بقلم – تامر محمد سامي
المتخصص في قضايا الأمن القومي وسياسات الدفاع الاستراتيجي
تسعى جميع الوحدات السياسية على الدوام إلى تأمين احتياجاتها من النفط والغاز بما يؤمِّن لها إمدادات مستدامة وآمنة وبأسعار مقبولة، وذلك باعتبار مصادر الطاقة الأحفورية هي عصب الاقتصاد العالمي والمحرك الرئيسي للقواعد الصناعية والآليات العسكرية، ولما كانت الدول الكبرى ذات اقتصادات صناعية كبيرة كثيفة الاستخدام للطاقة، وتمتلك آلة عسكرية ضخمة وأساطيل بحرية تجوب المياه الزرقاء لتأمين الخطوط الملاحية الدولية وتأمين خطوط التجارة العالمية؛ لذا فهي في احتياج دائم لإمدادات ضخمة، مستمرة، وآمنة من الوقود الأحفوري.
وانطلاقًا من ذلك، شكًل أمن الطاقة أحد مفردات الأمن القومي بمفهومه الحديث، وبالتالي مثلت السيطرة على مصادر الطاقة الأحفورية أهمية قصوى لدى الدول الكبرى، وأصبحت إحدى صور التنافس الاستراتيجي بينها، بالشكل الذي قد يقود إلى حروب وصراعات مسلحة بهدف السيطرة على مصادر الطاقة الأحفورية، ولنا في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكذلك Carter Doctrine عام 1980 خير مثال على ذلك.
وتأتي الصين في ذلك السياق باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم – وسط تقديرات بأن تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم عام 2030 – ومن هذا المنطلق، فإن الاقتصاد الصيني في طلب مستمر ومتزايد لمصادر الطاقة الأحفورية، النفط والغاز الطبيعي. وتتركز مصادر الطاقة الأحفورية بالأساس في عدة مناطق حول العالم، منها القوقاز وبحر قزوين، وهي منطقة نفوذ روسي صريحة، ومنطقة الخليج العربي، وهي منطقة نفوذ أمريكي صريحة.
وعلى خلفية الخلافات التاريخية بين روسيا والصين، وكذلك التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومع تبني الصين سياسة عدم الاصطدام بالقوى الكبرى، تجنبت الصين في بحثها عن مصادر الطاقة الاحتكاك سواء بمناطق النفوذ الروسي في القوقاز وبحر قزوين، أو بمناطق النفوذ الأمريكي في الخليج العربي، وعملت على أن تجد لنفسها بدائل متعددة تؤمِّن من خلالها احتياجاتها من مصادر الطاقة الأحفورية، وفي نفس الوقت تكون بعيدة عن مناطق النفوذ التقليدية للدول الكبرى، حتى وجدت الصين ضالتها في أفريقيا.
وتركز هذه الدراسة على النفوذ الصيني وجيبوليتيك النفط والغاز في أفريقيا، وتقوم بتحليل
مظاهر هذا النفوذ وأبعاده، وكذلك الأهداف والمآلات، وذلك من خلال مقدمة وثلاثة محاور رئيسية وخاتمة، وذلك كالتالي:
أولًا: أبرز مظاهر النفوذ الصيني في قطاع النفط والغاز في أفريقيا.
ثانيًا: الأهداف والمآلات.
ثالثًا: التحديات.
رابعًا: رؤية تحليلية وخاتمة.
أولًا: أبرز مظاهر النفوذ الصيني في قطاع النفط والغاز في أفريقيا:
باعتبارها أكبر شريك تجاري للقارة، لعبت الصين دورًا نشطًا في تسخير موارد الطاقة في أفريقيا وتطوير البنية التحتية الحيوية. وبينما تسعى البلاد إلى تأمين إمدادات الطاقة المستقبلية، فضلًا عن تعزيز الدبلوماسية الإقليمية في الجنوب العالمي، قامت الصين بتوسيع حصصها في مشروعات النفط والغاز الاستراتيجية المتكاملة في جميع أنحاء القارة؛ حيث تمثل شركات النفط المملوكة للدولة في الصين معًا: شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وشركة النفط البحرية الوطنية الصينية (CNOOC)، وشركة البترول والكيماويات الصينية (سينوبيك)، خامس أكبر مستثمري الطاقة في أفريقيا، بعد شركات النفط العالمية الأوروبية (بريتيش بيتروليوم، شل، توتال، إيني). وتقود الشركات الصينية وتمول بعض مبادرات الطاقة الأكثر تحويلًا في أفريقيا، بدءًا من التنقيب في المياه العميقة إلى الاستخلاص المعزز للنفط
إلى خطوط الأنابيب الإقليمية التي تربط الموارد الجديدة بالأسواق التي تعاني من نقص الخدمات.[1]
ففي تنزانيا، عقدت شركة CNOOC شراكة مع مؤسسة تنمية البترول التنزانية مطلع عام 2024 لاستكشاف المنطقتين 4/1B و4/1C في أعماق البحار – الواقعتين على مقربة من اكتشافات الغاز الحالية – بحثًا عن النفط والغاز البحري، كما أطلقت الشركة عمليات حفر عشوائية في منطقتي BC-9 وBCD-10 في الجابون في عام 2023، حيث يحتوي حقل Tigre على ما يصل إلى 1.4 مليار برميل من الموارد المحتملة القابلة للاستخراج. وفي مايو 2024، جددت شركة CNOOC عقدها لتقاسم الإنتاج مع شركة البترول الوطنية النيجيرية وشركة TotalEnergies في حقلي Akpo وEgina المنتجين واستكشاف حقل Preowei والذي يمكن أن يمكّن من إجراء استثمارات مستقبلية ضخمة بشأن الاكتشاف الجديد. وفيما يتعلق بالإنتاج، يجري جنوب السودان محادثات مع شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) لتعزيز الإنتاج من المنطقتين
3 و7 في حقول بالوش في أعالي النيل، والتي تديرها الشركة الصينية بالشراكة مع شركتي بتروناس وسينوبك الماليزيتين.[2]
وفي موزمبيق، تمتلك شركة CNPC حصة 20% في مشروع كورال سول للغاز الطبيعي المسال، والذي حول موزمبيق إلى مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال بعد تسليم أول شحنة في نوفمبر 2022.
