كتب – فاروق حسين أبو ضيف
باحث سياسي متخصص في الشؤون الأفريقية
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا، حيث أعلنت باريس عن انسحاب قواتها العسكرية من عدة دول أفريقية، كان أبرزها مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وذلك بعد عقود من الوجود العسكري الممتد الذي بدأ منذ حقبة الاستعمار، في مالي، جاء الانسحاب الفرنسي بعد توترات متصاعدة مع الحكومة العسكرية التي وصلت إلى السلطة عبر انقلابين متتاليين، واتهمت باريس بالتدخل في شؤونها الداخلية وعدم احترام سيادتها. وفي النيجر، أدى الانقلاب العسكري في يوليو 2023 إلى طرد القوات الفرنسية، كما رأت السلطات الجديدة أن الوجود الفرنسي لم يعد يتماشى مع مصالح البلاد. أما في بوركينا فاسو، فقد طالبت الحكومة الانتقالية بإنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، مشيرة إلى فشل باريس في مساعدتها على مواجهة التهديدات الأمنية المتمثلة في الجماعات الإرهابية. وفي تشاد، التي كانت تُعتبر حليفًا استراتيجيًا لفرنسا، بدأت العلاقات تتوتر بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي، فيما بدأت الحكومة التشادية تتجه نحو تنويع شراكاتها العسكرية والأمنية.
هذا الانسحاب المتسارع لم يقتصر على هذه الدول فحسب، بل تشير تقارير إلى أن فرنسا قد تكون في طريقها للخروج من دول أخرى مثل ساحل العاج والسنغال؛ حيث تواجه انتقادات متزايدة من قبل الشعوب والحكومات التي تطالب بإنهاء التبعية لباريس. في ساحل العاج، التي كانت تُعتبر حصنًا فرنسيًا في غرب أفريقيا، بدأت تظهر أصوات تطالب بإعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي، بينما في السنغال، التي تشهد تحولات سياسية داخلية، بدأت تتعالى المطالب بتقليص النفوذ الفرنسي، هذه التحولات تعكس نهاية عصر الهيمنة الفرنسية التقليدية في أفريقيا.
وفي نوفمبر 2024 قامت تشاد بإلغاء اتفاقيات التعاون الأمني والدفاعي؛ حيث جاء هذا القرار عقب زيارة قام بها وزير الخارجية الفرنسي “جان نويل بارو” للعاصمة التشادية أنجامينا، والتي تعد مماثلة لقرار انسحاب تشاد من اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في مارس 2024، وهو ما يعزز الوجود الروسي في المنطقة.[1]
يأتي قرار تقليص التعاون العسكري الأفريقي مع فرنسا في ظل موجة متصاعدة من المشاعر المعادية لفرنسا في العديد من الدول الأفريقية، وخاصة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا. وفي السنوات الأخيرة، حذت دول مثل تشاد والنيجر وبوركينا فاسو حذوها، فطردت القوات الفرنسية التي كانت متمركزة في المنطقة لعقود من الزمن، كما أن هذه التغييرات تشكل جزءًا من تحول هيكلي أوسع نطاقًا في تعامل أفريقيا مع فرنسا. ورغم أن فرنسا كانت حليفاً عسكرياً رئيسياً في المنطقة، وخاصة في مكافحة التمرد الإسلامي، فإن الدفع المتزايد من جانب القارة نحو مزيد من الحكم الذاتي يعمل على تحويل ديناميكيات علاقاتها مع القوى الاستعمارية السابقة.[2]
بالنسبة لفرنسا، يمثل هذا الانسحاب انتكاسة كبيرة؛ فبعد أن كانت ذات يوم قوة مهيمنة في غرب أفريقيا، أمضت فرنسا السنوات العديدة الماضية في محاولة الحفاظ على نفوذها في القارة، بل وحتى تنشيطه، سواء على المستوى السياسي أو العسكري. ومع ذلك، تشير هذه التطورات الأخيرة إلى أن بصمتها العسكرية تتضاءل مع سعي الدول الأفريقية إلى فرض سيطرة أكبر على شؤونها الأمنية، كما أن انسحاب القوات الفرنسية من ساحل العاج، إلى جانب إجراءات مماثلة في بلدان أخرى، يشكل فصلًا جديدًا في تطور مشاركة فرنسا في أفريقيا، ويبقى أن نرى كيف سيؤثر هذا التحول في المشهد الجيوسياسي الأوسع، وما هو الدور الذي قد تلعبه قوى دولية أخرى، مثل الصين وروسيا، في سد الفجوة التي خلفتها فرنسا.
وفي هذا السياق، سيتم مناقشة تداعيات الانسحاب الفرنسي من بعض الدول الأفريقية على حالة الاستقرار، وذلك من خلال عدة محاور، فيما يلي:
المحور الأول: الانسحاب الفرنسي من تشاد
يشكِّل الانسحاب العسكري الفرنسي من تشاد نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين، والتي امتدت لعقود من التعاون العسكري والأمني. تشاد، التي كانت تعتبر حجر الزاوية في الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل، قررت إنهاء الاتفاقية العسكرية مع فرنسا، واصفة إياها بأنها “عفا عليها الزمن” ولم تعد تتوافق مع الواقع الجيوسياسي الحالي. هذا القرار يأتي في سياق تحولات إقليمية ودولية كبيرة؛ حيث تشهد منطقة الساحل تراجعًا متزايدًا للنفوذ الفرنسي وصعودًا ملحوظًا لقوى أخرى مثل روسيا والصين؛ حيث بدأ الانسحاب الفرنسي بتسليم قاعدة “فايا لارجو” العسكرية، حيث كانت فرنسا تخطط لانسحاب تدريجي مع الحفاظ على وجود عسكري محدود. ومع ذلك، فإن الضغوط المحلية في تشاد، بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية ضد الوجود الفرنسي، إضافة إلى الخلافات السياسية والاستراتيجية بين البلدين، أدت إلى تسريع هذه العملية.[3]
مع انسحاب فرنسا، تبرز تساؤلات حول مستقبل الأمن في تشاد، خاصة مع تزايد النفوذ الروسي في المنطقة؛ حيث قد تلجأ تشاد إلى موسكو للحصول على الدعم العسكري والاستخباراتي. رغم ذلك، أكدت تشاد أن إنهاء الاتفاقية لا يعني قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، بل إعادة تعريف الشراكة وفقًا لأولوياتها الوطنية، مما قد يعيد تشكيل التحالفات الاستراتيجية في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم.

