كتب – حسام عيد
يستعد مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل على مدار يومي 17 و18 فبراير 2022 لاستضافة فعاليات القمة السادسة لرؤساء الدول والحكومات الأوروبية والاتحاد الأفريقي، والتي تستهدف بشكل رئيس إحداث إصلاح شامل للعلاقات بين أوروبا وأفريقيا.
ويطبع القمة الجديدة التي تنعقد حضوريًا بالعاصمة الأوروبية سياقٌ عالمي خاص تُخيّم عليه الأزمة المرتبطة بفيروس كوفيدـ19، إلى جانب التطورات الإقليمية بالقارتين والمتعلّقة أساسًا بالتحديات الأمنية والرهانات الاقتصادية والتنموية، وأسئلة التغيرات المناخية والهجرة. مواضيع من المرجح أن تمثّل الخطوط الكبرى لقمة بروكسل، التي تأتي بعد قمم القاهرة سنة 2000، لشبونة 2007، سرت 2010 وبروكسل 2014 وأبيدجان 2017.
وتعقد القمة بينما يتضح للعالم أجمع كيف تضررت القارة الأفريقية بشدة من الوباء، حيث أظهرت أرقام البنك الدولي أن مستويات الديون في البلدان المنخفضة إلى المتوسطة الدخل في منطقة جنوب الصحراء بلغت 702 مليار دولار في عام 2020، وهو أعلى مستوى منذ عقد. كما تأتي القمة وسط حالة من الغضب بشأن الطريقة التي تعاملت بها أوروبا مع أزمة كوفيد-19 في أفريقيا، فإقدام بعض دولها على تخزين اللقاحات فاقم الأزمة الصحية في القارة السمراء.
الاحتمالات والتوقعات متصاعدة بشأن إعادة صياغة صفقة اقتصادية ومالية جديدة مع أفريقيا، مع تزايد طموح كثير من بلدان أوروبا في المساهمة بإنشاء نظام حقيقي للسلام والازدهار لبناء الاستثمارات في الاقتصادات الأفريقية وبناء مستقبل مشترك.
ملفات استراتيجية.. ومبادرات مرتقبة
ستُفتتح القمة السادسة ظهر يوم الخميس الموافق 17 فبراير 2022 وتنتهي ظهر اليوم التالي، وذلك تحت عنوان “أفريقيا وأوروبا قارتان برؤية مشتركة حتى ٢٠٣٠”، حيث عقدت أولى دوراتها في القاهرة عام 2000، والتي شهدت تأسيس آليات المشاركة بين الجانبين من خلال “خطة عمل القاهرة”، أخذًا في الاعتبار أن الجانب الأوروبي يعد من أبرز الشركاء الدوليين الذين يحرص الاتحاد الأفريقي على تعزيز أواصر العلاقات معه لاسيما فيما يتعلق بملفات التنمية وصون السلم والأمن الدوليين، فضلًا عن التشاور المستمر بين الجانبين حول كيفية التصدي للتحديات المشتركة.
ووفقًا لجدول الأعمال المنشور بموقع الاتحاد الأوروبي ستقدم القمة فرصة فريدة لإرساء الأسس لتجديد وتعميق الشراكة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي مع أعلى مشاركة سياسية من قادة ورؤساء الحكومات من الجانبين، والقائمة على الثقة والفهم الواضح للمصالح المشتركة.
ولفت تقرير الاتحاد الأوروبي إلى أن من أهم الملفات التي سيناقشها القادة الأوروبيون والأفارقة هي إطلاق حزمة استثمار أفريقية أوروبية طموحة، بالإضافة إلى بحث التحديات العالمية مثل تغير المناخ والأزمة الصحية الحالية المتمثلة في انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأضاف أن القادة سيبحثون خلال القمة عن أدوات وحلول لتعزيز الاستقرار والأمن، من خلال هيكل متجدد للسلام والأمن، كما سيتم تنظيم سلسلة من الموائد المستديرة.