هذا بالإضافة إلى خط أنابيب Africa Renaissance Gas Pipeline، الذي تم تدشينه في مطلع عام 2024، والذي عند انتهاء العمل فيه، ستبلغ طاقته الاستيعابية 13.2 مليون طن سنويًا من النفط الخام، ويبلغ طوله 2600 كيلومتر، وسيمر خط الأنابيب البري عبر ثماني مقاطعات في موزمبيق بطول 2175 كيلومترًا ومقاطعتين في جنوب أفريقيا بطول 425 كيلومترًا أخرى. وتقوم البنوك الصينية الكبرى بتمويل المشروع، وتشمل هذه البنوك البنك الصناعي والتجاري الصيني، وبنك التنمية الصيني، وبنك التعمير الصيني. [3]
أما في أوغندا، تمتلك شركة CNOOC حصة 8% في مشروع النفط الخام في شرق أفريقيا (EACOP) والذي تتولى شركة China Petroleum Pipeline Engineering التابعة لشركة CNPC بناء وتوريد خطوط الأنابيب الخاصة بالمشروع في صفقة تزيد عن 3 مليارات دولار لنقل النفط الخام الأوغندي إلى ميناء طنجة في تنزانيا، سيعمل EACOP على تسهيل صادرات النفط الخام إلى الأسواق العالمية، فضلًا عن تحفيز النشاط الاقتصادي والبنية التحتية الجديدة وتحسين الخدمات اللوجستية في الممر التجاري المركزي بين البلدين، ويمتد مشروع EACOP على مسافة 1443 كيلومترًا من بحيرة ألبرت في أوغندا إلى ميناء طنجة في تنزانيا، حيث سيتم شحن النفط الذي يتم تسليمه عبر خط الأنابيب إلى الأسواق الدولية. [4]
وفي النيجر، تقود شركة النفط الوطنية الصينية تطوير خط أنابيب التصدير بين النيجر وبنين،
والذي من المقرر أن يزيد إنتاج البلاد من النفط من 20 ألف برميل يوميًا إلى 130 ألف برميل يوميًا
عند اكتماله في 2026، وسيربط خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 1950 كيلومتر، والذي تديره شركة CNPC، حقول نفط Agadem في النيجر بميناء Sèmè في بنين، ويمثل أكبر خط أنابيب عابر للحدود تستثمره CNPC في أفريقيا. [5]
وفي نيجيريا، تشمل مشروعات خطوط الأنابيب الرئيسية قيد الإنشاء خط أنابيب الغاز عبر نيجيريا،
والذي سيمتد عند اكتماله من محطة الغاز Qua Iboe إلى محطة الغاز في كانو، ومن هناك، سيتم توصيله بخط أنابيب الغاز عبر الصحراء المقترح الذي يهدف إلى نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر ربطه بشبكة خطوط أنابيب الغاز الجزائرية، المرحلة الأولى من المشروع، خط أنابيب أجاكوتا – كادونا – كانو بطول 614 كم، قيد الإنشاء ومن المقرر أن تتكلف 2.9 مليار دولار أمريكي، يتم تمويل المشروع بقرض بقيمة 2.6 مليار دولار أمريكي من بنك الصين واستثمار في الأسهم بقيمة 434 مليون دولار أمريكي من شركة الغاز النيجيرية. [6]
أما في أنجولا التي تمتلك أكثر من 9 مليارات برميل من الاحتياطات المؤكدة من النفط، فتسعى كل من الدولتين – أنجولا والصين – إلى زيادة الاستثمارات الصينية في مجال النفط والغاز الأنجولي، ومن أجل ذلك تم انعقاد مؤتمر “Angola Oil & Gas (AOG)” في 2 أكتوبر 2024 في العاصمة الأنجولية لواندا بمشاركة كبيرة من الشركات الصينية العملاقة في مجال النفط والغاز. وكان الرئيس الأنجولي جواو لورينسو قد قام بزيارة رسمية إلى بكين في مارس 2024 التقى خلالها مع الرئيس الصيني شي جين بينج، وكان من النتائج المباشرة للزيارة فوز شركة (CNOOC) الصينية بحق امتياز للاستكشافات البحرية
في Block 24 في المياه العميقة قبالة الساحل الأنجولي، لتنضم (CNOOC ) إلى قائمة تتضمن أكثر من مائة شركة صينية تعمل في أنجولا منها العديد في مجال الطاقة، والتي من بينها شركة China National Chemical Engineering، والتي وقعت عقدًا مع شركة البترول الوطنية الأنجولية عام 2023 لإنشاء مصفاة النفط العملاقة في لوبيتو، والتي من المقرر أن تبدأ الإنتاج في مطلع عام 2026. [7]
