كتب – حسام عيد
“العصر الذهبي للغاز الطبيعي أمامنا وليس وراءنا”، استراتيجية جديدة أطلقتها القمة السابعة لرؤساء وحكومات دول منتدى الدول المصدرة للغاز، من أفريقيا، وتحديدًا في الجزائر، على مسار استشراف المستقبل المشترك والواعد للغاز الطبيعي.
وهو ما تعكسه التوقعات بانتقال حصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي من 23% حاليًا إلى 26% في أفق 2050.
وقد عقدت القمة خلال الفترة من 29 فبراير وحتى 2 مارس 2024، واختتمت أعمالها، بـ”إعلان الجزائر”، الذي أكد على دعم الحوار القوي بين المنتجين والمستهلكين والأطراف الأخرى ذات الصلة لتأمين العرض والطلب وتعزيز استقرار السوق.
وتناولت القمة التنسيق المشترك بين الدول المنتجة الرئيسية بهدف ضمان استقرار أسواق الغاز العالمية ومواجهة التحديات، التي قد تواجه الطلب على هذا المصدر من الطاقة النظيفة خلال المرحلة المقبلة. ويضم منتدى الدول المصدرة للغاز 12 عضوًا دائمًا (الجزائر، بوليفيا، مصر، غينيا الاستوائية، إيران، ليبيا، نيجيريا، قطر، روسيا، ترينيداد وتوباغو، الإمارات العربية المتحدة، فنزويلا) و7 أعضاء مراقبين (أنجولا، أذربيجان، العراق، ماليزيا، موريتانيا، موزمبيق، بيرو).
ويعد المنتدى منظمة حكومية دولية تمثل أهم الدول المصدرة للغاز في العالم، يشكلون معًا 70% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة، وأكثر من 40% من الإنتاج المسوق، و47% من الصادرات عبر الأنابيب، وما يفوق نصف صادرات الغاز الطبيعي المسال على المستوى العالمي.
فرصة لرسم رؤية مشتركة
لطالما يلعب الغاز الطبيعي دورًا أساسيًا في تحقيق التنمية المستدامة وتلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة على الطاقة. لذلك؛ جاءت القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، كفرصة لرسم رؤية مشتركة للحفاظ على مصالح المنتجين والمستهلكين للغاز في آن واحد، ما يعكس الالتزام الكبير بأهداف المنتدى والتصميم على تعزيز دوره والتأكيد على مساهمته في أمن الطاقة العالمي.
وتدرك الجزائر مع كافة الشركاء أن الغاز الطبيعي يعد مصدر طاقة وفير وميسور التكلفة وصديقًا للبيئة وداعمًا لتكامل مصادر الطاقة المتجددة، ومؤيدة لتوسيع دور الغاز الطبيعي في التنمية المستدامة واستخدامه كمصدر نظيف مع الطاقات الجديدة والمتجددة.
وفي بيانه الختامي، أكدت القمة على الحقوق المطلقة للدول الأعضاء على مواردها وجدد إدانة جميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب خارج موافقة مجلس الأمن ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز.
ومن جانبه، أكد المدير العام لوكالة الأنباء الجابونية، غيزلان روفين إيتوغيت نزويت أن القمة الـ7 لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، أسهمت في تعزيز دور هذه المنظمة كفاعل رئيسي على الساحة الدولية للغاز؛ إذ يهدف منتدى الدول المصدرة للغاز إلى بناء شراكة دائمة في مجال الغاز وتعزيز التعاون الحكومي المشترك في قطاع الطاقة من خلال تبادل مختلف الخبرات.
استراتيجية جديدة لطاقة مستدامة وعصرية
كما شدد “إعلان الجزائر للغاز على أهمية الاستثمار الهادف لتحقيق استقرار السوق وضمان تدفق الموارد المالية دون عراقيل”.
وبحسب نص مشروع إعلان الجزائر، فإن رؤساء دول وحكومات منتدى الدول الأعضاء المصدرة للغاز أكدوا التزامهم بأهداف منتدى الدول المصدرة للغاز وعزمهم على تعزيز دور المنتدى ومساهمته في أمن وعدالة واستدامة الطاقة في العالم؛ حيث يعتبر الغاز الطبيعي ركيزة رئيسية على مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان وجود طاقة موثوقة ومستدامة وعصرية تساهم في مواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية.
ومع وضع أطر قانونية وشفافة إلى جانب سياسات قانونية تخص الدول المستوردة والمستهلكة مع العمل على الابتكار والأبحاث لتقوية دور الغاز الطبيعي في الحد من الفقر الطاقوي، يمكن لسوق الغاز الطبيعي أن يواجه تحديات وعوائق تخص التدفقات المادية، وقواعد عمل السوق، وتدفق الاستثمارات المستدامة.
كما أن للغاز الطبيعي دور مهم في الصناعة وفي تحقيق التوازن للقضاء على المجاعات، حيث أنه يجب أن يكون هناك تعاون دولي منفتح لتأمين الطلب وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية والتهديدات البشرية.