أولًا: العلاقات الثنائية بين البلدين في عهد ديبي الابن
في 6 نوفمبر 2023 قام الرئيس “محمد ديبي” بزيارة فرنسا. سعت باريس من خلالها إلى تعزيز دورها الريادي في القضايا الاستراتيجية بغرب أفريقيا، خاصة في تشاد؛ حيث عملت على مضاعفة قواتها وتوسيع قواعدها العسكرية لتأمين مصالحها ضد الجماعات المسلحة، مع دعم الحكومة الانتقالية التشادية في مرحلة ما بعد الانتخابات. كما سعت باريس أيضًا إلى تحسين صورتها في المنطقة من خلال تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع تشاد؛ حيث تعد فرنسا شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا عبر استثمارات في الزراعة والتكنولوجيا والهيدروكربونات.[4]
وفي عام 2018، قدمت فرنسا 10 ملايين يورو كمساعدة مباشرة لميزانية تشاد، بالإضافة إلى 40 مليون يورو كقروض ميسرة لدعم الميزانية كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي. كما قدمت 862 ألف يورو عبر صندوق الطوارئ الإنساني لتمويل المشروعات الإنسانية. وفي مجال التنمية، بلغت التزامات الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) 68 مليون يورو في 2017 و77 مليون يورو في 2018، حيث ركزت على دعم الزراعة والصحة والتعليم والتخطيط الحضري في نجامينا وموندو، وبعد اتفاق السلام في الدوحة عام 2022 بين السلطات التشادية و43 جماعة سياسية وعسكرية، قدمت فرنسا حزمة محفزة من المساعدات المالية لدعم العملية الانتقالية وضمان السلام والأمن. تأمل فرنسا أن تشجع هذه الجهود دولًا أخرى في الساحل على إعادة بناء شراكات معها، خاصة في ظل تراجع نفوذها في المنطقة.[5]
تمتد العلاقات العسكرية بين تشاد وفرنسا إلى عقود طويلة، بدءًا من فترة الاستعمار الفرنسي لتشاد كجزء من أفريقيا الاستوائية الفرنسية، وحتى ما بعد استقلال تشاد عام 1960. لعبت فرنسا دورًا محوريًا في دعم الأنظمة التشادية المتعاقبة، خاصة خلال حكم الرئيس إدريس ديبي؛ حيث قدمت الدعم العسكري واللوجستي لمواجهة التمردات الداخلية والجماعات الإرهابية، وكانت تشاد حليفًا استراتيجيًا لفرنسا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل؛ حيث استضافت قواعد عسكرية فرنسية وقوات ضمن عملية “برخان”، كما سعت فرنسا في الحفاظ على وجودها العسكري القوي في البلاد، من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية ودعم النظام الحاكم. خلال الحرب الأهلية التشادية التي استمرت لعقود، قدمت فرنسا الدعم العسكري للحكومات المتعاقبة، خاصة في مواجهة الجماعات المتمردة مثل جبهة التحرير الوطنية التشادية (FROLINAT).
هذا، وقد لعبت فرنسا دورًا رئيسيًا في تثبيت حكم الرئيس السابق “إدريس ديبي” الذي حكم تشاد لأكثر من ثلاثة عقود حتى وفاته في عام 2021. وخلال فترة حكم “ديبي”، كانت فرنسا توفر الدعم العسكري واللوجستي، بما في ذلك التدريب والمعدات، لمساعدة الحكومة التشادية في مواجهة التمردات الداخلية والجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام. كما كانت القوات الفرنسية تشكل جزءًا من عملية “برخان”، وهي مهمة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
وفي عام 2019 تم توقيع الاتفاقية العسكرية الفرنسية التشادية كجزء من التعاون الأمني المستمر بين البلدين منذ استقلال تشاد عام 1960. جاءت هذه الاتفاقية في سياق تعزيز التعاون العسكري بين فرنسا وتشاد، خاصة في مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل، بما في ذلك انتشار الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية، كما هدفت الاتفاقية تعزيز الأمن الإقليمي بين فرنسا وتشاد لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة في منطقة الساحل، ودعم جهود تشاد في تأمين حدودها ومنع انتشار الجماعات الإرهابية، وكذلك تقديم الدعم اللوجستي والتدريب؛ حيث تلتزم فرنسا بتقديم الدعم اللوجستي والتدريب للقوات المسلحة التشادية لتعزيز قدراتها القتالية والاستخباراتية، كما نصت الاتفاقية على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين القوات الفرنسية والتشادية لتحسين التنسيق وتبادل الخبرات، فضلًا عن ذلك، أصبحت باريس ملتزمة بتقديم الدعم الجوي للقوات التشادية، بما في ذلك استخدام الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار لمراقبة الحدود وتنفيذ العمليات العسكرية، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة.
ومع إعلان تشاد في ديسمبر 2024 عن إنهاء الاتفاقية العسكرية مع فرنسا، أصبح مستقبل التعاون العسكري بين البلدين غير واضح، تشاد تسعى الآن إلى إعادة تعريف شراكاتها الأمنية وفقًا لاحتياجاتها الوطنية، مع احتمال تعزيز التعاون مع قوى إقليمية ودولية أخرى.
ثانيًا: أسباب الانسحاب الفرنسي
في 28 نوفمبر 2024، أعلنت حكومة تشاد بشكل مفاجئ إنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي مع فرنسا، مما أدى إلى بدء عملية انسحاب القوات الفرنسية المتمركزة هناك. شمل ذلك حوالي 1000 جندي فرنسي، إضافة إلى مُعدات عسكرية متطورة، مثل طائرات الميراج. هذا القرار أثار تساؤلات حول أسبابه؛ حيث يُعتقد أن تصاعد المشاعر المناهضة للوجود الأجنبي ورغبة تشاد في تحقيق سيادة كاملة على أراضيها لعبا دورًا محوريًا في هذا السياق.
وفي هذا السياق، واجهت فرنسا ضغوطًا متزايدة من الحكومات المحلية والشعوب التي تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي. في تشاد، أدت عوامل متعددة إلى إنهاء الاتفاقية العسكرية مع فرنسا، بما في ذلك الرغبة في تعزيز السيادة الوطنية، وعدم رضا تشاد عن الدعم الفرنسي في مواجهة التهديدات الأمنية، وتنامي المشاعر المعادية لفرنسا بسبب اتهامات بعدم الفعالية في مكافحة الإرهاب. إضافة إلى ذلك، شجعت التحولات الجيوسياسية الإقليمية، مثل صعود النفوذ الروسي وتقارب تشاد مع قوى أخرى، على إعادة تشاد تقييم شراكاتها الأمنية. هذا الانسحاب يعكس تحولًا أوسع في سياسة فرنسا تجاه أفريقيا، حيث تسعى إلى إعادة تنظيم حضورها العسكري في القارة، ولعل أبرز الأسباب الرئيسية لانسحاب فرنسا من تشاد ما يلي:[6]
- تنامي الضغوطات المحلية: واجهت فرنسا انتقادات متزايدة من الشعوب الأفريقية، التي ترى أن الوجود العسكري الفرنسي هو استمرار للاستعمار. في تشاد، كانت هناك احتجاجات ضد الوجود الفرنسي، مما دفع باريس إلى إعادة النظر في سياستها.
- التغيرات الجيوسياسية: مع صعود قوى إقليمية ودولية جديدة في أفريقيا، مثل روسيا والصين، بدأت فرنسا في إعادة تقييم أولوياتها الإستراتيجية. كما أن التهديدات الأمنية في منطقة الساحل تتطلب نهجًا جديدًا يتجاوز الوجود العسكري التقليدي.