وبشكل عام، هناك مشروعات صينية أخرى متعددة في قطاع النفط والغاز الطبيعي في كل من تشاد وجنوب السودان والجزائر والكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية وعدة دول أفريقيا أخرى، هذا وقد أسهم الإقراض الصيني وتمويل التنمية في تطوير البنية التحتية في جميع أنحاء القارة، فقد بلغ إجمالي القروض والمنح والاستثمارات الصينية في أفريقيا في الفترة من 2000 إلى 2024 ما يقدر بنحو 170.08 مليار دولار، منها 134.01 مليار دولار جاءت من مؤسسات تمويل التنمية في الصين، وبنك التنمية الصيني، وبنك التصدير والاستيراد الصيني، ويظهر جليًا من توزيع إجمالي التمويل الصيني للمشروعات في أفريقيا أن مشروعات قطاع الطاقة تأتي في المرتبة الأولى بنسبة (49%)، يليها مشروعات قطاع النقل (32%)، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (24%)، والخدمات المالية والصناعة (19%)، والتجارة والخدمات (12%)، وحتى عام 2024، يأتي كل من بنك التنمية الصيني، وبنك تنمية الصادرات (CHEXIM)
في صدارة مؤسسات التمويل الصينية لمشروعات النفط والغاز في أفريقيا بإجمالي 52.38 مليار دولار بنسبة 51% من التمويلات الصينية لقطاع الطاقة في أفريقيا، وفي المقابل، فإن تمويل الصين لمشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا هو بمبالغ ضئيلة، بلغت عن ذات الفترة 975.11 مليون دولار فقط بما يشكل 2% من إجمالي التمويلات الصينية، وهو ما يؤكد تركيز الصين على الاستثمار في مشروعات النفط والغاز دون غيرها من المشروعات. [8]
وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن الصين تأتي في مرتبة متأخرة في استثمارات النفط والغاز في أفريقيا بالمقارنة بباقي الشركات العالمية العاملة في مجال الطاقة الأحفورية، وذلك في غالبية مؤشرات المقارنة، فعلى مؤشر أكثر الدول الأفريقية استقبالًا للاستثمارات في مجال النفط والغاز عن المدة من 2020
إلى 2023، لم تكن أي من الشركات الصينية حاضرة على الإطلاق، وتصدرت الجزائر القائمة بإجمالي استثمارات 3.256 مليار دولار ضختها بالكامل سوناطراك الجزائرية، تلاها على نفس المؤشر مصر بإجمالي استثمارات 1.744 مليار دولار ضختها شركات (Eni, BP, APA Corporation, Edison E&P)، ثم جاءت نيجيريا في المركز الثالث بإجمالي استثمارات 1.331 مليار دولار ضختها شركات (Shell, ExxonMobil, Sunlink, Maurel & Prom).
وفي قائمة تتضمن 20 شركة عالمية عاملة في مجال النفط والغاز توسعت استثماراتها في أفريقيا
عن الفترة ذاتها، تصدرت TotalEnergies الفرنسية القائمة بـ 2.270 مليون برميل نفط مكافئ، تلتها سوناطراك الجزائرية بـ 1.748 مليون برميل طن نفط مكافئ، وجاءت Eni الإيطالية في المركز الثالث بـ 1.319 مليون برميل طن مكافئ، في حين كان ظهور الشركات الصينية في ذات القائمة بحلول (CNOOC) في المركز العاشر بـ 431 مليون برميل طن نفط مكافئ، و (POLY –GCL Petroleum Group Holding) في المركز العشرين بـ 200 مليون برميل نفط مكافئ فقط. [9]
هذا، وقد أتت شركة (POLY –GCL Petroleum) الصينية في المركز الخامس في قائمة الشركات العاملة على إنشاء أكبر 5 محطات إسالة الغاز الطبيعي في أفريقيا، حيث تصدرت القائمة كل من ExxonMobil الأمريكية وEni الإيطالية في المركز الأول بمشروعهما المشترك محطة Rovuma
في موزمبيق، تلتهما Total Energies الفرنسية في المركز الثاني بمشروعها لإنشاء “محطة موزمبيق”
في موزمبيق، ثم تأتي في المركز الثالث (British Petroleum) بمشروعها لإنشاء محطة (Greater Tortue Ahmeyim) ما بين كل من موريتانيا والسنغال، وأخيرًا تأتي في المركز الرابع كل من (Equinor) النرويجية و(Shell) البريطانية في مشروعهما المشترك محطة تنزانيا لإسالة الغاز الطبيعي.
