كتبت – أسماء حمدي
أصبحت المباني نصف المكتملة والمهجورة، جزءًا من مشهد المدن الكبرى في غرب أفريقيا، وباتت من المعالم التي يشار إليها لتحديد الاتجاهات. لكن مع مرور الوقت، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بترميم هذه المباني وتحويلها إلى مساحات قابلة للاستخدام.
تعود هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل، أبرزها سوء إدارة الحكومات وعدم الكفاءة، إضافة إلى عمليات الاحتيال التي يقوم بها أقارب للمغتربين الراغبين في بناء منازلهم، ما يجعل هذه المباني تظل مهجورة لسنوات طويلة.
قصر لوميه
قصر لوميه، وهو مجمع ساحلي في لومي عاصمة توجو، استثناء لهذه القاعدة، يمثل دراسة حالة لبدء نقاش حول إعادة إحياء وأرشفة العمارة في أفريقيا.
في ظل أشجار المانجو في الحديقة الغنّاء لقصر لوميه، كان عشرات الطلاب من المدرسة الأفريقية للهندسة المعمارية والتخطيط العمراني (EAMAU) يتلقون دروسًا في الأرشفة.
تأسس القصر في عام 1905 واستضاف حكامًا استعماريين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على التوالي، ثم أصبح مقرًا للرئاسة قبل أن يُترك للإهمال في التسعينيات. وبعد مشروع ترميم استمر 5 سنوات، فُتح القصر للجمهور في عام 2019.
اليوم، يحتضن القصر معرضًا يُكرّم السجلات التاريخية من أنحاء غرب ووسط أفريقيا، بالإضافة إلى “نانا بنز”، تاجر الشمع المطبوع الذي سيطر على سوق الأقمشة من الستينيات وحتى الثمانينيات. كما يضم القصر ملهى ليليًا وحديقة نباتية تمتد على مساحة 26 فدانًا مزينة بالمنحوتات.
قالت المديرة المؤسسة لمشروع ترميم قصر لوميه والمشروع الثقافي، سونيا لوسون، إن القصر كان يُفترض أن يكون “مركزًا للسلطة.. وهكذا صُممت المدينة حوله”. وأضافت: “لهذا السبب نريد أن يكون مكانًا للنقاشات حول العمارة”، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
الحفاظ على التراث
لكن على الرغم من عظمته، لا يروي القصر سوى نصف القصة. فعلى بُعد أقل من 3 أميال، يقف فندق “دي لا باي”، رمزًا لتردد توجو بين الحفاظ على بعض معالم التاريخ وتجاهل أخرى.
تم إنشاء الفندق المكون من 216 غرفة في السبعينيات، وفي أوج مجده كان ملتقى للنخبة من غرب أفريقيا.
تقول المهندسة المعمارية المقيمة في لوميه، سابرين باكو، التي شاركت في ترميم قصر لوميه: “كان الفندق مبنى رمزيًا يشهد على تاريخ توجو. في حقبة ما بعد الاستقلال، عندما أرادت توجو أن تمنح نفسها مكانة دولية، كان هذا أحد أول الفنادق الفاخرة التي تم بناؤها… كانت فترة مجيدة”.
ولكن بعد عقدين، تحول الفندق الذي يواجه المحيط إلى مبنى أشباح بعد سوء الإدارة والإهمال الحكومي. والآن يحتل فندق جديد جزءًا من أراضيه، فيما تشير التقارير إلى أن الحكومة تخطط لهدم المجمع الرئيسي.
تقول باكو: “هناك حلول للحفاظ على هذا التراث المعماري. هذا رأيي، ولكن القرار يعود للساسة”. بالنسبة للبعض، يمثل فندق “دي لا باي” حالة تعكس الواقع الحقيقي لأرشفة العمارة عبر القارة، أكثر مما يفعله قصر لوميه.
العمارة الاستوائية
في نوفمبر، استضافت لوسون وشركة “استوديو نيدا”، وهي شركة متعددة التخصصات في الهندسة المعمارية والتصميم والتنسيق بين توجو وألمانيا، أول منتدى للقاءات العمارة في لوميه.
شارك في المنتدى متحدثون من بينهم المهندسة البريطانية الغانيّة نانا بياما أوفوسو، التي ناقشت أبحاثها حول البيت المركب الإفريقي. وفي ظل الأشجار، أُقيم معرض عن العمارة الاستوائية الحديثة، وهو أسلوب معماري نشأ في غرب إفريقيا.
تقول دومينيك بيتي فرير، متحدثة في المؤتمر ومؤسسة مشاركة لمشروع التصميم والبحث “ليمبو أكرا”: “في عائلتي، كان لدينا مشروع بناء بدأ في عام 1993 وانتهى أو هكذا يُفترض، في عام 2018”.
يقول المهندس البنيني أولوفيمي هنسون يوفو، الذي يدير حسابًا على إنستجرام باسم @Cotonou.Architecture لتوثيق المعالم التي تختفي: “كل ما أراه في مدن غرب أفريقيا وحكوماتها تجاه التراث هو إما أنه يقع في منطقة جذب سياحي وبالتالي نُرمّمه، أو أنه يُدمّر لبناء شيء جديد فوقه”.
وأضاف: “في داكار وكوتونو، نستيقظ يومياً على تدمير مبنى تراثي… إنه أشبه بوباء”.
نهضة متزايدة
رغم وجود أقسام للهندسة المعمارية في جامعات غرب أفريقيا، إلا أن (EAMAU)، التي تأسست عام 1975، تظل الكلية التخصصية الرئيسية في المنطقة. خريجوها، مثل باكو، معروفون، لكن الخبراء يرون أن المناهج بحاجة للتحديث لتلائم الاحتياجات المحلية.
الإرادة السياسية للتغيير طويلة الأمد بطيئة في الظهور، لكن عددًا متزايدًا من الأفراد يأخذون زمام المبادرة.
داكار، على سبيل المثال، تشهد نهضة متزايدة لفنانين يركزون على وضع المعالم المعمارية التراثية في صلب أعمالهم.
في المؤتمر، ناقشت المهندسة السنغالية الكاميرونية نزينجا مبوب مبادرة “داكارمورفوز”، وهي مبادرة تعتمد على التكنولوجيا أطلقتها مع شريكتها كارول ديوب لتوثيق تراث المدينة.
هناك أيضاً مشروع “ليمبو أكرا”، الذي يعمل على تحويل المباني غير المكتملة ويُنشئ مستودعًا رقميًا لها للبحث عن “طرق جديدة للتعامل مع واقع مدننا”، وفقاً لبيتي فرير.
وتأمل يوفو أن تحفز هذه المبادرات المزيد من الجهود، مضيفة: “ترميم مكان مثل قصر لوميه إنجاز ضخم. أن أتمكن من ركوب سيارة أجرة من كوتونو وأصل إلى هنا على بعد 3 ساعات من منزلي وأكون برفقة مهندسين معماريين عالميين وناشئين.. هذا رائع، لكنه غير كافٍ. نحن بحاجة إلى أكثر من ذلك بكثير”.