أماني ربيع
في دورة الألعاب الأوليمبية في بكين عام 2008، لفتت فتاة نحيلة سمراء الأنظار عندما أنهت سباق مائتي متر عدوا دون أن تتلقى أي تدريب رسمي تقريبا، احتلت الصومالية سامية يوسف وقتها المركز الأخير، لكن جهدها ومثابرتها جعلا من مشاركتها رغم ظروفها الصعبة حدثا استثنائيا.
حاربت سامية خلال سنوات عمرها القصير من أجل تحقيق حلمها بالتنافس في ألعاب القوى خاصة، وعندما عادت إلى الصومال بعد أولمبياد بكين، واجهت تهديدات بالقتل، وفي أكتوبر عام 2010، انتقلت إلى إثيوبيا في محاولة للعثور على مدرب يساعدها على التأهل لأولمبياد لندن، وفقا لموقع “بي بي سي”.
ويبدو أن السفر كان قدر سامية الدائم، بعد ذلك إلى السودان ثم إلى ليبيا في أواخر عام 2011، حيث ضاعت لفترة وجيزة في الصحراء الليبية ثم احتجزتها السلطات، ومن دولة لأخرى ظلت سامية تحاول الفرار، حتى قررت السفر أخيرا إلى إيطاليا بالقارب، لتكتب بذلك نهاية مشوارها القصير مع الحياة.

بداية واعدة
لم تتلق سامية أي تدريب رسمي محترف، ولم تكن تملك أية موارد تمكنها من شراء ملابس رياضية لائقة مثل منافساتها، وظهرت أمام الكاميرات بأولمبياد بكين، في جسد نحيل داخل سروال أسود طويل وقميص أبيض فضفاض، بينما ارتدت حذاءًا قدمه لها فريق ألعاب القوى النسائي السوداني.
وعند بدء السباق تراجعت سامية، وعبر المتسابقون الآخرون خط النهاية قبلها بعدة ثوانٍ، لكن الجمهور الذي رأى كفاح جسدها الضئيل في الركض، وقف ليهتف لها بصوت عالٍ أكثر من أي شخص آخر في السباق.
يتذكر الصحفي تشارلز روبنسون، الصحفي الذي شاهد سامية في سباق أولمبياد بكين 2008، لقائه مع العداءة الصومالية الشابة، مشيرا إلى حرجها البالغ، فقد كانت تفضل أن يصفق الجمهور على أدائها بدلا من جهدها، بحسب مقال لتيريزا كروج بصحيفة الجارديان البريطانية.


واقع بائس
عند عودتها إلى الصومال، كانت سامية ذكية كفاية لتدرك، بعد أن رأت جودة الرياضيين الآخرين في بكين ذلك العام، مدى قلة موارد التدريب المتاحة لها في وطنها، ومع بدء تدريبات فريقها للموسم الجديد لألعاب القوى في عام 2009، لم يواجهن ظروف تدريب سيئة فحسب، بل كان عليهن أيضا أن يتعاملن مع النفوذ المتزايد لجماعة الشباب الإسلامية المسلحة، والتي سيطرت على كل شيء باستثناء كيلومترين رئيسيين من العاصمة مقديشو.
في فترة سيطرة جماعة الشباب على الصومال، لم يكن بإمكان أية فتاة الجري أو حتى المشي دون ارتداء جلباب ثقيل، وحظرت الجماعة جميع الرياضات بالمناطق التي تسيطر عليها في جميع أنحاء جنوب الصومال، وضغطت أيضًا على الرياضيين للانضمام إلى صفوفها، وقال عبد الله باري عداء المسافات المتوسطة والصديق المقرب لعمر: “في ذلك الوقت، بين عامي 2008 و2011، إذا ارتديت ملابس رياضية، كان الشباب يقولون: ” لديك وقت فراغ، تعال وقاتل معنا”.
في عام 2010، عندما سُئلت سامية خلال مقابلة عن المصاعب التي تحملتها في الصومال، رفضت العداءة الشابة الإجابة وقالت: “نحن الصوماليون لا ننظر إلى الوراء إلى تلك الأشياء، نحن نستمر في المسير فقط”.
بحلول أكتوبر 2010، قررت سامية مغادرة الصومال، بعد أن أُجبرت على الانتقال إلى مخيم للنازحين خارج العاصمة، فقد أصبح التدريب صعباً للغاية بالنسبة لها، وكانت تحلم بإيجاد مدرب في أوروبا، وبحلول أواخر عام 2011 كانت وصلت إلى ليبيا، بعد أن دفعت للمهربين لنقلها عبر إثيوبيا إلى السودان.