بينما تظهر الشركات الصينية بقوة في قائمة الشركات المنفذة لأهم وأطول 5 خطوط أنابيب للغاز الطبيعي في القارة؛ حيث إنه بالرغم من احتلال شركة النفط الوطنية النيجيرية للمركزين الأول والثاني بكل من مشروع (Nigeria – Morocco Gas Pipeline) بالتعاون مع هيئة النفط والتعدين المغربية بطول 5660 كم، ومشروع (Trans – Saharan Gas Pipeline) بالتعاون مع سوناطراك الجزائرية وحكومة النيجر بطول 4128 كم، إلا أن الشركات الصينية تحتل المراكز الثالث والرابع والخامس في القائمة بكل من مشروع (African Renaissance Gas Pipeline ) بطول 2600 كم ما بين موزمبيق وجنوب أفريقيا وتنفذه (CNPC) الصينية بالتعاون مع Eni الإيطالية، ومشروع (Niger – Benin Oil Pipeline) وتنفذه (CNPC) الصينية بطول 1950 كم، ومشروع (East African Crude Oil Pipeline “EACOP”) والذي تنفذه (CNOOC) الصينية بطول 1443 كم وذلك بالتعاون مع كل من (Total Energies) الفرنسية و(UNOC) الأوغندية و(TPDC) التنزانية. [10]
وعلى جانب آخر، اختفت تمامًا المؤسسات المالية الصينية بكافة أنواعها من قائمة تتضمن أكبر المؤسسات المالية العالمية التي تقوم بتمويل الاستثمارات في مجال الطاقة الأحفورية في أفريقيا لعام 2023، بينما احتلت المؤسسات المالية الأمريكية 14 مركزًا من أصل 23 مركزًا تتضمنهم القائمة، تتصدرهم كل من (BlackRock) و (Vanguard) الأمريكيتين بتمويل يصل إلى 12.058 مليار دولار و 8.397 مليار دولار على الترتيب، وظهر تأثير ذلك في استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على 20% من تمويل مشروعات النفط والغاز في أفريقيا، تليها فرنسا بنسبة 13%، والمملكة المتحدة بنسبة 12%، واليابان بنسبة 11%، ثم تأتي الصين بنسبة 6% من تمويلات مشروعات النفط والغاز في أفريقيا، تليها جنوب أفريقيا وإيطاليا وإسبانيا كل منهم بنسبة 5%. [11]
ثانياً: الأهداف والمآلات:
بالنظر إلى أن الصين فهي أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم طبقاً لتقديرات عام 2024، وذلك باعتبارها أكبر سوق مستهلكة للغاز الطبيعي في العالم، إذ تستهلك ما يزيد عن 364 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا مع طلب في ازدياد مستمر، بالإضافة إلى استيراد ما يزيد عن 72%
من احتياجاتها من النفط، وسط توقعات بأن الاستهلاك الصيني للنفط من المتوقع أن يرتفع في 2030
إلى الضعفين، حيث يرتفع الاستهلال الفعلي من نحو 9.5 مليون برميل يوميًا من النفط عام 2020 إلى نحو 20 مليون برميل يوميًا في عام 2030، ذلك في مقابل ظهور فجوة كبيرة في الطلب الصيني على النفط والغاز الطبيعي بسبب النقص الوارد في الاحتياطيات المحلية من الطاقة، وهو ما يضطرها إلى رفع معدلات البحث والتنقيب عن مخزونات جديدة في أعماق أخرى من المياه الإقليمية لبحر الصين الجنوبي، وتتكون معظم صادرات أفريقيا إلى الصين من النفط ومشتقاته، ففي عام 2019، استحوذت منطقة جنوب الصحراء الكبرى على أكثر من 16 % من إجمالي النفط الخام الذي استوردته الصين، ونما حجم صادرات خام أفريقيا جنوب الصحراء إلى الصين بأكثر من 100 % بين عامي 2018 و2024 من 1.5 مليون برميل يوميًا في 2018 إلى 3.5 مليون برميل يوميًا في عام 2024. [12]
في ضوء ذلك، يمكننا أن نرى أن أهم دوافع الصين للتفاعل مع أفريقيا هو العامل الاقتصادي؛ ولذلك فإن الصين تنظر إلى أفريقيا على أنها عنصر مركزي في مشروع استدامة نمو اقتصاد الصين وتطويره على المدى البعيد، حيث تعد أفريقيا مصدرًا مهمًّا لتزويد الصين بحاجتها المتزايدة من النفط والغاز، فلديها واحد من أضخم احتياطيات مصادر الطاقة الأحفورية، ويظهر ذلك جليًا في عام 2022 بعد أن حلت أنجولا محل السعودية كأكبر مزوِّد للصين بالنفط على المستوى الدولي، حيث تمدها بنحو 15% من كل وارداتها النفطية. [13]
هناك أيضًا الدوافع السياسية والأمنية، حيث تعد القارة الأفريقية أرض خصبة لتوسيع النفوذ الصيني السياسي؛ حيث تعد الصين هي بالفعل القوة البارزة في آسيا، وقد تمكنت من الوصول إلى العناصر الاقتصادية الأساسية في أفريقيا مثل قطاع المرافق والاتصالات في الدول الأفريقية، مع تطوير نفوذها العكسري، فإنها تمتلك أيضًا تحالفًا سياسيًا كبيرًا في تلك الدول. ولأن التزود بالموارد الطبيعية الأفريقية، وخصوصًا الطاقية منها، باتت من مرتكزات الأمن القومي الصيني؛ فمن الطبيعي أن نشهد حماية صينية لمناطق نفوذها بهذه القارة، سواء عبر المشارکة في عمليات حفظ السلام المنتشرة ببعض الدول الأفريقية
( ليبيريا، الکوت ديفوار، جنوب السودان، السودان، الکونغو الديمقراطية)، أو عن طريق توريد السلاح؛ فقد استوردت أفريقيا 13% من الصادرات الصينية من الأسلحة التقليدية خلال الفترة 2019 – 2024 .[14]
وعلى المستوى الاستراتيجي، تسعى الصين للحصول على الدعم الأفريقي لمساندتها والدفاع