- الوضع الداخلي في تشاد: بعد وفاة الرئيس ديبي، شهدت تشاد فترة من عدم الاستقرار السياسي. فرنسا، التي كانت تدعم نظام ديبي، وجدت نفسها في موقف صعب مع وصول قيادة جديدة قد لا تشاركها نفس المصالح.
- تنامي الخلافات السياسية والمالية: أبدت حكومة الرئيس محمد ديبي استياءها من عدم تقديم فرنسا والاتحاد الأوروبي الدعم المالي الكافي للعملية الانتخابية في تشاد؛ حيث أشار محللون إلى أن تقارب تشاد مع روسيا وتركيا لم يعجب السلطات الفرنسية، مما زاد من حدة الخلافات.
- تدخل فرنسا في النزاع السوداني: انتقدت فرنسا دور تشاد في النزاع السوداني؛ حيث تتهم تشاد بدعم قوات الدعم السريع (RSF)، بينما تدعم فرنسا تسوية تفاوضية بين الأطراف المتحاربة، كما أشار محللون إلى أن تشاد تدعم قوات الدعم السريع لأن بعض التشاديين المعارضين لنظام ديبي انضموا إلى القوات المسلحة السودانية.
- تصاعد المشاعر المناهضة لفرنسا: شهدت تشاد، مثل دول أفريقية أخرى، تزايدًا في المشاعر المناهضة للوجود الفرنسي، حيث يعتبر البعض أن هذا الوجود يمثل امتدادًا للنفوذ الاستعماري.
- تغير التحالفات الإقليمية: مع تنامي النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا، بدأت دول مثل تشاد في إعادة تقييم علاقاتها مع القوى الأجنبية، مما أدى إلى تقليص التعاون مع فرنسا.
- الرغبة في تعزيز السيادة الوطنية: يُعتبر إنهاء الاتفاقية مع فرنسا خطوة نحو تعزيز الاستقلالية والسيادة الوطنية، والاعتماد على القدرات الذاتية في مواجهة التحديات الأمنية.
ثالثًا: تداعيات الانسحاب
انسحاب القوات الفرنسية من تشاد له تداعيات كبيرة على الأمن الإقليمي وعلى العلاقات بين البلدين:
- الأمن الإقليمي: تشاد كانت تعتبر حليفًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. مع انسحاب فرنسا، قد تواجه البلاد صعوبات في مواجهة الجماعات المسلحة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الأمنية في المنطقة.
- العلاقات الثنائية: على الرغم من الانسحاب العسكري، من المرجح أن تحافظ فرنسا على علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع تشاد. ومع ذلك، قد تشهد هذه العلاقات تغيرات في طبيعتها، خاصة مع تزايد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.
- مستقبل تشاد: قد يؤدي انسحاب فرنسا إلى فتح الباب أمام قوى إقليمية ودولية أخرى لتعزيز وجودها في تشاد. كما أن الحكومة التشادية قد تضطر إلى إعادة تقييم سياستها الأمنية والتحالفات الإقليمية.
- فقدان فرنسا حليف استراتيجي: تعد تشاد حليفًا رئيسيًا لفرنسا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ومع انسحاب فرنسا، قد تواجه تشاد صعوبات في مواجهة التهديدات الأمنية، خاصة من الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام.
- تنامي النفوذ الروسي: الخروج الفرنسي من تشاد قد يمثل فرصة كبيرة بالنسبة لروسيا لتعزيز تمركزها في منطقة الساحل وزيادة هيمنتها على دول المنطقة، لا سيما وأن تشاد تحدها دول تستضيف مجموعة “فاغنر” الروسية، وقد تلجأ إلى روسيا للحصول على الدعم العسكري والاستخباراتي؛ حيث ربما تتبع نموذج مالي، التي قطعت علاقاتها مع الغرب وتعتمد على روسيا وتركيا والصين.
المحور الثاني: الانسحاب الفرنسي من السنغال
أعلنت السنغال عن إغلاق جميع القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، دون تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية، وجاء هذا الإعلان من رئيس الوزراء السنغالي “أوسمان سونكو”، خلال بيان قدمه أمام الجمعية الوطنية مؤكدًا أن البلاد قررت إغلاق جميع القواعد العسكرية الأجنبية في المستقبل القريب؛ حيث كان الرئيس السنغالي “باسيرو ديوماي فاي” قد أعرب في نوفمبر الماضي عن رغبته في إغلاق القواعد الفرنسية في البلاد، مؤكداً أن السنغال دولة مستقلة وذات سيادة، والسيادة لا تتوافق مع وجود قواعد عسكرية أجنبية.[7]
يمكن القول إن هذا القرار – على ما يبدو – يستهدف بشكل رئيسي فرنسا، والتي أصبحت تواجه مؤخرًا معارضة متزايدة من بعض القادة الأفارقة بسبب اتهامات باتباعها نهجًا متعاليًا وقاسيًا في تعاملها مع القارة، كما أوضح مسؤولون فرنسيون أن فرنسا تهدف إلى تقليص وجودها بشكل كبير في جميع قواعدها العسكرية في أفريقيا باستثناء جيبوتي، بما في ذلك القوات الفرنسية البالغ عددها 350 جنديًا في السنغال. وبدلًا من ذلك، يمكن لفرنسا تقديم تدريبات دفاعية أو دعم عسكري مستهدف بناءً على احتياجات تلك الدول، كما قامت حكومة السنغال الجديدة، التي تولت السلطة منذ أقل من عام، باتخاذ موقف صارم تجاه وجود القوات الفرنسية، كجزء من رد فعل إقليمي أوسع ضد ما يُنظر إليه على أنه إرث إمبراطورية استعمارية قمعية.[8]
هذا، وتعد السنغال واحدة من أبرز الدول الأفريقية بالنسبة لفرنسا؛ حيث إنها تتصدر قائمة الدول ذات الأولوية في سياسة التنمية الفرنسية؛ حيث جاءت السنغال أولًا بما يقرب من 177 مليون يورو، تليها مالي 107 ملايين يورو، ثم بوركينا فاسو 100 مليون يورو، والنيجر 92.4 مليون يورو[9].