وبحسب موقع الاتحاد الأوروبي، سيشارك رؤساء دول وحكومات الاتحادين الأوروبي والأفريقي جنبًا إلى جنب مع الخبراء المدعوين في اجتماعات المائدة المستديرة حول الموضوعات التالية:
– تمويل النمو.
– النظم الصحية وإنتاج اللقاحات.
– الزراعة والتنمية المستدامة.
– التعليم والثقافة والتدريب المهني والهجرة والتنقل.
– دعم القطاع الخاص والتكامل الاقتصادي.
– السلام والأمن والحكم.
– تغير المناخ وتحول الطاقة الرقمية والنقل “التوصيل والبنية التحتية”.
وعلى الرغم من أن مسودات البيانات ومخرجات القمة لا تزال متداولة بشكل محموم بين مسؤولي الاتحادين الأوروبي والأفريقي، إلا أن هناك مخططًا للخطة.
يخطط الاتحاد الأوروبي للكشف عن ست مبادرات في القمة، بما في ذلك ثلاث حزم استثمارية، كجزء مما يسميه “شراكة مزدهرة ومستدامة”.
سيتمحور أولها حول مبادرة البوابة العالمية -التي تم إطلاقها في سبتمبر الماضي كاستجابة من الاتحاد الأوروبي لبرنامج الحزام والطريق الصيني- والذي يعد بالاستثمار في البنية التحتية في مشاريع الطاقة والرقمية والبيئية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عقب لقاءها بالرئيس السنغالي ماكي سال في العاصمة يوم الخميس الموافق 10 فبراير 2022، إن الاستثمار سيكون الموضوع الرئيسي للمناقشات بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي المقررة في قمة بروكسل، لأنها هي الطريقة التي ننفذ بها طموحنا المشترك”.
وأضافت فون دير لاين، “أوروبا هي الشريك الاستثماري الأكثر موثوقية لأفريقيا والأكثر أهمية إلى حد بعيد. ويستثمر الاتحاد الأوروبي 20 مليار يورو في شكل إعانات في أفريقيا كل عام، والتي يجب أن تضاف إليها، بالطبع، القروض التي تجذب الاستثمار العام والخاص”.
وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية عن فخرها بالإعلان عن أكثر من 150 مليار يورو من خلال برنامج أفريقيا-أوروبا، مضيفة أن هذه هي الخطة الإقليمية الأولى في إطار البوابة العالمية، بعد شهرين من إطلاق الاستراتيجية، وسيقودها فريق أوروبا وسيتم تنفيذها بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي”.
أوروبا ومعضلة إصلاح العلاقات مع أفريقيا
فرنسا التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، ترى أن الهدف من القمة هو الإصلاح الكامل للعلاقات مع أفريقيا. وبحسب الرئيس إيمانويل ماكرون يجب أن تقوم العلاقات على المحاور التالية:
أولا، إعادة صياغة صفقة اقتصادية ومالية جديدة مع أفريقيا، ففي الوقت الذي تكافح فيه أفريقيا عجزًا سنويًا قدره 300 مليار يورو في السنوات المقبلة بسبب كوفيدـ19، أدى ذلك إلى إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي للبلدان الأفريقية، لذا يجب على أوروبا أن تدعم استراتيجية مشتركة مع أفريقيا في المحافل الدولية، لتعزيز هذا التضامن وإصلاح آليات الاستثمار التضامني.
ثانيًا، وضع أجندة للتعليم والصحة والمناخ تتساوى مع التحديات التي تواجهها أفريقيا، حيث ستواصل أوروبا المبادرات المتعلقة بتعليم الفتيات، وتدريب المعلمين، وتطوير الهياكل التعليمية في جميع أنحاء أفريقيا ومتابعة أجندة صحية مع نشر أسرع وأقوى لإنتاج اللقاحات، ودعم الطاقة والتحول المناخي من خلال مبادرات مثل السور الأخضر العظيم.
ثالثا، الأمن، ففي مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، لا سيما في منطقة الساحل، تأمل فرنسا في الوفاء بالتزاماتها الدفاعية الحالية تجاه أفريقيا من أجل بناء «شراكة أمنية أفريقية أوروبية حقيقية» للتصدي للإرهاب.