عن قضاياها في المحافل الدولية مثل تايوان وهونج كونج وبحر الصين الجنوبي، لا سيما أن أفريقيا تتمتع بكتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة؛ حيث تمثل حوالي 28% من إجمالي أعضاء الجمعية العمومية، وتضم منطقة غرب أفريقيا وحدها 16 دولة أفريقية بما يجعلها كتلة تصويتية معتبرة؛ يُمكن للصين توظيفها في حماية مصالحها الاستراتيجية في النظام الدولي، كما تستهدف بكين الدعم الأفريقي لسياسة “الصين الواحدة”، ومن ثم عزل تايوان دبلوماسيًّا في قارة أفريقيا من خلال إقناع الدول الأفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية معها؛ حيث اعتبرتها شرطًا رئيسيًّا لضخ المزيد من المساعدات والاستثمارات الصينية
في الدول الأفريقية، وقد دفعت هذه السياسة كلًا من غامبيا وبوركينا فاسو على سبيل المثال إلى سحب اعترافهما بتايوان.[15]
وتدرك بكين أن انخراطها في غرب أفريقيا بالتحديد يشكل تحديًّا مباشرًا للمصالح الأمريكية والأوروبية بما في ذلك فرنسا. وفي هذا الإطار، تحاول بكين استغلال تراجع شعبية القوى الأوروبية لا سيما فرنسا
التي تشهد علاقاتها توترًا مع بعض دول المنطقة مثل مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو،
وحاجة الأفارقة للاستثمارات والمساعدات الصينية الاقتصادية والتنموية، في توسيع دائرة تحركاتها
في المنطقة على كافة المستويات. كما أنها تعزز مخاوف الغرب التي يروجها بشأن التقارب الجيوسياسي بين الصين وروسيا في غرب أفريقيا، حيث ترى بكين أنه يمكن توظيفه لمواجهة الغرب والولايات المتحدة في المنطقة، وفي هذا السياق، تسعى الصين إلى تعزيز نهجها في الدبلوماسية الإقليمية في الجنوب العالمي، وتدعيم أواصر التعاون ما بين (الجنوب – الجنوب)، وذلك في إطار استراتيجيتها العالمية لتأسيس وخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لا يخضع للهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية.[16]
وفي إطار استهداف الصين تأمين احتياجاتها المستقبلية من إمدادات النفط والغاز، فقد استبدلت الصين القروض الأفريقية الرخيصة باستثمارات في الطاقة في محاولة لتعزيز نفوذها وتأمين إمدادات النفط والغاز المستقبلية، حيث إنه كثيرًا ما تقدم الصين قروضًا منخفضة الفائدة للدول التي تعتمد على السلع الأساسية
مثل النفط أو الموارد المعدنية. وأقرب مثال على ذلك ما يسمى بـ “نمط أنجولا “، الذي اتخذته الصين في تقديم المساعدات لأفريقيا؛ حيث ساعدت الصين على إعادة بناء أنجولا بعد اتفاق البلدين على أن تقوم أنجولا بسداد الديون الصينية باستخدام نفطها في المستقبل، هذا النوع من المساعدات، وصفه تقرير صادر عن البنك الدولي بـ”نمط أنجولا”. وإن كانت قد ظهرت هنا الشكوك في هذا النمط الذي يركز على مقايضة البنية التحتية بالموارد وعدم وضوح التمييز بين المساعدات والتجارة والاستثمار. وفي الحقيقة،
“نمط أنجولا” هو اتفاقيات وعقود وقعت بين المؤسسات الصينية والأنجولية بدعم من حکومتي البلدين
وعلى أساس الاحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. کما منحت الحکومة الصينية قروضًا تفضيلية لتشجيع المؤسسات الصينية على الاستثمار في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد، وهذا النمط لم يُسهم في دفع التنمية الاقتصادية في أنجولا فحسب، وإنما أيضًا ساعد على انطلاق المؤسسات الصينية إلى الخارج، وحققت الصين وأنجولا الفوز المشترك بفضل هذا النمط.[17]
ومن جانب آخر، فقد تمسكت الدول الأفريقية بعلاقاتها بالصين منذ عام 2000، وسرّعت من عجلة تلك العلاقات کما حاولت توطيدها، وتعود حماسة الحکومات الأفريقية للاستجابة للنشاط الصيني إلى ثلاثة أسباب [18]:
1- منهج الصين القائم على منهج “عدم إملاء الشروط السياسية”، واعتماد منهج تفاعل اقتصادي قريب من المنهج التقليدي الغربي في النشاط الاقتصادي مع أفريقيا لقي قبولًا لدى القادة الأفارقة لعدة أسباب؛ منها تاريخ الاستعمار ورغبة أفريقيا في حماية فعالة لاستقلالها السياسي، کذلك تفضيل القادة الأفارقة لأنظمة وسلطات سياسية مرکزية، وليس مثل الأنظمة الغربية القائمة على النظام الديمقراطي التفويضي الذي تفضله الحکومات الغربية، وأخيرًا هو ما تعرضه الصين على القادة الأفارقة من مسارات بديلة للتنمية، ليس فيها مجال للهيمنة الخارجية.
2- وعد الصين بشراکة تحقق «الكسب للجميع»، خاصة عزم الصين على الاستثمار والدعم في مجال التنمية في البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية في أفريقيا التي تعاني من عجز کبير في البنية التحتية، وخاصة في الطرق، والجسور، والموانئ، والمستشفيات، والمدارس.. إلخ. ويدل تعهد الصين بالاستثمار في هذا المجال على أنها تستجيب لاحتياجات الدول الأفريقية التنموية .
3- اعتماد الصين لمنهج فريد في تقديم المعونات التنموية والتمويل، حيث تمزج بين المنح الخاصة، والقروض الخالية من الفوائد (القروض التفضيلية)، والقروض الامتيازية لتمويل المنح الدراسية،
وبناء منشآت البنية التحتية وتجهيزات الاتصالات، وبناء القدرات في مجال الزراعة والتعدين.