أولًا: العلاقات العسكرية الفرنسية مع السنغال
تُعتبر العلاقات العسكرية بين فرنسا والسنغال واحدة من أبرز الشراكات الاستراتيجية في غرب أفريقيا؛ حيث تعود جذورها إلى فترة الاستعمار الفرنسي التي انتهت رسميًا عام 1960 مع استقلال السنغال. وعلى الرغم من نهاية الحقبة الاستعمارية، حافظت الدولتان على علاقات وثيقة في المجال العسكري، تعكسها الاتفاقيات الثنائية والتدريبات المشتركة والدعم اللوجستي الذي تقدمه فرنسا لدولة السنغال، والتي تنعكس في التالي:
- الاتفاقيات العسكرية الثنائية: تمتلك فرنسا والسنغال اتفاقيات عسكرية تعود إلى عام 1974، والتي تُنظم وجود القوات الفرنسية في السنغال وتحدد شروط التعاون بين البلدين. وفقًا لهذه الاتفاقيات، تحتفظ فرنسا بحوالي 350 جنديًا في قاعدة ديوكس الجوية بالقرب من داكار، والتي تُعد واحدة من أهم القواعد العسكرية الفرنسية في المنطقة. هذه القاعدة تُستخدم لدعم العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل، بالإضافة إلى توفير التدريب والدعم للقوات السنغالية.[10]
- التدريبات العسكرية المشتركة: تُجري فرنسا والسنغال تدريبات عسكرية مشتركة بشكل دوري، مما يعزز القدرات القتالية للقوات السنغالية ويُسهم في تعزيز الأمن الإقليمي. من أبرز هذه التدريبات هي عملية “تاكوبا”، التي تُعد جزءًا من الجهود الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. في عام 2022، شارك أكثر من 500 جندي سنغالي في هذه التدريبات، إلى جانب قوات من دول أخرى مثل مالي وتشاد. هذه التدريبات تُسهم في تحسين التنسيق بين القوات السنغالية والفرنسية، وتعزز القدرات اللوجستية والاستخباراتية للجيش السنغالي.[11]
- الدعم الفرنسي لمكافحة الإرهاب: تُعد السنغال شريكًا رئيسيًا لفرنسا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل؛ حيث تواجه المنطقة تهديدات متزايدة من الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM) وداعش، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، زادت الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل بنسبة 50% بين عامي 2020 و2022. في هذا الإطار، قدمت فرنسا دعمًا عسكريًا كبيرًا للسنغال، يشمل توفير المعدات العسكرية والتدريب والاستخبارات. في عام 2021، قدمت فرنسا مساعدات عسكرية بقيمة 10 ملايين يورو للسنغال، بما في ذلك توريد مركبات عسكرية وأنظمة اتصالات متطورة.
- التعاون في مجال التدريب والتعليم العسكري: تُسهم فرنسا بشكل كبير في تدريب وتأهيل الضباط والجنود السنغاليين؛ حيث يلتحق عشرات الضباط السنغاليين سنويًا بأكاديميات عسكرية فرنسية مثل مدرسة سان سير العسكرية. إضافة إلى ذلك، تُقدم فرنسا منحًا دراسية للضباط السنغاليين لدراسة التكتيكات العسكرية المتقدمة والإدارة الأمنية. في عام 2023، بلغ عدد الضباط السنغاليين الذين تلقوا تدريبًا في فرنسا أكثر من 100 ضابط، مما يعكس عمق التعاون بين البلدين في هذا المجال.
ثانيًا: الأهداف الفرنسية من الوجود العسكري في السنغال [12]
ثمة عدة أسباب وراء الوجود العسكري الفرنسي في السنغال، والتي تتمثل فيما يلي:
- حماية المصالح الاستراتيجية: كان الوجود العسكري الفرنسي يهدف إلى حماية المصالح الاقتصادية والسياسية لفرنسا في المنطقة، خاصة في ظل الموارد الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها دول غرب أفريقيا.
- مكافحة الإرهاب: مع تصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل، أصبحت القواعد العسكرية الفرنسية في السنغال جزءًا من استراتيجية أوسع لمكافحة الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة وداعش.
- تعزيز النفوذ السياسي: ساعد الوجود العسكري فرنسا على الحفاظ على نفوذها السياسي في المنطقة؛ حيث كانت باريس تلعب دورًا رئيسيًا في صنع القرارات الأمنية والسياسية في العديد من الدول الأفريقية.
ثالثًا: أسباب الانسحاب الفرنسي من السنغال
يرجع الانسحاب الفرنسي من السنغال، أو تقليص الوجود العسكري الفرنسي في البلاد، إلى عدة أسباب مرتبطة بعوامل متعددة، بما في ذلك التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، والضغوط المحلية في السنغال، والتوجهات الاستراتيجية الجديدة لفرنسا في أفريقيا. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى إعادة تقييم الوجود العسكري الفرنسي في السنغال، وفيما يلي تفصيل لأبرز الأسباب:[13]
- الضغوط المحلية والمطالبات بالسيادة: في السنوات الأخيرة، شهدت السنغال تصاعدًا في المطالبات الشعبية بتقليل الاعتماد على فرنسا، خاصة في المجال العسكري. العديد من السنغاليين، وخاصة الشباب، يرون أن الوجود العسكري الفرنسي يُذكِّرهم بفترة الاستعمار ويُقلل من سيادة البلاد. في عام 2022، خرجت مظاهرات كبيرة في داكار، شارك فيها آلاف الشباب، مطالبين بإنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا. هذه المظاهرات كانت جزءًا من موجة أوسع من الاحتجاجات في غرب أفريقيا ضد الوجود العسكري الفرنسي، خاصة بعد الانقلاب في مالي وطرد القوات الفرنسية منها.
- التغيرات الجيوسياسية في المنطقة: شهدت منطقة الساحل تغيرات جيوسياسية كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الانقلاب العسكري في مالي عام 2021، والذي أدى إلى طرد القوات الفرنسية من البلاد. هذه التطورات أثرت في استراتيجية فرنسا في المنطقة؛ حيث بدأت باريس في إعادة تقييم وجودها العسكري في دول غرب أفريقيا، بما في ذلك السنغال، إضافة إلى ذلك، تزايد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة؛ حيث بدأت دول مثل مالي وبوركينا فاسو في التعاون مع مجموعة فاجنر الروسية، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على فرنسا. هذه التحولات دفعت فرنسا إلى إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية في المنطقة، بما في ذلك تقليص وجودها في السنغال.
- فشل استراتيجية مكافحة الإرهاب: على الرغم من الجهود الفرنسية الكبيرة في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، إلا أن النتائج كانت محدودة. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، زادت الهجمات الإرهابية في المنطقة بنسبة 50% بين عامي 2020 و2022، مما أثار تساؤلات حول فعالية الاستراتيجية الفرنسية، هذا الفشل أدى إلى انتقادات داخلية في فرنسا؛ حيث بدأ بعض السياسيين والمحللين يطالبون بإعادة تقييم الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا. في هذا السياق، بدأت فرنسا في تقليص قواتها في المنطقة، بما في ذلك السنغال، والتركيز على دعم القوات المحلية بدلاً من الوجود المباشر.[14]
- التوجهات الاستراتيجية الجديدة لفرنسا: تحت قيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، بدأت فرنسا في تبني استراتيجية جديدة في أفريقيا، تركز على تقليل الوجود العسكري المباشر وزيادة التعاون مع الحكومات المحلية. في عام 2023، أعلنت فرنسا عن خطة لتقليص قواتها في منطقة الساحل بنسبة 30%، بما في ذلك تقليل عدد الجنود في السنغال، هذه الاستراتيجية الجديدة تعكس رغبة فرنسا في تحويل دورها من قوة عسكرية مباشرة إلى شريك استراتيجي يدعم الحكومات المحلية في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن. في هذا الإطار، بدأت فرنسا في زيادة الدعم اللوجستي والتدريب للقوات السنغالية، مع تقليل وجودها المباشر على الأرض.