وأيضًا، تحظى عقود الغاز طويلة المدى بدور بالغ الأهمية في تعزيز الأمن الطاقوي، ودعم أنظمة طاقوية قادرة على الصمود. واليوم، هناك جهود للسماح للدول أعضاء المنتدى بالحصول على التكنولوجيا بشكل عادل عبر معهد بحوث الغاز لفائدة الدول المصدرة.
صناعة بحجم 9 تريليون دولار بحلول 2050.. وأفريقيا سوق تنافسي ورائد
هذا التطور المرتقب يُنتظر أن ترافقه استثمارات عالمية في صناعة الغاز بقيمة 9 تريليون دولار بحلول سنة 2050، كما أكد الأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز، محمد حامل.
ويمثل المنتدى تكتل للغاز الطبيعي يسير على خطى منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك). وقد وأطلق منتدى الدول المصدرة للغاز، النسخة الثامنة من تقرير توقعات الغاز العالمية 2050، والذي قدّر ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 34%، ما يرفع حصته بشكل كبير في مزيج الطاقة العالمي من 23% حالياً إلى 26% بحلول عام 2050.
وتمتلك أفريقيا احتياطيًا من الغاز الطبيعي يقدر بـ18 تريليون متر مكعب، مع احتياطيات كبيرة في نيجيريا والجزائر ومصر وموزمبيق.
ومع توقُّع ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 20% في عام 2050 ومساهمة الغاز الطبيعي بنسبة 26% على الأقل في مزيج الطاقة؛ فمن المتوقع أن ينمو إنتاج الغاز الطبيعي في أفريقيا بمعدل 3% سنويًا بسبب اكتشافات الغاز الجديدة في أفريقيا؛ بما في ذلك السنغال وموريتانيا وتنزانيا، كما أوردت منصة “طاقة”.
وبشأن مستقبل مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، فكل الأطراف مستعدة لاستكمال المشروع، وهو عبارة عن أنبوب بطول 4 آلاف كيلومتر من أبوجا إلى سواحل الجزائر، لتصدير الغاز النيجيري، وما تبقى من المشروع هو 100 كلم في مقطع نيجيريا، و1000 كلم في مقطع النيجر، و700 كلم في مقطع الجزائر، أي في المجموع 1800 كلم، كما أوردت وكالة “بلومبيرج”.
يعزز الاتحاد الأفريقي استغلال موارد الغاز الحالية بطريقة مستدامة لصالح الشعب الأفريقي؛ بما يتماشى مع الموقف المشترك بشأن الانتقال العادل وأجندة 2063.
وعلى هامش القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، وقّعت لجنة الطاقة الأفريقية AFREC التابعة للاتحاد الأفريقي African Union مذكرة تفاهم مع منتدى الدول المصدرة للغاز GECF.
ووقّعت الاتفاقية مفوضة الاتحاد الأفريقي للبنية التحتية والطاقة نيابةً عن اللجنة الأفريقية للطاقة المتجددة الدكتورة أماني أبوزيد، والأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز المهندس محمد حامل.
وتشمل مجالات التعاون بين لجنة الطاقة الأفريقية ومنتدى البلدان المصدرة للغاز عقد أنشطة مشتركة ذات اهتمام متبادل، وإجراء أبحاث مشتركة، وتبادل البيانات والمعرفة في مجال سياسة الطاقة وتعزيز الغاز الطبيعي بمثابة مصدر مستدام للطاقة من بين أمور أخرى، وفقًا لبيان صادر عن الاتحاد الأفريقي حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
تضع مذكرة التفاهم أساسًا قويًا بين لجنة الطاقة الأفريقية ومنتدى الدول المصدرة للغاز لتعزيز استعمال الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء وتعزيز أمن الطاقة في أفريقيا بما يتماشى مع أهداف كلا الطرفين المتمثلة في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة والشاملة.
وتنص مذكرة التفاهم على أن يلتزم منتدى البلدان المصدرة للغاز ولجنة الطاقة الأفريقية بالعمل بشكل وثيق لتنفيذ الأنشطة المحددة وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في قطاع الطاقة.
كما ستشمل أوجه التعاون تحليل سوق الطاقة والبيانات والمعلومات والتقدم التكنولوجي وإستراتيجيات إزالة الكربون من نظام الطاقة.
وختامًا، الغاز الطبيعي يمثل عنصرًا مهمًا في مزيج الطاقة في أفريقيا، وقد تم الاعتراف به واعتماده في “الموقف الأفريقي المشترك بشأن الطاقة” بمثابة وقود انتقالي وأيضًا كونه حلًا حاسمًا لجهود الطهي النظيف في أفريقيا.
كما أن الاستثمار الكبير في كل مراحل سلسلة القيمة لصناعة الغاز الطبيعي يُعَد أمرًا ضروريًا في أفريقيا وسيُسهل الوصول إلى التمويل اللازم لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتكامل الإقليمي.
وتقدم أفريقيا فرصًا فريدة للغاز الطبيعي مع معالجة قيود البنية التحتية والتحديات التنظيمية وزيادة الاستثمارات في مشروعات تحويل الغاز إلى الطاقة، وسيكون ذلك أمرًا بالغ الأهمية لإطلاق الإمكانات الكاملة للغاز الطبيعي بالمنطقة لدفع التنمية المستدامة في أفريقيا.