحكومة التنزانية، وذلك لاستخدام أراضيهم كمحمية للحياة البرية وللصيد التجاري، وفقًا لخطط اللجنة الوطنية لليونسكو في تنزانيا في 2019 لتوسيع منطقة المحمية.
وفي عام 2022، ناشد آلاف الرعاة الماساي في شمال تنزانيا الحكومات الغربية لوقف الخطط إخلائهم، ووجه الرعاة الماساي خطابا للحكومتين البريطانية والأمريكية والاتحاد الأوروبي، يناشدونهم المساعدة في وقف هذه الخطط.
وقال الماساي في خطابهم: “نحن نطلب مساعدتكم لكي تعلم حكومتنا أن أرضنا ليست للبيع وأننا سنواصل مقاومة هذا الاعتداء، منذ فترة طويلة، على حقوقنا والسلامة الإيكولوجية لأرضنا، ولهذا نحن ندعو منظمتكم لشجب هذه الانتهاكات ومساعدتنا في منع شعبنا من الانقراض”.
وأوضح الماساي أن حياتهم في خطر، لأن قدرتهم على الحفاظ على الماشية وتوفير الطعام لمجتمعاتهم ستتدمر إذا جرى إخلاؤهم، وكتبوا في خطابهم، “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”.
وأشاروا إلى أنهم تعرضوا لسنوات، إلى حملات عنيفة، من أجل إخلاء المنطقة للسياحة، وقال أحد زعماء الماساي: “تشعر زوجتي وأطفالي بالتهديد، والمجتمع بكامله قلق بشأن كيف سيبدو المستقبل”