رابعًا، الهجرة، مع تناول مسألة التنقل، حيث أعرب ماكرون عن أمله في وضع أجندة من شأنها مكافحة الاتجار بالبشر في البحر الأبيض المتوسط. وقال إن ذلك سيساعد في بناء مستقبل أكثر إشراقًا للشباب الأفريقي ويسمح “بالهجرات المختارة”، سواء للأغراض الأكاديمية أو العلمية أو الثقافية.
أفريقيا واستراتيجيات بناء علاقات هادفة مع أوروبا
أما بالنسبة للسنغال، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي حاليًا، فيبدو أن الرئيس السنغالي ماكي سال، سيقوم بانتقاد الرسوم الأوروبية المقترحة حديثًا على صادرات الغاز من القارة. ففي إطار أجندة الطاقة الخضراء، يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض سعر الكربون على السلع من الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في محاولة لتحفيز الآخرين على تحقيق أهداف المناخ. مثل هذه السياسة ستمثل صفعة على وجه الاتحاد الأفريقي، الذي يمتلك احتياطيات ضخمة.
وفيما يتعلق بأولويات أفريقيا في القمة المرتقبة، فقد حدد الرئيس السنغالي، أولويات أفريقيا. ففي مجال الطاقة قال، إن أفريقيا تتوقع إجابات باسم التضامن، وقال: “الاقتصادات الأفريقية من بين الاقتصادات الأقل تسببًا في التلوث، لكننا الجزء من العالم الأكثر تضررًا من عواقب تغير المناخ وعواقبه. ولم تعد أفريقيا تدعم الوقود الأحفوري كما تقرر في جلاسجو خلال قمة كوب 26 للمناخ في نوفمبر 2021”. وأضاف “أن أفريقيا تحتاج إلى التوصل إلى استراتيجية تكون صديقة للمناخ ولكنها أيضًا تأخذ في الاعتبار مستوى التنمية في البلدان الأفريقية”.
أما فيما يتعلق بقضية الهجرة، وصف “سال” تدفقات الهجرة بأنها قضية مهمة أخرى، مؤكدًا أن “الصندوق الائتماني البالغ 1.8 مليار يورو لأفريقيا والذي تم إنشاؤه بعد قمة مالطا في عام 2015 والذي يهدف جزئيًا إلى معالجة أسباب الهجرة كان الخطوة الأولى، ولكن لا تزال القارة الأفريقية تحتاج لمزيد من التدفقات المالية. فإذا أردنا بقاء الشباب الأفارقة في أفريقيا، فنحن بحاجة إلى تزويد أفريقيا بمزيد من الموارد”. كما تطرق “سال” إلى مشكلة الإرهاب المتنامية في جميع أنحاء أفريقيا، وأشار إلى أنه في حالة أفغانستان وسوريا، اجتمع العالم كله لتقديم آلاف الملايين من الدولارات لمكافحة الإرهاب. وقال: “هذا ليس هو الحال في أفريقيا، لذا مرة أخرى، هذه مسألة نحتاج إلى مناقشتها: كيف نمول الحرب ضد الإرهاب في أفريقيا؟”.
وفقًا للاتحاد الأفريقي، تلعب القمة دورًا مهمًا في تجاوز علاقة المانح/المستفيد نحو تعاون طويل الأجل، بشأن المصالح المشتركة. لكن هل تُسفر عن نتائج متوازنة وقابلة للتنفيذ، ربما تتمثل في بلورة رؤية مشتركة لدعم وتمويل القارة الأفريقية خلال جائحة كورونا، مع تسهيل النفاذ والتوزيع العادل لمختلف التقنيات المرتبطة بالجائحة، خاصةً ما يتعلق بإنتاج اللقاحات، أو تعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماج البلدان الأفريقية في الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى تأكيد ضرورة تقديم المساندة الفعَّالة لها في سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ونقل التكنولوجيا للدول النامية، ودفع حركة الاستثمار الأجنبي إليها، وتمكين الدول النامية من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. هذا بالتأكيد ما سيجيب عنه المستقبل القريب.