- التعاون مع شركاء جدد: بدأت السنغال في تنويع شراكاتها العسكرية، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على فرنسا. في السنوات الأخيرة، تعزز التعاون العسكري بين السنغال وتركيا، حيث وقَّعت الدولتان اتفاقيات لتوريد الأسلحة والتدريب العسكري. إضافة إلى ذلك، بدأت السنغال في التعاون مع الصين في مجال الأمن والدفاع، مما أدى إلى تغيير ديناميكيات العلاقات العسكرية في المنطقة، هذه التحولات دفعت فرنسا إلى إعادة تقييم دورها في السنغال، حيث أصبحت باريس أكثر حذرًا في تعاملها مع دولة تسعى إلى تنويع شراكاتها العسكرية.
في المستقبل، من المتوقع أن تستمر فرنسا في تقديم الدعم للسنغال من خلال التدريب العسكري، وتوفير المعدات، وتبادل الاستخبارات، ولكن مع تقليل وجودها المادي على الأرض. في المقابل، ستسعى السنغال إلى تنويع شراكاتها العسكرية مع لاعبين جدد مثل تركيا والصين، مما قد يُغير من ديناميكيات القوة في المنطقة. هذا التحول يُشير إلى أن العلاقات العسكرية الفرنسية السنغالية ستكون أقل اعتمادًا على الوجود المباشر، وأكثر تركيزًا على التعاون الاستراتيجي طويل الأمد، مع احترام السيادة الوطنية للسنغال وتطلعات شعبها نحو الاستقلال الكامل عن الإرث الاستعماري.
المحور الثالث: الانسحاب الفرنسي من ساحل العاج
أعلنت دولة ساحل العاج مطلع شهر يناير الجاري عن قرار مهم حول مستقبل العلاقات العسكرية مع فرنسا؛ حيث أكدت أن القوات الفرنسية، المتمركزة في الدولة منذ عقود، ستبدأ في الانسحاب من الأراضي الإيفوارية هذا الشهر. ويمثل هذا تحولًا آخر في الاتجاه المتنامي في مختلف أنحاء أفريقيا؛ حيث تشهد القوى الاستعمارية السابقة تقليصًا في وجودها العسكري، ويعد هذا القرار استمرارًا للانتكاسات التي تتعرض لها فرنسا في القارة الأفريقية؛ حيث أعلن الرئيس الإيفواري “الحسن واتارا” في بيان ألقاه على شعبه بمناسبة بداية العام الجديد أن بلاده قررت “الانسحاب المنسق والمنظم للقوات الفرنسية” من أراضيها؛ مشيرًا إلى أن القاعدة العسكرية الفرنسية في أبيدجان سيتم تسليمها لساحل العاج خلال هذا الشهر، كما سيتم تغيير اسمها لتصبح الجنرال “واتارا توماس داكوين”، وهو أول رئيس أركان للجيش الإيفواري، كما أكد أن قاعدة كتيبة مشاة البحرية الفرنسية (BIMA) سيتم تسليمها للجيش الإيفواري في أوائل عام 2025.
وخلال الفترة الماضية، احتفظت فرنسا بما يصل إلى 600 جندي في ساحل العاج، مما يؤكد الشراكة العسكرية الطويلة الأمد بين البلدين. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة هي جزء من نمط أوسع نطاقًا في غرب أفريقيا؛ حيث دعت العديد من البلدان إلى إبعاد الأفراد العسكريين الفرنسيين، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي في المنطقة؛ حيث تسعى العديد من الدول الأفريقية إلى إعادة تعريف علاقتها بالقوى الاستعمارية السابقة.[15]

أولًا المصالح الاقتصادية الفرنسية في ساحل العاج
تُعد ساحل العاج واحدة من أهم الدول الأفريقية التي تحظى باهتمام اقتصادي كبير من قبل فرنسا. يعود هذا الاهتمام إلى الروابط التاريخية العميقة التي جمعت بين البلدين منذ حقبة الاستعمار، إذ كانت ساحل العاج مستعمرة فرنسية حتى استقلالها عام 1960. ومع ذلك، استمر النفوذ الفرنسي في البلاد متجذرًا في المصالح الاقتصادية المتبادلة التي تجعل من فرنسا أحد الشركاء التجاريين والاستثماريين الرئيسيين في ساحل العاج. يناقش هذا المقال المصالح الاقتصادية الفرنسية في ساحل العاج، مع التركيز على القطاعات الرئيسية، وأدوات النفوذ الفرنسي، والآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذا النفوذ؛ حيث استمرت فرنسا في التأثير على الاقتصاد من خلال اتفاقيات تجارية واستثمارية حافظت على نفوذها الاقتصادي والسياسي، كما أن أبرز هذه الاتفاقيات كان استمرار استخدام الفرنك الأفريقي (CFA) كعملة مرتبطة بالفرنك الفرنسي، والذي أصبح مرتبطًا باليورو لاحقًا، ما يضمن لفرنسا تحكمًا كبيرًا في السياسات النقدية والمالية لدول غرب أفريقيا، بما فيها ساحل العاج. [16]
القطاعات الرئيسية للمصالح الاقتصادية الفرنسية في ساحل العاج
- القطاع الزراعي والموارد الطبيعية: حيث تعتبر ساحل العاج من أكبر منتجي الكاكاو في العالم، ويُشكل الكاكاو أكثر من 40% من صادرات البلاد؛ حيث تسيطر الشركات الفرنسية على جزء كبير من هذا القطاع، كما تبرز شركات مثل (Cargill) وكذلك (Barry Callebaut) الفرنسية العملاقة في تجارة وتصدير الكاكاو، مع تركيز على تكرير المواد الخام في فرنسا بدلًا من تطوير الصناعات التحويلية محليًا، كما يشمل النفوذ الفرنسي أيضًا إنتاج القهوة والمطاط والنخيل، حيث يتم تصدير معظم هذه المنتجات إلى الأسواق الأوروبية والفرنسية تحديدًا، كما تشارك الشركات الفرنسية في استغلال محاصيل زراعية أخرى مثل البن والمطاط وزيت النخيل. ورغم وفرة هذه الموارد، إلا أن السيطرة الفرنسية على خطوط الإنتاج والتوزيع تعني أن القيمة المضافة الحقيقية تُخلق في فرنسا، بينما يظل الاقتصاد الإيفواري معتمدًا على تصدير المواد الخام دون تطوير حقيقي للقدرات الصناعية المحلية. [17]
- قطاع الطاقة والموارد المعدنية: وتمتلك الشركات الفرنسية مثل (TotalEnergies) وكذلك (EDF) التي مثلت حضورًا بارزًا في قطاع الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، وتُسهم فرنسا بشكل مباشر في تطوير البنية التحتية للطاقة، بما يشمل مشروعات محطات الكهرباء والطاقة المتجددة، كما تهيمن الشركات الفرنسية على استغلال الموارد المعدنية، مثل الذهب والبوكسيت، عبر عقود امتياز طويلة الأجل، وعلاوة على ذلك، تتحكم فرنسا في استغلال الموارد المعدنية مثل الذهب والبوكسيت من خلال شركات تعدين فرنسية، ما يمنحها نفوذًا مباشرًا في هذا القطاع الحيوي. ورغم غنى البلاد بهذه الموارد، إلا أن معظم العائدات تُستخرج لصالح الشركات الأجنبية، مع بقاء نسبة محدودة لصالح الاقتصاد المحلي.