نهاية حزينة
طوال هذه الفترة الصعبة، كانت أنظار سامية متجهة على المنافسة في الألعاب الأوليمبية الصيفية، ودفعها الحماس لتحقيق حلمها إلى الصعود على متن قارب هش مكتظ في أبريل 2012، على أمل الوصول إلى إيطاليا والحصول على التدريب الذي كانت ترغب فيه بشدة.
كانت خطة سامية حالمة وساذجة ومحفوفة بالمخاطر، فلم تكن لها أي صلات بمدربين محترفين أو فرق في أوروبا، ولم يكن لديها سوى عدد قليل جدًا من الأصدقاء أو الأقارب خارج الصومال، لكن هذا لم يمنعها من المحاولة، وبعد أن انطلق القارب بها مع نحو 70 شخصًا آخرين، نفد البنزين منهم، لينجرف القارب في المياه المفتوحة.
وعندما عثرت عليهم سفينة إنقاذ إيطالية أخيرًا، حارب العديد من المهاجرين للإمساك بالحبال التي ألقيت عليهم، بينما سقط العديد من الأشخاص في الماء، ومنهم سامية، التي طفت على الماء لفترة من الوقت، ثم غرقت في النهاية بحسب شهود عيان، وكانت تبلغ من العمر 21 عاما.

نضال لتغيير الأوضاع
كان فقدان شابة رياضية واعدة مثيرا لغضب الكثير من الرياضيين الذين قرروا النضال لإصلاح أوضاع الرياضيين في الصومال، وفي عام 2014، تجمعت مجموعة من الرياضيين لبدء النضال من أجل ظروف أفضل، ونظموا مظاهرات صغيرة في مقديشو وقاطعوا الأحداث الرياضية على أمل جلب قيادة رياضية جديدة.
كان التغيير بطيئا، وحتى مع استقرار الأوضاع الأمنية، لم تكن هناك أي مرافق مهنية لاستيعاب الرياضيين في مقديشو، وهو شرط مهم بشكل خاص بالنسبة للنساء، اللاتي لا يتم تشجيعهن على التدريب في الأماكن العامة، أيضا لم تكن هناك معدات ولا مدربين ولا مشجعين، وفي ظل هذه الظروف اضطر العديد من الرياضيين الصوماليين لمغادرة البلاد بعد أن أغرتهم الوعود بالتدريب في بيئات داعمة مالياً وثقافياً، يسافرون إلى أوروبا عن طريق رحلات خطيرة مماثلة للرحلة التي أودت بحياة سامية.
بالنسبة للذين حاولوا النجاح في مقديشيو، كانت رسائل الفيسبوك والمكالمات الهاتفية من الأصدقاء الذين قاموا بالرحلة إلى الخارج مغرية، يقول باري: “عندما كانت سامية في ليبيا، قالت لي: أنت تعرف الوضع في الصومال وفي الاتحاد الرياضي والبيئة التي نعيش فيها، لن تتحسن الأوضاع تعالى معي سنذهب لمكان أفضل من هنا”.
وبخلاف من أغرتهم الوعود بالنجاح في أوروبا، رفض رياضيون آخرون الاستسلام وحاولوا استثمار طاقتهم وأموالهم في الرياضة باعتبارها أفضل وسيلة للمشاركة المجتمعية وأيضًا لبناء السلام والتنمية.

لا تقولي إنكِ خائفة
ألهمت قصة سامية يوسف عمر الكاتب الإيطالي جوزيه كاتوتسيلا لكتابة رواية بعنوان “لا تقولي إنكِ خائفة”، الذي جذبه تقرير إخباري موجز عن سامية عقب اختتام أولمبياد لندن عام 2012، صدرت الرواية عام 2014، وباعت أكثر من مائة ألف نسخة.
بعكس النهاية التراجيدية لقصة سامية في الواقع، منح كاتوتسيلا للعداءة الراحلة نهاية سعيدة في روايته لتتمكن من تحقيق حلمها وتحضر أولمبياد 2012 وتتصدر المركز الأول.
يذكر أنه، منذ أولمبياد 2016 في ريو، تم تضمين برنامج للاجئين يسمح لهم هذا البرنامج بمواصلة تدريبهم مع فريق اللاجئين الأولمبي، وإذا تأهلوا للألعاب، يمكنهم المنافسة تحت شعار اللاجئين، بحسب موقع ” infomigrants”.