ثالثاً: التحديات:
هناك العديد من التحديات التي تواجه النفوذ الصيني في مجال النفط والغاز في أفريقيا، وتجدر الإشارة إلى أن استثمارات الصين في أفريقيا تواجه منافسة شرسة مع شركات النفط والغاز التابعة للدول الكبري والتي تعمل على عدم منح الصين السيطرة في أفريقيا في هذا القطاع الاستراتيجي؛ حيث إنه ومع كثافة وغزارة الاستثمارات والمنح والقروض الصينية في مجال الطاقة الأحفورية في أفريقيا، إلا أنها لا تزال في المراحل الأولى مقارنة باستثمارات الدول الأوروبية الرئيسية التي لها ماضٍ استعماري في أفريقيا، وخاصة فرنسا والمملکة المتحدة، حيث تحتل الصين (بشركاتها مجتمعه) المرتبة الخامسة کأحد أکبر الدول المستثمرة في الطاقة الأحفورية في أفريقيا، بعد فرنسا والولايات المتحدة الأمريکية، وبريطانيا، وإيطاليا (Total, Exxon Mobil. British Petroleum, Eni).[19]
ويعد التحدي الأمني هو أحد أبرز التحديات التي تواجه النفوذ الصيني في مجال الطاقة الأحفورية
في أفريقيا، إذ إن مصافي البترول وخطوط أنابيب النفط والغاز تتعرض لعمليات تخريب مستمرة
من الجماعات المسلحة في مناطق متفرقة في أفريقيا أبرزها دلتا النيجر وخليج غينيا، وتختلف دوافع الجماعات المسلحة القائمة بعمليات التخريب ما بين الرغبة في الاستيلاء على أرباح بيع النفط والغاز، وما بين دوافع سياسية محلية، مما دفع الصين إلى الاعتماد على شركات أمنية صينية خاصة بمهمة تأمين تلك الاستثمارات، وكذلك تأمين العاملين الصينيين، والذين تعرضوا أيضًا لعمليات اختطاف متفرقة. ومع ذلك، فإن الاستثمارات الصينية في النيجر التي ضربها الانقلاب وموزمبيق التي تعاني من الإرهاب تظهر رغبة الشركات الصينية في العمل في المناطق الصعبة التي لا تقدم الشركات الغربية على الاستثمار فيها.[20]
ويأتي من ضمن التحديات التي تواجه الاستثمارات الصينية بشكل عام، وفي قطاع الطاقة الأحفورية بشكل خاص، تلك الحملة الغربية الممنهجة للترهيب من الوقوع فيما اصطلح على تسميته (دبلوماسية فخ الديون)، وهي الحملة التي تهدف إلى عزوف الدول عن استقبال القروض والمنح والاستثمارات الصينية، حيث إنه لطالما أثار سخاء بكين في أفريقيا اتهامات بدبلوماسية فخ الديون وشراء الأصوات. حيث ترى القوى الغربية أن المستفيدين الرئيسيين من استثمارات الطاقة في أفريقيا قد اعتادوا على الوقوف إلى جانب الصين في الأمم المتحدة، وتفعل نيجيريا ذلك في 76% من الحالات، مقارنة بـ 75% في مصر و79%
في الجزائر، حيث رفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على سبيل المثال اقتراحًا بقيادة الغرب لمناقشة انتهاكات الصين المزعومة لحقوق الإنسان؛ حيث دعم بكين منتجو النفط الناشئون، مثل الكاميرون
وكوت ديفوار والجابون وناميبيا وموريتانيا والسنغال والسودان.[21]
وكذلك يأتي من ضمن التحديات، عدم تمكن المنتجين الأفارقة من زيادة الإنتاج لمواكبة الطلب الصيني المتزايد على النفط، حيث تسبب نقص الاستثمار والمشكلات الفنية في الحقول القديمة في انخفاض الإنتاج في الدول المنتجة القائمة، بما في ذلك أعضاء أوبك نيجيريا وأنجولا وجمهورية الكونغو، مما دفع الصين ـ التي تستورد 10 ملايين برميل يوميًّا من النفط الخام إلى تعزيز وارداتها من النفط الروسي الرخيص
منذ حرب أوكرانيا، في البداية على حساب الدول النفطية في غرب أفريقيا، ومع ذلك، فإن ارتفاع الاستثمارات الصينية في القارة مؤخرًا يمكن أن يغير التوقعات بالنسبة للمنتجين الأفارقة الذين يسعون
إلى الاستثمار في أعقاب موجة من عمليات سحب استثمارات شركات النفط العالمية من الأحواض الناضبة مما يترك المجال للمقرضين الصينيين لملء الفراغ.[22]
وأخيرًا، يأتي تحدي ولاء بعض القادة الأفارقة للقوى الغربية الاستعمارية السابقة؛ حيث تسارع بكين نحو استقطاب المزيد من النخب السياسية والاقتصادية في دول أفريقيا من أجل خلق حالة من الولاء لها، وتحقيق الامتثال لتطلعات الصين الجيوسياسية، مما يمنحها القدرة على توجيه المواقف الأفريقية
في المسارات التي تعزز مصالح بكين الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك من خلال تقديم القروض التي تعزز الاستفادة الصينية عبر ربط الحكومات الأفريقية ببكين لتكريس نوع من النفوذ السياسي للصين وزيادة تأثيرها في دول أفريقيا.[23]
رؤية تحليلية وخاتمة:
تدرك الصين أن تأمين إمدادات الطاقة من النفط والغاز الطبيعي لثاني أكبر اقتصاد في العالم هو أحد أهم مفردات أمنها القومي، كما تدرك أنه عليها لتأمين ذلك خوض منافسة شرسة مع قوى كبرى في سوق النفط والغاز العالمي، هذا إلى جانب أهمية اتساق أهدافها مع أهداف الأسواق المنتجة حتى تتمكن من خلق أرضية تعاون مشتركة تمنحها مزايا تفضيلية في مقابل المنافسين الدوليين، كما تدرك بكين أن الولايات المتحدة والقوى الغربية لها بالمرصاد، وأنهم سيعملون على تقويض إمدادات الطاقة إلى الصين باعتبارها المحفز الأول لانطلاقة الاقتصاد الصيني الذي يقترب من انتزاع موقع الصدارة من الاقتصاد الأمريكي كأكبر اقتصاد في العالم. في خضم ذلك، تواجه الصين العديد من التحديات، الاقتصادية منها والتجارية والأمنية، وتعمل الصين على مواجهة تلك التحديات ومعالجتها بشكل يخدم الاقتصاد الصيني ويحقق تأمين إمدادات الطاقة الأحفورية إلى الصين بالشكل الذي يحقق استدامة تلك الإمدادات وتأمينها في المستقبل.