- القطاع المصرفي والسيطرة المالية: من أهم أدوات الهيمنة الاقتصادية الفرنسية في ساحل العاج هو الفرنك الأفريقي (CFA)، وهو عملة مرتبطة مباشرة باليورو وتخضع للرقابة الفرنسية من خلال البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، وتتحكم البنوك الفرنسية الكبرى مثل (Société Générale) وكذلك (BNP Paribas) في جزء كبير من النظام المالي في ساحل العاج، مما يسمح لفرنسا بتحديد السياسات النقدية والتحكم في تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات؛ حيث إن هذا النظام النقدي يجعل ساحل العاج معتمدة على فرنسا في استقرارها الاقتصادي، ويمنعها من تبني سياسات نقدية مستقلة تتلاءم مع احتياجاتها التنموية. [18]
- قطاع البنية التحتية والإنشاءات: استثمرت فرنسا بشكل كبير في مشروعات البنية التحتية الاستراتيجية في ساحل العاج؛ حيث تُسيطر شركات مثل (Vinci Construction) وكذلك (Bouygues) على عقود تنفيذ مشروعات كبرى مثل:
- إنشاء قاعدة عمليات متقدمة فرنسية في عام 2015 في إطار شراكة دفاعية بين الدولتين، وعلى مدى السنوات الـ 13 السابقة، تم نشر ما لا يقل عن 950 جنديًا كجزء من عملية ليكورن، وهي قوة حفظ سلام فرنسية تم إنشاؤها في أعقاب الحرب الأهلية عام 2002.[19]
- تطوير ميناء أبيدجان، وهو أحد أهم الموانئ التجارية في غرب أفريقيا.
- بناء الطرق والجسور والمطارات التي تمولها مؤسسات تمويل فرنسية بشروط تفضيلية تستفيد منها الشركات الفرنسية.
ورغم أهمية هذه المشروعات في تعزيز الاقتصاد المحلي، إلا أن معظم عقود البناء والتنفيذ تبقى محصورة بالشركات الفرنسية، مما يُقلل من فرص تطوير قطاع البناء المحلي ويُرسخ الاعتماد على الخبرات الخارجية.
- التجارة والاستثمارات المباشرة: فرنسا هي الشريك التجاري الأكبر لساحل العاج؛ حيث تشكل الصادرات إلى فرنسا نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات الإيفوارية. تشمل هذه الصادرات الكاكاو، البن، والمطاط، بينما تستورد ساحل العاج المنتجات المصنعة والمعدات التكنولوجية من فرنسا، من جهة أخرى، تهيمن الشركات الفرنسية متعددة الجنسيات على العديد من القطاعات، بما في ذلك الاتصالات، والخدمات اللوجستية، ما يُعزز من سيطرة فرنسا على الاقتصاد الإيفواري من خلال احتكار الأسواق الرئيسية.
- الاستثمار في التعليم والثقافة كأداة للنفوذ الاقتصادي: تُدرك فرنسا أن الهيمنة الاقتصادية تتطلب أيضًا نفوذًا ثقافيًا وتعليميًا، ولهذا تستثمر بكثافة في المؤسسات التعليمية والثقافية في ساحل العاج. المدارس والمعاهد التي تعتمد المناهج الفرنسية تلعب دورًا في تشكيل النخبة السياسية والاقتصادية، مما يضمن بقاء الثقافة الفرنسية واللغة أداة رئيسية في العلاقات الاقتصادية والسياسية.
- الهيمنة السياسية لتحقيق المصالح الاقتصادية: رغم أن المقال يركز على الجانب الاقتصادي، إلا أن العلاقة السياسية الوثيقة بين فرنسا وساحل العاج لا يمكن فصلها عن المصالح الاقتصادية. دعمت فرنسا أنظمة سياسية متعاقبة في ساحل العاج حافظت على العلاقات الاقتصادية التفضيلية مع باريس، مثل دعمها للرئيس “الحسن واتارا”، هذا الدعم السياسي يتجسد في شكل اتفاقيات تجارية تفضيلية واستمرار الحماية العسكرية الفرنسية من خلال قواعد مثل قاعدة “بورت بوييه” في أبيدجان، ما يضمن استمرارية النفوذ الاقتصادي الفرنسي.
ثانيًا: التواجد العسكري الفرنسي في ساحل العاج
يشكل الوجود العسكري الفرنسي في ساحل العاج أحد أبرز ملامح النفوذ الفرنسي المستمر في غرب أفريقيا؛ حيث يعود هذا الوجود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، واستمر بعد استقلال البلاد عام 1960. ورغم الانفصال السياسي الرسمي، إلا أن فرنسا حافظت على وجود عسكري دائم في البلاد من خلال اتفاقيات دفاعية ووجود قواعد عسكرية، ما جعلها لاعبًا رئيسيًا في الأمن الإقليمي والسياسات الجيوسياسية في غرب أفريقيا، هذا وبدأ التواجد العسكري الفرنسي في ساحل العاج خلال الحقبة الاستعمارية؛ حيث استخدمت فرنسا القوة العسكرية لفرض سيطرتها على الإقليم ضمن استراتيجيتها الاستعمارية الواسعة في غرب أفريقيا، وبعد استقلال البلاد عام 1960، أبرمت فرنسا مع ساحل العاج اتفاقيات دفاعية ثنائية، عُرفت باتفاقيات التعاون العسكري، والتي تضمنت:[20]
- السماح لفرنسا بالاحتفاظ بقواعد عسكرية على الأراضي الإيفوارية.
- تقديم التدريب والمساعدات العسكرية للقوات المسلحة الإيفوارية.
- ضمان تدخل عسكري فرنسي مباشر في حال تعرض النظام الحاكم للخطر.
كما أن أبرز هذه القواعد هي قاعدة “بورت بوييه” بالقرب من العاصمة الاقتصادية أبيدجان، والتي أصبحت مركزًا رئيسيًا للعمليات العسكرية الفرنسية في المنطقة.
ثالثًا: أسباب الوجود العسكري الفرنسي في ساحل العاج
تعددت الأسباب وراء سعي فرنسا تعزيز مصالحها العسكرية داخل ساحل العاج لعدة أسباب، منها ما هو معلن، ومنها ما هو خفي، وفيما يتعلق بالأسباب المعلنة، فهي:
- حفظ الأمن والاستقرار: تؤكد فرنسا أن وجودها العسكري يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية الدول الأفريقية من الحركات المسلحة والإرهاب.