وبنظرة متفحصة لما تم تناوله في الدراسة، نجد أنه من ضمن أقاليم أفريقيا الخمسة (شمال، وسط، شرق، غرب، جنوب)، تتركز الاستثمارات الصينية في قطاع النفط والغاز في غرب أفريقيا في المقام الأول، يليه شرق أفريقيا، ثم الجنوب، وأخيرًا الشمال والوسط على الترتيب – والذي تتمتع فيهما الصين باستثمارات كبيرة في قطاع التعدين (الجزائر تحديدًا)، وفي قطاع الموانئ البحرية (مصر، المغرب، الجزائر)، والمناطق الصناعية (مصر والمغرب) – وهو ما يفسر نمو الاستثمارات والمشروعات الصينية في دول غرب وشرق أفريقيا في إطار مقايضة الصين الدول الأفريقية مشروعات البنية التحتية
التي تحتاجها تلك الدول مقابل الموارد التي تحتاجها الصين، وذلك في إطار ما يعرف باسم “نمط أنجولا”، فالدول الأفريقية الغنية بالنفط والغاز هي دول ليست متقدمة صناعيًا، وبالتالي لا تمتلك القاعدة الصناعية المستهلكة لكامل إنتاجها من النفط والغاز، وهو ما يقود إلى أن يتوافر لديها فائض كبير للتصدير من مصادر الطاقة الأحفورية تقوم بتصديره إلى الدول الصناعية الكبرى التي تعاني من عجز كبير في مصادر الطاقة نظرًا لامتلاكها قاعدة صناعية ضخمة، لذا نجد الصين تقوم بتمويل العديد من مشروعات البنية التحتية
في شرق وغرب أفريقيا كمشروعات خطوط السكك الحديدية ومشروعات الطرق وكذلك مشروعات الموانئ البحرية وغيرها، في مقابل ضمان حصولها على إمدادات الطاقة الأحفورية.
كما نجد أن المشروعات الصينية في قطاع النفط والغاز في أفريقيا هي مشروعات ذات حجم استثماري لا يقارن في غالب الأحوال بالاستثمارات الأوروبية والأمريكية الضخمة، إلى جانب أن الشركات الغربية تكاد تنفرد بمشروعات التنقيب والاستكشاف والاستخراج، بينما تتميز الشركات الصينية في مجالات خطوط الأنابيب بأنواعها، وهو ما يوضح من منظور جيواستراتيجي أن التنافس الدولي على مصادر الطاقة في أفريقيا لا يزال محسومًا لصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وأن الصين تحتاج لبذل مزيد
من الجهد للحصول على نفوذ أكبر في قطاع الطاقة الأحفورية في أفريقيا، وذلك في ظل أن القوى الغربية في غالب الأمر لن تسمح بتقليص حصتها من سوق الطاقة في أفريقيا.
وعلى الرغم من أن الصين شأنها شأن كافة الدول في النسق الدولي تسعى لتأمين مصالحها الحيوية وتحقيق أمنها القومي، إلا أن الصين تقدم نفسها كشريك يمكن الوثوق به في إطار تبادل المنفعة والمصالح المتبادلة، على عكس النموذج الغربي الاستعماري القائم على استنزاف موارد القارة دون تقديم الحد الأدنى من المصالح المتبادلة، فلقد تطورت العلاقات الاقتصادية بين الصين وأفريقيا بسرعة على مدى العقدين الماضيين وارتفعت التدفقات من 75 مليون دولار (2003) إلى 7 مليارات دولار (2024).
وقد كان لهذا العديد من التأثيرات الإيجابية على أفريقيا، من خلال تحسين البنية التحتية وخلق فرص العمل، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي الشامل، مما يؤدي إلى تحسين الاتصال، والتجارة والنقل في قارة كان فيها تكامل البنية التحتية دائمًا تحدياً كبيراً. وقد أدى خلق مثل هذه الفرص في أفريقيا إلى دعم انخفاض معدلات البطالة، ومعدلات الفائدة. ومن خلال الاستثمارات الصينية، قامت الدول الأفريقية بتنويع اقتصاداتها،
مع زيادة الوصول إلى مصادر جديدة لتوليد الدخل والنمو الاقتصادي، وتحسين الرخاء العام. [24]
ومن خلال ذلك، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ عام 2009، وفي منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC)عام 2021 أعلن الرئيس شي تقديم الصين 10 مليارات دولار استثمارات مباشرة خلال الفترة 2022-2025، وفي عام 2023، بلغ التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا أكثر من 282 مليار دولار، وما يقرب من 16٪ من إجمالي الصناعات التحويلية في أفريقيا جاءت كواردات من الصين، وهو تحول في قارة كانت تعتمد بشكل كبير على أوروبا، وتم إنشاء 25 منطقة للتعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين في ستة عشر دولة أفريقية. هذه المناطق، اجتذبت 723 شركة بإجمالي استثمارات 8.35 مليار دولار بنهاية عام 2023. وقد عززت تلك المناطق الصناعية من التصنيع المحلي في مختلف القطاعات، بما في ذلك الموارد الطبيعية والزراعة والتصنيع والتجارة والخدمات اللوجستية؛ حيث ركزت ثلث الشركات الصينية على التصنيع، وربعها على الخدمات، وحوالي الخمس في التجارة والبناء والعقارات، وفي قطاع البنية التحتية، تستحوذ الشركات الصينية على ما يقرب من 50% من التعاقدات في أفريقيا.
ومع هذه الاستثمارات، نما الناتج الصناعي في أفريقيا إلى ما يقرب من 12% أي حوالي 500 مليار دولار سنويا. [25]
وختاماً، وبرؤية استشرافية، ليس من المنتظر أن يتغير شكل العلاقة بين الصين وأفريقيا في المدى القريب أو المتوسط، إذ من المتوقع أن تظل علاقة المقايضة والمنفعة المتبادلة بين الطرفين هي الحاكمة، وأن تستمر الصين في تقديم الاستثمارات الضخمة في مجال البنية التحتية مقابل ضمان الحصول على الموارد، وإن كان على الصين أن تأخذ خطوات كبيره في زيادة حجم ونوعية استثماراتها في مجال الطاقة الأحفورية في أفريقيا إذا أرادت بالفعل أن تمتلك نفوذ حقيقي في هذا القطاع الاستراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
قائمة المراجع
- الصراع الصيني الأمريكي على أفريقيا، مركز مقديشو للدراسات والبحوث، 23 يوليو 2023، http://mogadishucenter.com/blog/2015/07/23/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AC%D9%8A%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A/
- موقع هيئة الاستعلامات المصرية على شبكة الإنترنت، بتاريخ: 17 يونيو 2023، على الرابط: http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=5374#.VnMwhhV97IU
3- Larry Hanauer, Lyle J. Morris , Chinese Engagement in Africa Drivers, Reactions, and Implications for U.S. Policy, Rand, 2024. http://www.rand.org/pubs/research_reports/RR521.html
4- لي ليان خه، الصين وأفريقيا… يدًا بيد نحو مستقبل أفضل، نشر بتاريخ: 22 تشرين2/نوفمبر 2022
5- Energy Institute, Statistical Review of World Energy, 72nd edition, June 2023, https://www.energyinst.org/statistical-review.
6- Institute of Economics and Research of China National Petroleum Company, China Natural Gas Development Report, July 2023, Petroleum Industry Press. Three supervising national agencies are National Bureau of Energy, Development Research Center of State Council, and Ministry of Natural Resources. http://www.nea.gov.cn/2023-07/21/c_1310733569.htm.
7- Natural Gas Development Report (2023), 6.
8- موسى مهدي، بكين تنتزع القارة السمراء من واشنطن، جريدة العربي الجديد، 21 فبراير 2024، http://www.alaraby.co.uk/economy/2014/11/21/%D8%A8%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%B2%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86
9- Sarah Wenzel, Who is financing Fossil Fuel in Africa, Urgewald, Germany, 2023.
10- Mateusz Pietrzela, Who is financing Fossil Fuel in Africa, Urgewald, Germany, 2023.
11- Katrin Ganswindt, Who is financing Fossil Fuel in Africa, Urgewald, Germany, 2023.
12- “China Overtakes Japan as World’s Largest LNG Importer in January-June 2023,” LNG Prime, July 20, 2023, https://lngprime.com/lng-terminals/china-overtakes-japan-as-worlds-largest-lng-importer-in-january-june/86603.
13- Natural Gas Development Report (2023), 5–6.
14- Natural Gas Development Report (2023), 5–6; and General Administration of Customs of the People’s Republic of China, “Customs Statistics,” http://stats.customs.gov.cn/indexEn.
15- “Russia to Supply 22 Bln Cubic Meters of Gas to China over Power of Siberia – Novak,” TASS, March 23, 2023, https://tass.com/economy/1593629.
16- Clyde Russell, “Column: China Imports More LNG But Not Enough to Drive Spot Prices,” Reuters, July 6, 2023, https://www.reuters.com/markets/commodities/china-imports-more-lng-not-enough-drive-spot-prices-russell-2023-07-06/; and Jenny Nguyen Yang, “China’s LNG Demand Rebound Has Started, But Will it Accelerate?” S&P Global, June 5, 2023, https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/ci/research-analysis/chinas-lng-demand-rebound-has-started-but-will-it-accelerate.html.
17- National Energy Administration, “Clean, Low-Carbon, Safe and Efficient ‘14th Five-Year Plan’ Modern Energy sSystem Built this Way,” March 25, 2022, http://www.nea.gov.cn/2022-03/25/c_1310529475.htm.
18- National Development and Reform Commission, “Opinions on Improving Institutional Mechanisms and Policy Measures for Green and Low-Carbon Energy Transition,” January 30, 2022, https://www.gov.cn/zhengce/zhengceku/2022-02/11/content_5673015.htm.
19- National Development and Reform Commission, “Guiding Opinions on Improving the Pricing Mechanism for Gasification Services of LNG Terminals,” May 20, 2022, https://www.gov.cn/zhengce/zhengceku/2022-05/27/content_5692544.htm.
20- “Low” and “zero-carbon” gas fields indicate environmentally friendly, energy-saving, and low- to zero-emission gas fields powered with renewable energy.
21- التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة يتجه نحو التوازن والاستدامة، ، وكالة أنباء سينخوا، 21 مايو 2024http://arabic.news.cn/2015-09/21/c_134642779.htm
22- National Energy Administration, “Action Plan for Accelerating the Integrated Development of Oil and Natural Gas Exploration and Development with the New Energy (2023-2025)”, February 27, 2023, http://zfxxgk.nea.gov.cn/2023-02/27/c_1310704758.htm?mc_cid=65a8422950&mc_eid=c432b1685c.
23- National Development and Reform Commission, “Opinions on Accelerating the Development of Energy Digitization and Intelligence,” March 28, 2023, https://www.gov.cn/zhengce/zhengceku/2023-04/02/content_5749758.htm?eqid=825cdccc0005b09b0000000664783836.
24- Beijing Municipal Commission of Planning and Natural Resources, “The Institute Actively Promotes Technological Innovation in Geological Monitoring,” April19,2023, http://ghzrzyw.beijing.gov.cn/zhengwuxinxi/gzdt/sj/202204/t20220419_2680879.html.
25- Africa Development Bank Report, 2024.