- مكافحة الإرهاب: الوجود الفرنسي يأتي ضمن الجهود الإقليمية لمحاربة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة في المغرب الإسلامي وجماعة بوكو حرام.
- الدعم اللوجستي والتدريب: يتم تقديم الدعم للقوات الإيفوارية عبر التدريب والمساعدات العسكرية.
أما الأسباب غير المعلنة، فتتمثل فيما يلي:
- حماية المصالح الاقتصادية: يتمثل أحد الدوافع الرئيسية في حماية المصالح الاقتصادية الفرنسية، خاصة في قطاعات الموارد الطبيعية والبنية التحتية.
- النفوذ الجيوسياسي: يتيح التواجد العسكري لفرنسا الحفاظ على نفوذها في غرب أفريقيا ومواجهة النفوذ المتزايد لقوى أخرى مثل الصين وروسيا.
- تأمين الأنظمة الحليفة: التدخل العسكري الفرنسي في أوقات الأزمات، مثل أزمة 2010-2011، أكد دور فرنسا كحامٍ للنخب السياسية المتحالفة معها.
رابعًا: طبيعة الوجود العسكري الفرنسي في ساحل العاج[21]
القواعد العسكرية
- قاعدة بورت بوييه: تُعد القاعدة الرئيسية، وتضم وحدات من القوات الخاصة والدعم اللوجستي والطيران العسكري.
- تستخدم هذه القاعدة كنقطة انطلاق للعمليات العسكرية في غرب أفريقيا، بما في ذلك عمليات في مالي وبوركينا فاسو.
العمليات العسكرية:
- عملية ليكورن (Opération Licorne): بدأت هذه العملية عام 2002 خلال الحرب الأهلية في ساحل العاج؛ حيث تدخلت فرنسا لدعم النظام الحاكم ضد المتمردين الشماليين.
- دعم عمليات مكافحة الإرهاب: تشارك القوات الفرنسية في عمليات إقليمية مثل “عملية برخان” في منطقة الساحل الأفريقي.
- التدريب والمساعدات العسكرية، وتقدم فرنسا برامج تدريبية للقوات المسلحة الإيفوارية لتعزيز قدراتها في مواجهة التهديدات الأمنية.
خامسًا: تداعيات انسحاب القوات الفرنسية من ساحل العاج
يمثل الخروج الفرنسي من ساحل العاج انتكاسه كبيرة لباريس، لا سيما في ظل تراجع مكانتها ووجودها الأفريقي مؤخرًا؛ حيث يأتي هذا القرار في سياق إعادة تقييم الوجود العسكري الفرنسي في القارة، بعد انسحابات مماثلة من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ومن المرجح أن يحمل تداعيات استراتيجية وأمنية واقتصادية مهمة على ساحل العاج والمنطقة الأفريقية ككل، ولعل أبرز تداعيات الخروج الفرنسي ما يلي:
- التداعيات الأمنية والعسكرية: الانسحاب الفرنسي قد يترك فراغًا أمنيًا في ساحل العاج، خاصة مع تزايد تهديدات الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا، مثل تنظيمي القاعدة وداعش. القوات الفرنسية كانت تلعب دورًا حاسمًا في تدريب القوات المحلية وتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي، من المرجح أن تضطر الحكومة الإيفوارية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية من خلال الاستثمار في المعدات العسكرية وزيادة تدريبات الجيش. ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا حول ما إذا كانت القوات الإيفوارية تمتلك الجاهزية الكاملة لمواجهة التحديات الأمنية بمفردها.
- التأثير على العلاقات الثنائية: الوجود العسكري الفرنسي كان جزءًا من علاقة تاريخية بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، ويعد الانسحاب العسكري مؤشرًا على تحول محتمل في تلك العلاقات. قد يتأثر التعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين؛ حيث إن القوات الفرنسية لم تكن فقط لحماية الأمن، بل لعبت دورًا في تأمين المصالح الاقتصادية والاستثمارات الفرنسية في البلاد، من جهة أخرى، يمكن أن يؤدي الانسحاب إلى تعزيز الشعور بالسيادة الوطنية لدى الشعب الإيفواري، خاصة مع تصاعد النزعات المناهضة للوجود الأجنبي في أفريقيا.[22]
- التأثيرات الاقتصادية: ساحل العاج تُعتبر من أسرع الاقتصادات نموًا في غرب أفريقيا، ويعتمد جزء كبير من اقتصادها على الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك الشركات الفرنسية الكبرى في مجالات الطاقة والبنية التحتية والزراعة. قد يؤدي الانسحاب إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب، خاصة إذا ترافق مع تدهور أمني، في المقابل، قد تسعى ساحل العاج إلى تنويع شركائها الاقتصاديين عبر توسيع علاقاتها مع قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا، مما قد يفتح آفاقًا جديدة ولكن بتحديات مختلفة.
- التأثير الإقليمي: الانسحاب الفرنسي يأتي في سياق تراجع نفوذ فرنسا في غرب أفريقيا بشكل عام، وهو ما قد يفتح الباب أمام قوى دولية أخرى للتدخل. روسيا، على سبيل المثال، أبدت اهتمامًا متزايدًا بتوسيع نفوذها في أفريقيا من خلال شركات أمنية خاصة مثل مجموعة الأمن الروسية الخاصة “فاجنر”، على المستوى الإقليمي، قد يساهم الانسحاب في تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية نفسها في المجال الأمني، مثل تفعيل دور قوة “الإيكواس” بشكل أكبر. ومع ذلك، يظل غياب الدعم اللوجستي الفرنسي عقبة أمام تحقيق استقرار شامل.
سادسًا: تنامي دعوات الخروج الغربي من أفريقيا
القرار يأتي بعد تصاعد مطالب شعبية بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، مدفوعًا بإحساس متزايد بالسيادة الوطنية والرغبة في التخلص من الإرث الاستعماري. ومع ذلك، فإن الرأي العام منقسم بين من يرى الانسحاب خطوة إيجابية تعزز استقلالية البلاد، وبين من يخشى من انعكاسات أمنية سلبية، ومن المرجح أن يعزز ذلك وجود بعض الدول الكبرى الأخرى، مثل الصين وروسيا، لاستغلال حالة الفراغ التي قد تتركها فرنسا في المنطقة.[23]
وفي هذا السياق، يمكن القول إن الخروج الفرنسي من دولة ساحل العاج في هذا التوقيت قد يضع الدولة الأفريقية أمام جملة من التحديات الكبرى، ولعل أبرز هذه التحديات، ما يلي:
- تعزيز القدرات العسكرية المحلية: يحتاج الجيش الإيفواري إلى تطوير معداته وزيادة تدريباته.
- ضرورة المضي نحو استمرار الاستقرار الاقتصادي: يجب العمل على طمأنة المستثمرين وضمان استمرار تدفق الاستثمارات.
- العمل على تنويع الشراكات الدولية: يمكن أن يكون الانسحاب فرصة لتنويع العلاقات الدولية والانفتاح على قوى اقتصادية وسياسية جديدة.
المحور الرابع: تأثير الانسحاب الفرنسي على تنامي الإرهاب
الانسحاب الفرنسي يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومات المحلية قادرة على ملء الفراغ الأمني الذي ستخلفه القوات الفرنسية. كانت باريس توفر دعمًا استخباراتيًا ولوجستيًا وتدريبًا عسكريًا عالي المستوى للجيوش المحلية. وبالتالي، فإن غياب هذا الدعم قد يؤدي إلى خلق فراغ أمني محتمل؛ فقد تستغل الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى قد تستغل الفراغ الأمني لشن المزيد من الهجمات مع انخفاض مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الدول في غياب المظلة الفرنسية، وقد يدفع ذلك إلى تزايد الهجمات الإرهابية، فقد تواجه الجيوش المحلية صعوبات في التصدي لتهديدات معقدة ومتعددة الجبهات.[24]
كما تظهر معاناة الدولة من ضعف البنية الأمنية المحلية؛ حيث إنه رغم الجهود المبذولة لتحديث الجيوش الوطنية، إلا أن بعضها يفتقر للتجهيزات والخبرات اللازمة لمواجهة الجماعات المسلحة، وقد تحتاج هذه الدول وقتًا طويلاً لبناء قدرات مستقلة تمكنها من التعامل مع هذه التحديات.
وختامًا، شهدت السنوات الأخيرة تحولاً كبيرًا في الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا، حيث أعلنت عدة دول، مثل ساحل العاج وتشاد والسنغال، عن إنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها بحلول عام 2025. جاءت هذه الخطوات في إطار موجة من الاستياء الشعبي والرسمي تجاه الوجود الفرنسي، خاصة بعد انسحاب فرنسا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر بسبب تغير الأنظمة الحاكمة واتجاهها نحو تقليل الاعتماد على فرنسا. هذه التطورات دفعت فرنسا إلى إعادة صياغة استراتيجيتها العسكرية في القارة، حيث أعلنت عن إنشاء قيادة عسكرية جديدة لأفريقيا (CPA) تهدف إلى تعزيز الشراكات الأمنية مع الدول الأفريقية، بما في ذلك الدول الناطقة بالإنجليزية مثل غانا ونيجيريا، مع تقليل وجودها العسكري المباشر في دول مثل تشاد والسنغال.
في المقابل، تحتفظ فرنسا بوجودها العسكري في جيبوتي والجابون؛ حيث تعتبر هذه القواعد ذات أهمية استراتيجية كبيرة لدعم عملياتها في المنطقة. كما تسعى فرنسا إلى تحويل قواعدها العسكرية إلى أكاديميات تدريبية وإدارتها بشكل مشترك مع الدول الشريكة. هذه التحولات تعكس رغبة فرنسا في الحفاظ على نفوذها في أفريقيا مع التكيف مع التغيرات الجيوسياسية والضغوط المحلية، مما يضعها أمام تحديات كبيرة في إعادة تشكيل حضورها العسكري في القارة.
[1] تشاد تلغي اتفاقيات تعاون أمني ودفاعي مع فرنسا وسط تراجع علاقات باريس مع دول أفريقية، فرانس 24. https://2u.pw/XBHIMoyS
[2] Ivory Coast begins withdrawal of French troops in January 2025, ibid.
[3] تشاد تعلن إلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي مع فرنسا، روسيا اليوم. https://shorturl.at/NBqTC
[4] صلاح خليل، تعزيز المصالح المتبادلة: ما وراء زيارة الرئيس التشادي لفرنسا؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية. https://ecss.com.eg/32891/
[5] تعزيز المصالح المتبادلة: ما وراء زيارة الرئيس التشادي لفرنسا؟، المرجع السابق.
[6] فاروق حسين، الوجود الفرنسي في أفريقيا وأبعاد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة، مركز الأفارقة للدراسات والاستشارات. https://shorturl.at/MwsYC
[7] Senegal to close foreign military bases, cuts ties to ex-colonial power France, Associated Press, 27 December2024. https://www.voanews.com/a/senegal-to-close-foreign-military-bases-cuts-ties-to-ex-colonial-power-france/7916172.html
[8] Senegal to close foreign military bases, cuts ties to ex-colonial power France, IBID.
[9] French official development assistance in figures, French Foreign Policy – Development Assistance. https://www.diplomatie.gouv.fr/en/french-foreign-policy/development-assistance/french-official-development/
[10] Au Tchad et au Sénégal, l’armée française poussée vers la sortie. https://www.liberation.fr/international/afrique/au-tchad-et-au-senegal-larmee-francaise-poussee-vers-la-sortie-20241129_2BMNNRG42FBE7IATSDCZ4H3QWE/
[11] DECRYPTAGE. Pourquoi le Sénégal demande le départ des militaires français de son territoire. https://www.ladepeche.fr/2024/11/29/decryptage-pourquoi-le-senegal-demande-le-depart-des-militaires-francais-de-son-territoire-12354933.php
[12] Why France should close its permanent military bases in Africa, European Council on Foreign Relations, https://ecfr.eu/article/why-france-should-close-its-permanent-military-bases-in-africa/
[13] Why France should close its permanent military bases in Africa, ibid.
[14] Why does France have military bases in Africa?, BBC. https://www.bbc.com/news/world-africa-67278027
[15] Ivory Coast begins withdrawal of French troops in January 2025, Africa News. https://www.africanews.com/2025/01/02/ivory-coast-begins-withdrawal-of-french-troops-in-january-2025/
[16] France and Côte d’Ivoire, https://www.diplomatie.gouv.fr/en/country-files/cote-d-ivoire/france-and-cote-d-ivoire-65124/
[17] France vows to remain Ivory Coast’s top economic partner, https://www.france24.com/en/20110715-france-vows-remain-ivory-coast-top-economic-partner-fillon-ouattara-meet
[18] France vows to remain Ivory Coast’s top economic partner, ibid.
[19] Why does France have military bases in Africa?, ibid.
[20] Keshav R. Prabhu-Schlosser, Postcolonial Exploitation thr ostcolonial Exploitation through Economic De conomic Development T elopment Tools: a ools: a Case Study on France and the Ivory Coast. https://digitalcommons.bard.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1270&context=senproj_s2019
[21] Postcolonial Exploitation thr ostcolonial Exploitation through Economic De conomic Development T elopment Tools: a ools: a Case Study on France and the Ivory Coast, ibid.
[22] Postcolonial Exploitation thr ostcolonial Exploitation through Economic De conomic Development T elopment Tools: a ools: a Case Study on France and the Ivory Coastm ibid.
[23] فاروق حسين، الوجود الفرنسي في أفريقيا وأبعاد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة، مركز الأفارقة للدراسات والاستشارات. https://shorturl.at/MwsYC
[24] الوجود الفرنسي في أفريقيا وأبعاد زيارة الرئيس “ماكرون” الأخيرة، مرجع سابق.